الخميس، ٧ أكتوبر ٢٠١٠

مقارنة الأديان فنا شعبيا


أبو إسلام أحمد عبد الله، الأب الروحي للعديد من الشباب الناشطين في ساحات الجدل الديني

الجدل الديني المصاحب لحالات التحول من المسيحية إلى الإسلام أو العكس ليس وليد لحظات كونها قضية رأي عام لبضعة أسابيع، ولكن البعض يتخذه مجالا أساسيا لنشاطه متطوعا، فردا أو عبر مراكز وأكاديميات، تهدف لتخريج أجيال يواصلون خوض مواجهات "التنصير" و"الأسلمة" الساخنة على الدوام، في دائرة الضوة أو تحت السطح.

في التاكسي الذي استقله الشاب عبد الكريم عمار كان بانتظاره سائق مسيحي، فيما يبدو ضليع في مجال مقارنة الأديان، أو بدا كذلك بالنسبة لعبد الكريم الذي سمع كلاما جديدا تماما عليه. فقد بدأ السائق يحدثه عن الإسلام مشككا وعن المسيحية مرغبا. عبد الكريم الشاب السلفي الملتزم الذي يتلقى دروسا في العلوم الشرعية التقليدية من قرآن وحديث وفقه لم يتمكن من الرد عليه.
"قلت يا نهار أسود!” يعبر عبد الكريم عن صدمته آنذاك، لقد واجه لأول مرة شيئا من "التنصير" الذي يقول أنه طالما سمع عنه. ولكنه عن طريق معارفه سمع أيضا عن "الأكاديمية الإسلامية لدراسات الأديان والمذاهب" التابعة لـ"مركز التنوير الإسلامي" الذي أسسه ويديره الكاتب والداعية أبو إسلام أحمد عبد الله. تقدم الأكاديمية دورات تثقيفية يدرس فيها الطلاب مواد تتعلق بمقارنة الأديان وبالتحديد "نقد المسيحية والرد عليها" بغرض "مواجهة التنصير".
تلقى عبد الكريم الدورة التي تستغرق 50 ساعة على مدار شهرين تقريبا وظل على صلة بالمركز لفترة قبل أن يصبح أحد المحاضرين في هذه الدورات وأحد النشطين المتطوعين في خدمة المركز، حتى أنه لا يجد غضاضة في تقديم الشاي أحيانا لأبي إسلام في المركز.
يتلقى أبو إسلام أحمد عبد الله كوب الشاي من يد عبد الكريم ممتنا. يلتفت مبتسما: "والله لو خيرت أن أفقد إسلام أبني أو أفقد واحد من أبناء المركز، أختار أن أفقد ابني. لقد تخرج من دورات المركز إلى الآن 600 دارس ودارسة، على الأقل 100 منهم الآن نجوم في مواجهة التنصير على الإنترنت وغيره. أسُود !".
أسس أبو إسلام مركز التنوير الإسلامي عام 1997، لكي تكون منطلقا لمشروع دعا إليه تحت اسم "حتمية العودة والمواجهة". وكان مشروعه ردا على حملة شنتها الدولة في التسعينات لمواجهة "الإرهاب والفكر المتطرف" وأصدرت سلسلة كتب رخيصة تحت عنوان "المواجهة" و "التنوير" وأسس فرج فودة "جمعية التنوير". يقول أبو إسلام أنه حاول إقناع عدد من الدعاة المسلمين وقتها بالاشتراك في سلسلة مضادة تحت عنوان "حتمية العودة" ولكنهم تخاذلوا على حد تعبيره.
يقول أبو إسلام أن تركيز نشاط المركز فيما بعد على "مواجهة التنصير" كان بهدف التميز ﻷن هناك كثيرون كتبوا وتكلموا في مواجهة العلمانية والماسونية واليهودية، والكتابة في مواجهتهم نشاط قديم لأبي إسلام، بينما يرى أن "التنصير" يحدث على قدم وساق وهويكاد يصرخ في مؤلفاته محذرا منه.
يحكي أبو إسلام و تلاميذه قصصا متعددة عن سائقي التاكسي الذين يبشرون بالمسيحية وينتقدون الإسلام وعن المطويات التنصيرية التي يتم توزيعها في شوارع بعض الأحياء. قد يبدو هذا للبعض ممن لم يصادفوا مثل هذه المواقف من قبيل "اللي يخاف من العفريت يطلع له". ولكن الأكثر ظهورا هي الحوارات الكثيرة الهادئة أو العنيفة على منتديات الإنترنت بين شباب مسلمين ومسيحيين، بعضهم نذر نفسه وجعل هدفا لحياته الدفاع عن دينه والتشكيك في الدين الآخر.
في بعض مطبوعات الأكاديمية، التي تشبه ملخصات المناهج الدراسية ومراجعات ليلة الامتحان، اهتمام خاص بأسلوب الجدل والمناظرة وهناك نصائح وتعليمات خاصة بأسلوب الردود على منتديات الإنترنت أو المناظرة الصوتية في غرف البالتوك. أما المضمون الدراسي فيركز على الإلمام بالعقيدة المسيحية والتركيز على "نقاط الضعف" والمواضع المثيرة للجدل في الإنجيل التي ينبغي أن تثار، وفي المقابل هناك مناقشة لـ"الشبهات" المتوقعة التي يثيرها "الخصوم" بشأن الإسلام والقرآن والنبي محمد ويجب على تلاميذ الأكاديمية معرفة كيفية الرد المفحم عليها.

متخصصون ومتطوعون
يتنوع محاضرو الأكاديمية بين أساتذة متخصصين من الأزهر ومن شباب في العشرينات والثلاثينات من خريجي الأكاديمية النابهين الذين رأي فيهم أبو إسلام حضورا وحماسة. يتدخل عبد الرحمن سالم، الطبيب الشاب خريج الأكاديمية والمحاضر فيها الآن، ويقول أن علماء الأزهر الذين درسوا له يفتقدون للروح، وعندما كان يسألهم أثناء الدراسة عن استخدام المادة العلمية التي يدرسونها في الرد على المسيحيين كان بعضهم يقول له: تعلم المادة العلمية فقط للمعرفة ولا تجادل أحدا. بينما وجد عبد الرحمن في المحاضرين الذين يدرسون ويعملون بمجالات أخرى حماسة واهتمام أكثر، فهم أصبحوا محاضرين بعدما درسوا في الأكاديمية أو اهتموا بمجال "الدفاع عن الإسلام" بدافع شخصي وليس بغرض الحصول على "شهادة دراسية" أو لقمة عيش.
يهز أبو إسلام رأسه أسفا من أن معظم علماء الأزهر المتخصصين كانوا يصرون على تقاضي أجرا مقابل التدريس بينما يتطوع كل المحاضرين غير المتخصصين، ويضيف: ”ولكن هذا مرتبط بتخاذل المؤسسة الدينية الرسمية من الأساس ولابد أن نتاجها سيكون متخاذلا وضعيفا. ولكن بحمد الله هناك معيدين بجامعة الأزهر جاءوا ودرسوا في الأكاديمية لحاجتهم إلى نوع العلوم الذي نقدمه".
الانتقاد الذي يوجه لهؤلاء الشباب من علماء الأزهر أن الجدل بين الأديان يجب ألا يترك لعوام الناس لأنه مثير للمشاعر ويندر أن ينضبط الحوار في مسائل العقيدة المعقدة والدقيقة. يعلق أبو إسلام أن ذلك ربما يكون صحيحا في المطلق، ولكن عندما يكون هناك "صراع" بين الأديان وهجوم على الإسلام يجب على كل مسلم أن يدافع. ويضيف: "ما نفعله على العكس يعصم الشباب العادي من الهياج والرد العنيف. فعندما تفتقر إلى المعرفة بدينك ودين الآخر ستثور مشاعرك عندما يهان دنيك فترد بيدك. لكن لو لديك المعرفة سترد بالحجة بدلا من ذلك".
ولكن ذلك لا يمنع من كثير من الشدة والعنف اللفظي، اللذين تحفل بهم مقالات أبي سلام وأحاديثه: "أنا أصطنع الشدة صناعة. هناك75 مليون مسلم يسكتون أو يتعاملون بلين مع المسيحيين. لا ضير في واحد أو اثنين يرد بغلظة. الحكمة تقتضي أحيانا أن تضرب بالجزمة من يستحق ذلك. وأن ترد بقلة أدب على قليل الأدب. أنا مثلا أقول دائما أن القس زكريا بطرس - الذي ينتقد الإسلام في برامجه على فضائية الحياة - هو كلب المسيحية. نعم، وأنا في المقابل كلب الإسلام!".

ورغم أنه يدافع عما يقوم به المركز بدافع من حرية التعبير متسائلا: ألا يدعو الشيوعيون إلى أفكارهم في حرية؟ إلا أنه يشتط غضبا عندما يقال أمامه أن من حق المسيحيين الدعوة لدينهم مثلما يدعو المسلمون فيقول: “لا، الأمر مختلف. للبيت أب، وهناك كبير وصغير، وأغلبية وأقلية. حرية المسيحيين في الدعوة لدينهم همجية وليست حرية، وليس في مصلحة المسيحيين أن يدخلوا معركة التنصير والأسلمة. الحسبة بسيطة: لو أن 5 مليون مسيحي عملوا كلهم في التنصير سينصرون 5 مليون مسلم على الأكثر، بينما لو 10 مليون مسلم فقط اشتغلوا بالأسلمة سينتهي وجود مسيحيي مصر بمن نصروهم!".
لحسن الحظ أن الملايين لم يدخلوا بعد "اللعبة البسيطة" التي يحكي عنها أبو إسلام، ولكن أعداد كبيرة من الشباب وجدت إثارة كبيرة في لعبة الشد والجذب هذه منذ السبعينات. عندما اشتهر الشيخ أحمد ديدات، الهندي الأصل، بكتبه الناقدة للمسيحية ومناظراته مع القساوسة. واًصبحت كتبه وفيديوهات مناظراته ومناظرات أخرى وشرائط كاسيت لقساوسة أسلموا تباع أمام أبواب المساجد وعلى الأرصفة.
يؤكد أبو إسلام أنه يتبنى خط الشيخ ديدات، مؤكدا أنه أول من اتخذ مواجهة التنصير مجالا أساسيا في مصر : "وعندما وصلت للأربعين فكرت في بداية دورات الأكاديمية لتخريج جيل يكمل المسير. الهدف أن نستنسخ العديد من أبي إسلام في هذا المجال".
ويبدو إن إيقاع المواجهة يتسارع، ولذلك بدأت الأكاديمية من فترة في الإعلان عن دورات اليوم الواحد، 8 ساعات من المحاضرات التي تزود المسلم بالحد الأدنى الذي يحتاجه لكي يخوض جدلا عقائديا دفاعا عن دينه ومهاجما محاولات التنصير.
ينتشي أبو إسلام عندما يسمع التساؤل إن كان الشباب الذين يقودون حملة "تحرير كاميليا" ويدعون للتظاهر من أبناء المركز. ولكنه يبتسم ويقول:”وهل تظن أن سيل (المسلمات الجدد) وحملات الدفاع عنهن انطلقت من شباب يفتقدون لحد أدنى من التأهيل؟ ولكن أبناءنا نشطون بحرية. وعلاقتهم بالمركز تظل مجرد نصيحة، لأن المركز عمله يقتصر على التثقيف. ليس من الذكاء أن أتحمل مسئوليتهم أو يتحملوا مسئوليتي" يسكت ثم يضيف: "القبضة الأمنية الشديدة تمنعنا من أشياء عديدة. نحن أيضا لا يمكننا الإعلان عن حالات إسلام مسيحيين يكون فيها المركز سببا أو حالات تنصر مسلمين نكشفها. نتعرض لمضايقات عديدة ومتنوعة ولكن لا مجال للخوض فيها".
المركز مشهر كشركة مدنية، ويقول أبو إسلام أن ربح المطبوعات واشتراك الدورات يغطي تكاليفه بالكاد وربما يطلب من دارسي إحدى الدورات أن يساهموا في إيجار المركز الذي يحتل شقة في منطقة العباسية. ويؤكد أن المزيد من الإمكانات يحتاجه هذا المجال خاصة مجال الدفاع القانوني عن المسلمين الجدد ومتابعة احتياجاتهم المختلفة، وبعض هذه المهمات يؤديه تلاميذ وخريجي المركز تطوعا.

أبناء الأكاديمية
يأتي ذكر أحمد الجيزاوي المحامي، أحد خريجي المركز. فيحكي أبو إسلام كيف أنه كان "مرعوبا" في أول مرة ذهب مع مسيحي أشهر إسلامه ليساعده في الإجراءات، بينما الآن أصبح صاحب مركز مستقل. ولكن الشيخ أبو إسلام يبدي أسفه من أن الجيزاوي أصبح مطيعا للأمن وخرج عن خط المركز ونهجه.
مكتب المحاماة الخاص بأحمد الجيزاوي، الذي يبلغ من العمر 28 سنة، هو نفسه مقر مركز "نداء للحوار بين الأديان" الذي أشهره أيضا كشركة مدنية عام 2002 بعد تخرجه من أكاديمية مركز التنوير:"أنا ومعظم الشباب المهتمين بهذا المجال تلاميذ أبي إسلام وندين له بالفضل. هو أول من ابتدع هذا المجال في مصر، وهي بدعة حسنة". ولكنه يضيف أن أبا إسلام يصطدم بالأمن وهو ما يعوق نشاطه ويؤثر عليه، بينما يحاول هو في تجربته المستقلة الابتعاد عن ذلك.
يقول الجيزاوي:"المركز بالأساس مشروع شخصي لي وفريق المركز مجرد 3 أشخاص نعمل بالجهود الذاتية. كان اسمه (مركز نداء للمقارنة بين الأديان) ومهتم بالبحث النظري وتقديم مادة تفيد الشباب الذي يدافع عن الإسلام على الإنترنت. ولكننا فيما بعد حاولنا تجنب النشاط على الإنترنت لتجنب سلبياته. فمعظم الشباب المسلم والمسيحي يكتب ويناظر بأسماء مستعارة وتحدث مشاحنات وسوء تفاهم. ووجدنا أن المركز يجب أن يتوجه إلى العمل على الأرض".
يوضح الجيزاوي أن ذلك يعني الذهاب إلى من يسمعون بقيامه بالتبشير في منطقة ما لمناقشته ومناظرته، استقبال مسيحيين راغبين في الحوار أو الدخول في الإسلام. كما أنهم في فترة قاموا بإجراء لقاءات مستمرة مع قساوسة وشباب مسيحيين داخل كنائس قبطية وإنجيلية توجه الجيزاوي ورفاقه إليها لظنهم أنها تقوم بنشاط تبشيري.
يقول الجيزاوي:"هذه اللقاءات كانت مناظرات مغلقة واستمرت من 2004 إلى 2008 وتوقفت فجأة بعد اعتذار الكنائس عن الاستمرار في ذلك. ونحن أيضا ركزنا جهودنا على الحوار مع رجل الشارع وليس المناظرات المغلقة للخاصة".
يصدر مركز نداء أيضا بيانات ومطبوعات ومادة دورة على اسطوانة يهديها مجانا للشباب الراغب في الإلمام بالمعلومات الأساسية التي تساعده في الجدل حول الإسلام والمسيحية. إذا كانت مطبوعات مركز التنوير تشبه ملخصات دراسية مكتوبة بلغة مبسطة فإن مواد مركز نداء تشبه كراسة طالب، فهي مكتوبة بلغة بالغة الركاكة ومليئة بالأخطاء اللغوية الفادحة. وفي مدونة المركز على الإنترنت، التي يوجه الجيزاوي فيها دعوة إلى البابا شنودة لمناظرته شخصيا، هناك تعليقات من قراء تسخر من الأخطاء اللغوية العجيبة لمن يقومون بمقارنة الأديان.
يتخذ الجيزاوي نفس خط إبي إسلام الذي يمزج "مقارنة الأديان" بخطاب سياسي ضد الكنيسة المصرية وممارساتها والبابا شنودة وسياسته. يكرر بعض ما يقوله أبي إسلام من أن الحكمة تقتضي أحيانا بعض الشدة والحدة في الرد عندما تحدث إساءة. ولكن الجيزاوي يتخذ شكلا قانونيا في مناقشة بعض النقاط، فهو لا يري من حق المسيحيين الدعوة لدينهم لأن الشريعة الإسلامية تجرم الردة عن الإسلام، ولذلك فدعوة المسلمين إلى دين آخر هي دعوة تخالف القانون والدستور الذي يتخذ الشريعة الإسلامية مصدرا.
كقانوني ينشط الجيزاوي أيضا في حالات التحول إلى الإسلام فيقدم دعما قانونيا للمسلمين الجدد، وعن طريق علاقاته يحاول توفير دعم مادي أوغيره من باب الإنفاق على "المؤلفة قلوبهم" كما في بيانات المركز. يقول الجيزاوي أنه يتعرض أحيانا للاعتقال وأن ذلك حدث معه أثناء محاولته دعم وفاء قسطنطين، ويقول أنه مع زملاء من خريجي مركز التنوير كانوا آخر من رآوها في المستشفى قبل اختفاءها، ولكنه رغم ذلك يقول: "الأمن فقط يقلق من التناول الإعلامي وإثارة الضجة ولكن في الحقيقة هناك الكثير من الضباط يساندون المسلمين الجدد ويعرضون مساعدتهم إن تعرض إليهم أحد".
هناك تفاوت شديد بين الناشطين في مواجهات التنصير والأسلمة، بين تفهم موقف الأمن ثم اتهامه في مواقف أخرى بمحاباة الكنيسة ومساعدتها على خلق دولة داخل الدولة في مقابل التضييق على الإسلاميين.
يعلق أبو إسلام مبديا أسفه: "أحمد الجيزاوي ضاع منا. ولكن خريجي المركز وتلاميذي غير المعروفين والذين يتجنبون الظهور كثيرون بارك الله فيهم لهم صولات وجولات ويملأون قلب عدوهم غيظا بحمد الله".



لهجة الأب يوتا ومصيره

ميشيل ليس اسمه الحقيقي، ولا حتى اسمه المستعار الذي يخوض به الجدل في منتديات الإنترنت وغرف البالتوك التي رفض أيضا أن يظهر اسمها خوفا من التتبع الإلكتروني. الطبقات المتعددة من السرية والاسم المستعار ضروريون جدا بالنسبة لميشيل الذي يصف نفسه بأنه يرد بقوة وجرأة على افتراءات الشباب المسلم وتشكيكه في المسيحية بنقد الإسلام. يقول ميشيل: “الكل يعلم ماذا يحدث عندما ترد بالمثل وتنتقد الإسلام. عزازيل مؤلفها كاتب مرموق ومشهور رغم أنها أساءت لديننا. لكن عندما ردت رواية مماثلة على الإنترنت محدودة الانتشارهي (تيس عزازيل في مكة) وتحت اسم مستعار للمؤلف (الأب يوتا) تم اتهام هاني نظير المدون المسيحي بأنه هو الأب يوتا بناء على ظن مسلمين متشددين وتم اعتقاله 21 شهرا بدون حكم قضائي".
بعض الشباب المسيحي مثل ميشيل يرى أن لهجة الأب يوتا في الرواية، التي تضمنت في رأي البعض إهانة للنبي محمد وسخرية منه، هي مجرد رد بسيط على سيول من إهانة المسيحية وتشكيك المسيحيين في دينهم. يقول ميشيل:”مثلا أبو إسلام أحمد عبد الله ومركزه الشهير وتلاميذه يعملون في النور وأقصى أذى يتعرضون له أن يعتقل أحدهم يومين. هو يدعي أنه رد فعل وأنه يقاوم التنصير. وأنا أضحك من هذا الكلام. لقد هاجم الغزو العربي مصر وقام بأسلمتها بالقوة ونحن الذين نقاوم الأسلمة بدون أن نتمتع بحرية التبشير بديننا بينما وسائل الإعلام تصدعنا بخطاب ديني إسلامي ليل نهار".
الإنترنت أتاحت لميشيل وغيره مساحة لن يجدها في مكان آخر. بعض الكنائس ربما تعطي محاضرات تثقيف في العقيدة أو ردود على بعض الشبهات المثارة حول المسيحية أو تقارن بينها وبين الإسلام، ولكن بحسب ميشيل يتم ذلك في نطاق ضيق وتكون مشكلة كبيرة لو خرج إلى العلن ويطلب معظم القساوسة من الشباب عدم الدخول في جدل ديني مع مسلمين. يشكو ميشيل من أن معظم الشباب المسيحي يتحرك في ظل الكنيسة، والناشطين أو المدونين المسيحيين الذين يرفعون أصواتهم يواجهون مشكلات عديدة ويقعون بين سندان الكنيسة ومطرقة الأمن والمتشددين الإسلاميين على حد تعبيره.
الأصوات الأعلى والأكثر بروزا في الجانب المسيحي في مجال الجدل العقائدي تأتي من خارج مصر. الاسم الأشهر هو القس زكريا بطرس الذي يثير الجدل ببرامجه على قناة الحياة الفضائية. لدرجة أن بعض الشباب المسلم خصصوا قناة فيديو على يوتيوب فقط للرد أولا بأول على برامجه وسموها قناة "المخلص"، يحاضر فيها شباب متطوع بالصوت والصورة، يقومون بإعداد التسجيل في بيوتهم. ومعظهم يدرسون أو يعملون في تخصصات لا علاقة لها بمقارنة الأديان أو الدين عموما
بالمثل، ميشيل مهندس ولم يدرس بشكل مؤسسي علوم اللاهوت المسيحي أو مقارنة الأديان. ولكنه يقول أنه قرأ بشكل مكثف في الإسلام والمسيحية واستمع إلى عشرات المناظرات قبل أن يبدأ في خوض الجدل على الإنترنت مدافعا عن دينه. لا ينكر ميشيل أنه يتعمد أحيانا الاستفزاز في مقابل استفزاز الخصم ولهجته العنيفة: "لن نظل شهداء إلى الأبد. أو على الأقل سنقاوم قليلا قبل الاستشهاد !".
يضيف ميشيل: “عندما تكون هناك حرية حقيقة سنتمكن من إنشاء أكاديميات لمقارنة الأديان أيضا وسنكتب بأسماء حقيقة كتبا ونصور فيديوهات، عندما يتقبل المسلمون الانتقادات لدينهم مثلنا ويقبلون تحول أحدهم إلى المسيحية ويتركونه يعيش بحرية مثلما يدعوننا لتقبل إسلام المسيحيين، ساعتها يمكن أن أتحدث للصحافة باسمي الحقيقي بدون أن أخشى على حياتي".



إلجام العوام عن علم الكلام

في ديسمبر 2005، زار مجموعة من المدونين – بينهم كاتب هذه السطور- مقر مركز التنوير الإسلامي تضامنا مع أبي إسلام أحمد عبد الله بعد اعتقاله لفترة آنذاك على خلفية مقالات ساخنة كعادته كتبها ردا على القس زكريا بطرس ورأى فيها البعض إهانة لمسيحيي مصر جميعا. كتب بعض هؤلاء المدونين على مدوناتهم تضامنا معه رغم رفضه للهجته وأسلوبه ومضمون خطابه، ولكنهم أيضا أعلنوا أيضا تضامنهم مع المدون كريم عامر الذي اعتقل بسبب إساءته للإسلام – يقضي الآن عقوبة السجن خمس سنوات بسبب هذه التهمة بالإضافة لإهانة رئيس الجمهورية- رغم رفضهم لخطاب الكراهية والإهانة الذي بدر من عامر أيضا.
الجدل الديني الساخن ومقارنة الأديان التي تتضمن هجوما عنيفا وإهانات مبطنة، لا يعجب الكثيرين. وعادة ما يتم الإشارة إلى هذه الظاهرة كتنبيه لأهل الأمر، الدولة والأزهر والكنيسة، لكي يوقفوا هؤلاء عن ذلك.
ذلك ليس مطلوبا بالنسبة لكثيرين من أنصار حرية التعبير، التي قد تسمعنا أحيانا ما لا نحب. كما أن ذلك على أية حال لم يعد ممكنا ببساطة. في عصر المعلومات يد الرقابة لا تطال إلا الأشكال الرسمية في حدود، بينما الأشكال الشعبية للتعبير التي تحمل الأكثر سخونة وخطورة تظل بعيدا عن السيطرة الكاملة. والمواجهة الأمنية تزيد سخونة المواجهات وتمنح كل طرف صفة الشهيد المظلوم المقموع وتجعل الدولة تارة حليفة الإسلاميين المتشديين وتارة متخاذلة أمام تغول الكنيسة، وفق تعبيرات طرفي المعركة.
في القرن الخامس الهجري كتب أبو حامد الغزالي كتاب "إلجام العوام عن علم الكلام". وعلم الكلام هو علم الجدل العقائدي بين الأديان والمذاهب، ورغم أن المقصود بالعوام هنا مختلف في تفسيره إلا أن العنوان يحمل دلالة شائعة في الفكر الديني التقليدي الذي يدعو عامة الناس للابتعاد عن الجدل الديني لأنه مجال متخصصين، وطبعا لأن كل طرف يريد أن يبقى جمهوره مطمئنا بدون شكوك.
في عصر التدوين والشبكات الاجتماعية، تقل المسافة بين "العامة" و"النخبة المتخصصة" ولا يمكن الحديث الآن عن "إلجام العوام". يمكننا الحديث عن إيجابيات وسلبيات التعبير السهل والمفتوح للجميع، ولكن الصدمات الطائفية التي قد تنشأ عن بعض مساحات الجدل لا يمكن إرجاعها لحرية التعبير التي بقمعها نقمع كل حركة وإمكانية تغيير. الصدامات الطائفية تتغذي من شيوع رؤية ترى فيها "معركة حقيقة وضرورية ومقدسة". وبديلها أن يتمكن آخرون - عوام أومتخصصين – من تغيير مسار الجدل والتعبير إلى معارك وتحديات أخرى واحتلال أرض الصراعات الدينية برؤية أخرى غير طائفية مثلما يفعل دعاة التسامح والمواطنة ومناهضة التمييز الديني. عندها سيظل محبو المعارك الدينية يتمتعون بحرية ممارسة معاركهم المفضلة في نطاقها المحدود حتى تهدأ سخونتها تدريجيا بدلا من أن تزيد دماءهم وجروحهم كشهداء جاذبية معركتهم.


عبد الرحمن سالم وعبد الكريم عمار هي أسماء مستعارة لمحاضري المركز الذين فضلوا عدم ذكر أسماءهم الحقيقية.
نشر في "الشروق" الخميس 7 أكتوبر 2010
PDF


هناك ٥ تعليقات:

  1. ممتاز .. التغير في الأسلوب كما في الفقرة الأخيرة رغم كثافتها على القارىء العادي .. ذكرني ذلك بتدويناتك القديمة التي اشتقنا اليها

    ردحذف
  2. This gives you the assurance that the supplement is
    safe and of high quality. If you are going to lookup the Internet, you will be seeing a
    lot of critiques and testimonials pointing to
    Phen375 as the very best extra fat burner in the marketplace today.
    Also to finish everything off you may wish to
    start getting some sort of physical exercise.

    Here is my web-site - review phen375
    My website - phen375 results

    ردحذف
  3. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف