tag:blogger.com,1999:blog-55594391685599288212024-03-16T00:34:18.019-07:00عمرو عزتأشغال عامة .. أرشيف صحفيعمرو عزتhttp://www.blogger.com/profile/08927951113123256622noreply@blogger.comBlogger75125tag:blogger.com,1999:blog-5559439168559928821.post-53790971895326013622010-11-14T06:24:00.000-08:002010-11-14T23:21:50.928-08:00فك سحر التكنولوجيا الفائقة<a onblur="try {parent.deselectBloggerImageGracefully();} catch(e) {}" href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEigpUhO30t6IYP22-Y7E4ciP-LzRNJJhCgJCMGEeIuw6FW_Izzw7QZT-zGjukVTGleqNo9P1dZwwKkB5IfFXtMl659aC624e6MIz1ceI8qH_FXQfcV0AHjqmQDSXaAn5Z81BJaclPVxB0k/s1600/%25D9%2587%25D8%25B4%25D8%25A7%25D9%2585+%25D8%25B9%25D8%25A8%25D8%25AF+%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B9%25D8%25B2%25D9%258A%25D8%25B2.jpg"><img style="cursor: pointer; width: 400px; height: 241px;" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEigpUhO30t6IYP22-Y7E4ciP-LzRNJJhCgJCMGEeIuw6FW_Izzw7QZT-zGjukVTGleqNo9P1dZwwKkB5IfFXtMl659aC624e6MIz1ceI8qH_FXQfcV0AHjqmQDSXaAn5Z81BJaclPVxB0k/s400/%25D9%2587%25D8%25B4%25D8%25A7%25D9%2585+%25D8%25B9%25D8%25A8%25D8%25AF+%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B9%25D8%25B2%25D9%258A%25D8%25B2.jpg" alt="" id="BLOGGER_PHOTO_ID_5539561340531286690" border="0" /></a><br /><div style="text-align: right;"><span style="font-size:85%;">هشام عبد العزيز، من خبراء الصيانة في شارع عبد العزيز- تصوير: لبنى طارق</span><br /><br /></div><div dir="rtl" style="text-align: right;"><div style="text-align: justify;"><span style="font-weight: bold;">هناك عالم وسيط من التجار والخبراء الشعبيين يتشكل في منتصف المسافة بين قطاع واسع من الجمهور المستهلك للتكنولوجيا من جهة وبين منتجيها ومسوقيها وخبراء صيانتها من جهة أخرى. ذلك العالم ليس مجرد تقليد أو مستوى أقل من الجودة والخدمة بل يمثل صورة أخرى للحياة مع التكنولوجيا.</span><br /></div><br /><span class="fullpost"><span style="font-size:180%;"><span style="font-weight: bold;">لمسة شعبية</span></span><br />هناك سبب ما يدفع البعض إلى شراء موبايل من فاترينة في شارع عبد العزيز بدلا من شراءه من الفرع الأنيق للشركة الكبيرة لتسويق الأجهزة على بعد خطوات، وأيضا الذهاب إلى أسطى الصيانة في الدكان المجاور بدلا من مركز الصيانة المعتمد.<br />التكنولوجيا بالأساس أدوات للحياة ونمط استهلاكها أسلوب يعكس أمزجة واحتياجات مختلفة. البعض يفضل أن يشتري ويتلقى الخدمة هو يشعر ببعض الغموض والرهبة والتواضع أمام الكيان الكبير وأمام البائع الخبير الذي يستخدم الإنجليزية كلما أمكن ذلك والبعض يفضل أن يشتري من بائع أقرب إليه ينطق مثله أسماء الماركات والتقنيات مع بعض التحريف الشعبي المتفق عليه بينهما.<br />إنتاج واستهلاك المعرفة والتكنولوجيا ليس إلا نمطا من التواصل في رأي الفيلسوف الألماني هابرماس، يقوم على مشاركة طريقة التفكير والحياة.<br />من يشتري سماعات الموبايل الرخيصة من شارع عبد العزيز ليس مهتما بالنقاء البالغ الذي سيمكنه من الانتباه الدقيق إلى نبضات الكونترباص في مقطوعة كلاسيكية أو صوت البيز جيتار في أغنية روك. يرى جاك أيلول في "خدعة التكنولوجيا" أن المنافسة تدفع صناع التقنية إلى مستويات من الجودة قد لا نحتاجها جميعا. ولذلك كانت "النسخة هي مفتاح لغز الصين" كما يرى الناقد والتر بنيامين. عبر صناعة النسخة المقلدة يقف صانع آخر مبدع أيضا يمتلك معرفة أعمق بالأداة وهو ينسخها وفي الوقت نفسه يلبي مستوى آخر من الاحتياجات يعرفه جيدا، وفي النهاية كل إبداع فيه بعض المحاكاة مع لمسة من التغيير.<br />اللمسة السحرية للتكنولوجيا تغير من طريقة حياتنا بأشكال مختلفة. البعض يذهب إلى ما هو أبعد ويدخل في علاقة أكثر حميمية معها. نحن لا ننتبه إلى الآلة ونحن نستخدمها، هي تقفز بنا من احتياجنا إلى الإشباع. وأنا أمسك الموبايل لا أفكر فيه بل أفكر أني أتكلم مع فلان، ولكني أنتبه وأفكر في الموبايل إن حدث خلل في الصوت أو تعطل. يتحدث الفيلسوف الألماني هايدجر عن الوعي بالأداة الذي يحدث عندما تصبح عائقا بين الاحتياج والإشباع. هذا نفسه ما يتحدث عنه هشام إسماعيل نجم الصيانة في شارع عبد العزيز عندما يقول أنه يتعلم بالأساس من الأجهزة التالفة. الانتباه إلى حضورالأداة نفسها وليس فقط ما تفعله لنا هو ما يتحدث عنه هايدجر كوعي حقيقي وأصيل بالتكنولوجيا وهو ما يقول طارق أحمد، صاحب السايبر في الوراق، أنه ما غير حياته.<br />الإحساس بالأجهزة الذي يتحدث عنه محمد جمعه في محله الصغير في إمبابة هو "الخبرة الأولية" التي يتحدث عنها فلاسفة معاصرون يرون أن التقنية وليدة التفاعل الحي بالحواس ومحاولة حل المشكلات وأنها مصدر المعرفة النظرية لا العكس كما كان يعتقد فلاسفة اليونان. التقنية وخاصة عالمها الخلفي يثبت على الدوام كما يقول فيلسوف التكنوولجيا جون إد أن "البشر صناع مبدعون”. والعلاقة بينهم وبين الأدوات تعكس طبيعة مجتمعهم أو تدفعه للتغيير، فكما يقول ماركس: “أعطتنا طاحونة اليد مجتمعا إقطاعيا وأعطتنا ماكينة البخار مجتمعا رأسماليا صناعيا".<br /><br /><a href="http://shorouknews.com/ContentData.aspx?ID=332868">تجربة وأسطى وكشكول ملاحظات<br /></a><br /><a href="http://shorouknews.com/ContentData.aspx?ID=332878">مخاطرة وإحساس وإقناع<br /></a><br /><a href="http://shorouknews.com/ContentData.aspx?ID=332880">اقرأ بعناية ما يظهر أمامك .. تتغير حياتك</a><br /><br /><a href="http://shorouknews.com/ContentData.aspx?ID=332860">عن القطار الذي لن يمر في شارع عبد العزيز</a><br /><br /><hr><br />نشر في "الشروق" الخميس 11 نوفمبر 2010<br />PDF<br /><br /></span></div>عمرو عزتhttp://www.blogger.com/profile/08927951113123256622noreply@blogger.com62tag:blogger.com,1999:blog-5559439168559928821.post-75255671793373766302010-10-27T11:45:00.001-07:002010-10-27T14:11:15.945-07:00أيام الحصاد والصلح والسياحة عند جبل الدكرور<span style="font-size:180%;">العزلة وتأثيرات العابرين في أعياد سيوة</span><br /><a onblur="try {parent.deselectBloggerImageGracefully();} catch(e) {}" href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEgLyM0AZZ6Q5-jelv9atP-JNBUT3zRu6sGk53LD_vVU7eyeKo1nJ9-BAoXkhPhqPj3y0-_L9Gde1RVIUbuXugPgF_Or2IBxhXkKtTUs2djDtnl0JHEKksYe8jFoY0ZKfPFsPn0Gv9yjVq0/s1600/%D8%B3%D9%8A%D9%88%D8%A9.JPG"><img style="cursor: pointer; width: 400px; height: 272px;" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEgLyM0AZZ6Q5-jelv9atP-JNBUT3zRu6sGk53LD_vVU7eyeKo1nJ9-BAoXkhPhqPj3y0-_L9Gde1RVIUbuXugPgF_Or2IBxhXkKtTUs2djDtnl0JHEKksYe8jFoY0ZKfPFsPn0Gv9yjVq0/s400/%D8%B3%D9%8A%D9%88%D8%A9.JPG" alt="" id="BLOGGER_PHOTO_ID_5532796834853586610" border="0" /></a><br /><span style="font-size:85%;">تصوير: إيمان هلال</span><br /><br /><div dir="rtl" style="text-align: right;"><div style="text-align: justify;"><span style="font-weight: bold;">الليالي القمرية الثلاث في شهر أكتوبر هم موعد عيد الحصاد أو الصلح أو السياحة، لكل اسم معناه أو أسطورته. يخرج معظم أهالي سيوة إلى حيث جبل الدكرور للاحتفال، يشاركهم زوار مصريون وأجانب. عند سفح الجبل ترسم مظاهر العيد ملامح من عزلة سيوة وتأثرها بموجات العابرين.</span><br /></div><br /><span class="fullpost">لم يثمر محصول الزيتون هذه السنة في نصف الفدان الذي يملكه بكرين عمر في منطقة الظافرية في واحة سيوة. هذه هي عادة الزيتون الذي يثمر سنة ويغيب سنة، وقد يتأخر سنتين في حقل بكرين كما يقول. ولكن هذا لم يمنع أن يترك أرضه وبيته ويتجه إلى جبل الدكرور شرق الواحة منذ صباح الاثنين الماضي ويكاد أن يكون الوجه الأكثر بشرا وبهجة من بين المشاركين في استعدادات استقبال زوار عيد السياحة هذا العام، الذي استمر لثلاثة أيام من الثلاثاء إلى الخميس.<br />عيد السياحة يسمى أيضا عيد الحصاد لموافقته موسم حصاد البلح والزيتون اللذين يغلبان على زراعة سيوة، أو عيد سيوة، لأنه أصبح بمثابة عيد قومي مميز لأهل الواحة وحدهم. موعده الليالي القمرية في شهر أكتوبر من كل عام. ورغم أن هذه الفترة تحتذب أعدادا أكبر من السياح الراغبين في رؤية مظاهر الاحتفال بجانب الاستمتاع بطبيعة سيوة المميزة، إلا أن عيد "السياحة" لا يسمى كذلك بسبب هذه السياحة، ولكن نسبة إلى منطقة "السياحة" - بمعنى الخروج الصوفي إلى الخلاء - عند سفح التلال الثلاثة المكونة لما يطلق عليه أهالي سيوة "جبل الدكرور"، وهي المنطقة التي كان ولا يزال المتصوفة يخرجون إليها يسيحون في الأرض بعيدا عن العمران رغبة في التأمل والذكر.<br />بكرين عمر واحد من خدام الطريقة المدنية الشاذلية، كبرى الطرق الصوفية في سيوة. ورغم كونه مزارعا مثل معظم أهالي سيوة إلا إنه كان أيضا موظفا في مصلحة الكهرباء قبل أن يخرج إلى المعاش. الحياة البسيطة والرخيصة نسبيا في سيوة يكفيها المعاش ودخل الملكية الصغيرة من الأرض. نمط الملكية المحدودة من الأرض، أقل من الفدان أو فدادين قليلة، منتشر هنا.<br />يوم الاثنين خرج بكرين عمر من بيته في الظافرية متوجها إلى جبل الدكرور الذي يبتعد 3 كيلومترات من قلب الواحة، انضم إلى باقي الخدام في المساكن المبنية عند سفح الجبل بلون موحد مثل لون صخر الجبل. فلا يختلف إلا علم الطريقة الأخضر المرفوع فوق مئذنة بين المساكن.<br />ينهمك الطباخون في الذبح والطبخ على وقع الأناشيد الصوفية والأذكار، بينما ينصب الباعة وأصحاب الألعاب خيامهم على طريق الدكرور الممتد من الجبل إلى أول الطريق المفضية إلى قلب الواحة.<br />يستريح بكرين عمر أحيانا ويراجع مع بعض الصبية الأشعار التي ستغنى في اليوم التالي: "طاب شرب المدام في الخلوات/ اسقني يا نديم بالآنيات .. آه يا ذا الفقيه لو ذقت منها/ وسمعت الألحان في الخلوات/ لتركت الدنيا وما أنت فيه/ وتعش هائما ليوم الممات". يستفسر شاب فرنسي يرتدي الثوب السيوي ويشاركهم مراجعة الأشعار عن بعض المعاني، ولكن لا يخفى عليه المجاز الشعري الصوفي الذي يصور تاثير الحب الإلهي ومتعة الذكر بالخمر المسكرة.<br />يقول بكرين أن ستيفن، الشاب الفرنسي، معهم منذ 12 سنة يحب الطريقة وأهلها ويخدم معهم كل سنة في العيد. أتاهم أول مرة سائحا بينما كان طالبا ومن ساعتها وهو يقضي نصف السنة في فرنسا ونصفها معهم في سيوة. في حلقة واحدة لمراجعة الأذكار ترى ملامح الشاب الأشقر المحب للصوفية ولسيوة، وملامح أخرى متنوعة: ملامح بكرين السمراء التي تعود إلى أصول إفريقية أو بربرية أمازيغية وملامح آخرين أقرب للبدو العرب.<br /><br /><span style="font-weight: bold;">عزلة وعابرون</span><br />دائما ما كانت سيوة بوتقة لتلاقي تأثيرات متنوعة. فهي تتأرجح بين نمط فريد من العزلة بحكم الموقع في عمق الصحراء: على بعد 800 كليومتر غرب وادي النيل و 120 كيلو متر شرق الحدود الليبية، وحوالي 300 كيلومتر جنوب ساحل البحر المتوسط. ولكن أهلها الذين يبلغون الآن حوالي 25 ألف نسمة تمتعوا على الدوام بتسامح ووداعة مع الزوار الأجانب، وبحكم حجم الواحة لم تتمكن غالبا من صد الغزاة وتأثيراتهم.<br />يروى المؤرخ اليوناني القديم هيرودوت أن بعض قبائل سيوة تعود إلى تزاوج بين المصريين القدماء و الأثيوبيين. ولكن المعروف الآن هو الأصل الأمازيغي لعشر قبائل بجانب قبيلة واحدة ذات أصل عربي. اللغة اليومية المستخدمة في سيوة هي اللغة الأمازيغية المطعمة ببعض الكلمات العربية، ويسميها الأهالي اللغة السيوية، وهي مجرد لغة شفهية لا يكتبونها.<br />اللغة العربية لغة ثانية، ومن نالوا قسطا من التعليم مثل بكرين عمر يظهر ذلك في نطقهم للعربية الفصحى أو العامية، بينما يتعثر الأميون أحيانا أو يتحدثون ببطء نوعا ما باستثناء ممن يعملون في مجالات السياحة فيتحدثون عدة لغات ولهجات بطلاقة بحكم الاحتكاك بالزوار.<br />واحد من هؤلاء هو الشاب يوسف سرحان، طالب الحقوق في جامعة الإسكندرية، الذي يتحرك دائما بصحبة زوار أجانب. كان مع بعضهم يوم الاثنين يشرح لهم مظاهر الاستعداد للاحتفال. يسلم على بكرين عمر ويجلس بجانبه وينشد معه ومع ستيفن الشاب الفرنسي قصيدة "قلوب العارفين لها عيون/ ترى ما لا يراه الناظرين". يتناقشون حول الطرق المختلفة لإنشاد القصيدة. يقول يوسف أنه أضاف تسجيلات فيديو لطرق مختلفة لإنشاد القصيدة على حسابه على يوتيوب youtube. ليوسف أيضا موقع شخصي على الإنترنت، فيه معلومات عن سيوة جمعها في بحث تقدم به لمسابقة نظمتها مكتبة الإسكندرية. النشاط الكثيف ليوسف وراءه طموح كبير يعلن عنه قائلا أنه سيكون له شان كبير في السياحة والبيزنس والسياسة أيضا، يوسف ابن أخ كبير قبيلة الوحيدات وهو أمين شباب الوطني في سيوة. ولكنه يقول أن طموحاته تفوق ذلك بكثير منتقدا الأجيال الأكبر التي تفضل العيش من ريع الزراعة والاسترخاء في الأمسيات وشرب الشاي مع الأصحاب بدلا من صداع البيزنس وتطوير الأعمال. يهز رأسه أسفا ويؤكد أن السياحة والصناعة القائمة على موارد سيوة الغنية يتيحان فرصا لا يستغلها أحد حقا.<br />ويبدو أن يوسف لا يترك أي فرصة ولا يضيع وقتا. قبيل ظهر الثلاثاء مع بداية مراسم احتفالات العيد، كان يوسف يتردي الصدرية المميزة فوق الثوب السيوي الأبيض، وهو زي رسمي نوعا ما ولا يحافظ عليه غالبا إلا المشايخ وكبار العلائلات وكبار موظفي ومسئولي الواحة. يقف يوسف أما الخيام الرسمية الفخمة النظيفة بجوار سفح الجبل مباشرة في مقابل الخيام الشعبية التي نصبها الأهالي من زوار العيد في الجانب الآخر من الطريق في مواجهة جبل الدكرور.<br />يصافح يوسف الجميع ويتحدث معهم. الكل في انتظار محافظ مطروح اللواء أحمد حسين ليفتتح الاحتفال. من النادر أن ترى جنديا أو عربة شرطة في سيوة ولكن يوم العيد وعند جبل الدكرور هناك حضور أمني لتأمين الاحتفالات وحماية المحافظ والمسئولين المرافقين. وعلى مقربة منهم أنشطة رسمية. لافتات تعلن عن قافلة وزارة الشباب والرياضة للقرى المحرومة، التي تنظم مسابقات للأطفال وتوزع عليهم هدايا. وخيام مخصصة لوزارة البيئة ومسئولي محمية سيوة وخيمة لبيع سلع الأسر المنتجة.<br /><br /><span style="font-weight: bold;">شعبي وليبي</span><br />بين سفح الجيل وحتى أول الطريق المفضي إلى سيوة بين النخيل ترى مظاهر الاحتفال الأكثر صخبا وعفوية. الميكروباصات والتروسيكلات والعربات التي تجرها الحمير تصل محملة بالشباب والأطفال ومجموعات البنات اللاتي يحمل معظمهن شمسيات ملونة مميزة، لا وجود للنساء والشابات تقريبا، اللهم إلا أعداد قليلة تقبع في خيام بعيدة نسبيا أوتمر وهي تغطي وجهها وترتدي الزي السيوي السابغ لكل الجسد. على الجانبين باعة لحوم وعصائر وحلوى وملاهي وألعاب، تنشب هنا أو هناك مشاجرة تنفض سريعا. من كاسيت العربات تنطلق أغاني شعبية لمنار محمود سعد مطربة الدلتا أو أغاني الراب الشعبي للشابين فيجو وعمرو حاحا أبناء حي عين شمس القاهري. هنا وهناك يظهر صوت خافت لهالة شعبان المطربة المغربية أو الزنتاني الليبي. لا يعرف بائع الكاسيت الذي ترجع أصوله إلى ميت غمر أسماء مطربين من سيوة ولكنه يخرج على الفورشرائط الأغاني الليبية باعتبارها بديلا عن الأغاني السيوية.<br />يبدو أن نمط العزلة الفريد للواحة الصغيرة يمنعها من تفاعل يطور فنونها ويطرحها في شكل منتج متداول بدلا من التراث الشفاهي. ولكنها تظل دائما مكانا لتلاقي التأثيرات المختلفة.<br />في الواحة آثار فرعونية وإغريقية مع آثار زيارة للإسكندر الأكبر. غزوات البدو الصحراويين أجبرت أهالي الواحة لقرون على الاختباء فوق جبل يتوسط المدينة يسمى الآن جبل شالي. كانت كل بيوت سيوة فوق الجبل ذات نوافذ ضيقة يحميها حصن ترابي ضخم ذو فتحات ضيقة أيضا يمكن سدها بسهولة أو فتحها لتسمح بالكاد بإطلاق السهام على الغزاة. الآن توجد أطلال المدينة القديمة التي نزلت كلها الآن بينما ظلت بعض البيوت المبنية بالطين السيوي "الكارشيف" بجوار سفح شالي شاهدة على طراز البناء القديم وظل مسجد السنوسية ومئذنته المميزة شاهدا على تاثير الجوار الليبي. الحركة السنوسية كان لها تأثير تاريخي تضاءل الآن. فمريدي وأبناء الحركة التي نشأت في ليبيا وتجمع بين أساليب الصوفية في التنظيم وبين أفكار سنية وروح جهادية مقاومة، كانت تتحرك من ليبيا إلى الشرق بغرض الحج أو التجارة واستوطن بعضهم الواحة. ولكن تأثيرا أكبر للشيخ المدني الشاذلي يطغى على تأثير الحركة السنوسية.<br />يروى أنه قبل حوالي 150 عاما وصلت الخلافات بين قسمي سيوة، الشرقي والغربي إلى درجة خطيرة ووقع بينهم قتال وسقط قتلى وجرحي واستمر ذلك فترة. حتى أتى الشيخ أحمد المدني الشاذلي واجتمع بكبار القبائل في منطقة السياحة عند جبل الدكرور ونجح في عقد صلح بينهم وتناولوا معا الطعام وذكروا الله وأمروا الناس جميعا بالخروج إلى السياحة والاحتفال والفرح فصار تقليدا ولذلك يسمى أيضا عيد الصلح. ومن ساعتها تتبع معظم سيوة الطريقة المدنية الشاذلية التي ينظم أبناؤها الاحتفال ويخدمون زواره.<br /><br /><span style="font-weight: bold;">بركة أم بدعة؟</span><br />مع توافد زوار اليوم الأول من العيد، يواصل أبناء الطريقة المدنية الطبخ بهمة وينقلون أواني الطعام من مكان إلى مكان في مشهد استعراضي على خلفية صوتية من أذكار وأناشيد. ينتهي الطبخ وتوزيع أواني الفتة المكونة من خبز وسمن ومرقة اللحم. يجلس الجميع أمام الساحة الواسعة عند سفح الجبل على الأرض في حلقات، يصل المحافظ وينضم إلى مشايخ القبائل ويصعدون إلى مقصورة خاصة ضمن مساكن الطريقة المدنية. يعطي رئيس الطباخين إشارة البدء: بسم الله. يمد الجميع أياديهم إلى الفتة التي يسمونها "البركية" لأنها تجلب البركة والألفة عند أكلها جماعة. يأكل الجميع في نفس اللحظة نفس الطعام الذي شارك فيه كل أهل سيوة بتبرعات تجمعها مساجد سيوة المختلفة.<br />عبد الرحمن الدميري، شيخ قبيلة الظناين كبرى قبائل سيوة، يتحدث إلى وسائل الإعلام المختلفة مؤكدا أن هذ التقليد يجدد كل عام الوئام والأخوة بين أهالي الواحة ولكنه يرفض بشدة أسطورة المعركة بين قسميها مؤكدا أن الشيخ مر واجتمع بكبار الواحة لقاء وديا عند جبل الدكرور وأوصاهم أن يحافظوا على التقليد ليدوم سلامهم وأمنهم.<br />تخفت الضجة عند جبل الدكرور وتقل حركة البيع والشراء في الممر الطويل. يستريح أبناء الطريقة استعدادا للحضرة بعد صلاة العشاء. في الحضرة يبدو واضحا الحضور الكبير للشيوخ والكهول والصبية والأطفال وغياب ملحوظ للشباب. يؤكد كهل من شيوخ الطريقة على ذلك وهو يهز رأسه أسفا:” لم يعد شيء كما كان، الاحتفال هذه السنة أكبر وأكثر زحاما لأنه ألغي العام الماضي بسبب الإنفلونزا ولكن الإقبال على الأكل والشرب وليس على الذكر للأسف”.<br /><br />يقف معاذ الشاب سائق التروسيكل قريبا من حلقة الحضرة يشاهد التمايل والإنشاد ويسخر. يقول معاذ أن ما يفعلونه كلام فارغ وليس من الدين في شيء. يساعد معاذ ابن عمه في مطعمه الموجود في سوق سيوة. يضع ابن عمه في المطعم مطبوعات الجمعية الشرعية وأنصار السنة المحمدية، الجمعيتين الأكثر سلفية، مع كتب إسلامية أخرى باللغة الإنجليزية يهديها للسياح الأجانب.<br />هناك تأثر سلفي لا تخطئه العين يزاحم الانتماء الصوفي التقليدي. اللافتة عند المتجر الكبير تعلن التردد الجديد لقناة "الرحمة" الفضائية السلفية. العامل الملتحي في المتجر الآخر يناقش زميله الذاهب إلى الدكرور ويحاول أن يقنعه أن عيد السياحة بدعة وكل بدعة ضلالة.<br />يبتسم زميله ويرد عليه "أنت البدعة يا أخي!”. يضحكان معا في أريحية. يصر الأول على رأيه بينما يقبض الثاني بيديه على كف ابنه و ابنته، اللذين يرتديان ملابس زاهية الألوان، ويتجه بهما إلى العربات الذاهبة إلى العيد.<br /><br /><hr /><br />نشر في "الشروق" الثلاثاء 26 أكتوبر 2010<br />PDF<br /></span></div>عمرو عزتhttp://www.blogger.com/profile/08927951113123256622noreply@blogger.com9tag:blogger.com,1999:blog-5559439168559928821.post-52077693206588440512010-10-22T09:32:00.000-07:002010-10-22T10:04:02.072-07:00شد وجذب مع ميكيافيللي<a onblur="try {parent.deselectBloggerImageGracefully();} catch(e) {}" href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEju5cd5NxHO5lQwI8Iuj0K78-Kr5aeq_p016pftO5STNcm53pqxWqI6pqPXCimTQQonjMG3zgO5Bpce7TVCfeJHx9fxkgw2kOUqbOoIkWOS1BMFLTKTqpg6lMQYuOqxKO_apoiGboSUaPk/s1600/Image(175).jpg"><img style="cursor: pointer; width: 400px; height: 300px;" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEju5cd5NxHO5lQwI8Iuj0K78-Kr5aeq_p016pftO5STNcm53pqxWqI6pqPXCimTQQonjMG3zgO5Bpce7TVCfeJHx9fxkgw2kOUqbOoIkWOS1BMFLTKTqpg6lMQYuOqxKO_apoiGboSUaPk/s400/Image(175).jpg" alt="" id="BLOGGER_PHOTO_ID_5530916088018531106" border="0" /></a><br /><br /><div dir="rtl" style="text-align: right;"><div style="text-align: justify; font-weight: bold;">هناك طريقة لممارسة السياسة من داخل السلطة تراعي بعض مصالح الشعب لكن مع ضمان دوام سلطة الحاكم. هذه هي خلاصة فكر نيقولا ميكيافيللي في كتابه الشهير "الأمير". البعض يراه شيطانا رجيما والبعض يراه مفكرا واقعيا. الصورة النمطية للشباب الذي يختار الانضمام إلى الحزب الوطني تضعهم كأتباع لميكيافيللي، الشيطان تارة و الواقعي تارة. ولكنهم في صورة أخرى يرسمونها هم يخوضون جدلا مع طيف أفكاره، ويتحركون بين القناعة التامة بالحزب وسياساته ورجاله والمستقبل المشرق معهم، وبين الاعتراف بسلبيات الحزب الحاكم مع أمل في إصلاح ممكن من الداخل لأنه المنفذ الوحيد للسياسة.<br /></div><span style="font-size:130%;"><br /></span> <span class="fullpost"><span style="font-weight: bold; color: rgb(153, 0, 0);font-size:180%;" ><span style="font-size:130%;">شباب الحزب الحاكم :</span><br />السياسة على أرض الممكن والمصلحة والطموح الواقعي<br /></span><br />"هذه الواجهة جديدة" يشير يوسف ورداني مبتسما إلى الواجهة اللامعة للمقر الرئيسي للحزب الوطني المطل على كورنيش النيل بالتحرير. يخطو داخله متحمسا متوجها إلى مقر إدارة الموقع الإلكتروني للحزب الذي تولى مسئولية تحريره مؤخرا. تبدو الإجراءات لأول وهلة مشددة، ولكن إلى حين حضور شخصيات هامة يتراخى رجال الأمن قليلا ولا ينتبهون إلا لتصاريح دخول الكاميرات. لا تبدو الحركة كثيفة ذلك الوقت رغم ما يقوله يوسف في المصعد من أن معظم الأمانات المركزية هنا إلا أمانات قليلة منها أمانة الشباب التي توجد في مقر الحزب في عابدين، مؤكدا أن التردد على هذه الأمانة تحديدا يتم بكثافة غير عادية.<br />“تضم أمانة الشباب ما يزيد عن 100 ألف شاب. يشتركون في أنشطة مختلفة. الأعضاء من سن 18 عاما إلى 40 عاما يمثلون 60% من عضوية الحزب التي تجاوزت الآن الملايين الثلاثة" يؤكد يوسف على أن ذلك انعكس على اهتمام الحزب مؤخرا بالإنترنت، الساحة الشبابية النشطة التي يبدو أن المعارضة والحركات الاحتجاجية تجتذب فيها الاهتمام الأكبر.<br />"في أول اهتمامي بالسياسة لم تكن ساحة الإنترنت نشطة كما هي الآن وكان عليّ أن أبحث بطرق تقليدية عن برامج الأحزاب المختلفة التي فكرت في الانضمام لها. كان يجب أن أذهب إلى المقرات لأطلب البرامج وشعرت أحيانا أني أطلب وثيقة سرية" يحكي يوسف ورداني، الذي تخرج من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عام 2002، أنه بدأ الاهتمام بالسياسة قبل دخوله الكلية وكانت الخيارات التي فكر فيها هي "الناصري" و"التجمع" و"الوفد”: "لم أكن منجذبا للناصرية، وبدت لي الأفكار الاشتراكية لحزب التجمع ساعتها غامضة وصعبة، كنت أكثر ميلا لليبرالية وفكرة الوحدة الوطنية كما جسدها حزب الوفد. توجهت إلى مقره بالغربية حيث كنت مقيما لفترة هناك" يحكي يوسف ضاحكا أنه خرج محبطا من التجربة لأن أحدهم سأله بروح استنكارية عما أتى به إلى هنا ولماذا، وآخر قال له أن كل الأحزاب مجرد صحف وعليه أن يوفر وقته وجهده. في الجامعة تاثر بكتاب "تطور النظام السياسي في مصر" لأستاذه القيادي في الحزب الوطني د.علي الدين هلال وبما عرف من معلومات عن الحزب :"وجدت المباديء بسيطة بالنسبة لي كشاب في مقتبل دراسته الجامعية. ووجدت جماعة سياسية كبيرة وهيكل مؤسسي تنظيمي قوي. وطرق منظمة للترقي داخله وتشجيع كبير للشباب".<br /><br />بعيدا عن صخب المظاهرات والروح النضالية لتجمعات الطلبة المعارضين والسياسة ذات الشعارات الساخنة أو الآمال البعيدة، ينضم مئات الطلبة في الجامعة للحزب الوطني لأسباب يرونها عملية وأكثر بساطة كما يذكر يوسف ورداني، لا تبدو السياسة فيها كصراع أو معركة بقدر ما هي مجال للإنجاز الشخصي والجماعي فيتم البحث عن كيانات ملموسة مؤهلة لذلك وليس الاشتراك في خلق أخرى أو الانحياز برومانسية إلى كيانات صغيرة جديدة لا تملك غير الأمل والحماس.<br /><br /><span style="font-weight: bold;">جيل المستقبل</span><br />بعد انتهاء مرحلة الجامعة يبدو أن خدمات التدريب والتأهيل تمثل مسارا مميزا آخر لعضوية الشباب، من هذا المسار انضمت أمل عبد العزيز، أمينة الوحدة الحزبية لـ"فتيان وفتيات مصر" بمنطقة مصر الجديدة وعضو المجلس المحلي هناك. تحكي أمل أنها تعرفت على الحزب الوطني أثناء تلقيها دورات الإدارة في جمعية "جيل المستقبل" التي يرأسها جمال مبارك، رئيس لجنة السياسات بالحزب. رغم أنها خريجة كلية الزراعة إلا انها بعد التدريب توجهت لاستكمال لدراسة إدارة الأعمال وتعد الآن للحصول على درجة الماجستير فيها من الجامعة الأمريكية.<br />بعيدا أيضا عن الجدل السياسي، تمثل الأنشطة الخدمية التي تقدمها أمانات الوطني في مجال التدريب والتوظيف بابا لنسبة من عضوية الشباب، ولكن تقارير أمانة العضوية بالحزب تشير إلى زيادة الإقبال على طلب العضوية بشكل ملحوظ بعد المؤتمرات العامة للحزب، ربما بفعل التناول الإعلامي للمؤتمر.<br />توجهت أمل إلى مقر الحزب الوطني في مصر الجديدة وتقدمت بطلب عضوية مباشرة عقب المؤتمر العام للحزب عام 2002. تقول أن أجواء المؤتمر التي نقلها الإعلام شجعتها على الاقتراب من العمل السياسي وذلك بعد أن استفادت من خدمات جمعية "جيل المستقبل" ورأتها تطبيقا واقعيا للشعارات التي يرفعها الحزب عن الفكر الجديد.<br />تؤكد أمل عبد العزيز أنها كانت على الدوام نشطة سواء في المدرسة أو الجامعة في اتحاد الطلاب، ولكن كانت نظرتها للمعارضة أنها إما "حركات هدامة" على حد تعبيرها أوتصرخ وتحتج ولكنها تفتقر لبرامج وآليات حل المشاكل.<br />ترقت أمل من عضو بالحزب إلى أمينة مرأة بوحدة حزبية إلى أمينة لوحدة حزبية. لم يكن المشوار سهلا كما تقول: “أنا اتبهدلت علشان أوصل. المرأة تجد صعوبة كبيرة مع المستويات القاعدية في الحزب ولا توجيهات المستويات العليا. الرجل المصري رجل شرقي في الحزب وفي البيت. والمرأة النشيطة في الحزب إما أن تكون غير متزوجة أو تكون زوجة عضو نشيط. لو كان غير ذلك فإما أن تستقطبه وإما أن تنفصل أو تنسحب!”.<br />نشاطها في أمانة المرأة ثم أمانة مهتمة بشكل أساسي بالشباب جعلها تركز على الأنشطة الاجتماعية والخيرية، التي تقول أنها تجتذب المزيد من الراغبين في أن يكونوا إيجابيين ولكنها تعود وتؤكد أن العمل بالشعارات السياسية ضروري في لحظات بعينها مثل الانتخابات.<br />لحظات الرواج السياسي قد تقترن مع أبواب أخرى للعضوية مثل الترشيح الشخصي من المعارف وعبر تزكية شخصية وهو ما حدث مع يوسف بشاي، خريج الجامعة الأمريكية والمحلل المالي بإحدى المجموعات الاقتصادية.<br />كانت بدايته مع الحزب بفضل معرفته الشخصية بأحد مرشحي انتخابات مجلس الشعب في دائرة المنيل حيث يسكن. كان لا يزال طالبا يدرس الاقتصاد والسياسة، وفكر في أنه يريد أن يقترب ويشارك لا أن يكون مجرد متابع. الاتجاه للمعارضة لم يكن خيارا لديه فهو يراها مجرد "مكاتب وصحف" ولا وجود لها حقا في الشارع. بينما كان يريد أن يبدأ فورا في خدمة مجتمعه الصغير وأن يدفعهم للإيجابية بإقناعهم باستخراج بطاقات انتخابية.<br />يقول يوسف بشاي: "خلال سنتين نشطت خلالهما في الحزب في منطقة المنيل لمست أن دوافع الشباب القريبين مني للانضمام تتخلص في دافعين: الرغبة في التأثير في المجتمع الصغير أو الحي. والرغبة في التشبيك وتنمية شبكة العلاقات ودائرة الاتصال والتأثير. أعتقد أنهم دافعين غير متعارضين. لأن السعي للمصلحة الشخصية لا يتعارض مع المصلحة العامة، ولكن في بعض الأحيان قد يغلب الدافع الثاني على الأول ولكن التنظيم الجيد يحول دون ذلك".<br />من خلال نشاطه في أمانة التثقيف والتدريب بالحزب، لمس يوسف ورداني أيضا أن دافع العديد من الشباب هو الاستفادة من الخدمات التي يقدمها الحزب، بدءا من الرحلات والأنشطة الترويحية وصولا إلى تسهيل القروض الميسرة وفرص العمل. يؤكد أيضا أن الرغبة في الترقي الشخصي ونسج العلاقات داخل الحزب ليست عيبا: "شعور الأفراد بالرضا الذاتي ضروري لأي مؤسسة أو جماعة لكي يمكن أن تكون كيانا ناجحا، بشرط ألا يطغى ذلك على المصلحة العامة للكيان".<br /><br /><span style="font-weight: bold;">خدمات غير سياسية</span><br />تنتقد المعارضة اجتذاب الحزب الحاكم للشباب عبر الخدمات والتدريب والتوظيف والعمل الاجتماعي، وهي مجالات بعضها قد يكون مسئولية الدولة لا الأحزاب وبعضها مجال للمجتمع المدني. تتهم المعارضة الحزب الحاكم باستغلال سلطات وإمكانات الدولة أو التداخل معها أثناء تقديم هذه الخدمات. بالإضافة إلى أن هذه الطبيعة تراها بعض الاتجاهات طبيعة "غير سياسية" تتناقض مع فكرة الحزب السياسي، الذي تصفه معظم الأدبيات السياسية بأنه كيان معبر عن مصالح فئات بعينها ويخوض صراعا سياسيا من أجل الدفاع عنها في مواجهة مصالح أخرى.<br /><br />"السياسة كما أراها ليست أفكارا وأيديولوجيات. السياسة إدارة وتنظيم وحلول للمشكلات" هكذا يرى يوسف بشاي، مضيفا أن صراع المصالح "كلام كبير" وأن التوازن بين المصالح المختلفة هي مهمة المسئولين التنفيذيين.<br />يقول أنه من موقعه كفرد من الطبقة الوسطى ويعمل في مؤسسة حديثة يرى أن سياسات تحرير الاقتصاد تسير بخطوات بطيئة، بينما قد يراها موظف في الدولة أوعامل خطوات سريعة تضغط عليه:"لا أعتقد أن مشكلة بلدنا تكمن في صراع سياسي بين حكومة ومعارضة بقدر ما هي مشكلة إدارة وموائمة تحقق التوازن".<br /><br />ولكن سواء فيما يخص إدارة الصراع السياسي أو الإدارة التي تحقق التوازن، لا يبدو أن صورة الحزب الحاكم جيدة في الإعلام الجماهيري الخاص، بعيدا عن إعلام الدولة وصحف الأحزاب المعارضة. وهو مؤشر على أن المزاج العام للمجتمع المصري يميل لعدم الرضا عن أداء الحكومة ووصم الحزب الوطني بأنه مجتمع للمنتفعين والفاسدين والراغبين في الصعود الاجتماعي والمنافقين للسلطة.<br />يعتقد يوسف ورداني أن هذه الصورة السلبية في رأيه سببها رغبة الإعلام في الإثارة وجذب الجماهير ولكنه يؤكد أنها كانت موجودة بين الناس بشكل أقوي قبل خمس سنوات، ويشير إلى أن بعض أعضاء الحزب بالفعل كان يخجل من إعلان عضويته للناس، ولكنه يعتقد أن الحزب الوطني قطع أشواطا في التحول إلى مؤسسة منظمة تعمل بكفاءة أكثر وتبعد عنها الفاسدين والراغبين في مجرد مصالح شخصية. مثله يعتقد يوسف بشاي أن الصورة السلبية موجودة لأنها انعكاس لوضع عام للمجتمع العام ولا يجب أن يتحمله الحزب الحاكم وحده :"هناك مشكلة اجتماعية تتعلق بعدم احترام سيادة القانون واحترام افكار حقوق الإنسان. والحزب الوطني يخالف القانون مثل غيره لأن طرفا مثل الإخوان على سبيل المثال يستخدم الدين بالمخالفة للقانون والدستور. لا يمكن أن نتوقع أن يتم الصراع السياسي بشكل مثالي في ظل وضع مصر الحالي".<br /><br />عند الحديث عن انتقادات للحكومة في مجال انتهاك حقوق الإنسان أو الحقوق السياسية، يبدى يوسف ورداني حساسية كبيرة قائلا أن التقدم في هذا المجال كبير وأن الحكومة تبدي مرونة كبيرة حتى في مواجهة "المعارضين غير الشرعيين" – على حد تعبيره - مثل الإخوان المسلمين.<br />كذلك ترى أمل عبد العزيز :"دمي بيتحرق كل يوم من الجرايد وبرامج التوك شو. هناك هجوم شرس على الحكومة والحزب. حتى أسرة الرئيس لا تسلم منهم. كل هذه الحرية ويتحدثون عن انتهاك حقوق سياسية وقمع؟".<br />تبدي أمل عبد العزيز دفاعا حارا عن الحزب والرئيس رغم أنها لا تنكر معدلات الفساد العالية التي لا ترى الحكومة وحدها مسئولة عنها أو مسئولة عن القضاء عليها فورا:"في الحزب الوطني مثلما في غيره. من منا لا يمتلك علاقات ولا يستفيد منها"، ثم تؤكد على أن العمل السياسي علمها خبرة ما يفتقر إليها الكثير من الشباب في رأيها: "أن تكون صبورا. ترى الغلط وتصبر عليه قليلا. ليس موافقة عليه ولكن لأنك تعرف جيدا طبيعة الأشياء وأن الأمور لن تتغير سريعا".<br /><br /><hr /><span style="color: rgb(153, 0, 0); font-weight: bold;font-size:180%;" >وسطاء بين الناس والدولة<br /></span><br />أثناء دراسته في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في أواخر التسعينات يحكي عمرو عبد الرحمن أن تجمعا للطلبة المعارضين نجحوا في اجتذاب كتلة كبيرة من الطلبة القادمين من خارج القاهرة والمقيمين في المدينة الجامعية، وأقنعوهم بالترشح في انتخابات اتحاد الطلبة على قائمتهم. لم يكن لمعظم هؤلاء الطلبة علاقة بالسياسة بقدر ما كان يجمعهم رغبة في دخول اتحاد الطلبة ونفور عام من الحزب الوطني. وكان أن نجحت هذه القائمة ليس بسبب ميلها السياسي ولكن بسبب "العصبية" التي دفعت أبناء المحافظات المختلفة للتصويت لبلدياتهم وبسبب مناقشة هؤلاء لمشكلات الطلبة التفصيلية وليس القضايا السياسية. والذي حدث بعد ذلك هو أن معظم هذه الكتلة من الطلبة التحقت فيما بعد بالحزب الوطني.<br />يقول عمرو عبد الرحمن، الباحث والمحلل السياسي ومدرس العلوم السياسية بجامعة إسكس في بريطانيا: "ما حدث هو ديناميكية معروفة في العمل العام في مصر. المستويات القاعدية التي تتعامل مع جماهير غير مسيسة، والملمح الخدمي والعصبي هو السائد. وإذا كنت تريد أن تلعب لعبة الانتخابات من أجل تمثيل أهلك وعصبيتك ومن أجل خدمتهم يجب أن تتوسط للناس عند الدولة، ساعتها تكتشف أن الحزب الوطني هو نفسه الدولة أو مدخلها. عند الاحتكاك الحقيقي بالحزب يرى الشباب أناسا عاديين وليسوا شياطين ينفخون النار كما تصورهم أحيانا صحف المعارضة، ساعتها تهدأ حماستهم ويفكرون بشكل عملي".<br />الطلبة القادمون من الأقاليم نموذج لنمط موجود في الريف وأحياء شعبية فيما يرى عمرو عبد الرحمن، يلتحق بالحزب لكونه ممثلا لجهاز الدولة في المنطقة أو القرية، وهو ما لا يعكس أي تحول على مستوى الأفكار على الإطلاق: "يمكن أن تجدد بينهم من يكرهون النظام أو متعاطفين مع الخطاب الإسلامي في طبعته السلفية العامة. لكن تحركهم قناعة راسخة بعدم جدوى المعارضة والخروج على جهاز الدولة، وضرورة الحفاظ على صلة دائمة مع هذه الدولة عبر حزبها، الحزب الوطني".<br />ولكن هناك نمط آخر يمثله أبناء الطبقة الوسطى الحضرية الذين يصفهم عمرو عبد الرحمن بأنهم يشكلون "الطبقة السياسية" بلغة الصحافة: “هم شباب يشعرون بالرغبة في لعب دور عام، يرون أنفسهم محبوبين ولديهم قدرات تنظيمية وسياسية، لديهم حظ من الاهتمام بالشأن العام، يجمهم تقدير غامض للوضع القائم رغم نقدهم له أحيانا، التحاقهم بالحزب هو أيضا التحاق بالدولة ولكن هنا من أجل الاستفادة من إمكانياتها في لعب هذا الدور الذين يطمحون إليه، وليس من أجل الخدمات المحددة مثل النمط السابق".<br />يشير عمرو عبد الرحمن إلى شريحة أضيق داخل هذا النمط، تمثلها الشباب ذوي التعليم المتميز والكفاءات والمواهب و يرغب بشكل واضح في احتلال موقع مميز داخل الدولة ولا يطمح للعب دور على المستوى المحلي مثل باقي الشباب ولكن عينه على تمثيل الدولة في مستويات عليا مباشرة وهؤلاء يتمتعون بكفاءات ومواهب يلاحظها أساتذة وقيادات فيقربونهم منهم سريعا ويدخلون الحزب الوطني للعمل في مهمات بحثية أو تحليلية أو استشارية.<br />يختلف عمرو عبد الرحمن مع الرؤية المشيطنة لهؤلاء الشباب، ويتفق مع كونها نتاج مزيج من تشوش الرؤية عند قطاعات إعلامية وسياسية معارضة، مع تعمد شيطنة يخفي خلفه معرفة أن الأمر ليس بهذا السوء. ولكنه في النهاية يرى أن الشباب الذين يلتحقون بالوطني يساهمون بوعي أو دون وعي، رغم نوايا بعضهم الطيبة، فيما يقوم به الحزب الوطني من إغلاق لمنافذ الحياة السياسية بشكل ما وهو ما يحول دون تحول الحزب الوطني نفسه لحزب تنافسي بدلا من كونه مرتبطا بالدولة.<br /><br /><hr /><span style="font-size:180%;"><span style="color: rgb(153, 0, 0);"> أغلبية الأقلية</span><br /></span><br />كشف آخر استطلاع رأي أجراه مجلس معلومات مجلس الوزراء على عينة من الشباب في إبريل 2008، أن 1 % منهم فقط يعرفون عدد الأحزاب السياسية في مصر ولو على وجه التقريب. بينما نسبة 7% منهم منضمون لأحزاب سياسية، غالبيتهم العظمى انضموا للحزب الوطني. عوامل تفضيلهم للحزب كانت كالتالي: 20% لأنه الحزب الأقوى والأكثر شعبية، 22 % لأن الانضمام إليه يتيح فرصة لتحسين أحوال البلد و23% لأنهم لهم أقارب وأصدقاء داخل الحزب.<br />تقرير التنمية البشرية الصادر هذا العام عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة ، ومعهد التخطيط القومي يقسم الشباب المشاركين في العملية السياسية إلى فئات، أكبرها الفئات التي تم دفعها نحو الاستبعاد خارج العملية السياسية لعدم اقتناعهم بجدوى السياسة، ثم الفئة التي تم جذبها بالاستقطاب من قبل الحزب الوطني أو الإخوان، ثم فئة أقل يصنفها التقرير أنها "فئة معتدلة" مهتمة بالمشاركة بالأساس من خلال المجتمع المدني أو الإنترنت.<br />يشير التقرير إلى أن جماعة الإخوان تستقطب الشباب بمزيج من الخدمات والدعم المعنوي المتمثل في الدعوة الدينية، أما الحزب الوطني فيستخدم "إستراتيجية تشبه إستراتيجية جماعة الإخوان المسلمين من حيث تقديم الخدمات، وتنظيم الرحلات، وتقديم المنح الدراسية لتعلم اللغات، والكمبيوتر والحصول على الرخصة الدولية لقيادة الكمبيوتر ICDL ، إلى جانب رعاية الأحداث الرياضية. ومع هذا تقدم خدمات الحزب الوطني الديمقراطي في إطار نشر فكره، وفكر قادته، وإنجازاته، ولكنه لا يشجع الفكر النقدي، على خلاف جماعة الإخوان المسلمين التي تشجع النقد السياسي" وفق ما جاء في التقرير.<br /><br /><hr /><span style="color: rgb(153, 0, 0); font-weight: bold;font-size:180%;" >فقه الدفاع عن "الوطني" على الإنترنت</span><br /><br />وسط غابة من الرسائل ذات النفس المعارض تتبادلها شبكة الناشطين والمدونين البارزين، على خدمة تويتر Twitter.com لتبادل الرسائل القصيرة، ستندهش إن قرأت تعليقا لمحمود إبراهيم (M_ibr) أو حوارا بينه وبين وائل عباس المدون المشاغب البارز. محمود يدافع عن الحزب الوطني ويسخر من المعارضة سخرية لاذعة، ولا يخفي أنه عضو في الحزب الوطني رغم ما يترتب على ذلك من متاعب وسط غابة المعارضين على الإنترنت وحتى في الحزب الوطني على أرض الواقع.<br />“أظنني أنني وعبد الله كمال رئيس تحرير روزاليوسف من نعلن أننا أعضاء في الحزب الوطني على تويتر" يرى محمود ذلك طبيعيا بشكل ما:” خدمات الإنترنت أدوات اجتماعية تتداولها أوساط بعينها، وبعض الأدوات شائعة فقط في أوساط الناشطين المعارضين. من ناحية أخرى لو أعلنت أنك عضو في الوطني أثناء أي نقاش تفقد مصداقيتك لدى الآخر، ويترك موضوع النقاش أيا كان ليتحول إلى انتمائك للحزب والحكومة وتواجه هجوما عنيفا. أعتقد أن معظمم شباب الوطني يتجنبون هذه الاحتكاكات".<br />تبدو ساحة الإنترنت كوسط معارض، وحضور الحزب الوطني ومؤيدي النظام باهتا وضعيفا. حتى داخل مجموعات الحزب الوطني على فيس بوك تجد من يدخلون خصيصا لتوجيه انتقادات هادئة أو سبابا عنيفا. ورغم بعض التطوير والتوجه لاحتلال مساحة على الشبكات الاجتماعية الأكثر شعبية مثل فيس بوك وتويتر وفليكر ويوتيوب، إلا أن الحضور لا يزال ضعيفا. ولا تزال اللجنة الإلكترونية المسئولة عن ذلك انطوائية ولا تفضل الحديث مع الصحافة رغم طبيعتها الإعلامية!<br />يبتسم محمود إبراهيم متجاوزا التعليق على رفض اللجنة الإلكترونية التحدث مع الصحافة قائلا:”أعتقد أن خوف شباب الوطني من الاحتكاك على الإنترنت شيء سلبي عموما. ولكن أنا قوي وواثق من نفسي ولا أخشى ذلك”.<br />يخوض محمود مناقشات حامية مع منتقديه ويرد السخرية بمثلها أو أكثر، ويعترف أنه قد يكون حادا بعض الشيء أمام بعض تجاوزات البعض بحقه أو أمام جهلهم بحقائق بسيطة في رأيه:”أعتقد أنا أكتر واحد اتعمل له بلوك Block في تاريخ تويتر. وأحيانا أجد من يرسل إليّ ويشتمني بعنف بدون سابق أو حوار أو معرفة لمجرد أني عضو في الحزب الوطني".<br />تحت عنوان "فقه الدفاع عن الحزب الوطني" يكتب محمود في مدونته "مصر اللي بحبها" بنبرة هادئة عن شعوره "كدخيل" على الإنترنت التي تتنفس معارضة: "الكل ضد النظام، يختلفون مع بعضهم الي درجة الكراهية بل وأحيانا الاعتداء علي بعضهم باليد حينما يلتقون، الا انهم في النهاية حينما يصل اتوبيس معارضة النظام يركبون جميعا. ليس هذا بالامر السئ فأكيد ان كل سلطة و أي سلطة في العالم لها معارضيها زاد أو قل العدد. القضية بالتأكيد ليست هنا في مجال الكثرة العددية لانهم يمكن حصرهم جميعا في 500 شخص علي اقصي تقدير وهو ما يستطيع الحزب الوطني و بدون أي اموال (كما يدعون دائما) حشد عدد كبير من الاعضاء يفوق هذا العدد بمئات الالاف. و لكن القوة هنا بقوة التأثيروكل شخص فيهم له تأثير في عدد واسع من المؤيدين (عن علم اوجهل) و هذه حقيقة لا يمكن اغفالها". ويضيف أنه يعترف بكثير من السلبيات التي يشير إليها الكثيرون ولكنه يؤكد أن هناك فارقا أن تكون مؤيدا للنظام وبين أن تكون جزءا منه. وأنه كما يقف ويصفق لما يتفق معه من سياسات فإنه يعلن علانية انتقاده لما يراه سلبيا.<br />تحت عنوان "حديث هاتفي مع ميكيافيللي" كتب محمود في مايو 2008 متخيلا أن نيقولا ميكيافيللي صاحب كتاب "الأمير"- الذي قدم منهجا وفلسفة في كيفية حفاظ صاحب السلطة على سلطته – قد اتصل به فجرا مستاء من ترتيب ماحدث آنذاك، من زيادة العلاوة الاجتماعية ثم رفع أسعار سلع حيوية بعدها مباشرة، مذكرا محمود أنه نصح "الأمير" بعكس ذلك. يدور حوار طويل حول بعض السياسات الاقتصادية يختمه ميكافيللي بقوله: "عايز اقول لكم يلعن ابو اللي علمكم السياسة انا متبري منكم"، وذلك بعد أن أوصاه وصية: "ابقي ابعت نسخة من كتابي لأعضاء الحكومة والحزب بتاعها ". يضحك محمود معلقا:”كان قصدي أنه حتى ميكيافيللي لا يرضى بهذا الأسلوب!”.<br />تسببت انتقادات محمود لبعض سياسات الحكومة في مشاكل له داخل الحزب. يحكي أن بعض الشباب أخبروا لبعض القيادات الوسيطة أنه مدون ويكتب عن بعض فاعليات الحزب وينتقد أحيانا. وتسبب ذلك في توتر بينه وبين الأمين السابق لأمانة شباب القاهرة، حتى أن محمود ترشح في انتخابات المحليات مستقلا ضد مرشح الحزب، وأعلن في مدونته أنه شهد تزويرا مارسه الحزب الذي ينتمي إليه لصالح منافسيه<br />يدافع محمود عن الحزب والحكومة رغم اعترافه بوجود التزوير والكثير من السلبيات الأخرى: “ التزوير يحدث مجاملة أو كجزء من ثقافة عامة للمصريين. والصراع غالبا بين الوطني ونفسه. بين من ترشحوا من داخل الحزب والذين ترشحوا مستقلين. حسنا، هناك مشاكل وسلبيات كثيرة، ولكن ما الذي يمكن عمله؟ لنكن واقعيين. السياسي الشاطر هو من يسأل نفسه ما هي الخطوات إلى التغيير. أنا لا أرى تغييرا ممكنا إلا من داخل النظام. تغيير تدريجي وبخطوات بطيئة. ومع الوقت يزداد الطلب على السياسة والديمقراطية، حسب تعبير عبد المنعم سعيد، ولكن الآن لا بديل حقيقي غير الحزب الوطني".<br />في رأي محمود أن المعارضة تقدم للناس في خطابها ما يريدون أن يسمعوه لا ما يحتاجوه ولذلك يجد كلامها رواجا في الإعلام وعلى الإنترنت:”كلما ازددت قربا من المعارضة احترمت الحكومة أكثر. كثير من أصدقائي المعارضين قالوا أني غيرت نظرتهم للحزب الوطني. الأسهل أن تعارض، ولكن الأصعب أن تكون إصلاحيا من داخل النظام".<br /><br /><hr /><span style="font-size:180%;"><span style="font-size:130%;"><span style="color: rgb(153, 0, 0); font-weight: bold;">من الوطني إلى المعارضة:</span></span><br /><span style="color: rgb(153, 0, 0); font-weight: bold;">"كنا مجرد أذرع لمراكز اتخاذ قرار .. والإصلاح من الداخل مستحيل"</span><br /></span><br />رغم الجذور الوفدية في عائلته، وجده الذي كان عضو الهيئة العليا للوفد وقتما أسسه سعد زغلول، وأبيه الذي نشط فترة مع الحزب في شبابه، إلا أن عبد المنعم إمام اختار عام 2000 أن ينضم إلى الحزب الوطني في المحلة حيث يسكن بينما كان لا يزال في الثالثة عشرة من عمره.<br />يقول عبد المنعم أن ذلك جاء بعد شعوره بالرغبة في النشاط في المجال العام، وبعد أن شجعه أصدقاء له في الحزب بينما كانت صورة المعارضة في وعيه باهتة آنذاك. لم يعترض والده بل على العكس شجعه في نقاش بينهما إن كان ذلك قرارا صائبا وإن كان من الأفضل أن ينضم لحزب معارض. يذكر عبد المنعم جيدا ما قاله له والده: “لو دخلت حزب معارض ستموت بالداخل بلا جدوى ولن تتعلم شيئا. في الحزب الوطني على الأقل ستتعلم السياسة ويمكن بعدها أن تختار طريقك".<br />ترقى عبد المنعم سريعا حتى وصل إلى الأمانة العامة للحزب، تراكمت بعض السلبيات التي كان يقاوم تأثيرها بدعوى جدوى الإصلاح من الداخل حتى جاءت لحظة فارقة. عندما طلب منه في انتخابات عام 2005 أن يشترك ويساعد في تزوير فرفض وتسبب ذلك في توتر كبير. يقول أن تلك كانت تجربة موجعة بالنسبة له وساعتها اتخذ قراره وترك الحزب.<br />يقول أنه في ذلك الوقت بدأت المعارضة تنتعش وترفع صوتها وظهرت حركات التغيير، حتى أن والده سأله مستنكرا:” إنت لسه قاعد في الحزب الوطني بتعمل إيه؟".<br />بعد تركه الحزب ظل سنة بلا نشاط سياسي، حتى وجد ضالته في حزب الجبهة الديمقراطية الذي أسسه عام 2006 أسامة الغزالي حرب، الذي خرج من الوطني أيضا. انضم عبد المنعم مع عدد من الشباب وأسسوا معا منظمة الشباب بالحزب التي يحتل عبد المنعم فيها منصب الأمين العام.<br />نسبة ليست قليلة من شباب الجبهة كانوا من الشباب المتحمس للتغيير من داخل الحزب الوطني، لكن صبره نفد ووجد في استقالة الغزالي حرب وتأسيسه حزبا جديدا شابا الطريق الأمثل. من هؤلاء أيضا شهاب عبد المجيد، رئيس نفس المنظمة في حزب الجبهة.<br />يحكي شهاب أن ميولا ليبرالية تشكلت لديه منذ صغره. وانضمامه للوطني جاء بسبب رغبته في التغيير وقناعته أن تغيير المؤسسة يجب أن يكون من داخلها، والحزب الوطني ليس كأي حزب آخر فهو بشكل ما جزء من الدولة. بالإضافة أن الأحزاب الأخرى لم تكن مقنعة له.<br />توجه لأمانة المعادي وملأ طلب عضوية مع عدد من أصدقائه. راحوا وجاءوا يسألون عن مصير الطلب. استخرجوا الكارنيه. ثم ماذا بعد؟ راحوا وجاءوا أيضا يسألون عما يمكن أن يقدموه. يقول شهاب أن هناك نسبة من العضوية هي مجرد أوراق وكارنيهات، ولكنهم أحسوا أننا نريد أن نعمل فعلا. بدأ شهاب وأصدقاءه يمارسون العمل السياسي، يجدون ما لا يعجبهم ولكنهم يعزون أنفسهم أنهم على الأقل يؤثرون في بعض الشباب داخل الحزب . ولكن شيئا فشيئا تراكم لديهم شعور أنهم أدوات وأذرع لمراكز اتخاذ قرار مغلقة وبعيدة، لا وجود للأفكار أو المباديء ولكن هناك حضور كبير لتبادل المصالح، هناك انتقادات عنيفة للحزب والحكومة داخل الحزب ولكن ذلك لا يقال في العلن ولو حاولت أن تتحرك لإصلاح ما يتم انتقاده فأنت مثير للشغب. ولكن يبدو أن الأمر الأقسى كان إحساس شهاب وأصدقائه أنهم أصبحوا محاطين بجيش من "المأجورين" على حد تعبيره.<br />يحكي أن أمرا جاء له ولخمسة من أصدقاءه مع آخرين عام 2005 بتشكيل مظاهرة في الحسين في مقابل مظاهرة للإخوان المسلمين. ذهب شهاب وزملائه يحركهم انتماءهم وحماستهم ولكنهم فوجئوا أنهم محاطين بالكثيرين ممن أتوا من أحل مبلغ مالي زهيد وساندوتش! يضحك شهاب :”وبصراحة، كنا قد رأينا ما يكفي. وعرفنا جيدا أنني وسط أطراف وأدوات تنفذ فقط. وأن الطرف المنفذ علاقته بالحزب هي الساندوتش. ولسنا في حاجة إلى الساندوتش".<br />مصير الأصدقاء الستة كان كالأتي، هو واحد آخر انضموا للجبهة فور تأسيسه، وواحد انضم للإخوان وثلاثة يأسوا تماما وابتعدوا عن السياسة.<br />خروج شهاب وعبد المنعم كان يأسا من فكرة الإصلاح من الداخل وكلاهما يردد بنفس اللفظ:”الإصلاح من الداخل مستحيل. تضييع وقت". ولكن لأنهما في لحظة ما داخل الحزب فهما يعرفان جيدا أن الصورة النمطية المشيطنة عن "عضو الوطني" ليست صحيحة تماما ولا تنطبق على الجميع. لكنهما يردنا على حجج الباقين على أمل الإصلاح من الداخل من أن بعض المشكلات هي ثقافة مجتمعية لا تخص الحزب، وأن الحزب واقعي يركز على حلول المشكلات لا الأفكار والأيديولوجيات.<br />ففي رأي عبد المنعم أن بعض مظاهر الفساد ومنها التزوير كان الحزب الوطني مؤسسة معنية بنشرها وتثبيتها والحفاظ عليها كأداة. أما عدم وضوح مباديء الحزب وأفكاره جعلت هناك خليط من ذوي الميول الاشتراكية والإسلامية يتلقون داخله مع آخرين ليبراليين، والنتيجة أن ما يجمع أفراده هو تبادل المصالح الخاصة وخدمة السلطة.<br />أما شهاب فيعلق على دعاوى واقعية الحزب ووسطيته واهتمامه بالسياسات التفصيلية لا بالأفكار الكبرى والأيديولوجيات بأن تلك الطريقة تعني غياب الرؤية السياسية، ويعتبر الأحوال المتردية نتيجة طبيعية لهذه الطريقة في النظر للسياسة: "أن تبحث عن حل لكل مشكلة بلا رؤية واسعة. فهذه طريقة إدارة كشك أو مقهى وليست برنامج حزب”. يتندر كلا من شهاب وعبد المنعم من أن الحزب الوطني الذي يتجه الآن لتطبيق سياسات ليبرالية لا يزال عضوا في الاشتراكية الدولية ولم ينضم بعد لتجمعات دولية ليبرالية انضمت إليها باقي الأحزاب الليبرالية المصرية ولكنه يضيف : "ولكن ذلك طبيعي ومنطقي إذا كان الكل في الحزب ينتظر الأوامر من فوق. واشتراكي الأمس أصبح ليبرالي اليوم وغدا ينتظر الأوامر الجديدة".<br /><br /><hr /><span style="color: rgb(153, 0, 0); font-weight: bold;font-size:180%;" >هذا الحزب من ذاك البلد</span><br /><br />هناك دفاع شهير وشائع ضد أي انتقادات تشير إلى مشكلات وعيوب مؤسسة أو جماعة: “إنها ثقافة المجتمع الذي يحيط بهذه المؤسسة أو الجماعة ويؤثر فيها".<br /><br />يستخدم هذا الدفاع من جانب شباب الحزب الوطني بكثافة عالية ضد الانتقادات الأكثر حدة التي توجه إليهم. مثلا: التعايش مع استغلال النفوذ والفساد، القبول بخلل الميزان الديمقراطي وزيادة ثقل اختيارات القيادات العليا عن اختيارات" شعب الحزب" من أسفل، قلة الاهتمام بالأفكار السياسية في مقابل التوجه نحو العناية الكثيفة بالإدارة عبر تقديم الخدمات ومحاولة حل المشكلات التي تظهر هنا وهناك.<br /><br />هناك زاوية نظر ترى أن بعض ملامح الثقافة الاجتماعية السائدة تدعم دفاعهم: المقاومة الضعيفة للفساد في مستوياته الصغيرة، استبداد صغير في الأسرة وأماكن العمل واستغلال نفوذ صارخ عبر أسلوب "الواسطة" وتجاهل عادي ويومي للقانون، التذمر من أجل الحصول على خدمات أفضل وحل المشكلات مع غياب التفكير على مستوى سياسي في مجتمع مختلف يتجاوز مشكلاته بشكل جذري.<br /><br />وفق وجهة النظر هذه يمثل الحزب الوطني "جماعة طبيعية" من المجتمع المصري تحمل عيوبه، ويكون اختياره من قبل الشباب الراغب في الدخول إلى ساحة السياسية اختيارا وجيها. فهو من جهة ساحة عملية لممارسة السياسة ومواجهة هذه المشكلات على أرضها بدلا من الإشارة إليها من بعيد عبر شعارات وأحلام سياسية لا يفهمها الجمهور. وهم في الوقت نفسه يعترفون بكل الخطايا والآثام التي يحملها المجتمع ومعه مجتمع أعضاء حزبه الحاكم، مع بعض الاعتذاريات والتبريرات والتخفيفات هنا وهناك.<br /><br />ولكن الجانب الآخر لهذه الصورة ليس في صالح دفاع شباب الحزب الوطني عن اختيارهم. فالحزب الذي تتجلى فيه جوانب هذه الثقافة لا يبدو في نظر الكثيرين أنه ساحة للفعل السياسي الواقعي الذي يحاول تجاوز مشكلات هذه الثقافة. فزاوية النظر الأخرى ترى أن ساحات الحزب قد تكون محضنا لانتعاش هذه الثقافة وازدهارها وإعادة تصديرها للمجتمع، بحكم كونه في موقع السلطة وكونه قارب الراغبين في عسلها. وعن طريق اشتراك أعضاء الحزب أو سكوتهم عما يحدث وعن قمع أقرب الخيارات البديلة فهم شركاء أيضا في سيادة طريقة واحدة في التفكير في أي تغيير: التغيير من داخل السلطة نفسها، وبالإيقاع الذي يفضله القابضون عليها، إن كانوا يفضلون، وبدون الطموح إلى أي أفكار ومقترحات بديلة أو خيال سياسي مختلف.<br /><br />بين المجتمع والحزب، الذي يحتل منذ نشأته موقع السلطة، علاقة جدلية معقدة، ولا يمكن تحديد ضربة البداية، فهي بعيدة الغور في تاريخ المجتمعات ووعيها السياسي والاجتماعي. والنتيجة حتى هذه اللحظة من المباراة وليدة الشد والجذب المتبادل بين السلطة والمجتمع، وقد يكون تأمل بعض التفاصيل والوجوه مفيدا من أجل رؤية الصورة المتداخلة والجدلية بين صورتين سائدتين مستخدمتان في الهجوم والدفاع: المجتمع المجني عليه في مقابل الحزب الجاني، أوالمجتمع المهتريء في مقابل الحزب الذي يحاول ستر عورته والسهر على نهضته.<br /><br /><hr />نشر في "الشروق" الخميس 21 أكتوبر 2919<br />PDF<br />في الصورة: محمود إبراهيم، المدون الناشط في الحزب الوطني<br /><br /></span></div>عمرو عزتhttp://www.blogger.com/profile/08927951113123256622noreply@blogger.com4tag:blogger.com,1999:blog-5559439168559928821.post-68291885250051942702010-10-07T03:42:00.000-07:002010-10-07T17:46:18.875-07:00مقارنة الأديان فنا شعبيا<a onblur="try {parent.deselectBloggerImageGracefully();} catch(e) {}" href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhJYmXT5vxB4y1p40ZdjupTbGP2s46pEu-9b4MSl8xgPd_PirOKvNjTSnkbqdg_pWbjRwOfvVkRF4EE8uFebU0GTnEiaQ2tJ5xXyvh0O6AF9i-ZrmQql_151_KAXprTbC_dx5VJpk64GII/s1600/%D8%A3%D8%A8%D9%88+%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85+1.jpg"><img style="cursor: pointer; width: 400px; height: 300px;" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhJYmXT5vxB4y1p40ZdjupTbGP2s46pEu-9b4MSl8xgPd_PirOKvNjTSnkbqdg_pWbjRwOfvVkRF4EE8uFebU0GTnEiaQ2tJ5xXyvh0O6AF9i-ZrmQql_151_KAXprTbC_dx5VJpk64GII/s400/%D8%A3%D8%A8%D9%88+%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85+1.jpg" alt="" id="BLOGGER_PHOTO_ID_5525258596581179010" border="0" /></a><br /><span style="font-size:85%;">أبو إسلام أحمد عبد الله، الأب الروحي للعديد من الشباب الناشطين في ساحات الجدل الديني</span><br /><br /><div dir="rtl" style="text-align: right;"><div style="text-align: justify;"><span style="font-weight: bold;">الجدل الديني المصاحب لحالات التحول من المسيحية إلى الإسلام أو العكس ليس وليد لحظات كونها قضية رأي عام لبضعة أسابيع، ولكن البعض يتخذه مجالا أساسيا لنشاطه متطوعا، فردا أو عبر مراكز وأكاديميات، تهدف لتخريج أجيال يواصلون خوض مواجهات "التنصير" و"الأسلمة" الساخنة على الدوام، في دائرة الضوة أو تحت السطح.</span><br /></div><br /><span class="fullpost">في التاكسي الذي استقله الشاب عبد الكريم عمار كان بانتظاره سائق مسيحي، فيما يبدو ضليع في مجال مقارنة الأديان، أو بدا كذلك بالنسبة لعبد الكريم الذي سمع كلاما جديدا تماما عليه. فقد بدأ السائق يحدثه عن الإسلام مشككا وعن المسيحية مرغبا. عبد الكريم الشاب السلفي الملتزم الذي يتلقى دروسا في العلوم الشرعية التقليدية من قرآن وحديث وفقه لم يتمكن من الرد عليه.<br />"قلت يا نهار أسود!” يعبر عبد الكريم عن صدمته آنذاك، لقد واجه لأول مرة شيئا من "التنصير" الذي يقول أنه طالما سمع عنه. ولكنه عن طريق معارفه سمع أيضا عن <a href="http://www.baladynet.net/Balady/itc/index.htm">"الأكاديمية الإسلامية لدراسات الأديان والمذاهب" التابعة لـ"مركز التنوير الإسلامي"</a> الذي أسسه ويديره الكاتب والداعية أبو إسلام أحمد عبد الله. تقدم الأكاديمية دورات تثقيفية يدرس فيها الطلاب مواد تتعلق بمقارنة الأديان وبالتحديد "نقد المسيحية والرد عليها" بغرض "مواجهة التنصير".<br />تلقى عبد الكريم الدورة التي تستغرق 50 ساعة على مدار شهرين تقريبا وظل على صلة بالمركز لفترة قبل أن يصبح أحد المحاضرين في هذه الدورات وأحد النشطين المتطوعين في خدمة المركز، حتى أنه لا يجد غضاضة في تقديم الشاي أحيانا لأبي إسلام في المركز.<br />يتلقى <a href="http://www.baladynet.net/Balady/abuislam/cv.htm">أبو إسلام أحمد عبد الله</a> كوب الشاي من يد عبد الكريم ممتنا. يلتفت مبتسما: "والله لو خيرت أن أفقد إسلام أبني أو أفقد واحد من أبناء المركز، أختار أن أفقد ابني. لقد تخرج من دورات المركز إلى الآن 600 دارس ودارسة، على الأقل 100 منهم الآن نجوم في مواجهة التنصير على الإنترنت وغيره. أسُود !".<br />أسس أبو إسلام مركز التنوير الإسلامي عام 1997، لكي تكون منطلقا لمشروع دعا إليه تحت اسم "حتمية العودة والمواجهة". وكان مشروعه ردا على حملة شنتها الدولة في التسعينات لمواجهة "الإرهاب والفكر المتطرف" وأصدرت سلسلة كتب رخيصة تحت عنوان "المواجهة" و "التنوير" وأسس فرج فودة "جمعية التنوير". يقول أبو إسلام أنه حاول إقناع عدد من الدعاة المسلمين وقتها بالاشتراك في سلسلة مضادة تحت عنوان "حتمية العودة" ولكنهم تخاذلوا على حد تعبيره.<br />يقول أبو إسلام أن تركيز نشاط المركز فيما بعد على "مواجهة التنصير" كان بهدف التميز ﻷن هناك كثيرون كتبوا وتكلموا في مواجهة العلمانية والماسونية واليهودية، والكتابة في مواجهتهم نشاط قديم لأبي إسلام، بينما يرى أن "التنصير" يحدث على قدم وساق وهويكاد يصرخ في مؤلفاته محذرا منه.<br />يحكي أبو إسلام و تلاميذه قصصا متعددة عن سائقي التاكسي الذين يبشرون بالمسيحية وينتقدون الإسلام وعن المطويات التنصيرية التي يتم توزيعها في شوارع بعض الأحياء. قد يبدو هذا للبعض ممن لم يصادفوا مثل هذه المواقف من قبيل "اللي يخاف من العفريت يطلع له". ولكن الأكثر ظهورا هي الحوارات الكثيرة الهادئة أو العنيفة على منتديات الإنترنت بين شباب مسلمين ومسيحيين، بعضهم نذر نفسه وجعل هدفا لحياته الدفاع عن دينه والتشكيك في الدين الآخر.<br />في بعض مطبوعات الأكاديمية، التي تشبه ملخصات المناهج الدراسية ومراجعات ليلة الامتحان، اهتمام خاص بأسلوب الجدل والمناظرة وهناك نصائح وتعليمات خاصة بأسلوب الردود على منتديات الإنترنت أو المناظرة الصوتية في غرف البالتوك. أما المضمون الدراسي فيركز على الإلمام بالعقيدة المسيحية والتركيز على "نقاط الضعف" والمواضع المثيرة للجدل في الإنجيل التي ينبغي أن تثار، وفي المقابل هناك مناقشة لـ"الشبهات" المتوقعة التي يثيرها "الخصوم" بشأن الإسلام والقرآن والنبي محمد ويجب على تلاميذ الأكاديمية معرفة كيفية الرد المفحم عليها.<br /><br /><span style="font-weight: bold;">متخصصون ومتطوعون</span><br />يتنوع محاضرو الأكاديمية بين أساتذة متخصصين من الأزهر ومن شباب في العشرينات والثلاثينات من خريجي الأكاديمية النابهين الذين رأي فيهم أبو إسلام حضورا وحماسة. يتدخل عبد الرحمن سالم، الطبيب الشاب خريج الأكاديمية والمحاضر فيها الآن، ويقول أن علماء الأزهر الذين درسوا له يفتقدون للروح، وعندما كان يسألهم أثناء الدراسة عن استخدام المادة العلمية التي يدرسونها في الرد على المسيحيين كان بعضهم يقول له: تعلم المادة العلمية فقط للمعرفة ولا تجادل أحدا. بينما وجد عبد الرحمن في المحاضرين الذين يدرسون ويعملون بمجالات أخرى حماسة واهتمام أكثر، فهم أصبحوا محاضرين بعدما درسوا في الأكاديمية أو اهتموا بمجال "الدفاع عن الإسلام" بدافع شخصي وليس بغرض الحصول على "شهادة دراسية" أو لقمة عيش.<br />يهز أبو إسلام رأسه أسفا من أن معظم علماء الأزهر المتخصصين كانوا يصرون على تقاضي أجرا مقابل التدريس بينما يتطوع كل المحاضرين غير المتخصصين، ويضيف: ”ولكن هذا مرتبط بتخاذل المؤسسة الدينية الرسمية من الأساس ولابد أن نتاجها سيكون متخاذلا وضعيفا. ولكن بحمد الله هناك معيدين بجامعة الأزهر جاءوا ودرسوا في الأكاديمية لحاجتهم إلى نوع العلوم الذي نقدمه".<br />الانتقاد الذي يوجه لهؤلاء الشباب من علماء الأزهر أن الجدل بين الأديان يجب ألا يترك لعوام الناس لأنه مثير للمشاعر ويندر أن ينضبط الحوار في مسائل العقيدة المعقدة والدقيقة. يعلق أبو إسلام أن ذلك ربما يكون صحيحا في المطلق، ولكن عندما يكون هناك "صراع" بين الأديان وهجوم على الإسلام يجب على كل مسلم أن يدافع. ويضيف: "ما نفعله على العكس يعصم الشباب العادي من الهياج والرد العنيف. فعندما تفتقر إلى المعرفة بدينك ودين الآخر ستثور مشاعرك عندما يهان دنيك فترد بيدك. لكن لو لديك المعرفة سترد بالحجة بدلا من ذلك".<br />ولكن ذلك لا يمنع من كثير من الشدة والعنف اللفظي، اللذين تحفل بهم مقالات أبي سلام وأحاديثه: "أنا أصطنع الشدة صناعة. هناك75 مليون مسلم يسكتون أو يتعاملون بلين مع المسيحيين. لا ضير في واحد أو اثنين يرد بغلظة. الحكمة تقتضي أحيانا أن تضرب بالجزمة من يستحق ذلك. وأن ترد بقلة أدب على قليل الأدب. أنا مثلا أقول دائما أن القس زكريا بطرس - الذي ينتقد الإسلام في برامجه على فضائية الحياة - هو كلب المسيحية. نعم، وأنا في المقابل كلب الإسلام!".<br /><br />ورغم أنه يدافع عما يقوم به المركز بدافع من حرية التعبير متسائلا: ألا يدعو الشيوعيون إلى أفكارهم في حرية؟ إلا أنه يشتط غضبا عندما يقال أمامه أن من حق المسيحيين الدعوة لدينهم مثلما يدعو المسلمون فيقول: “لا، الأمر مختلف. للبيت أب، وهناك كبير وصغير، وأغلبية وأقلية. حرية المسيحيين في الدعوة لدينهم همجية وليست حرية، وليس في مصلحة المسيحيين أن يدخلوا معركة التنصير والأسلمة. الحسبة بسيطة: لو أن 5 مليون مسيحي عملوا كلهم في التنصير سينصرون 5 مليون مسلم على الأكثر، بينما لو 10 مليون مسلم فقط اشتغلوا بالأسلمة سينتهي وجود مسيحيي مصر بمن نصروهم!".<br />لحسن الحظ أن الملايين لم يدخلوا بعد "اللعبة البسيطة" التي يحكي عنها أبو إسلام، ولكن أعداد كبيرة من الشباب وجدت إثارة كبيرة في لعبة الشد والجذب هذه منذ السبعينات. عندما اشتهر الشيخ أحمد ديدات، الهندي الأصل، بكتبه الناقدة للمسيحية ومناظراته مع القساوسة. واًصبحت كتبه وفيديوهات مناظراته ومناظرات أخرى وشرائط كاسيت لقساوسة أسلموا تباع أمام أبواب المساجد وعلى الأرصفة.<br />يؤكد أبو إسلام أنه يتبنى خط الشيخ ديدات، مؤكدا أنه أول من اتخذ مواجهة التنصير مجالا أساسيا في مصر : "وعندما وصلت للأربعين فكرت في بداية دورات الأكاديمية لتخريج جيل يكمل المسير. الهدف أن نستنسخ العديد من أبي إسلام في هذا المجال".<br />ويبدو إن إيقاع المواجهة يتسارع، ولذلك بدأت الأكاديمية من فترة في الإعلان عن<a href="http://www.baladynet.net/oneday.htm"> دورات اليوم الواحد</a>، 8 ساعات من المحاضرات التي تزود المسلم بالحد الأدنى الذي يحتاجه لكي يخوض جدلا عقائديا دفاعا عن دينه ومهاجما محاولات التنصير.<br />ينتشي أبو إسلام عندما يسمع التساؤل إن كان الشباب الذين يقودون حملة "تحرير كاميليا" ويدعون للتظاهر من أبناء المركز. ولكنه يبتسم ويقول:”وهل تظن أن سيل (المسلمات الجدد) وحملات الدفاع عنهن انطلقت من شباب يفتقدون لحد أدنى من التأهيل؟ ولكن أبناءنا نشطون بحرية. وعلاقتهم بالمركز تظل مجرد نصيحة، لأن المركز عمله يقتصر على التثقيف. ليس من الذكاء أن أتحمل مسئوليتهم أو يتحملوا مسئوليتي" يسكت ثم يضيف: "القبضة الأمنية الشديدة تمنعنا من أشياء عديدة. نحن أيضا لا يمكننا الإعلان عن حالات إسلام مسيحيين يكون فيها المركز سببا أو حالات تنصر مسلمين نكشفها. نتعرض لمضايقات عديدة ومتنوعة ولكن لا مجال للخوض فيها".<br />المركز مشهر كشركة مدنية، ويقول أبو إسلام أن ربح المطبوعات واشتراك الدورات يغطي تكاليفه بالكاد وربما يطلب من دارسي إحدى الدورات أن يساهموا في إيجار المركز الذي يحتل شقة في منطقة العباسية. ويؤكد أن المزيد من الإمكانات يحتاجه هذا المجال خاصة مجال الدفاع القانوني عن المسلمين الجدد ومتابعة احتياجاتهم المختلفة، وبعض هذه المهمات يؤديه تلاميذ وخريجي المركز تطوعا.<br /><br /><span style="font-weight: bold;">أبناء الأكاديمية</span><br />يأتي ذكر أحمد الجيزاوي المحامي، أحد خريجي المركز. فيحكي أبو إسلام كيف أنه كان "مرعوبا" في أول مرة ذهب مع مسيحي أشهر إسلامه ليساعده في الإجراءات، بينما الآن أصبح صاحب مركز مستقل. ولكن الشيخ أبو إسلام يبدي أسفه من أن الجيزاوي أصبح مطيعا للأمن وخرج عن خط المركز ونهجه.<br />مكتب المحاماة الخاص بأحمد الجيزاوي، الذي يبلغ من العمر 28 سنة، هو نفسه مقر <a href="http://start0.blogspot.com/">مركز "نداء للحوار بين الأديان"</a> الذي أشهره أيضا كشركة مدنية عام 2002 بعد تخرجه من أكاديمية مركز التنوير:"أنا ومعظم الشباب المهتمين بهذا المجال تلاميذ أبي إسلام وندين له بالفضل. هو أول من ابتدع هذا المجال في مصر، وهي بدعة حسنة". ولكنه يضيف أن أبا إسلام يصطدم بالأمن وهو ما يعوق نشاطه ويؤثر عليه، بينما يحاول هو في تجربته المستقلة الابتعاد عن ذلك.<br />يقول الجيزاوي:"المركز بالأساس مشروع شخصي لي وفريق المركز مجرد 3 أشخاص نعمل بالجهود الذاتية. كان اسمه (مركز نداء للمقارنة بين الأديان) ومهتم بالبحث النظري وتقديم مادة تفيد الشباب الذي يدافع عن الإسلام على الإنترنت. ولكننا فيما بعد حاولنا تجنب النشاط على الإنترنت لتجنب سلبياته. فمعظم الشباب المسلم والمسيحي يكتب ويناظر بأسماء مستعارة وتحدث مشاحنات وسوء تفاهم. ووجدنا أن المركز يجب أن يتوجه إلى العمل على الأرض".<br />يوضح الجيزاوي أن ذلك يعني الذهاب إلى من يسمعون بقيامه بالتبشير في منطقة ما لمناقشته ومناظرته، استقبال مسيحيين راغبين في الحوار أو الدخول في الإسلام. كما أنهم في فترة قاموا بإجراء لقاءات مستمرة مع قساوسة وشباب مسيحيين داخل كنائس قبطية وإنجيلية توجه الجيزاوي ورفاقه إليها لظنهم أنها تقوم بنشاط تبشيري.<br />يقول الجيزاوي:"هذه اللقاءات كانت مناظرات مغلقة واستمرت من 2004 إلى 2008 وتوقفت فجأة بعد اعتذار الكنائس عن الاستمرار في ذلك. ونحن أيضا ركزنا جهودنا على الحوار مع رجل الشارع وليس المناظرات المغلقة للخاصة".<br />يصدر مركز نداء أيضا بيانات ومطبوعات ومادة دورة على اسطوانة يهديها مجانا للشباب الراغب في الإلمام بالمعلومات الأساسية التي تساعده في الجدل حول الإسلام والمسيحية. إذا كانت مطبوعات مركز التنوير تشبه ملخصات دراسية مكتوبة بلغة مبسطة فإن مواد مركز نداء تشبه كراسة طالب، فهي مكتوبة بلغة بالغة الركاكة ومليئة بالأخطاء اللغوية الفادحة. وفي مدونة المركز على الإنترنت، التي يوجه الجيزاوي فيها دعوة إلى البابا شنودة لمناظرته شخصيا، هناك تعليقات من قراء تسخر من الأخطاء اللغوية العجيبة لمن يقومون بمقارنة الأديان.<br />يتخذ الجيزاوي نفس خط إبي إسلام الذي يمزج "مقارنة الأديان" بخطاب سياسي ضد الكنيسة المصرية وممارساتها والبابا شنودة وسياسته. يكرر بعض ما يقوله أبي إسلام من أن الحكمة تقتضي أحيانا بعض الشدة والحدة في الرد عندما تحدث إساءة. ولكن الجيزاوي يتخذ شكلا قانونيا في مناقشة بعض النقاط، فهو لا يري من حق المسيحيين الدعوة لدينهم لأن الشريعة الإسلامية تجرم الردة عن الإسلام، ولذلك فدعوة المسلمين إلى دين آخر هي دعوة تخالف القانون والدستور الذي يتخذ الشريعة الإسلامية مصدرا.<br />كقانوني ينشط الجيزاوي أيضا في حالات التحول إلى الإسلام فيقدم دعما قانونيا للمسلمين الجدد، وعن طريق علاقاته يحاول توفير دعم مادي أوغيره من باب الإنفاق على "المؤلفة قلوبهم" كما في بيانات المركز. يقول الجيزاوي أنه يتعرض أحيانا للاعتقال وأن ذلك حدث معه أثناء محاولته دعم وفاء قسطنطين، ويقول أنه مع زملاء من خريجي مركز التنوير كانوا آخر من رآوها في المستشفى قبل اختفاءها، ولكنه رغم ذلك يقول: "الأمن فقط يقلق من التناول الإعلامي وإثارة الضجة ولكن في الحقيقة هناك الكثير من الضباط يساندون المسلمين الجدد ويعرضون مساعدتهم إن تعرض إليهم أحد".<br />هناك تفاوت شديد بين الناشطين في مواجهات التنصير والأسلمة، بين تفهم موقف الأمن ثم اتهامه في مواقف أخرى بمحاباة الكنيسة ومساعدتها على خلق دولة داخل الدولة في مقابل التضييق على الإسلاميين.<br />يعلق أبو إسلام مبديا أسفه: "أحمد الجيزاوي ضاع منا. ولكن خريجي المركز وتلاميذي غير المعروفين والذين يتجنبون الظهور كثيرون بارك الله فيهم لهم صولات وجولات ويملأون قلب عدوهم غيظا بحمد الله".<br /><br /><hr /><br /><span style="font-size:180%;"><span style="font-weight: bold;"> لهجة الأب يوتا ومصيره</span></span><br /><br />ميشيل ليس اسمه الحقيقي، ولا حتى اسمه المستعار الذي يخوض به الجدل في منتديات الإنترنت وغرف البالتوك التي رفض أيضا أن يظهر اسمها خوفا من التتبع الإلكتروني. الطبقات المتعددة من السرية والاسم المستعار ضروريون جدا بالنسبة لميشيل الذي يصف نفسه بأنه يرد بقوة وجرأة على افتراءات الشباب المسلم وتشكيكه في المسيحية بنقد الإسلام. يقول ميشيل: “الكل يعلم ماذا يحدث عندما ترد بالمثل وتنتقد الإسلام. عزازيل مؤلفها كاتب مرموق ومشهور رغم أنها أساءت لديننا. لكن عندما ردت رواية مماثلة على الإنترنت محدودة الانتشارهي <a href="http://www.jesus-for-all.net/story_books/pdf_5002.pdf">(تيس عزازيل في مكة)</a> وتحت اسم مستعار للمؤلف (الأب يوتا) تم اتهام هاني نظير المدون المسيحي بأنه هو الأب يوتا بناء على ظن مسلمين متشددين وتم اعتقاله 21 شهرا بدون حكم قضائي".<br />بعض الشباب المسيحي مثل ميشيل يرى أن لهجة الأب يوتا في الرواية، التي تضمنت في رأي البعض إهانة للنبي محمد وسخرية منه، هي مجرد رد بسيط على سيول من إهانة المسيحية وتشكيك المسيحيين في دينهم. يقول ميشيل:”مثلا أبو إسلام أحمد عبد الله ومركزه الشهير وتلاميذه يعملون في النور وأقصى أذى يتعرضون له أن يعتقل أحدهم يومين. هو يدعي أنه رد فعل وأنه يقاوم التنصير. وأنا أضحك من هذا الكلام. لقد هاجم الغزو العربي مصر وقام بأسلمتها بالقوة ونحن الذين نقاوم الأسلمة بدون أن نتمتع بحرية التبشير بديننا بينما وسائل الإعلام تصدعنا بخطاب ديني إسلامي ليل نهار".<br />الإنترنت أتاحت لميشيل وغيره مساحة لن يجدها في مكان آخر. بعض الكنائس ربما تعطي محاضرات تثقيف في العقيدة أو ردود على بعض الشبهات المثارة حول المسيحية أو تقارن بينها وبين الإسلام، ولكن بحسب ميشيل يتم ذلك في نطاق ضيق وتكون مشكلة كبيرة لو خرج إلى العلن ويطلب معظم القساوسة من الشباب عدم الدخول في جدل ديني مع مسلمين. يشكو ميشيل من أن معظم الشباب المسيحي يتحرك في ظل الكنيسة، والناشطين أو المدونين المسيحيين الذين يرفعون أصواتهم يواجهون مشكلات عديدة ويقعون بين سندان الكنيسة ومطرقة الأمن والمتشددين الإسلاميين على حد تعبيره.<br />الأصوات الأعلى والأكثر بروزا في الجانب المسيحي في مجال الجدل العقائدي تأتي من خارج مصر. الاسم الأشهر هو القس زكريا بطرس الذي يثير الجدل ببرامجه على قناة الحياة الفضائية. لدرجة أن بعض الشباب المسلم خصصوا قناة فيديو على يوتيوب فقط للرد أولا بأول على برامجه وسموها قناة "المخلص"، يحاضر فيها شباب متطوع بالصوت والصورة، يقومون بإعداد التسجيل في بيوتهم. ومعظهم يدرسون أو يعملون في تخصصات لا علاقة لها بمقارنة الأديان أو الدين عموما<br />بالمثل، ميشيل مهندس ولم يدرس بشكل مؤسسي علوم اللاهوت المسيحي أو مقارنة الأديان. ولكنه يقول أنه قرأ بشكل مكثف في الإسلام والمسيحية واستمع إلى عشرات المناظرات قبل أن يبدأ في خوض الجدل على الإنترنت مدافعا عن دينه. لا ينكر ميشيل أنه يتعمد أحيانا الاستفزاز في مقابل استفزاز الخصم ولهجته العنيفة: "لن نظل شهداء إلى الأبد. أو على الأقل سنقاوم قليلا قبل الاستشهاد !".<br />يضيف ميشيل: “عندما تكون هناك حرية حقيقة سنتمكن من إنشاء أكاديميات لمقارنة الأديان أيضا وسنكتب بأسماء حقيقة كتبا ونصور فيديوهات، عندما يتقبل المسلمون الانتقادات لدينهم مثلنا ويقبلون تحول أحدهم إلى المسيحية ويتركونه يعيش بحرية مثلما يدعوننا لتقبل إسلام المسيحيين، ساعتها يمكن أن أتحدث للصحافة باسمي الحقيقي بدون أن أخشى على حياتي".<br /><br /><hr /><br /><span style="font-size:180%;"><span style="font-weight: bold;">إلجام العوام عن علم الكلام</span></span><br /><br />في ديسمبر 2005، زار مجموعة من المدونين – بينهم كاتب هذه السطور- مقر مركز التنوير الإسلامي تضامنا مع أبي إسلام أحمد عبد الله بعد اعتقاله لفترة آنذاك على خلفية مقالات ساخنة كعادته كتبها ردا على القس زكريا بطرس ورأى فيها البعض إهانة لمسيحيي مصر جميعا. كتب بعض هؤلاء المدونين على مدوناتهم تضامنا معه رغم رفضه للهجته وأسلوبه ومضمون خطابه، ولكنهم أيضا أعلنوا أيضا تضامنهم مع المدون كريم عامر الذي اعتقل بسبب إساءته للإسلام – يقضي الآن عقوبة السجن خمس سنوات بسبب هذه التهمة بالإضافة لإهانة رئيس الجمهورية- رغم رفضهم لخطاب الكراهية والإهانة الذي بدر من عامر أيضا.<br />الجدل الديني الساخن ومقارنة الأديان التي تتضمن هجوما عنيفا وإهانات مبطنة، لا يعجب الكثيرين. وعادة ما يتم الإشارة إلى هذه الظاهرة كتنبيه لأهل الأمر، الدولة والأزهر والكنيسة، لكي يوقفوا هؤلاء عن ذلك.<br />ذلك ليس مطلوبا بالنسبة لكثيرين من أنصار حرية التعبير، التي قد تسمعنا أحيانا ما لا نحب. كما أن ذلك على أية حال لم يعد ممكنا ببساطة. في عصر المعلومات يد الرقابة لا تطال إلا الأشكال الرسمية في حدود، بينما الأشكال الشعبية للتعبير التي تحمل الأكثر سخونة وخطورة تظل بعيدا عن السيطرة الكاملة. والمواجهة الأمنية تزيد سخونة المواجهات وتمنح كل طرف صفة الشهيد المظلوم المقموع وتجعل الدولة تارة حليفة الإسلاميين المتشديين وتارة متخاذلة أمام تغول الكنيسة، وفق تعبيرات طرفي المعركة.<br />في القرن الخامس الهجري كتب أبو حامد الغزالي كتاب "إلجام العوام عن علم الكلام". وعلم الكلام هو علم الجدل العقائدي بين الأديان والمذاهب، ورغم أن المقصود بالعوام هنا مختلف في تفسيره إلا أن العنوان يحمل دلالة شائعة في الفكر الديني التقليدي الذي يدعو عامة الناس للابتعاد عن الجدل الديني لأنه مجال متخصصين، وطبعا لأن كل طرف يريد أن يبقى جمهوره مطمئنا بدون شكوك.<br />في عصر التدوين والشبكات الاجتماعية، تقل المسافة بين "العامة" و"النخبة المتخصصة" ولا يمكن الحديث الآن عن "إلجام العوام". يمكننا الحديث عن إيجابيات وسلبيات التعبير السهل والمفتوح للجميع، ولكن الصدمات الطائفية التي قد تنشأ عن بعض مساحات الجدل لا يمكن إرجاعها لحرية التعبير التي بقمعها نقمع كل حركة وإمكانية تغيير. الصدامات الطائفية تتغذي من شيوع رؤية ترى فيها "معركة حقيقة وضرورية ومقدسة". وبديلها أن يتمكن آخرون - عوام أومتخصصين – من تغيير مسار الجدل والتعبير إلى معارك وتحديات أخرى واحتلال أرض الصراعات الدينية برؤية أخرى غير طائفية مثلما يفعل دعاة التسامح والمواطنة ومناهضة التمييز الديني. عندها سيظل محبو المعارك الدينية يتمتعون بحرية ممارسة معاركهم المفضلة في نطاقها المحدود حتى تهدأ سخونتها تدريجيا بدلا من أن تزيد دماءهم وجروحهم كشهداء جاذبية معركتهم.<br /><br /><hr /><span style="font-size:85%;">عبد الرحمن سالم وعبد الكريم عمار هي أسماء مستعارة لمحاضري المركز الذين فضلوا عدم ذكر أسماءهم الحقيقية.</span><span style="font-size:85%;"><br />نشر في "الشروق" الخميس 7 أكتوبر 2010<br />PDF</span><br /><br /></span></div>عمرو عزتhttp://www.blogger.com/profile/08927951113123256622noreply@blogger.com5tag:blogger.com,1999:blog-5559439168559928821.post-11940458774518185792010-09-26T03:30:00.000-07:002010-10-07T17:47:40.985-07:00أبناء الجماعة الذين يبحثون عن "أسرة" مختلفة<a onblur="try {parent.deselectBloggerImageGracefully();} catch(e) {}" href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEiu6YkqMeI5Ax_TTYl0Qhd_QHLEGmtzsqTwhYRtvqhWHo3FvabjIEGfq5pGGXi2JDZuh9XHzD7DI8f6QESLFYCIMhPw3V4bPzACaGEvgaqGD8uz-QFDVZDFsinZk6rmhj0SBGew2uKx8gQ/s1600/ikhwan.jpg"><img style="cursor: pointer; width: 400px; height: 300px;" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEiu6YkqMeI5Ax_TTYl0Qhd_QHLEGmtzsqTwhYRtvqhWHo3FvabjIEGfq5pGGXi2JDZuh9XHzD7DI8f6QESLFYCIMhPw3V4bPzACaGEvgaqGD8uz-QFDVZDFsinZk6rmhj0SBGew2uKx8gQ/s400/ikhwan.jpg" alt="" id="BLOGGER_PHOTO_ID_5521180855863790770" border="0" /></a><br /><span style="font-size:85%;"><a href="http://www.flickr.com/people/egyptian_focus/">تصوير: أحمد سعد</a></span><br /><div dir="rtl" style="text-align: right;"><div style="text-align: justify;"><span style="font-weight: bold;">في مواجهة ميل سلفي يرونه متوغلا في جماعتهم وفي المجتمع كله، يعلن بعض الشباب داخل الإخوان اختلافهم ورغبتهم في اتجاه الجماعة إلى وجهة أخرى أكثر انفتاحا وتجددا. داخل "الأسرة" التي تعد نواة النظام التربوي للجماعة يظهر الجدل والصدام فينسحب البعض ويستمر البعض متفائلا معتبرا نفسه طليعة تغيير قادم.</span><br /></div><br /><span class="fullpost">لا يبدو شابا صداميا حادا، بل على العكس. الانطباع الذي يعطيه الشاب أسامة درة أنه أكثر هدوءا من باقي أبناء مدينته النشطة الحيوية دمياط. أسامة المحاسب الشاب الذي تجاوز منذ عام منتصف العشرينات كان قبل أسابيع سبب أزمة داخل شعبة الإخوان في دمياط بسبب جمعه لكتابات كان ينشرها على <a href="http://www.facebook.com/osamadorra?ref=ts">صفحته على الفيس بوك</a> ونشرها في كتاب.<br />"أنا في قاع الجماعة، و القاع بارد راكد. أنا أتعفن حيث أنا، التلف يتراكم بي، أنا أتـيـبـّّس هنا، و أخشى أن تأتي المعركة يوما فأعجز عن القيام لها، حتى الإخوة الأعزاء في أمن الدولة خذلوني... أنتظر مداهمتهم منذ تسع سنين على الأقل، و لا يأتون. هم أيضا يعرفون أن القاع كئيب غير مهم".<br />هذه الكلمات التي تظهر على ظهر غلاف كتاب أسامة درة الصادر مؤخرا <a href="http://www.facebook.com/group.php?gid=64869084049&ref=mf">"من داخل الإخوان أتكلم"</a> لم تفلح وحدها في تبديد ركود القاع الذي يتحدث عنه. ولكن حواراته مع الصحف بشأن الكتاب، والتي أبرزت آرائه الناقدة للخيارات السياسية للجماعة وخواطره كشاب إخواني حول الجنس والعلاقات، هي التي نبهت مسئولي الإخوان في دمياط فأصدروا قرارا بأنه "موقوف” العضوية. ولكن تدخل القيادي عبد المنعم أبو الفتوح ثم أحمد البيلي مسئول المكتب الإداري أسفرت عن توجيهات بتجميد هذا القرار. ولكن الأمر لم يتم حله تماما حتى الآن.<br />بابتسامة هادئة يقول أسامة: “أنا لا أعرف معنى الإيقاف أصلا. باستثناء أني لم أعد أحضر اجتماع (الأسرة)، فأنا وسط الإخوان لا زلت. ورغم تدخل قيادات مثل عبد المنعم أبو الفتوح والبيلي فلابد أن يتم التشاور للوصول لحل مع قيادات شعبة دمياط وفق قواعد العمل المؤسسي داخل جماعة الإخوان. وأيضا لأنهما أوصيا أن يتم البحث عن (أسرة) أخرى تستوعب أفكاري ونشاطي بسبب عدم توافقي مع نقيب أسرتي الحالية".<br />(الأسرة) هي تجمع لعدد من الإخوة يلتقون أسبوعيا تحت إشراف مسئول يطلق عليه (نقيب) يتابع أحوالهم الشخصية والدينية ونشاطهم مع الجماعة، يتشاركون الذكر والدعاء والعبادة، ومناقشة الشئون العامة والقضايا الملحة. تشكل الأسرة النواة التنظيمية الأولى لـ"مجتمع" الإخوان وتهدف لتحقيق "التعارف والتفاهم والتكافل" كما قال حسن البنا مؤسس الجماعة في "رسالة التعاليم”. يستخدم أسامة في حديثه كثيرا كلمة "المجتمع"، يقصد المجتمع الإخواني، للإشارة إلى شيء أكبر ربما من الهيكل التنظيمي للجماعة لا يزال أسامة يشعر أنه وسطه رغم توقفه عن حضور (الأسرة).<br />"نعم، الإخوان مجتمع وليس فقط تنظيم سياسي أو توجه ديني" هكذا يرى أسامة درة ناتج التركيبة المختلفة لجماعة الإخوان التي أراد مؤسسها أن تكون جماعة شاملة لتناسب "شمول الإسلام" كما يراه. فهي "دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية" على حد تعبير حسن البنا في "رسالة المؤتمر الخامس".<br />وسط هذا المجتمع لا يرى أسامة درة نفسه مهمشا أو شاذا بل يعتبر كونه "إخوانيا" هي "صفة لازمة" ولذلك جعل عنوان كتابه "من داخل الإخوان أتكلم" فهو يرى أن معظم كلامه تعبير عما يجول بخاطر أغلبية شباب الجماعة وربما يرددونه في جلساتهم الخاصة، ولكنهم ربما لا يملكون نفس الجرأة للتعبير عن ذلك.<br />يعبر أسامة من زاوية شخصية عن نفس ما عبر عنه عدد من مدوني الإخوان وأثاروا الجدل. مناقشة جمع الجماعة بين الجانب الدعوي الديني والجانب السياسي والدعوة إلى فك الارتباط بين الكيان الديني وبين جانب سياسي يجب أن يتخذ شكل حزب، إبراز الانفتاح على الأدب والفن والفكر "غير الإسلاميين" بالضرورة، التعبير عن بعض الخواطر العاطفية أو الجنسية والتلميح إلى انتقاد الفصل الصارم بين الجنسين ومنع أي تواصل بينهما.<br />يكتب أسامة على صفحته في الفيس بوك ولم يتعامل مع عالم المدونات الذي خبا بريقه بعض الشيء. ولكنه بشكل ما يمثل امتدادا لموجة التعبير التي أطلقها شباب من الإخوان قبل خمس سنوات في مدوناتهم الشخصية. ويبدو أن بعض المشكلات متشابهة أيضا.<br /><br /><span style="font-weight: bold;">"تمرد يا مجدي ؟!"</span><br />في مدونته <a href="http://yallameshmohem.blogspot.com/">"يلا مش مهم"</a> كتب مجدي سعد تدوينة بعنوان "علموا أنفسكم التمرد والدهشة ورمي الأحجار"، دعا فيها شباب الإخوان إلى التمرد على الأفكار القديمة والقوالب النمطية في التفكير وانتقد "المغالاة في تطبيق السمع والطاعة" في العلاقة بين المربي والشباب ودعاهم إلى القراءة والاستماع إلى المختلفين ورمي الأحجار في البرك الراكدة.<br />"تمرد يا مجدي؟!” كان هذا هو رد نقيب أسرة مجدي سعد. بالرغم من أنه أبدى تفهما لما كتبه إلا أن مصطلح التمرد كان صادما بالنسبة له. ولأن مجدي سعد كان ناشطا في قسم الطلبة في الجماعة، فإن بعض المسئولين نبهوه إلى أن بعض كلامه قد يساء تفسيره وتطبيقه من بعض الشباب المتحمسين.<br />يحكي مجدي سعد أن إساءة التفسير حدثت من جهتين. الأولى هي الصحافة التي أحبت أن تصور دعوات "التمرد" كأنها دعوة إلى انشقاق تنظيمي في حين أنه كان يدعو إليها في سياق فكري، بل وأكد بوضوح أن الدعوة إلى تغيير الأفكار والاجراءات التنظيمية ليس مدعاة للتخلي عن مسئوليات العمل والحركة داخل الجماعة حتى يحدث التغيير. الجهة الأخرى التي تسيء تفسير الدعوة إلى الأفكار المختلفة هم نقباء الأسر، يعلن مجدي سعد شكواه من أن بعض نقباء الأسر المسئولين عن التربية لا يجيدون استيعاب الشباب وعالمهم الجديد. ولكنه لا يعتبر ذلك صداما يوجب الانسحاب والابتعاد، فهو طلب مرتين تغيير الأسرة لخلافه مع نقباء اعتبروا أفكاره انحرافا وليست اختلافا. وحدث ذلك بالفعل و نجح مجدي في إقناع المستويات الأعلى بإلحاقه بأسرة مختلفة واستمر مجدي مع نقباء آخرين متفهمين.<br /><br />يبدو أن "الأسرة" تمثل احتكاكا مباشرا بين جيلين تختلف خبرة كل منهما ومزاجه. في دراسته عن شباب الإخوان التي نشرها مركز دراسات الإسلام والديمقراطية التابع لمعهد هدسون في أكتوبر من العام الماضي، قسم الباحث خليل العناني الجماعة إلى أربعة أجيال. جيل الحرس القديم الذي يتسم بالمحافظة نظرا لمعايشته الصدام بين الجماعة والنظام الناصري في الخمسينات والستينات، ولا يزال هذا الجيل على رأس تشكيلات الجماعة، الجيل الثاني هو جيل أكثر عملية وانفتاحا شهد علاقة أحسن نسبيا مع نظام السادات في السبعينات ومنه عصام العريان وعبد المنعم أبو الفتوح. الجيل الثالث يسميهم العناني "التقليديين الجدد" الذين شهدوا عودة الصدام العنيف مع النظام والمحاكمات العسكرية منذ التسعينات ويميلون للانغلاق والمحافظة على تماسك التنظيم، وأخيرا جيل الشباب في العشرينات والثلاثينات الذين يميلون أكثر للانفتاح على الآخرين ولديهم مشكلات مع البنية التنظيمية للجماعة ويضغطون من أجل الاستماع إلى أصواتهم.<br />بين الجيلين الأخيرين في الغالب يحدث الاحتكاك في الأسر. التدوين أو النشر يختصر الطريق ويقيم حوارا علنيا ينقله الإعلام بين الشباب الأكثر اختلافا وتطلعا وبين مستويات عليا في الجماعة. ولكن تحت السطح تظل تفاصيل العلاقة داخل الأسرة هي المجال الأهم للمواجهة واختبار الأمل في التغيير.<br />يحكي هشام عبد الله، الطبيب الشاب، أنه كان مسافرا إلى الدنمارك عقب الجدل الذي أثارته "الرسوم المسيئة" ضمن برنامج للحوار بين الشباب المسلم والشباب الدنماركي. وعندما أثار ذلك في لقاء الأسرة واجه انتقادا عنيفا من نقيب الأسرة وبعض زملائه. كانت حجتهم هي ضرورة المقاطعة التامة لهؤلاء القوم الذين أساءوا لنبينا بينما كان يحدثهم عن التنوع داخل كل مجتمع وعن اختلاف الثقافات وعن ضرورة إقامة جسور للتفاهم والحوار.<br />المفارقة أنه لم يكن بين هشام وبين نقيب أسرته جسر للتفاهم والحوار رغم أن هذا هو أحد أغراض تقليد "الأسرة". ولكن يبدو أن الطابع الأبوي العائلي الذي يحمله لفظ "الأسرة" يطغى أحيانا على فكرة التفاهم لصالح فكرة التربية من أعلى، وهو ما يختلف عن أجواء الحرية النسبية التي يتسم بها النشاط في الجامعة وسط الأقران من الشباب وهو ما اجتذب هشام إلى الإخوان وشجعه على الاقتراب.<br />يعرف هشام أنه لم يصل إلى مرحلة أخ عامل. المراحل التي يترقى فيها الفرد داخل الجماعة هي أخ محب ثم أخ مؤيد ثم أخ منتسب ثم أخ منتظم ثم أخ عامل. وفي الغالب يبدأ المنضم إلى الجماعة في حضور أسرة خاصة بإخوة مؤيدين ثم يرتقي ويتنقل في المستويات حتى يصل إلى مرتبة الأخ العامل.<br />لم يكمل هشام الطريق وفضل الابتعاد، بعد انتهاء مرحلة الجامعة كان انتقاله للنشاط في المنطقة عبر "الأسرة" محبطا. كما أنه يقول أن تطوره الفكري استمر مبتعدا تماما عن المشروع السياسي الإسلامي. يعتبر نفسه الآن ليبراليا بالمعنى العام للكلمة وإن كان يميل لبعض المحافظة فيما يخص الخيارات الأخلاقية.<br /><br /><span style="font-weight: bold;">مفترق طرق</span><br />يعترف مجدي سعد بأنه يلاحظ ، بحكم موقعه في قسم الطلبة بالجماعة، الفاقد الذي يحدث بين مرحلة الجامعة التي تمثل مرحلة خصبة للنشاط وتشهد إقبالا كبيرا من الشباب الذين يقتربون من الإخوان ويرغبون في الانضمام، وبين ابتعاد بعضهم في مرحلة ما بعد الجامعة التي يعد الانتظام في "أسرة" أهم معالمها لكي ينضم إلى إخوان الحي أو المنطقة التي يسكن فيها.<br />يرد مجدي سعد السبب في ذلك إلى اختلاف طبيعة الحياة الشخصية والالتزامات بين المرحلتين، ولكنه لا ينكر أيضا أن هناك مشاكل تتعلق بالناحية السلطوية في نظام "الأسرة".<br />ولكن من جهة اخرى قد يمثل بعض الجانب السلطوي عنصرا جاذبا يدعو بعض الشباب للتريث قبل رفض لقاءات الأسرة والابتعاد عن الجماعة. يقول هشام عبد الله أن هناك الكثير من الشباب داخل الإخوان يتبنون آراء مختلفة ويضيقون ذرعا ببعض توجهات قيادات الجماعة وخطابها السياسي ولكنهم يؤثرون البقاء داخل الجماعة من أجل البقاء داخل جماعة مؤمنة تعين على الطاعة وتجمع أبناءها بانتظام في أجواء إيمانية وروحانية بل وتحاسبهم بشأن ذلك وهو ركن أساسي من لقاءات الأسرة. يقول أن ذلك بالأساس هو دافع الكثير من الشباب للانضمام إلى الجماعة وليس الدافع السياسي، ويضيف أنه نفسه ظل لفترة مؤثرا البقاء على لقاءات الأسرة لأنه كان يحب وقتها أن يجد من يسأله ويحاسبه إن كان صلى صلاة الصبح في جماعة أم لا.<br />ولكن في جماعة تتبنى العمل السياسي من منظور ديني يتقاطع مستوى الأفكار السياسية والاجتماعية مع المستوى الديني، ويكون المناخ خانقا بالنسبة للشباب الذين يتوقون إلى بعض التحرر بينما يجدون في طريقهم مزاجا سلفيا صاعدا. يتفق أسامة درة ومجدي سعد وهشام عبد الله أن المزاج الديني السلفي الذي يؤثر على المجتمع ككل يؤثر على الإخوان أيضا لأنهم جزء من المجتمع. يوضح مجدي أن البنا عندما تحدث عن البعد السلفي عند الإخوان كان يقصد العودة إلى المنابع والأصول الأولى للدين، وليس المقصود هو الاتجاه السلفي الذي تشكل مع ابن تيمية وفقهاء الحنابلة وأهل الحديث ثم محمد بن عبد الوهاب وينتمي إليه مشايخ السلفية الحاليون ويتبنون خيارات أكثر تشددا وتضييقا.<br />يعتقد هشام عبد الله أن الإخوان مرنون ويتأثرون بميول المجتمع، وعندما يكون المجتمع منفحتا يميلون للاجتهادات الأكثر يسرا وعندما يكون المتدينون في المجتمع أكثر ميلا للآراء المتشددة فإن ذلك ينعكس داخلهم.<br />على عكس خيار هشام بالابتعاد، يعتقد أسامة درة ومجدي سعد أن الجدل بين هذا الميل السلفي والميل المقابل نحو الانفتاح والتجديد لا يدعو لليأس بل على العكس يبدو أنهما متفائلان بل ويعتقدان أن اعتبارهما “مختلفان” داخل الجماعة يستند في جزء كبير منه إلى اختلافهما، مثل كثير من الشباب داخل الإخوان، عن الصورة النمطية التي يكرسها الإعلام للشاب الإخواني أو المنتمي لتيار إسلامي بشكل عام.<br />يحكي درة أنه اعتاد كسر حالة التلقي داخل لقاءات الأسرة بفتح نقاشات حول قضايا اجتماعية أو فكرية، ويرى أن شباب الأسرة ينقسمون عادة إلى 30% من الموافقين له و30 % من المعارضين و40 % يبدون حيادا أو قلة اهتمام بالجدل.<br />يعتقد درة أن نظام التربية في الجماعة خلق جوا من التوجس من الأفكار الجديدة تجعل الأخ يشم رائحة الفكرة المختلفة ويحذر منها ولكنه يعتقد أن ما يقوم به هو وغيره من تعبير بحرية وجرأة سيدفع المزيد من الشباب لفعل ذلك وسيجعلهم ينخرطون أكثر في الجدل والحوار وسيفتح كل ذلك أبوب التغيير الذي يأمله. وحتى ذلك الحين لا يبدو أبدا أنه قلق بشأن تأخر إلحاقة بأسرة أخرى، يعتقد أن تلك مشكلة بسيطة في طريقها للحل. قد لا تكون كذلك بالنسبة لآخرين ولكن ما يظهر يقول أن "الاسرة" وهي الساحة التربوية والتنظيمية الأساسية تشهد جدلا كبيرا وأن المختلفين الذين يرفعون أصواتهم كل فترة ليسوا قلة أو هامش متمرد بل هم تعبير عن ميل صاعد متفائل بالمزيد من الصعود.<br /><br /><hr /><br /><blockquote><span style="font-weight: bold;"><span style="font-size:180%;">هكذا تحدث سمسم</span></span><br /><br /><a href="http://www.flickr.com/photos/19173953@N00/5025842356/" title="أسامة درة by Amr Ezzat, on Flickr"><img src="http://farm5.static.flickr.com/4105/5025842356_3ffc7c96ca.jpg" alt="أسامة درة" height="375" width="500" /></a><br /><br />صعد أسامة درة المنبر أكثر من مرة خطيبا للجمعة في مساجد الحي الذي يسكن فيه في دمياط. في كل مرة كان التحضير للخطبة يتطلب وقتا طويلا لكي تخرج الخطبة جيدة ومضبوطة. ولكن في النهاية الخطبة تتخذ شكلها التقليدي ولم يكن المنبر مكانا مناسبا لكي يعبر أسامة عن نفسه بأريحية وانطلاف مثلما يعبر في صفحة المعجبين الخاصة به على الفيس بوك التي أنشأها تحت اسم <a href="http://www.facebook.com/pages/semsem/142875035298?ref=ts">"سمسم"</a> بعد القبول والشعبية التي يقول أن كتاباته لاقتها وسط جمهور معارفه فجمعها فيما بعد في كتاب "من داخل الإخوان أتكلم".<br /><br />يبتسم أسامة معلقا على الاندهاش المتوقع من الاسم: “ما كنتش عارف إني هابقى مشهور!” ثم يضيف جادا:”الحقيقة أني أعتبر هذا جزء من إجادة العرض. هذا الاسم أقرب لقلوب الشباب. أي داعية أو سياسي يقدم نفسه ويعرض ما عنده بشكل ما. وأعتقد أن الأفضل أن تمتع الناس وتجذبهم إليك ثم توجه إليهم رسالتك".<br />يستخدم أسامة عرضه لفيلم "باتمان" أو الرجل الوطواط عندما يريد أن ينتقد الاستقطاب الحاد بين الإخوان والنظام. فهو يرى أن الإخوان يتحملون جزءا من المسئولية لأنهم أنشاوا كيانا عقائديا يدين أفراده بالولاء والسمع والطاعة لقيادة وهو ما لا يتماشي مع لعبة السياسة العصرية كما يقول. يعتقد إن الإخوان ارتكبوا خطأ الرجل الوطواط الذي عبر عن قوة خارقة مفرطة في مدينة جوثام استدعت وجود قوة مقاومة لها فكان الجوكر. يكتب : "ولو كان باتمان ترك الآليات المجتمعية الطبيعية تعمل لحوصرت الجريمة في جوثام. لكنه كان كلما خطا، أشعل النار من خلفه، وكلما اشتعلت النار، أصرّ أكثر على إطفائها والسؤال: هل نفعل-نحن الإخوان- مثلما فعل باتمان و نحن لا ندري؟".<br />ينتقد ارتكاز تجربة أربكان في تركيا على الجانب الديني بشكل فج، بينما يمدح تعبير أردوغان عن نفسه بأنه "علماني محافظ".<br /><br />يتحدث أسامة بهدوء وتأن وبعد تفكير مثل ديبلوماسي، بينما في كتاباته يظهر الشاب الأكثر جموحا ومرحا. يجري حوارا متخيلا مع فرويد عن رغباته الجنسية، يتحدث عن "سمسم العاطفي" والبنت التي كانت تحبه وبكت عندما انضم إلى الإخوان، ويتحدث أيضا عن البنت التي ظنت أنه يتجاهلها لأنه متدين بينما يعبر بأسف – مازحا أو جادا- أنه فقط لم يلاحظ عندما كلمته وإلا فكيف يتجاهل البنت التي كانت "ًصاروخ" على حد تعبيره.<br />يكتب: "أنا عطشان، أفتقد الأنثى في حياتي، وكلما اقتربَت مني واحدة و بدأت تتعلق بي..أنسحب. أقول لنفسي: أنا مـحـتـرم..و طالما مش جاهز للجواز، يبقى أبعد. لكنّ حالة الاحترام هذه مؤلمة..مؤلمة فعلا".<br />بعض أصدقاؤه يندهشون كيف يكتب أسامة ذلك، ويجدون أنه من غير اللائق على من يتصدى للدعوة أو السياسة أن يفصح عن مثل هذه الأفكار. يرد أسامة: "لا أؤمن بالتكلف في رسم صورة الجيل المتوضيء المثالي لكي يتسق ذلك مع مهمة الشباب الإخواني في الدعوة. لماذا لا يروننا كشباب كما نحن، بأفكارنا الجادة وهواجسنا العادية".<br /><br />يعبر أسامة في مقال آخر من الكتاب عن عدد من أمنياته بشكل عفوي:” ِنفسي أكتب في صحيفة مهمة بانتظام.. نفسي أشوف فيلم حلو أندمج فيه، و يكون جنبي حد بحبه.. نفسي أظهر في (العاشرة مساء) بس لوحدي، مش ومعايا ضيوف تانيين .. نفسي كل الستات تحبني، وأنا أحب واحدة بس.. نفسي لو اعتقلت-ربنا يستر يعني-أكون في المعتقل مع أكابر الإخوان ..نفسي ربنا مايكونش زعلان مني، أنا ماكانش قصدي.. نفسي أوظف داخل الإخوان بشكل يرضيني.. نفسي ماتعرّضش للتعذيب في حياتي أو في الآخرة.. نفسي أضرب صاحبي اللي اتأخر عليا وسايبني قاعد أكتب الكلام ده!”. </blockquote><br /><br /><hr />نشر في "الشروق" الأحد 26 سبتمبر 2010<br />PDF<br /></span></div>عمرو عزتhttp://www.blogger.com/profile/08927951113123256622noreply@blogger.com3tag:blogger.com,1999:blog-5559439168559928821.post-85079725740849319432010-09-17T04:47:00.000-07:002010-09-17T08:12:28.951-07:00لقاء الوادي والصحراء<span style="font-weight: bold;"><span style="font-size:180%;">الراي بصوت مصري</span></span><br /><a onblur="try {parent.deselectBloggerImageGracefully();} catch(e) {}" href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEj-bktKMYglAeUB_qwxz0CnY1HSaBGuS47KDGV91uZPSsjqVViX-Z7OJAYx0NT3Eqdn6o93NIO8JshQ4EV41offBCtJXUdhMYtBX_DmrlbPzSnmEBLt4nIfKNMIetagsjozyaX1o5lbg2E/s1600/ezz+sahara.jpg"><img style="cursor: pointer; width: 400px; height: 266px;" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEj-bktKMYglAeUB_qwxz0CnY1HSaBGuS47KDGV91uZPSsjqVViX-Z7OJAYx0NT3Eqdn6o93NIO8JshQ4EV41offBCtJXUdhMYtBX_DmrlbPzSnmEBLt4nIfKNMIetagsjozyaX1o5lbg2E/s400/ezz+sahara.jpg" alt="" id="BLOGGER_PHOTO_ID_5517849400491553106" border="0" /></a><br /><div dir="rtl" style="text-align: right;"><div style="text-align: justify;"><span style="font-weight: bold;"><br />بخلاف العديد من الفرق الموسيقية الشابة اختار مؤسسو فرقة "صحرا" اتجاها موسيقيا نشأ بالأساس في دولة عربية مجاورة ثم أصبح له جمهور في كل العالم.</span><br /></div><br /><span class="fullpost">في تلك الليلة من نوفمبر الماضي، كان حي الزمالك الهاديء في القاهرة يضج على غير العادة. مظاهرات صاخبة وعنيفة بالقرب من السفارة الجزائرية، على خلفية "المعركة" التي بدا أنها اشتعلت إعلاميا بين البلدين بسبب أحداث الشغب الكروي التي صاحبت مبارياتهما في تصفيات التأهل لكأس العالم. ولكن أيضا كان مركز شباب الجزيرة يشهد حفلا موسيقيا من سلسلة حفلات SOS التي تقدم فرقا شابة مستقلة، ومن بينها فرقة "صحرا" لموسيقى "الراي" ذات الأصول الجزائرية.<br />لم يكن حشد الشباب المحب للموسيقى ولا أعضاء فرقة "صحرا" بعيدين تماما عن "المعركة". فقد ظهرت قبل الحفل بعض التعليقات العدائية على ساحات الإنترنت لا تتقبل غناء "الراي" في هذه الظروف، مع بضعة تعليقات مهاجمة لمغني الفرقة أحمد عز ذي الأصول المغربية الذي ظنه البعض جزائريا!<br />وقبل أن تبدأ الفرقة عرضها أصر أفرادها في مزيج من الجد والمزاح على التأكيد أنهم جميعا مصريون وأنهم سينظرون في أمر استمرارهم في غناء موسيقى "الراي" بعد ما حدث!<br />حتى هذه اللحظة لا تزال فرقة "صحرا" تقدم أغانيها الخاصة مع أغاني "الراي" الشهيرة في اثنين من أشهر النوادي الليلة في وسط القاهرة، وخصص أحدهم للفرقة فقرة ثابتة منتصف ليل الخميس، أكثر الليالي إقبالا.<br />تبخرت آثار "المعركة الكروية" إلا قليلا، واستمرت مسيرة "صحرا" في تقديم موسيقى "الراي" على مسارح المراكز الثقافية وبعض النوادي الليلية ولقى ألبومها الأول الذي أطلق في إبريل 2009 وحمل أيضا اسم "صحرا" نجاحا معقولا.<br /><br />أكثر من تسع سنوات مرت على بداية مسيرة "صحرا" سنة 2000 وهو ما يعني أن مغامرة اختيار موسيقى "الراي" تحديدا لتمثل خط الفرقة الأساسي كانت مغامرة ناجحة. بخلاف العديد من الفرق المستقلة الشابة التي تختار اتجاهات موسيقية واسعة وغربية بالأساس مثل الجاز والروك والراب، اختار مؤسسو "صحرا" اتجاها موسيقيا نشأ بالأساس في دولة عربية مجاورة ثم أصبح له جمهور في كل العالم.<br />يقول أحمد عز، مغني الفرقة، أن فكرة تأسيس "صحرا" كانت فكرة مشتركة لسعيد عبد الرحمن المغني السابق للفرقة وأحمد الوحش، عازف الكيبورد. وأطلقوا على الفرقة اسم "صحرا" وهو اسم أغنية للشاب خالد.<br />اشتهر سعيد عبد الرحمن، مغني الفرقة، بلقب "سعيد راي" لشغفه بغناء "الراي" الذي تعلق به وتعلمه أثناء إقامته لفترة في ليبيا وسط مجتمع من الجزائريين.<br />يؤرخ لبدايات ظهور موسيقى "الراي" في ثلاثينيات القرن الماضي في غرب الجزائر، وتحديدا في ميناء أوران، الذي تعرض تاريخيا لموجات من التأثير الأسباني والفرنسي والإفريقي. وكان "الراي" في البداية أسلوب أداء البدو لما يعرف عندهم بـ "الملحون" أي الشعر الملحن.<br />عرف في البداية على يد مغنيات أطلق عليهن "الشيخات" وكانت معظم كلماته تدور حول المديح الديني والشكوى من مصاعب الحياة ومشكلات المجتمع. ولكنه فيما بعد تطور في مدينتي بلعباس ووهران وابتعد عن "الملحون" ليمزج تأثيرات موسيقية عديدة أوروبية وأفريقية بفضل الآلات الحديثة. وأصبح الأسلوب الغنائي المفضل لتعبير الشباب عن مشاكلهم وهمومهم وأيضا عن تمردهم وجموحهم وارتبط لقب "الشاب" أو "الشابة" بمغني "الراي".<br /><br /><span style="font-weight: bold;">من الجزائر إلى فرنسا</span><br />"ولكن الميلاد الحقيقي للراي المعاصر الذي شد أنظار العالم كان في فرنسا وبمشاركة فرنسيين" يقول أحمد عز أن "الراي" في بداياته ربما كان أسلوبا تراثيا محببا لكن الغناء كان طابعه بدويا والموسيقى كانت فقيرة: "كانوا يعتمدون بالأساس على نغمات الـ" رتم بوكس" Rythem Box التي يقدمها جهاز الكي بورد فكانت الموسيقى فقيرة وغير جذابة. هناك أغاني جميلة قدمت على هذه النغمات ولكن التحول الحقيقي كان مع الشاب خالد في فرنسا عندما امتزج صوته المميز مع أغاني تراث "الراي" وألحانه التي يحفظها مع التكنولوجيا الحديثة والإنتاج الموسيقي الفرنسي الذي وظف ذلك في قالب جذاب أبهر العالم".<br />انتقل الشاب خالد للحياة في فرنسا عام 1986، وتعد مسيرته هناك من المنعطفات الرئيسية لتاريخ موسيقى "الراي". فكان صدور ألبومه "خالد" عام 1992 هو الحدث الأكثر لفتا للانتباه إليها. ونجاحه هو الذي مهد الطريق لآخرين مثل الشاب فاضل والشاب مامي ورشيد طه لكي يصبحوا نجوما عالميين ولكي تصبح موسيقى "الراي" مسموعة في معظم أنحاء العالم.<br />وقد تعرف أحمد عز، الذي يدرس في كلية التربية الموسيقية قسم غناء أوبرالي، على موسيقى "الراي" مع أغاني الشاب خالد، الذي يعتبره "ملك الراي". ولكنه كان قبلها يميل لأساليب غنائية يراها مقاربة مهدت لاهتمامه بغناء "الراي": " انجذبت للأسلوب التراثي المطرز والغني بالتفاصيل مثل الذي يقدمه صباح فخري وناظم الغزالي ونور مهنا، وغناء "الراي" يميل لكثرة العُرب أوالتلوينات الصوتية، كما انجذبت للأسلوب التونسي مثل الذي يقدمه لطفي بوشناق، وهو يتميز بالتسلسل النغمي الأسرع من الأسلوب الشرقي التقليدي، بالإضافة للاهتمام بالموسيقى التركية التي تمزج الأسلوب الشرقي بالموسيقى الغربية التي تطورت تكنولوجيا".<br />بالإضافة إلى ذلك هناك أسلوب مميز في استخدام الحلق والأنف يحبه عز عند مشايخ الطرب التراثيين ووجد أسلوب "الراي" قريبا منه. كل هذه الملامح وجدها عز في موسيقى "الراي" الحديثة ممتزجة بتأثيرات موسيقية حديثة وجذابة تستفيد من كل الاتجاهات الموسيقية مثل الجاز والبلوز والروك، فجعلته مهتما بغناء "الراي". لا يعتقد عز أن أصوله المغربية سبب لاهتمام ب"الراي"، فوالده ووالدته عاشا كل حياتهما في مصر وكذلك هو. يضيف:” إلا لو كان ذلك بسبب الجينات، ربما كان لذلك تأثير!”.<br />وفي الفترة من 1997 إلى 2004 غنى عز مع فرقة "شرقيات" التي يقودها الموسيقي فتحي سلامة، وهي واحدة من أقدم وأشهر الفرق المصرية التي تقدم الجاز وتمزجه بتيمات تراثية من ثقافات مختلفة. مع "شرقيات" غنى عز بعض الموشحات والمواويل الطربية بالإضافة لأغاني "الراي"، كما غنى مع فرق مستقلة أخرى منها "فلامنكا".<br />بعدما رحل سعيد عبد الرحمن أو سعيد راي مغني فرقة "صحرا" إلى خارج مصر، انضم عز إلى الفرقة وأصبح مغنيهم الأساسي وسجل معهم أغاني ألبومهم الأول.<br />“لا يزال جمهورنا هو جمهور الشباب الذي يتابع الفرق المستقلة وليس الجمهور الواسع الذي يتابع الموسيقى التجارية" لا ينكر عز أن التسعينات شهدت رواجا لأغاني "الراي" وسط الشباب، إلا أنه يعتقد أنها كانت لحظة خاصة وهناك أسباب تحول دون المزيد من الانتشار التجاري لها.<br />“رغم ثراء وجاذبية أسلوب "الراي" وتقاطعه مع التراث الشرقي إلا أنه يسير في اتجاه معاكس للموسيقى التجارية أو البوب التي تميل للبساطة في الأداء الغنائي والاعتماد على الكلمات" كما أن البعض تعامل مع "الراي" كتقليعة جديدة وغريبة مثلما فعل أحمد آدم في فيلمه "فيلم هندي" الذي ظهر فيه البطل حلاقا يحب غناء "الراي" في الأفراح ويواجه دهشة وسخرية الجمهور أحيانا. يعتقد عز أن الهدف الرئيسي كان منح بطل الفيلم لقب"شاب" التي تميز مغني "الراي" ليصبح الشاب "سيد" أو "بطل" مثل الشاب خالد والشاب مامي.<br />أما النجوم الجماهيريون، فقد استغلوا لحظة بروز "الراي" أيضا وقدموا أغاني مشتركة معهم. فكانت تجارب عمرو دياب وخالد في "قلبي" في ألبوم قمرين وسميرة سعيد مع مامي في "يوم ورا يوم".<br />يضيف عز أن أسلوب موسيقى "الراي" تم الاستفادة منه حتى قبل ظهوره كموضة :”في أغنية "روحي تروح" لعلي الحجار في الثمانينات تم استلهام لحن زويت رويت من الفلوكلور الجزائري لكن تم إبطاء التمبو قليلا. كما استلهم عمرو دياب أسلوب "الراي" في لحن وتوزيع أغاني "حنيت" و"لو عشقاني" وغيرهما".<br /><br /><span style="font-weight: bold;">ما يقوله "الراي" </span><br />يعتقد أحمد عز أن مدى ألفة كلمات أغاني "الراي" لها دور أيضا في انتشارها:”أغاني "الراي" التي انتشرت إما كانت ذات إيقاع جذاب راقص مثل "ديدي" لخالد أو كانت ذات كلمات مفهومة وقريبة مثل "عيشة" و"عبد القادر" و"انسي انسي" ولكن اللهجة الجزائرية تقف أحيانا عائقا من التفاعل مع روح الأغنية".<br />يروى عز أنه اهتم أكثر بأغاني "الراي"، قبل أن يبدأ غنائها، عندما تعرف على معاني كلماتها. كان ذلك بسبب صدفة عرفته بصديق درس في مدارس فرنسية مع جزائريين، وعندما لاحظ اهتمام عز بموسيقى "الراي" شرح له معاني كلمات الأغاني ونطقها الصحيح. ساعتها لاحظ عز مدى جرأة وتميز كلمات "الراي" بالإضافة لموسيقاها.<br />كلمات "الراي" شهدت تحولا مهما في السبعينات وسببت معركة اجتماعية وثقافية في الجزائر استمرت حتى التسعينات. فقد شهد كورنيش وهران وملاهيه وأعراس منطقة غرب الجزائر تحول موسيقى "الراي" إلى كلمات غاية في الجرأة والجموح والتعبيرعن التجارب الجنسية والتغني بالخمر والمخدرات مما جعلها محط جدل اجتماعي وانتقاد الأسر المحافظة.<br />ومع نمو الاتجاهات الإسلامية واجه بعض مغنيي "الراي" تهديدات بالقتل فهرب كثير منهم إلى فرنسا، والذين ظلوا في الجزائر عاشوا مهددين حتى شهدت التسعينات مقتل الشاب حسني في أوج شهرته.<br />يعتقد عز أن اسم "الراي" يعني "الرأي" لأن ذلك الأسلوب الموسيقي كان مرتبطا بالتعبير الحر والجريء عن الموقف: "في أغاني الراي تعبير حسي عن الحب و ذكر لتفاصيل حياة الشباب المليئة بالمتع والتجارب مثل (الليلة تيلي كحول وتيجي) أي هاتي الخمر وتعالي. بعض الأغاني تروي تجربة السجن بعد الاعتقال بسبب جريمة. وبعض الأغاني فيها بعض العنف، فقد يهدد حبيب حبيبته التي هجرته بالقتل (تستاهلي مني الرقبة تقطع)”.<br />هناك تفسير آخر لمسمى "الراي"أنه بسبب انتهاء أغاني الراي القديمة بالمقطع الصوتي" يا رايي، و"الراي" في العامية الجزائرية معناها أقرب للقرار والاختيار، وبالتالي يعبر المقطع الصوتي عن الحيرة أو الندم والتحسر.<br />غنى أحمد عز مع فرقة "صحرا" خمسة من الأغاني الجديدة الخاصة بهم. في بعضها حاولوا التوفيق بين موسيقى "الراي" بشكلها المميز مع كلمات نمطية نوعا ما باللهجة العامية المصرية مثلما في "سهران وياكي"، وفي أغاني أخرى مثل "حلي الباب" كان هناك مزج بين "الراي" والروك على كلمات باللهجة الجزائرية ذات طابع غير نمطي، يطرد فيها حبيب حبيبته قائلا أنها لو كانت نسيت ما فعلته فهو لم ينس.<br />يؤكد عز على أن أهم عوامل نجاح فرقة صحرا المستمر لأكثر من 9 سنوات هو أن الفرقة تستلهم تراث "الراي" وأسلوبه الثري وفي نفس الوقت يمكن للتجربة أن تنفتح على كل الاتجاهات الموسيقية وتمزج بينها ويمكنها أن تتنقل بحرية بين كل أنواع الكلمات، تماما كما كان "الراي" دائما مزيجا مبدعا ومدهشا من تيمات تنتمي لثقافات مختلفة.<br /><br /><hr /><a href="http://arabic.babelmed.net/tahqiq-sahafi/89-portraits-of-a-generation/445-2010-09-14-22-06-07.html">نشر في "باب المتوسط" سبتمبر 2010</a><br /><br /></span></div>عمرو عزتhttp://www.blogger.com/profile/08927951113123256622noreply@blogger.com4tag:blogger.com,1999:blog-5559439168559928821.post-74088440264678922222010-09-16T10:58:00.000-07:002010-09-17T04:33:44.001-07:00الأفراح النوبية لم تعد سبع ليال<a onblur="try {parent.deselectBloggerImageGracefully();} catch(e) {}" href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhGH6OIKg6qpIx1JAYsVmd3psqBnkq70dbosfFeSJwqQkduEeOhG0-5a7PNMKy0Aq2yqmNgNZ2vWTjn1g9G6XpUIfxXvdJk7gSVk73NOHBhkqBBtKXsky9IcNdZNMM4rjqKkLYUR3Pn2Sw/s1600/%D9%81%D8%B1%D8%AD+%D9%86%D9%88%D8%A8%D9%8A.JPG"><img style="cursor: pointer; width: 400px; height: 276px;" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhGH6OIKg6qpIx1JAYsVmd3psqBnkq70dbosfFeSJwqQkduEeOhG0-5a7PNMKy0Aq2yqmNgNZ2vWTjn1g9G6XpUIfxXvdJk7gSVk73NOHBhkqBBtKXsky9IcNdZNMM4rjqKkLYUR3Pn2Sw/s400/%D9%81%D8%B1%D8%AD+%D9%86%D9%88%D8%A8%D9%8A.JPG" alt="" id="BLOGGER_PHOTO_ID_5517576953043223058" border="0" /></a><br /><div dir="rtl" style="text-align: right;"><div style="text-align: justify;"><span style="font-weight: bold;">يحاول أبناء النوبة الحفاظ على تقاليد الزواج القديمة الخاصة بهم والتي نشأت في قراهم الأصلية، ولكن ضرورات المكان والزمان الجديدين </span><span style="font-weight: bold;">يدفعان بعض التقاليد للتكيف وأحيانا للتراجع أوالاختفاء تماما.</span><br /></div><br /><span class="fullpost"> قرر تامر علي، المحاسب النوبي الشاب، وخطيبته ألا يقيما حفل زفاف. القرار لا يزال يثير اعتراض الأسرتين اللتين تحاولان الضغط عليهما، فالفرح عند أهل النوبة أكبر من مجرد احتفال، بل هو تقليد تتجمع فيه الكثير من ملامح الثقافة النوبية.<br />لا يعرف تامر حتى الآن إن كان سيتمكن من الاكتفاء بعقد القران في مسجد أم سيضطر إلى إقامته تحت ضغط رغبة الأجيال النوبية الأكبر في التمسك بتقاليدها المميزة.<br />يعتبر تامر نفسه معتدلا في التعامل مع التقاليد النوبية، فهو لا يحب النزوع إلى العزلة والتقوقع والتمسك الشديد بكل التقاليد الموروثة لأبناء النوبة بغض النظر عن الظروف الاجتماعية الجديدة وفي الوقت نفسه يرى وجاهة الكثير من هذه التقاليد ويلتزم بها.<br /><br />"طقوس الزواج واحتفالاته تعد من أبرز التقاليد النوبية التي لا تزال تحمل ملامح الارتباط ببيئة القرى النوبية ثم بعض ملامح القرى التي تم تهجيرهم إليها أثناء مراحل تطوير خزان أسوان ثم إنشاء السد العالي" هكذا يرى مصطفى عبد القادر، الباحث في التراث النوبي، مؤكدا أن التقاليد تحاول الصمود في المدن التي يتجمع النوبيون فيها بالقرب من بعضهم البعض، ينشئون جمعيات للحفاظ على رابطتهم القديمة وتراثهم الذي يعتزون به.<br /><br />حصل مصطفى عبد القادر نهاية إبريل الماضي على درجة الماجستير من المعهد العالي للفنون الشعبية عن دراسة ميدانية مقارنة ترصد طقوس وعادات الزواج عند الفاديجا والكنوز، وهما السلالتين اللتين تنحدر إليهما أصول معظم النوبيين.<br />في الدراسة يرصد مصطفى عبد القادر تطورات الفرح الذي كانت عاداته تحتل مساحة زمنية أطول ويشترك فيها عدد أكبر بشكل تعاوني وطوعي. فمنذ بداية القرن الماضي كان الإعداد للفرح النوبي يتم قبل أسبوعين من الزفاف، وقد تستمر الاحتفالات أسبوعا ينتهي بالحنة ثم الفرح. يقول مصطفى عبد القادر:”قبل أسبوعين كان يحدث إعلان أو (سما) نسبة لتسمية ميعاد الفرح لكي تتفرغ كل القرية لمساعدة العروسين. كان الناس يلجأون لفقيه القرية أو العارفين بالنجوم لكي يحددوا موعدا يتجنب أيام النحس بحسب معتقدهم. الفرح كان مناسبة جماعية تعاونية. وكانت الأدوار تقسم على الجميع بحسب السن والخبرة والتخصص. والجميع يقدم مساعدات عينية مثل الشاي والخبيز والفيشار. لم تكن هناك أي تكاليف. وكان الاحتفال يقام في مساحة واسعة عادة ما تكون في مدخل القرية".<br /><br /><span style="font-weight: bold;">أراجيد في الوسعاية</span><br />في الفرح النوبي التقليدي تعزف الموسيقى الإيقاعية بالدف أو الطار، على ألحان السلم الموسيقي الخماسي يؤدي الجميع "الأراجيد" (وهو ما يطلق على الرقصات النوبية المميزة بينما تعني الكلمة مجرد الرقص باللغة النوبية). هناك قائد للفرح ينظم الصفوف ويختار الإيقاع المناسب للوقت بحسب النشاط أو الفتور. يرقص الجميع في صفين متقابلين بينما يرقص أهل الفرح والمقربين وسط الصفوف.<br />يشرح مصطفى عبد القادر أن بعض الاختلافات في طقوس الاحتفال ترجع إلي الأصول السلالية. ففي أفراح الكنوز الذين ترجع أصولهم لقبائل عربية هاجرت من شبه الجزيرة هناك رقص بالسيف وهناك بعض الشدة وأحيانا فصل بين الرجال والنساء. ولكن الفاديجا الذين ترجع أصولهم لسكان وادي النيل فالرقص هاديء ويستوحي الموج الرتيب المتهادي للنيل ويختلط فيه الرجال والنساء ويتنافس أهل العريس مع أهل العروس في ابتكار الرقصات وأدائها.<br />بعد انتهاء الفرح كان من المعتاد أن يقيم العروسين لمدة أسبوع في بيت أهل العروس، ليتفرغ أهلها لخدمتها وتتفرغ هي لزوجها. بيوت القرى النوبية كان بها مكان مخصص لمبيت الضيوف ومضيفة لاستقبالهم. ولكن الآن في المدينة تحاول العائلات التي تعيش في بيت به أكثر من شقة استعادة الطقس بدعوة العروسين للمبيت في إحدى الشقق التي يتركها سكانها مؤقتا.<br />يوضح مصطفى عبد القادر أن طبيعة المساكن والبيئة اختلفت والكثير من التقاليد لم يعد متاح الالتزام بها. لم تعد المساهمات العينية ممكنة فلكل شيء تكلفة. الوسعاية اختلفت وحل محلها الشارع أو المسرح الذي أصبح موعد حجزه يحدد موعد الفرح. اندثرت معظم الإيقاعات والرقصات إلا إيقاع واحد هو "الكومباك" وهو الإيقاع الأشهر. الفرق النوبية التي تحيي الأفراح تنوّع بين الأغاني النوبية والأغاني السودانية باللغة العربية. لم تعد الأفراح سبع ليال ولكن غالبا ما تستمر حتى صباح اليوم التالي.<br />يوضح مصطفى عبد القادر أن التقاليد تحاول التكيف أو مجرد التواجد بشكل صوري قبل أن تختفي تماما: "كان هناك طقس أثناء زفاف العروسين. أن يهتف هذا معلنا أنه يهديهم نخلة أو طرحها هذا الموسم، وذاك يهديه قيراط من الأرض أو جزءا من المحصول. كان تلك هدايا حقيقية ولكن بعد التهجير أو الانتقال للمدينة لم يعد لدى الكثيرين أرض ولا نخل، فاستمر الطقس يؤدي. فيهتف هذا ويهتف ذاك والجميع يعرفون أن تلك ليست هدايا حقيقية بل مجرد تحية".<br />في رأي تامر علي أن المجتمع النوبي أحيانا ما يتمسك بتقاليد فيها بعض التمسك بالمظاهر، يركز اللوم على الكنوز المولعين على وجه الخصوص بالذهب ويبرزونه في أفراحهم. ولكن بشكل عام يعتبر أن استمرار تقاليد الفرح النوبي الحاشد لم تعد مناسبة: "الكثير من الأسرتعتقد أن الفرح يعبر عن قيمتهم وقدرهم. ولكن التكاليف تتجاوز قدرة معظم الشباب والأسر الآن. ولذلك انتشر نوعا ما الاكتفاء بعقد القران في مسجد أو إقامة احتفال صغير أمام البيت قد يتضمن موسيقى ورقصات نوبية مميزة".<br />رغم انتقاداته تلك إلا أن تامر التزم بشكل كبير بالتقاليد النوبية الخاصة بالزواج، فهو لم يفكر في الزواج من غير نوبية ولا حتى نوبية من الكنوز بينما هو من الفايجا، بل تقدم لخطبة بنت خالته. يقول تامر أن زواجه من بنت خالته يرجع بالإضافة للألفة بينهما إلى التقاليد النوبية التي يعتز بها والتي تجعل أبناء القرية النوبية الواحدة كأنهم إخوة، فما بالك بالعائلة الواحدة، وبالتالي يشعر هو أن الزواج داخل نفس العائلة مريح ولن يضطر للتعامل مع آخرين مختلفين.<br />لا ينفي تامر أن الخيار الآخر صعب جدا، فالعائلات النوبية لا تتقبل حتى الآن الزواج من غير النوبيين، وبعضهم لا يفضل الزواج من السلاسة النوبية الأخرى. ونظرا للترابط الكبير والدور الكبير للعائلة في حياة النوبي أو النوبية فإن صعوبات كثيرة تكون في مواجهته ومواجهتها لو اختارا الزواج من شريك غير نوبي.<br />ينفي مصطفى عبد القادر أي دور للعنصرية أوالتعصب العرقي في هذا الأمر، ولكنه يرجعه إلى تميز التقاليد النوبية التي تملأ كل جوانب وتفاصيل الحياة وتعد التزامات واجبة على كل فرد نوبي، ولذلك يكون من الصعب على من لا يعرف هذه الثقافة ولم يعش تفاصيلها أن يلتزم بها.<br />يقول مصطفى عبد القادر أن التقاليد تغيرت من أوائل القرن الماضي إلى الآن، بسبب اختلاف الزمان والمكان والبئية، والتقاليد والعادات تتكيف مع البيئة الجديدة. فتقليد الزواج من نوبية أو نوبي كان بالأساس تقليد يؤثر الزواج داخل العائلة الواحدة، بسبب الملكية الزراعية المحدودة والتي تخشى العائلة من تفتتها بالميراث.<br /><br /><span style="font-weight: bold;">من جلسة المشورة إلى شريط الفيديو</span><br />يشرح مصطفى عبد القادر: "أوائل القرن كانت البنت لابن عمها بشكل صارم، وبعده ابن الخال ثم ابن العمة ثم ابن الخالة. وكانوا إذا تخلف قريبها عن التقدم لها وتقدم لخطبتها واحد آخر يضطر الأب لدعوة العم إلى جلسة (مشورة) يشاروه فيها بشأن خطبة ابنته ليتأكد من أنه لا يريد التقدم لها ويتحلل من هذا الالتزام".<br /><br />تغير الأمر مع تطور المجتمع، ومع هجرة بعض الكنوز الذي غرقت أراضيهم أولا مع التطوير الأول لخزان أسوان إلى بعض قرى الفاديجا حصل تزواج بينهم.<br />حسن عبد المجيد، خريج معهد التعاون الذي ينتمي إلى الكنوز، يقول أن بعض الحساسيات موجودة الآن بين الكنوز والفاديجا حالت بينه وبين الزواج من فتاة من الفاديجا: "أهلي رفضوا وقالوا لي: كل أولاء البنات من عائلاتنا لا يعجبونك؟ .. سافرت فترة للعمل في الكويت، فكانت أمي ترسل لي شرائط فيديو لأفراح نوبية لأشاهد البنات أثناء الرقص وأختار إحداهن. وفعلت ذلك".<br />الفرح النوبي يمثل موعدا هاما للتواصل بين أبناء القرية الواحدة الذين يتم دعوتهم كلهم لأي فرح لواحد منهم ، وبحسب حسن عبد المجيد فإن الذين لا يحرصون على حضور الأفراح تقل فرصتهم في الزواج، خاصة الفتيات. يشير تامر علي إلى أن الأسرة النوبية التي تتشكل في كل جامعة ومعهد بها عدد معقول من النوبيين أصبحت أيضا وسيطا للتعارف والتلاقي وتحدث بين أفرادها الكثير من الزيجات.<br />ذهبت والدة حسن وحادثت والدة الفتاة التي اختارها وعندما وجدت قبولا ذهبت أسرة حسن كلها لزيارة أسرة الفتاة. في الزيارة الأولى لا يتحدث أي منهم عن الزواج والخطوبة. يقضون فترة الزياة في كلام عام ويتركون الشاب والفتاة في جانب يتحدثان معا في أي شيء. يتذكر حسن:"أعتقد تحدثنا عن أحب الأغاني إلينا". بعد هذه الجلسة ينتظر الأهل رأي الشاب والفتاة فإن كانا منسجمين تبدأ اجراءات الخطوبة.<br />سيناريو مشابه تكرر مع تامر، الذي كان في السعودية عندما ذهبت والدته وفاتحت أختها في رغبته بالزواج من ابنتها: “لم نكن نحتاج إلى تلك الزيارة الأولى لأني كنت أعرف بنت خالتي جيدا. حتى وأنا مسافر كنت أتواصل معها على الإنترنت، كما أني كنت تقريبا اتفقت مع أبيها عبر التليفون على كل شيء قبل عودتي. لكن خالي أصر عندما عدت على أن نقوم بهذه الزيارة كأنها طقس. ولأنه يجب أن يأتي معي (كبير) ويجب أن يشعر الجيران بطقوس الخطوبة وفقا للتقاليد".<br />يقول مصطفى عبد القادر أن التقاليد القديمة في القرى النوبية كانت تمنع الخاطب من رؤية خطبتها أول ما يتقدم إليها، وكان عليه أن يتحايل لرؤيتها من بعيد. الآن يخرج المخطوبان معا ويحضران الأفراح معا، وهناك طبعا اختلافات تخص كل فئة اجتماعية.<br />أوائل القرن الماضي كانت التقاليد تحتم على الزوج أن يتحمل كل نفقات الزواج بينما تضطر معظم الأسر الآن إلى تقاسم الأعباء المادية. يوضح مصطفى عبد القادر أن التكاليف أوائل القرن الماضي في القرى النوبية كانت يسيرة جدا: "كان المهر رمزيا والرجل يبني بيته من الطين على قطعة أرض تملكها عائلته ولم يكن هناك جهاز للعروس بالمعنى الموجود الآن ولكن كانت تساعدها العائلة بأشياء تبدأ بها حياتها. أطباق الخوص التي تعلق في بيت أسرتها للزينة تأخذها وتستعملها. وهناك عادة أخرى وهي أن يزور العروسين بعد الزواج مجموعة من أقرب أقربائهم والأطباق والأدوات التي تقدم لهم أثناء ضيافتهم تهدى إليهم".<br />يقول حسن عبد المجيد: "الآن تقاليد الجهاز أصبحت مثل تقاليد أي أسرة مصرية عادية. ولكن المشكلة الحقيقية هي في الفرح النوبي الذي يعد تقليدا هاما جدا تتمسك به العائلات بينما هو مكلف جدا وفوق طاقة معظم الشباب الآن. أسرتي تكلفت كثيرا من إقامة فرح في مسرح ناد يسع ما يزيد عن 1000 فرد لنتمكن من دعوة كل أهل قريتنا ومعارفنا".<br />يعترف تامر أن الفرح يمثل طقسا اجتماعيا هاما له دوره في التواصل بين أوسع نطاق من المجتمع النوبي ولكنه سيحاول أن يتمسك بوجهة نظره وأن يكتف بعقد القران في المسجد، بينما سيعبر عن تقديره للثقافة النوبية بشكل آخر وسيحرص على تعليم أولاده اللغة النوبية التي لا يعرف هو عنها الكثير.<br /><br /><hr />نشر في "الشروق" 15 سبتمبر 2010<br />PDF<br /><br /><br /></span></div>عمرو عزتhttp://www.blogger.com/profile/08927951113123256622noreply@blogger.com5tag:blogger.com,1999:blog-5559439168559928821.post-4683045213418268532010-08-08T07:05:00.000-07:002010-08-08T07:31:42.888-07:00الولد العترة وحنفي الفيل<span style="font-weight: bold;font-size:130%;" >معنى أن تكون "رجلا" </span><br /><a onblur="try {parent.deselectBloggerImageGracefully();} catch(e) {}" href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEi5TERzsCqrGQM_Td0-a7nKkEU4zKJ3UAqfMgac9U_sCvU4bXQDg2r59EjEghgX4Rb64SkJgbS6WBRtz0IDS_lc4XuvsXDH8-3A0m7iZVZzcP9k7-IXqquxrlinUH0UJXwgn87jLAD8Aaw/s1600/11.JPG"><img style="cursor: pointer; width: 400px; height: 226px;" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEi5TERzsCqrGQM_Td0-a7nKkEU4zKJ3UAqfMgac9U_sCvU4bXQDg2r59EjEghgX4Rb64SkJgbS6WBRtz0IDS_lc4XuvsXDH8-3A0m7iZVZzcP9k7-IXqquxrlinUH0UJXwgn87jLAD8Aaw/s400/11.JPG" alt="" id="BLOGGER_PHOTO_ID_5503044417637848562" border="0" /></a><br /><div dir="rtl" style="text-align: right;"><div style="text-align: justify; font-weight: bold;"><br />صور الرجولة بوصفها امتيازا ونبلا قد تتحول إلى مجموعة من الأوهام المتفق عليها اجتماعيا عندما يتم اللعب بها ومعها على الشاشة. كتاب ومخرجون شباب صوروا رؤاهم وتساؤلاتهم وانتقاداتهم للملامح السائدة للرجولة في أفلام قصيرة جريئة.<br /></div><br /><span class="fullpost">فوق كراسي المقهى المنثورة على الرصيف، فتاة تزيل معجون الحلاقة من على ذقن فتاة أخرى. تقوم الفتاة التي أنهت حلاقة ذقنها لتدخل خلف الستار الذي يستر مبولة المقهى ثم تخرج منه وهي تنهي غلق سوستة البنطلون. فتاة ثالثة تصلي على الرصيف ورابعة، يبدو أنها تعمل في المقهى، تزعق شاكية وهي تحمل حجر الشيشة.<br />مصدر الغرابة في الصور المتلاحقة التي تضمها مشاهد الفيلم القصير "عناب ساقع" أنها تكسر اللعبة وتضع فتيات في صور يحتكرها الذكر في محاولة لاستكشاف بعض الملامح التي ترسم ما يسمى "الرجولة". في هذا الفيلم تظهر بعض الملامح: الكشف والظهور بلا حرج في المجال العام أثناء أداء ممارسات معينة: التبول والصلاة و العناية بالنظافة العامة، وهي الممارسات التي اعتادت الأنثى أن تستتر وهي تقوم بها، بينما لا يجد الذكر حرجا في إظهارها لأنه "رجل".<br />الفيلم الذي كتبه أحمد مختار عاشور من فكرة وإخراج هاني مصطفى هو واحد من خمسة أفلام كانوا نتاج ورشة "الرجولة والرجل في المجتمع المصري" التي استضافها مركز "نظرة" للدراسات النسوية في مايو الماضي. وشارك فيها عدد من الشباب المخرجين وكتاب السيناريو، عبروا عن رؤاهم فيما يخص معنى الرجولة وصورها كما يرونها.<br />بعضهم رصد "لعبة الرجولة"والتناقضات بين جانبها الظاهر المعلن الذي يحب الرجال إظهاره، عندما تبدو "الذكورة بوصفها نبلا" حسب تعبيرات بيير بورديو- عالم الاجتماع الفرنسي- وبين جوانب أخرى مضمرة أو مخفية أو متجاهلة عمدا لأنها تصنف "أنثوية". والبعض الآخر كسر اللعبة من خلال إرباك المشاهد وتحويل بعض الصور المتوقعة للرجولة من واقع إلى وهم.<br />لعبة وضع فروق واضحة ومتميزة بين أدوار وسلوكيات الجنسين تبدو للبعض ضرورة اجتماعية مرتبطة بالفرق البيولوجي بينهما لدرجة أن السينما تجعل عكسها رعبا. قبل إنتاج الأفلام حاضر الناقد عصام زكريا وناقش المشاركين حول صورة الرجولة في السينما. يقول بسام مرتضى، الذي اشترك مع ميسان حسن في تيسير الورشة والإنتاج الفني للأفلام: "من أهم الأفكار التي نوقشت هي أن صورة (مصاص الدماء) كانت غالبا مقترنة بغموض جنسه والتباسه، هو ليس رجلا أو امرأة بشكل واضح".<br />ما يقوم به فيلم "عناب ساقع" أيضا هو كسر اللعبة من خلال تعديل ضمير المخاطب من الأنثى إلى الذكر في أغنية "المريلة الكحلي" لمحمد منير، الصوت الأنثوي يلفت الانتباه وهو يغني :"يعجبني أخدَك للكتب بالحضن" أو "ولو ابتديت بشفايفك الحلوين" بفتح الفاء الأخيرة. التغزل في تفاصيل مثل الشفاه أو الإعجاب برقة احتضان الكتب في خجل يبدو غريبا وهو موجه لذكر، ليكشف أن صورته النمطية تستبعد أن يكون امتيازه متعلقا بتفاصيل جميلة دقيقة في مظهره بعكس الأنثى، كما أن الجرأة وبعض الاقتحام هم المتوقعين في مقابل الرقة الخجولة الأنثوية المتوقعة.<br />حالة الجدية والقيام بواجبات الرعاية الاجتماعية لآخرين وبعض الاستبداد بالرأي تظهر كحالات ملحقة بالرجولة عندما تبدو متباينة مع صورة الأنثى التي تصر على إقراض الأخرى رغم رفضها وتطلب لنا عنابا مثلجا بينما رغبت هي في حجر شيشة!<br />في كتابه "السيطرة الذكورية" يقول بيير بورديو إن الذكر الذي يتم تربيته ليتخذ دوره في اللعبة الاجتماعية التي تجعله الذكر "رجلا" يتم تعويده وتكريسه وتحفيزه لكي يحتل موقعه في الألعاب الاجتماعية التي عنوانها السيطرة لمجرد كونه رجلا.<br /><br /><span style="font-weight: bold;">تواطؤ اجتماعي</span><br />حتى عندما لا يلتزم الرجل بمتطلبات اللعبة جيدا، يحدث قدر من التواطؤ واعتبار ذلك استثناء ويتم استكمال اللعبة بالقيم والتوقعات نفسها. في فيلم “البقاء للأقوى"، الذي كتبه نائل الطوخي وبشير وجيه وأخرجه الأخير، يبدي البطل الذي توفت زوجته تجلدا أمام المعزين ولكنه ينخرط في بكاء حار كلما رأي أشياء تخص زوجته، ينسى نفسه في غرفة النوم ويعلو صوت نحيبه وينتبه على مشهد عدد من المعزين يقفون بجانبه بينما هو جالس على الأرض ممسكا بقطعة من ملابسها يبكي. يقطع المونتاج ويأخذنا إلى مشهد له وهو متجلد وكأن شيئا لم يكن يصافح المعزين الخارجين. يرى بيير بورديو أن هناك توهم ما مؤسس للسلوك المرتبط بالذكورة، بحيث تظل دائما كمثل أعلى، كما أن هناك قدرا من التواطؤ الاجتماعي الذي يستبعد وقوع بعض التفاصيل -بكاء الرجل مثلا أو استسلامه لمشاعره بشكل عام وتعبيره عن التأثر العميق - لكي تظل دائما سلوكا أنثويا ومجرد لحظة استثنائية من الذكر بينما لا تمس هويته المتميزة والمختلفة عن ذلك.<br />نوع آخر من التواطؤ يحاول الإشارة إليه فيلم "في كل حي ولد عترة"، الذي كتبته نسمة يوسف وأخرجته إيناس مرزوق. هناك شخصية لا نراها تبدو وراء الكاميرا ولكنها تقوم بممارسة سلوكيات تحيط تلميذة أثناء نزولهما من البيت في الطريق إلى المدرسة بالرعاية والإرشاد وبعض التحكم. نتوقع مسبقا أنه أخوها بفعل التوهم. في الطريق نسمع صوت فتاة أخرى يضايقها مجموعة من الشباب، لا تبدي شخصيتنا الذكورية التي وراء الكاميرا أي اهتمام سوى بـ"أنثاه" فقط، وكذلك يفعل ذكور آخرين مشغولين باللحاق بالميكروباص.<br />الرعاية والحماية في مقابل التحرش تفترض مسبقا أن الأنثى فريسة في مواجهة صياد. الصياد يفكر في الفرائس السهلة حوله وهو مشغول من ناحية أخرى بحماية ما اصطاده مسبقا أو ما ينتمي إليه فقط. ذلك الانقلاب في الدور لا يمس فكرة الرجولة بل ربما يكون ملمحا مميزا لها في وعينا. في نهاية الفيلم نسمع مقطع من أغنية أبو الليف "دولا مجانين" التي يتحدث فيها عن "النساء" باعتبارهن جميعا مخبولات! المقطع يقول:”لما الحنية بتبقى طالبة بيبقوا قمامير. إنما يا حبيبي عليهم قلبة، أشوف وشك بالخير". المقطع الساخر هنا بصوت ذكر ولكن تجاوره مع مشاهد تقلب الدور الرجولي يفجر المفارقة الأخرى وكأنه يسخر من الانتباه إلى تقلب المزاج الأنثوي وكأن المزاج الرجولي متسق ومنتظم.<br /><br /><span style="font-weight: bold;">كله إلا كده</span><br />مفارقة أخرى يتورط المشاهد فيها مع فيلم" من دفاتر حنفي الفيل" الذي كتبه محمود فرج وأخرج أحمد رحال، الفيلم يبدأ بصور من حياة شاب يبدو لنا مفعما بالذكورة والرجولة بجانب أخرى تبدو غامضة الهدف: مشهد نشر الغسيل، ذلك الدور الأنثوي الذي يمارسه الذكور مكرهين ولا يحبون في كل الأحوال أن يظهر، الصورة التي تظهر أزهارا ملونة على شجرة أسفل الشرفة وتتأمل في جماليات ألوان الملابس على تلك الخلفية تبدو وكأنها تذكرنا بمتعة أنثوية الطابع.<br />صوت الراوي يقرأ نصوصا وأخرى تكتب على الشاشة تتضمن أفكارا قد تبدو غامضة: " أعلى درجات الوهم هي أعلى درجات الحقيقة" أو "لا شك أن عصرنا الحالي يفضل الصورة على الأصل، الشكل على المضمون، وتحديدا المظهر على الوجود" أو نصوصا لا يجد المشاهد أي مشكلة في قبولها: "كل ما أنت عليه دون أن تختاره، كل ما يحدث لك دون أن تشارك في أسباب حدوثه، هذا هو قدرك، وقدري أن أكون رجلا". يفاجيء الفيلم المشاهد بإعلان البطل أنه مثلي الجنس وأنه لا يخجل من ممارساته ولكنه يخجل من إعلان ذلك على الملأ. المفارقة الصادمة هنا أن المشاهد تورط في التصديق على ذكورة ورجولة البطل وسلم بأن ما لا نختاره هو قدرنا سواء كان الرجولة أو ما يخالفها وهو ما لا يكون امتيازا ولا عيبا. المشاهد الذي سيكره ما عليه البطل تورط مسبقا في الإعجاب بمظهره وصورته وشكله، هو الآن يفضلهم على الأصل والوجود والمضمون الفعلي. اعتقاد معظمنا عن الرجولة وما يدعمها وما يخالفها التي نضعها في منزلة الحقيقة تقبع الآن في زاوية الوهم والتوهم بعد خدعة صناع الفيلم لنا!<br />الميل الجنسي محدد مهم للرجولة، مثلي الجنس غير معترف بكونه "رجلا" أبدا. الضعف الجنسي أيضا يعتبر بمثابة تهديد بالغ للرجولة وهي فكرة فيلم "كله إلا كده" الذي كتبته نسمة يوسف وأخرجته إيناس مرزوق.<br />يظهر الذكر في الفيلم مستهترا ولا مباليا وكأنه مستعد دوما لخوض مغامرة ما. يرتدي تي شيرت عليه عبارة "ياكش تولع". على المقهى يبدي انتقادا لفتاة مهتمة بزينتها لفتت نظره مستنكرا مرورها بالقرب منها وكأنه يدين ما يعتبره رغبة منها في لفت نظرهم إلى جمالها، ولكنه يتابع ساخرا أنها بدلا من المرور بالقرب منهم عليها أن تذهب معه إلى البيت!<br />من استنكار سلوك يراه تعبيرا عن رغبة جنسية من قبل المرأة إلى القيام بسلوك فيه إظهار سافر لهذه الرغبة قد يكون، قد يكون هذا التقلب الساخر ما يعبر عنه بورديو من أن الرجولة تقدم نفسها بوصفها "قانونا اجتماعيا متجسدا" فالرجولة ليست خاضعة للقيم الاجتماعية التي قد تدافع عنها وتلزم بها الآخرين بل تمارس فعلها بحكم القوة التي لا تخضع للحساب. الرجولة قوة فائقة تضع القانون وتخترقه، قد يكون هذا سر ذلك المظهر الرجولي الجذاب لأبطال أفلام الجريمة، الأخيار والأشرار. القوة التي تخترق القانون و القوة التي تستعيد سلطانه، الرجولة هنا وهناك على السواء، ولكن رجل ضعيف جنسيا لا يمكن قبوله "رجلا" على أي شاشة!<br />في الفيلم يشتري البطل علبة سجائر ليجد عليها صورة السيجارة المرتخية المقوسة والرسالة التي تحذر من أن التدخين يؤثر على العلاقة الزوجية. يتوتر ويطلب من البائع أي علبة أخرى من التي تحتوي على الرجل المريض الموشك على الموت. الفحولة الجنسية هي قدر الرجولة ومركز نبلها - قوتها في مواجهة الأنثى - وعكسها رعب قد يكون الموت أهون منه!<br /><br /><hr />نشر في "الشروق" الأحد 8 أغسطس 2010<br />PDF<br />الصورة من فيلم "عناب ساقع"<br /><br /></span></div>عمرو عزتhttp://www.blogger.com/profile/08927951113123256622noreply@blogger.com3tag:blogger.com,1999:blog-5559439168559928821.post-27144701931722520272010-08-07T05:16:00.000-07:002010-08-07T05:37:21.666-07:00زيارات طويلة أم خطط استقرار؟<span style="font-weight: bold;font-size:130%;" >خيارات الوافدين من الوادي إلى سيناء</span><br /><a onblur="try {parent.deselectBloggerImageGracefully();} catch(e) {}" href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEgN0cerL3Mxg9BbmfojL_JyfXJinn4ytJGv0OpA_7Ra0PeknM7Liv1YTmuoI0odZTqAH_wIL-G5oG1DdhbLtyZ3ugCrszQznJfEr2h-ypj766-A4FuqIXDjuKmfnbdZbO09BzUqIIB8kAk/s1600/%D8%AF%D9%87%D8%A8+%D8%AA%D8%B5%D9%88%D9%8A%D8%B1+%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF+%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%85%D9%88%D9%86%D9%89+%288%29.JPG"><img style="cursor: pointer; width: 400px; height: 300px;" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEgN0cerL3Mxg9BbmfojL_JyfXJinn4ytJGv0OpA_7Ra0PeknM7Liv1YTmuoI0odZTqAH_wIL-G5oG1DdhbLtyZ3ugCrszQznJfEr2h-ypj766-A4FuqIXDjuKmfnbdZbO09BzUqIIB8kAk/s400/%D8%AF%D9%87%D8%A8+%D8%AA%D8%B5%D9%88%D9%8A%D8%B1+%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF+%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%85%D9%88%D9%86%D9%89+%288%29.JPG" alt="" id="BLOGGER_PHOTO_ID_5502642185279716914" border="0" /></a><br /><div dir="rtl" style="text-align: right;"><br /><div style="text-align: justify;"> <span style="font-weight: bold;">لقمة العيش، المغامرة والمتعة، حب الطبيعة، الشعور بالمسئولية الاجتماعية تجاه المكان .. دوافع مختلفة عند أبناء الوادي الذين يقررون الانتقال والبقاء لفترات طويلة في مدن سيناء. </span><br /></div><br /><span class="fullpost">على خلاف كل هؤلاء الذين يملأون مدينة دهب في هذا الموسم، عندما يرغب طارق وهبة في إجازة يترك دهب ويتجه إلى القاهرة للاسترخاء.<br />عشرون عاما مرت على أول مرة جاء إلى دهب.تبدلت الأحوال من شاب مغامر في أوائل التسعينات يدير مشروعا بدلا من صديقه الذي سافر للإقامة مع زوجته الأجنبية في بلدها فترة ليحصل على الجنسية، إلى مالك لفندقين الآن. دهب الآن مكان سكنه واستقراره هو زوجته وابنه وابنته.<br />يحكي طارق وهبة أنه سافر فترة إلى أوروبا ليجرب حظه ثم عاد وعمل في فندق بالغردقة في منتصف الثمانينات، في الوقت الذي كانت في السياحة تشهد ازدهارا ونموا مطردا بحسب ملاحظته. كان مرتبه يتضاعف وشجعه ذلك على افتتاح بازار خاص به بجانب عمله في الفنادق. ولكن كل شيء تغير في أوائل التسعينات مع حرب الخليج التي أثرت على حركة السياحة. سافر فترة قصيرة إلى قطر قبل أن يعود ليستأجر كافيتريا صديقه الذي سيسافر مع زوجته.<br />يتذكر طارق وهبة:“كانت دهب وقتها تتكلم بالعبري حركة السياحة بالأساس من إسرائيليين. من يعلمون هنا والبدو يجيدون العبرية، قوائم الطعام وبعض اللافتات كانت بالعبرية. حتى السياح من أوروبا وأمريكا كانوا يأتون على طائرات العال ثم يركبون الأوتوبيسات من إيلات. كانت السياحة تعتمد على البساطة ورغبة السائح في أن يعيش حياة البدو وأن يأكل الأكلات الشعبية ويركب الجمل".<br />وبالتبعية كانت الخدمات السياحية التي تقدم هناك بسيطة وبدائية وتتناسب مع نقص الخدمات التي عانى منها الوافدون والمستثمرون الأوائل. ولكن في مواجهة ذلك كان طارق وهبة ينظر للتدفق الكبير إلى دهب مقارنة بمستوى وحجم الخدمات فيها وفكر في إنشاء فندق حديث نسبيا بدلا من مخيمات العشش التي تملأ المدينة. حاول أن يقنع صديقه ولكنه فشل فانطلق وحده في مشروعه: “كان فندقي الذي أنشأته عام 1993 من أوائل المباني الأسمنتية على الشاطيء. كان الناس يفكرون في دهب باعتبارها قرية بدويةا. ولكني كنت أعتقد أن السياحة ستغير دهب كثيرا وسريعا".<br />وذلك ما حدث فعلا من أكثر من جانب، زادت أعداد السائحين وتنوعت فئاتهم وأصبحوا في حاجة إلى خدمات فندقية منظمة وجيدة. ومن جانب آخر قل تدفق الإسرائيليين مع توتر العلاقات بين مصر وإسرائيل وتاثير التفجيرات في سيناء، وأصبح من يقصدون دهب يتوزعون إلى فئتين: فئة السياح الأقل دخلا وفئة محبي الغطس الذين ياتون بشكل خاص بسبب أماكن الغطس الفريدة هناك. الفئة الثانية هي سبب المكانة المميزة للمدينة وأفرادها هم من ينعشون حركة السياحة هناك.<br />ببناءه الفندق هناك، كان خيار الاستقرار في دهب قد وضع أساساته، ولكن خيارات الآخرين غير المحسومة تؤثر على استمرار ذلك الاختيار. يشكو طارق دهب من أنه رغم تدفق الشباب من مختلف محافظات مصر للعمل في دهب إلا أن ياتون في مغامرة قصيرة. معظمهم يحلم بالزواج من أجنبية والسفر إلى الخارج. قليلون يهتمون بتطوير خبراتهم أو الرهان على البقاء هنا. معظمهم يضحون بعملهم مقابل عمل بأجر أقل كثيرا ولكن يتيح له الاستقرار في مدينته الأصلية، خاصة إن كان متزوجا أو سيتزوج. في المقابل يشكو الشباب من الأجور القليلة التي لا تتيح أي استقرار ولا توازي مشقة السفر الطويل. ولكن طارق وهبة يرى أنهم يبدأون باجور قليلة مقابل ما ينالونه من خبرة وتدريب في مجال العمل الفندقي.<br />التغير السريع لعمال فندقيه يقلقه بعض الشيء ولكنه يشكو أيضا من مشكلة نقص المياه النقية والرحلة الطويلة التي يقطعها السياح برا بينما يفكر هو أن وجود مطار سرفع مكانة المدينة وسيرفع حجم الاستثمارات فيها. بالإضافة لذلك يحتاج للعودة إلى القاهرة عندما يحتاج أي فرد من الأسرة إلى خدمة طبية متميزة. كما اضطرت زوجته والأولاد للعودة إلى الإقامة في القاهرة في مرحلة الثانوية العامة والجامعة بسبب ضعف مستوى التعليم في سيناء وقلة الجامعات القريبة وتخصصاتها.<br />ولكن الاسرة عادة لتتجمع في دهب، ورغم بعض المصاعب يقول طارق وهبة أن الحياة في دهب أهدأ كثيرا وأجمل. وبدو جنوب سيناء في رأيه متعاونون ومشاكلهم مع الدولة لا تتصاعد عادة مثلما يحدث في الشمال والوسط. ورغم كثافة المشروعات السياحية التي بدأت تزيد على حاجة المدينة وتقسم دخلها على عدد أكبر إلا أن ذلك يظل أفضل بالنسبة له من الاحتكاك العنيف في القاهرة بسبب زحامها على كل المستويات. يضيف طارق وهبة سببا إضافيا هاما:”كما أن العمل في السياحة هو عمل جميل. مهمتك أن تساعد الناس على قضاء وقت ممتع ولو نجحت في ذلك تستمتع أنت أيضا طوال الوقت".<br /><br /><span style="font-weight: bold;">مخاطر المتعة</span><br />ولكن بعض أصحاب الأعمال هنا يبدون تخوفهم من تلك المتعة التي قد تؤثر على ما يرونه من ضرورة "الجدية" في مجال السياحة. “شباب كثيرون لا يستمرون في العمل عندي عندما ألاحظ أنهم غير جادين ويحاولون معاكسة السائحات بشكل فج" يبدي عمرو مختار حزما كبيرا وهو يقول ذلك. يدير عمرو واحد من أهم الجاليريهات في دهب، ويتقاسم ملكيته مع قريبه الذي سبقه إلى دهب ويملك جاليري آخر مجاورا.<br />يكمل عمرو مختار: “لقد أتيت هنا بعدما تجاوزت الثلاثين وشعرت أن مرحلة التنقل من عمل إلى آخر في القاهرة لم تعد تناسبني. عملت في مطاعم وجبات سريعة ووصلت إلى مرتبة مدرب ومدير مدربين ولكن النظام الأجنبي مرهق ودائما فوقك مديرين وتواجه تقييما مستمرا لأدائك يشعرك بالتوتر والضغط. انتقلت للعمل مع قريبي هنا وشاركته في هذا الجاليري. لدي خبرة كبيرة ومهارة في التسويق، وهنا الحياة هادئة ومريحة الأعصاب والمكسب جيد رغم أيام الكساد وبعض المنغصات".<br />يقوم عمرو لاستقبال سائحين دخلوا إلى الجاليري، يتركهم يتفرجون بحرية على الاكسسوارات والحلي والصور الفوتوغرافية ويقف هو على مسافة ينتظر استفسار منهم. فتاة اسكندنافية بصحبة شاب مصري تختار واحدة سلسلة فضية وتطلب من الشاب دفع الثمن فيفعل ويخرجان سريعا. يعلق:”أتت بالأمس وتفرجت كثيرا وسألت. أخذت قرارها وعادت لتشتري. أحاول أن أحافظ على سمعة الجاليري بعيدا عن الممارسات السيئة المنتشرة هنا. أنا لا أحب الخرتنة: اي أن أقف على باب المحل اصطاد السياح. ولا الجهرشة: طريقة الشباب في ملاطفة السائحات من أجل البيع لهن أو إقامة علاقة معهن".<br />يقول عمرو مختار أن الحياة في مكان مثل دهب مغرية جدا، وهو ليس ملاكا ولكنه يحاول أن يكون ملتزما بدون تشدد. يقسم يومه بين سماع أغاني محمد منير وأحمد منيب وبين الاستماع إلى تلاوة القرأن. يؤكد أن سائحون كثر تعجبهم التلاوة ويسألون عن اسطوانات لما يعتقدونه نوعا من الغناء.<br />يضع يده على صدره :”أنا الحمد لله متزوج ولدي أولاد. شباب كثيرون هنا يأتون يحلمون بحياة مليئة بالمتع من خمور ومخدرات ومغامرات جنسية، ومستعدون للزواج من أجنبية ولو كانت فوق السبعين من أجل السفر أو المال. كلنا كنا شباب نحب المغامرة أو مررنا بأيام شقاوة. ولكن بسبب قلة الجدية ساءت سمعتنا كثيرا وسياح كثر بدأو ينفرون ويتوجسون وقد يرحلون بخبرات سيئة وذلك يضر سمعة المدينة ويؤثر على عملنا".<br />أحيانا ما تعامل الشرطة الشباب الذي يأتي للعمل هنا ببعض الشدة، يقول عمرو مختار أن هناك كارنيهات من مجلس المدنية تصدر للشباب العامل هنا في محاولة لتنظيم تدفق الشباب للعمل هنا، ويقول أن أمن الدولة تؤخر أحيانا إصدار الكارنيه 6 شهور بينما يجب تجديده سنويا، وذلك يجعل معظم الشباب العاملين هنا مهددين بالطرد بسبب أي خطأ. يقول أن له وضعا أفضل نسبيا بسبب سمعته الجيدة هنا ولكنه أحيانا يتعرض لمعاملة سيئة من ضابط جديد أو مسئول متعنت. يستنكر عمرو كون بعض المسئولين والضباط لا يعرفون شيئا عن السياحة ومعظمهم لا يعرف كلمة إنجليزية ويستعينون به أحيانا في قسم الشرطة لكي يترجم.<br />ولكن تلك المتاعب ليست السبب في كونه يرفض انتقال أسرته للسكن معه في دهب حيث استأجر بيتا خاصا. السبب الأساسي هو خوفه على أخلاقهم من الحياة المنفلتة في رأيه:”لا أريدهم أن يتعودوا على العري ومنظر الخمور والعلاقات المفتوحة المنتشرة. صحيح أن حياتي بعيدا عنهم تزعجني لكني حريص على أخلاقهم".<br /><br /><span style="font-weight: bold;">تنمية واتجاه ديني</span><br />تخوفات عمرو مختار قد تبدو مبالغا فيها، بالنسبة للسيدة سلوى نصار. تجلس هي وصديقتها السيدة نادية، زوجة طارق وهبة، في مدخل الفندق المطل على الشاطيء تشربان القهوة، كلتاهما ترتديان الحجاب، تستمتعان ببعض هبات النسيم رغم الحرارة الشديدة ذلك اليوم. بينما يجلس شاب وفتاة على البار على بعد أمتار يشربان البيرة ويتضاحكان. يفكران في تأسيس جمعية لخدمة المرأة في دهب، سواء المرأة البدوية أو المرأة القادمة من الوادي لتستقر هنا أو في رفقة زوجها وكذلك المرأة الأجنبية التي تقيم في دهب لفترة طويلة للعمل.<br />تقول سلوى نصار أنها من خلال عملها كناشطة في مجال شئون المرأة في مديرية الصحة والسكان في دهب، بدأت بالفعل في عقد اجتماعات وندوات لنساء من مختلف الخلفيات للتشاور حول أنشطة يمكنهن القيام بها، ومن خلال هذه الاجتماعات التي حضرها نساء بدو ونساء قاهريات وأجنبيات كان الجميع حريصا على الوصول لتفاهم واحترام متبادل فيما يخص العادات والسلوكيات التي يرى البعض أنها متناقضة.<br />أتت سلوى نصار إلى دهب برفقة زوجها الطبيب الذي كان يقضي فترة تكليفه في دهب في نهاية الثمانينات. أعجبتهم المدينة والطبيعة فقرروا الاستقرار هناك. تضحك قائلة:”في البداية خفت من الوحدة فكنت أذهب مع زوجي إلى عمله أساعده. وكثيرا ماركبت معه سيارة الإسعاف لنقل مرضى إلى مدن أخرى". من خلال مساعدتها له واحتكاكها شهدت ارتباك المرأة البدوية أمام بعض المظاهر الحضرية وشهدت ارتباكهن بين الثقة في الطب وبين بعض معتقداتهن الخرافية بشان الصحة والمرض. احتاجت فترة لتوطد علاقتها بهن بسبب بعض الأفكار عن الهوة بين "البدوي" و"المصري". ولكن يبدو أنه بسبب اتجاهها وزوجها إلى العمل الاجتماعي نجحوا في تجاوز هذه الهوة سريعا. فزوجها الطبيب محمد حسين هو مدير جمعية تنمية المجتمع المحلي في دهب.<br />عملت السيدة سلوى كمدرسة لغة عربية في حضانة للأطفال ثم في مدارس التعليم الأساسي، ومن خلال عملها لاحظت معدل التسرب العالي من التعليم، وعدم إقبال البدو على تعليم اولادهم أو تركهم يستكملونها. بعض المدارس تسمح لأولاد البدو بالخروج مبكرا لكي يساعدوا الأهل في العمل. بعض البنات تهرين من المدرسة لتبيع الاكسسوارات على الشاطيء. ولكن الكل في النهاية ينجح وينتقل للمرحلة التالية.<br />ولذلك شعرت بضرورة وجود جهود موازية تحاول محو أمية بعض الطلاب والطالبات الذين وصلوا إلى المرحلة الإعدادية والثانوية بينما هم فعليا لا يعرفون القراءة والكتابة بشكل جيد.<br />جهودها العفوية الخاصة أو من خلال جمعية تنمية المجتمع بدأت تتخذ شكلا رسميا من شهر مارس الماضي بعد اختيار وزارة الصحة والسكان لها كناشطة شئون المرأة في مدينة دهب. وبالإضافة إلى ذلك مشروع الجمعية التي ستسمح بتضافر جهود أهلية مع عملها الرسمي. تقول سلوى: “نساء كثيرات الآن يشعرون بالانتماء للمدينة ويردن ممارسة أنشطة تتعلق بنظافة المدينة والبيئة وتنمية المجتمع ومساعدة المرأة البدوية على الاستفادة من السياحة بشكل أفضل من خلال تطوير مهاراتها في الحرف اليدوية وتسويقها".<br />مزجت السيدة سلوى بين اهتمامها بثلاث مجالات، محو أمية بنات وسيدات البدو، تعليم الأجنبيات اللغة العربية، تعليم التجود لنساء قاهريات وبدويات. تقول أنها مزجت بين الأساليب الثلاثة: فتجويد القرآن يقوي اللغة العربية، والأسلوب العملي في تعليم الأجانب العربية فعال في مجال محو الأمية.<br />على مستوى شخصي ترى السيدة سلوى أن الحياة في دهب ساعدتها بشكل روحي على اعتياد الحياة الهادئة التي تشغلها بالذكر والتأمل.<br />أنماط حياة متنوعة تحتملها المدينة الصغيرة التي يتجاور فيها أفراد أتوا من خلفيات مختلفة. الحياة في مدينة كهذه يتطلب قدرا من التفهم وتقبل نمط حياة الآخر وقدر من التداخل معه. ما يقلق طارق وهبة هو تحفظ شباب كثر من العمل في السياحة بسبب تقديم الخمور، يقول أن بعض الشباب الذين استمروا للعما معه لفترة طويلة تدينوا ويرفضون الأن أي تعامل مع الخمور، بعض العاملين الجديد يحزم أمتعته ويرحل بعد أيام خوفا من إثم التعامل مع الخمر. يقول طارق وهبة أن قلق على مستقبل السياحة في مصر بسب المد الديني ولا يريد أن يربط أبنائه بمجال السياحة لذلك، هم يساعدونه الان حتى يجدون فرصهم التي ستكون غالبا في القاهرة أو خارج مصر. ولكن بالنسبة له فهو استقر هنا مع مشروعات عمره بعد أن قام بمغامرته والنتيجة حتى الآن لا بأس أبدا بالنسبة له رغم المخاطر والهواجس.<br /><br /><hr />نشر في "الشروق" الخميس 5 أغسطس 2010<br />PDF<br />الصورة لـ محمد الميموني<br /></span></div>عمرو عزتhttp://www.blogger.com/profile/08927951113123256622noreply@blogger.com1tag:blogger.com,1999:blog-5559439168559928821.post-54094296182325205072010-07-25T05:38:00.002-07:002010-08-07T05:25:52.786-07:00في منتصف المسافة بين جبل ومدينة<a onblur="try {parent.deselectBloggerImageGracefully();} catch(e) {}" href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEiaffB8gJR-UxEgrPNkiux5M35gPjemGHd-ztUPcf1nKWqvgIKydSKYGdldt2rPYHxMxJGl5JFBaRchKLFJnKPB39wGoBPf25scrq2NWT4MAQV6NHtEh0HEX24g_bNLO9EM9tn3StDPNkE/s1600/DAHAB.JPG"><img style="cursor: pointer; width: 400px; height: 267px;" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEiaffB8gJR-UxEgrPNkiux5M35gPjemGHd-ztUPcf1nKWqvgIKydSKYGdldt2rPYHxMxJGl5JFBaRchKLFJnKPB39wGoBPf25scrq2NWT4MAQV6NHtEh0HEX24g_bNLO9EM9tn3StDPNkE/s400/DAHAB.JPG" alt="" id="BLOGGER_PHOTO_ID_5497828463441655826" border="0" /></a><br /><div dir="rtl" style="text-align: right;"><span style="font-size:85%;">سلمان المزيني في وادي أم سميرة بجبال دهب - تصوير: محمد الميموني</span><br /><br /></div><div dir="rtl" style="text-align: right;"><div style="text-align: justify; font-weight: bold;">لا يزال شباب البدو يسيرون على الطرق التي سار عليها آباؤهم ولكن عيونهم على طرق آخر يتأهبون لخوضها وصور أخرى يفكرون أن يكونوها تخرج أحيانا عن الصورة النمطية للبدوي في الأذهان.<br /></div><br /><span class="fullpost">كانوا سبعة مقاتلين من قبيلة مزينة من بني حرب بالحجاز وفدوا إلى سيناء. استغاثتهم قبيلة العليقات التي تسكن جبال دهب ليعينوها في معاركها ضد قبيلة أخرى. أبلى المقاتلون بلاء حسنا فقال لهم شيخ العليقات: ناموا ومراحكم - أي مكان تقبلكم في نومكم – لكم. كبيرهم نام وأخذ يتقلب طوال الليل حتى قطع المسافة التي تحتلها الآن مدينة دهب. وفي الصباح طلب من شيخ القبيلة كل هذه الأرض، فاختلفوا واختصموا إلى قاض في الحجاز فحكم للمقاتلين من مزينة، فملكوا هذه الأرض وتزوجوا من بنات القبائل الأخرى وتكاثروا حتى صاروا القبيلة الأكبر في ساحل جنوب سيناء.<br />يحكي سلمان جمعة المزيني، هذه القصة شبه الأسطورية، التي لا يعلم متى تحديدا حدثت، وهو جالس القرفصاء يشعل النار في حزمة حطب تحلقنا حولها في وادي أم سميرة الذي تحتضنه الجبال من كل ناحية، عدا مدخل يقود إلى طريق متعرج ينتهي إلى الشارع الأسفلتي . الأكيد بشأن القصة أن بدو قبيلة مزينة يمثلون أكثر من تسعين بالمائة من بدو جبال دهب.<br />تخرج سلمان من كلية التربية قسم التاريخ بجامعة الأزهر، ورغم أنه لا يفكر في العمل مدرسا إلا أن لديه مشروعات تتعلق بتخصصه كما تتعلق بهويته ببدوي. يبدو طموحا وهو يقول انه يفكر في كتابة تاريخ حقيقي لقبائل بدو سيناء.<br />"لم أقرأ تاريخا حقيقيا للبدو. تطور عاداتهم وأفكارهم. الناس الآن يكتبون عن البدو وكأنهم يكتبون من عشرات السنين. الحياة البدوية تتغير مع دخول مظاهر التمدن".<br />لا يبدو أن رغبة سلمان وراءها انحياز حاسم إلى نمط الحياة الذي يسمى "البداوة" وفي الوقت نفسه يبدو أنه لا غير مغرم كثيرا بكل تفاصيل “التمدن”.<br />ذلك اليوم كان سلمان يرتدي سروالا أبيض، أصر هو أن يصحح لنا أنه ليس "بنطلونا"، بل هو السروال الذي يرتديه تحت الثوب الأبيض، ولكن محل الثوب هذه المرة كانت فانلة حمراء. يعترض عندما يقول أحدهم أنها فانلة الأهلي ويصحح له: "هذه فانلة فريق بايرن ميونخ الألماني" ويضيف ضاحكا:" ثم أنني زملكاوي". يضيف بجدية أن معظم أهل سيناء وأهل القناة من مشجعي الزمالك ولا يحبون الأهلي، يعود مهتما إلى تعليقنا على فانلته:"أما عن الفانلة. فأنا مثل جيلي من شباب البدو، خاصة الذين درسوا في الجامعة. قد نرتدي الثوب الأبيض والغترة وقد نرتدي فانلات وفي الجامعة كنت ألبس قميصا وبنطلونا لكن البنطلولات بشكل عام لا تريحني". يضيف سلمان الذي يبلغ من العمر سبعة وعشرين عاما أن الأجيال الأصغر لم تعد ترتدي الثوب نهائيا بل تتبع أحدث التقاليع :”لو شاهدتهم في الشارع لن تعرف أبدا أنهم أبناء بدو. كأنهم أمريكان !”.<br /><br /><span style="font-weight: bold;">بيف برجر وجرأ !</span><br />يفتح سلمان علب بيف برجر مجمدة ويضع القطع داخل ورق القصدير مع شرائح البطاطس التي قطعها. يدور الحوار حول الوجبات التقليدية للبدو التي تعتمد على خلطات معينة بسيطة للأرز واللحم ومكونات أخرى قليلة بالإضافة للخبز المميز. بعض البيوت لا تزال تصنع هذا الوجبات. ولكن ساكني المدن لن يتجاهلوا الأسهل الموجود في السوبر ماركت أو في المطعم القريب.<br />كادت صورة علبة البيف برجر الخالية أمامنا أن تحطم تماما صورة البدوي في أذهاننا ولكن سلمان قام فجأة وتسلق الجبل ليصل إلى شجرة نابتة في حضنه التقط منها ثمارا ألقى بها إلينا من مكانه ثم عاد. قال أن اسمها ثمرة "الجرأ" وأن البدو يصنعون منها "المخلل" وتستخدم كمشهيات، وأضاف: "تذوقوها".<br /><br />يقطع الميكروباص الذي يقوده عايد الطريق من "المسبط" - المنطقة السياحية المكتنزة بالكافيتيريات والبازارات والفنادق- متجها إلى "العصلة"، الحي الذي يسكنه البدو مع قليل من الوافدين الذين يفضلون حياة رخيصة وهادئة وأقل أبهة وصخبا.<br />العصلة عند البدو تعني المنطقة المتوسطة، وفي دهب تتوسط "العصلة" بين منطقة المسبط وما بعدها من شواطيء وبين منطقتي "الكانيون" و"البلو هول" اللتين يرتادهما محبو الغطس.<br />في العصلة تختفي قليلا البهرجة السياحية ويحل محلها بيوت البدو المقتصدة نوعا. البيوت ذات الطابق الواحد أو الطابقين على الأكثر. الأسوار البيضاء التي تحيط بالبيت وحوش صغير تحتل عريشة ما ركنا منه أحيانا. الحي يبدو كأي حي شعبي مديني، محلات من كل الأنواع. أطباق الدش فوق المنازل، وهناك وصلات أيضا بين بعض المنازل، هناك أيضا أكثر من محل "بلاي ستيشن".<br />يتلقي الشباب مع مجموعة أخرى تركب في الجيب الخاصة بسميح ويعودون أدراجهم إلى منطقة "القرارة" بين العصلة والمسبط. في قطعة أرض خالية بين فندق وشاليه لا يزال شاطيء البحر حرا. يفرش الشباب بطانيات على الرمل، يخرجون البطيخ والجبن ويجلسون يتناول عشاء خفيفا. بعضهم يستسلم لنسيم البحر ويفترش بطانية بعيدا بعض الشيء عن التجمع وينام.<br />يقول عايد أن قطعة الأرض التي يجلسون فيها بيعت وأن فندقا سيقام عليها قريبا. يهز سلمان رأسه أسفا قائلا:”لقد باع البدو أو أجروا معظم أراضي الشاطي بأثمان بخسة قبل أن ينتبهوا إلى قيمتها الحقيقة. الآن ينتبهون للثمن، ولكنهم يبيعون في النهاية و لن نجد بعد سنوات أراض خالية على الشاطيء نجلس فيها كما نفعل الآن".<br />يشير عايد بيده إلى ما خلف الفندق المجاور قائلا أن أرضا متنازع عليها بين عائلته ومجلس المدينة تكاد تعود إلى العائلة بعد نزاع قضائي استمر 15 عاما :”الحكم في صالحنا، فعلى هذه الأرض كان بيت جدي”. يقاطعه أحدهم ساخرا:”كان بيت جدك على مساحة 5000 متر؟" يبتسم عايد ويكمل: "المشكلة أننا ننسى ونتأخر في دفع آلاف قليلة هي مصاريف تسدد لمجلس المدينة كرسوم لتخصيص الأرض التي أصبحت قيمتها ملايين".<br />تنوي عائلة عايد بيع الأرض بعد استلامها بشكل نهائي. يدخل الشباب في جدل حول ميل البدو دائما للبيع والتأجير أو الدخول في شراكات مع آخرين يتولون هم الإدارة.<br /><br /><span style="font-weight: bold;">احتياج وحرية</span><br />في القصة شبه الأسطورية عن علاقة قبيلة مزينة بجبال دهب تظهر الصورة النمطية للبدوي الذي يرتحل ويقاتل ولا يرتبط بأراض لأن الصحاري والجبال ليست كريمة معه، ولكنه قد يبذل الجهد ويخوض المعارك من أجل الواعد منها، وقد يكمل ذلك بما قد يعتبره البعض خديعة ومكر واحتيالا على القوانين، كما في القصة.<br /><br />العلاقة بالأرض لا تستمر كثيرا، وإن استمرت فهي علاقة تميل للبساطة: إقامة مخيم يقدم للسياح الحياة البدوية أو حياة الطبيعة الخالية من رفاهية الخدمات السياحية.<br />يعمل حميد، الشاب الثلاثيني الذي لم يكمل دراسته الجامعية في الأزهر، في مخيم يملكه بدوي. فضل ذلك على الذهاب إلى القاهرة للدراسة على أمل أن يحصل على وظيفة ثابتة حكومية أو خاصة ترميه في مدينة ما. يقول حميد :”أنا هنا أكثر حرية وراحة. السنة التي قضيتها في الجامعة لم أحتمل الحياة في القاهرة".<br />"ثمة فكرة بسيطة جعلت فصيلا من الناس يصيرون بدو. بعض البدو يؤدونها بعقل، بينما الغالبية تؤديها بفطرية... هذه الفكرة باختصار تقول: أن ثمة علاقة عكسية بين احتياجك للآخرين وحريتك". هكذا يقول مسعد أبو فجر، الروائي والناشط السيناوي كما يحب البعض أن يسميه، على لسان راوي روايته "طلعة البدن".<br />ربما بسبب هذه الفكرة يفضل معظم الشباب المهن التي تجعلهم أكثر حرية في المكان والزمان وبعيدا عن الهياكل الإدارية المركبة. وربما لذلك لن يذهب سلمان للعمل كمدرس للتاريخ في مدرسة، وسيفضل التنقل بين العمل في رحلات الجمال إلى الجبل أو الصيد البحري مع أبيه وأعمامه وأخواله أو العمل أحيانا في مخيمات يملكها بدو.<br />يحكي سلمان أنه كان يضيق ذرعا بالقاهرة أثناء دراسته فيها: "كنت أشعر وكأني محبوس في مكان سكني. إذا زرت أحدا أجلس ضيفا على كرسي في غرفة لا يمكنني أن أبرحها. هنا أزور من أشاء ونجلس في الساحات. يمكننا أن نفترش الأرض على البحر أو فوق الجبل. أنا أحب هذه الحرية".<br />عند الحديث عن التهريب والمخدرات يجفل الجميع مؤكدين أن بدو جنوب سيناء مشاكلهم أقل مع الدولة لأنهم أكثر مسالمة والتزاما بالقانون.<br />في موضع آخر من رواية مسعد أبو فجر يصف قلق عُودة- أحد أبطال الرواية والذي سيتزوج غاليت - من الأنشطة المخالفة للقانون ومحاولته إخفاء ذلك بين أقرانه من شباب البدو، ذلك لأن عودة – كما يصفه أبو فجر – يقف على جسر بين البداوة وغيرها.<br />ولكن بين ثنايا الأحاديث الأريحية قد تتناثر حكايات متفاخرة ببطولات ومهارات بعض الأجداد أو الآباء في مناورة خفر السواحل وحرس الحدود في عمليات تهريب.<br />على لسان غاليت، السائحة الرومانية التي ستتزوج بدويا، يقول مسعد أبو فجر في "طلعة البدن" أن معظم الوظائف التي توفرها السياحة لا تناسب البدوي، لن يعمل نادلا مثلا. ولكن تجارة الحشيش – على سبيل المثال- توفر للبدوي شيئين: جو الخطر والمغامرة، والعمل بالتجارة التي هي مهنة أرستقراطية في وعيه.<br />يعلق حسن، المتخصص في نظم المعلومات وخريج إحدى المعاهد العالية في القاهرة، أن الصورة النمطية للبدوي ربما تكون لا تزال سائدة ولكنها تتغير. بدأ بعض الشباب يعملون في خدمات السياحة، وبعضهم -وإن كانوا لا يزالون قلة- يقبل أن يعمل نادلا.<br /><br /><span style="font-weight: bold;">حلم السياة نصف النقل</span><br />السيارة الخاصة، الجيب أو نصف النقل، تحتل أهمية خاصة لدى الشاب البدوي. فهي أداة تحرره أكثر من قيود الزمان والمكان. تتيح له جني بعض الأموال في أي وقت. توصيلات للسياح أو نقلات للمحال التجارية والمخيمات. وهناك النزهات الخلوية مع الأصدقاء في الجبل أو في المناطق الخالية البعيدة في الشواطيء التي لم يسيطر عليها الاستثمار السياحي.<br />يشعر سلمان بالظلم لأنه أباه اشترى لأخيه سيارة نصف نقل ولم يشتر له مثلها، واعتبر أن تعليمه في الأزهر حتى تخرجه من الجامعة يكفيه. ولا يبدو أن ذلك يقنع سلمان، يبدو ذلك في نظرته لإبراهيم الذي يصغره بعشر سنوات على الأقل الذي يقود سيارته نصف النقل ويوقفها بالقرب من التجمع وينضم إليه .<br />إبراهيم في نهاية المرحلة الثانوية الأزهرية. ظهرت نتيجته للتو، يمازحه سلمان قائلا: طبعا حصلت على مجموع أكثر من 95%. يهز إبراهيم رأسه ضاحكا.<br />يشرح إبراهيم سبب الضحك قائلا: “في المدارس الأزهرية لا يتركونك تغش من زميل. بل يكون الكتاب معنا في لجان الامتحان! أو يساعدنا المدرس بشكل مباشر!”.<br />يصدق سلمان على كلامه قائلا أن ذلك حدث معه دائما: تجاوز الامتحانات بفضل اللجنة المتعاونة والكتاب المصاحب له داخلها. يقول أن مدرسا حاول مرة أن يوقف ما يحدث فواجه تهديدات واضحة من شيخ المعهد الذي أخبره أن هذا المعهد مبني بقرار سياسي في منطقة البدو ويجب أن تستمر الأمور بنجاح.<br />من جانب، يحتاج البدو أبناءهم لمساعدتهم في الأعمال، وقد يحتاج الأبناء أنفسهم إلى الهرب من المدرسة ظهرا لممارسة عمل ما أو لمجرد الجلوس في الدار كما يقول سلمان. الذي يضيف أيضا أن بعض المعاهد الأزهرية أصبحت تتكيف مع هذا الأمر.<br />التعليم الأزهري منتشر بكثافة أكبر. يعلق حميد: "ليست بسبب ميول دينية بقدر ما هو إقبال على الغش ولأن الكل ينجح. بينما في مدارس وزارة التربية والتعليم، قلما تجاوز صبي بدوي المرحلة الإعدادية". يتذكر سلمان وعايد أسماء قريب لهم في نويبع خريج كلية العلوم السياسية أو آخر في شرم الشيخ خريج كلية العلوم، كحالات قليلة معدودة.<br />يعترف سلمان أنه رسب كثيرا في الجامعة وأنه أنهى دراسته في عشر سنوات مؤكدا أن السبب هو افتقاده للجنة المتعاونة والكتاب المصاحب داخل اللجان كما تعود في كل المراحل، يضيف آسفا أن البيت البدوي أيضا لا يشجع على التعليم. لطالما قال له والده أن يكتفي بهذا القدر وأن يتفرغ للعمل معه في الصيد، ولكن سلمان أصر على مواصلة الدراسة. يهز سلمان رأسه ويضحك وهو يضيف: "أنا كافحت والله !”.<br /><br /><span style="font-weight: bold;">تعليم سياسي</span><br />مثل "التعليم السياسي" الذي يخرج أجيالا بعضها لا يعرف كتابة اسمه ولكن ماكينته تستمر لكي تذكر البيانات عدد المدارس وخريجيها ،تنتصب في حي العصلة هنا وهناك شواهد وجود الدولة، بيت ثقافة دهب ومركز شباب دهب، وعلى الأطراف مساكن جديدة تحت اسم "إسكان مبارك" و"إسكان الشباب". يتحدث الشباب عن رغبتهم في سكنى هذه الشقق ولكن وجودها في طرف المدينة يعني ضرورة اعتيادهم على نمط حياة مختلف بعيدا عن التجمع البدوي المتعاضد.<br />يتحدث حميد، عضو مجلس إدارة مركز الشباب، عن أن نشاط المركز يقتصر على تقديم الكرات إلى الشباب والصبيان وقت العصر، وبعض المسابقات الهزيلة على فترات متباعدة. البعض الآخر يتحدث عن اختفاء "القبيلة" من الحياة اليومية إلا وقت المشاكل والمصائب وبالطبع أيام الانتخابات. بينما الساحات الاجتماعية البديلة لا تزال ضعيفة.<br />يتحدث سلمان كثيرا عن رغبته في تأسيس جمعية لتنمية المجتمع المحلي لبدو دهب. عندما يسألونه ماذا تريد أن تفعل. يقول :"أريد تنظيم ندوات ودورات تثقيفية يأتي فيها كتاب وسياسيون ومثقفون يحدثوننا عن حقوقنا وواجباتنا. بدلا من أن نعيش هكذا نتحدث عن الظلم ويخرج البعض للاحتجاج بالسلاح كل فترة أو يسكت طول العمر. أفكر في نشر ثقافة التعليم والعمل في كل المهن".<br />يتحدث سلمان عن مواجهة خرافات تنتشر بين البدو أو مواجهة أفكار خاطئة عن ازدهار حياة البدو وقت الاحتلال الاسرائيلي. باختصار يريد سلمان أن يصلح الجسر المتهالك بين مجتمع بدو سيناء وبين باقي المجتمع المصري. الأهم أنه لا ينكر أنه يريد أن يعمل على إصلاح الجزء المتهالك من جانبه ولا يشغل نفسه كثيرا بانتقاد الجانب الآخر. لا يبدو سلمان فيما يخص مهنته ونمط حياته اليومية حاسما في التضحية بمميزات الحياة البدوية الهادئة والرائقة ولكنه في الوقت نفسه مشغول بتدعيم مجتمع البدو بخبرات وأفكار من الجانب الآخر من الجسر. الجسر الذي يبدو أنه لم يقم أبدا كما يجب وكما يرضي الطرفين على جانبيه.<br /><br /><hr /><span style="color: rgb(153, 0, 0);font-size:180%;" ><span style="font-weight: bold;">بدو وآخرون</span></span><br /><br />على الجدار فوق باب محله الصغير مكتوب بالإنجليزية: خلف ماركت، وبالعربية: تجارة خلف السوهاجي.<br />أكثر من خمس سنوات قضاها خلف في محله الصغير في حي العصلة في دهب مجاورا البدو، علمته قواعدهم التي يجب أن يسير وفقها.<br />أولا، عليه أن يعتاد البيع بـ"الصبر" أي "الشكك" لأن البدو لا يحبون حمل النقود والتعامل بها طوال الوقت، يأخذون ما يريدون ويدفعون أول الشهر أو عندما تأتيهم "مصلحة" يجنون ثمارها. ثانيا، عليه أن يتجنب الدخول في جدل أو مشادة مع أي بدوي تجنبا لإثارة مشاكل سيناصر فيها كل البدو أخاهم. ثالثا، عليه أن يحتفظ بكليم أو بطانية يستعد لفرشها أمام المحل ليجلس مع أصدقاءه من شباب البدو الذين يستثنيهم من انتقاداته اللاذعة.<br />من هؤلاء سلمان جمعة الذي يسميه خلف "شعراوي" لأنه أزهري ومتدين. على خلف أيضا أن يعتاد التعامل مع الأجانب الذين يمرون أمام محله ذهابا وإيابا من البلو هول إلى المسبط والعكس، يقحم خلف كلمات إنجليزية في كلامه ويعتذر بأن ذلك بسبب كثرة تعامله مع الأجانب.<br />عندما يتطرق الحديث إلى الوافدين من أي مكان في مصر إلى سيناء، ينتقدهم خلف أيضا قائلا أنهم سببوا ازدحام دهب التي كانت أجمل سابقا. وتجنبا لكونه واحدا منهم يظهر خلف هويته البدوية المبطنة ويقول أنه من عرب بني واصل في سوهاج. فيمازحه سلمان بأنه بدوي صعيدي وليس بدويا أصيلا.<br />إذا جلست مع خلف بعض الوقت ستعرف أنه يتباطأ في خدمة هذا الشاب البدوي عندما يطلب منه كبريتا لأنه يعلم كونه مدمنا للمخدرات. وقد يتذمر وهو يلبي طلبات الخواجة أدريانو، الكندي معلم اليوجا الذي يسير في العصلة بالشورت فقط فوق دراجته التي يعلق في مقبضها كيس الطلبات الذي لا يحوي كثيرا.<br />يتشارك سلمان وخلف التذمر من أدريانو الذي يجاهر ضاحكا أنه غير مؤمن وأنه يعيش حياته هائما ليستمتع فحسب، يضيف خلف سببا إضافيا يتعلق بهذا العدد من النساء اللائي يصاحبهن إلى بيته. ولكنهما أمامه يحاولان رص ما يعرفانه من كلمات إنجليزية لممازحته وسؤاله عن طريقة ما في تعاليم اليوجا قد تعالج وجع الظهر أو الكاحل.<br />على عكس خلف الذي يفيض في إظهار رأيه في كل فئة، يحجم شباب البدو عن ذلك إلا في أضيق نطاق. وكأن البدوي في تعامله مع الآخر يحتفظ بمسافة تتيح له أن يكون متسامحا لأقصى الحدود ومتقبلا لكل شيء وفي نفس الوقت تتيح له هذه المسافة أن يكون بعيدا عن كل أنواع الآخرين وأفكارهم وأخلاقهم إن أراد. مع ازدياد تفكك الحياة التقليدية كقبيلة تبدأ هذ المسافة في التقلص، فكما يحاول سلمان ورفاقه ان يكونوا أقرب إلى الآخرين من باقي أنحاء مصر يعاملونهم بأريحية أكثر وينتقدون البدو المتوجسين المنغلقين، هم في الوقت نفسه أكثر جرأة في انتقاد أخلاق السياح الأجانب وسلوكهم. وذلك يوفر دائما مادة شيقة للحديث والدردشة بينهم وبين صديقهم خلف.<br /><br /><hr />نشر في "الشروق" الأحد 25 يوليو 2010<br />PDF<br /><br /></span></div>عمرو عزتhttp://www.blogger.com/profile/08927951113123256622noreply@blogger.com2tag:blogger.com,1999:blog-5559439168559928821.post-82893315788222579932010-07-22T01:32:00.000-07:002010-07-22T02:26:53.341-07:00الكيمونو الأبيض ينافس الساحرة المستديرة في نوادي مصر<span style="font-size:180%;">الكاراتيه من شغف الشباب إلى الخطط التربوية للأسر</span><br /><a onblur="try {parent.deselectBloggerImageGracefully();} catch(e) {}" href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEg7YvlWifTi-qw243VQucF20XzWCDaT75JT76RbcET4XiGu-qVXAt2-pIO0kaTGuzsPl6DpF6WuMBH0tKCaaZSjvLM8G1yow0W8MUQMjbHnq2QvRYB3EdTHBf7mRnl5UNcHliTVi2qCrpk/s1600/karate.JPG"><img style="cursor: pointer; width: 400px; height: 261px;" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEg7YvlWifTi-qw243VQucF20XzWCDaT75JT76RbcET4XiGu-qVXAt2-pIO0kaTGuzsPl6DpF6WuMBH0tKCaaZSjvLM8G1yow0W8MUQMjbHnq2QvRYB3EdTHBf7mRnl5UNcHliTVi2qCrpk/s400/karate.JPG" alt="" id="BLOGGER_PHOTO_ID_5496659380169994530" border="0" /></a><br /><div dir="rtl" style="text-align: right;"><br /><div style="text-align: justify;"><span style="font-weight: bold;">قبل عقود كان الشباب يتجهون للكاراتيه انجذابا للعبة قتالية مثيرة، بعضهم اتخذها مهنة وساهموا في نشرها في النوادي والمدارس حتى أصبحت رياضة تدفع أعداد غفيرة من الأسر أبنائهم إليها في سن مبكرة. في السنوات الأخيرة تنافس رياضة الكاراتيه كرة القدم أو تتفوق عليها من حيث عدد الممارسيين بشكل منظم في النوادي ومراكز الشباب.</span><br /><br /><br /><div style="text-align: justify;"><span class="fullpost">لا حرارة الصيف ولا الشمس المسلطة يبدو أنهما تزعجان الآباء والأمهات أو تدفعهم للبحث عن ظل بدلا من الجلوس في الممر المكشوف المجاور لصالة الكاراتيه في مركز شباب روض الفرج لمتابعة أبناءهم.</span><br /></div></div><span class="fullpost">عشرات الأطفال يرتدون البدلات البيضاء وأحزمة بيضاء أيضا تدل على كونهم ما زالوا مبتدئين، يقفون أمام المدرب الذي يحاول أن يكون لطيفا وحازما وهو يعلم الصغار المباديء الأولى للعبة. ينتهي تدريبهم فيخرجون بنظام وياتي دور الأطفال الأكبر سنا الذين قطعوا شوطا أطول في اللعبة. تطلب السيدة سماح حسين من ابنتها نعمة أن تنادي على أخيها الأصغر مختار ليلحق بالتدريب، مختار كان في صالة كرة السلة أمام شاشة عملاقة تعرض مباراة كرة قدم ضمن منافسات كأس العالم.<br />لم تفكر السيدة سماح أبدا في دفع ابنها للعب كرة القدم. تقول أنها لا تشعر أنها لعبة مفيدة لجسم وشخصية الأطفال بقدر الكاراتيه.<br />عبر مدرسة عمر جوهر الابتدائية في إمبابة، حيث تسكن الأسرة، بدأت علاقة الأولاد بالكاراتيه. مدرس الألعاب كان مدربا للكاراتيه، أعطى التلاميذ ورقة تعلن عن بدء مدرسة لتعليم الكاراتيه لمن يرغب في أيام الإجازات. ألحقت السيدة سماح ولديها بمدرسة الكاراتيه وبعدما رحل المدرب وتوقفت مدرسة تعليم الكاراتيه بحثت عن مكان آخر مناسب ليستكمل أولادها مشوارهم فكان مركز شباب روض الفرج على الضفة الأخرى من النيل. مكان رخيص نسبيا، الاشتراك الشهري للطفل 35 جنيها، ومركز الشباب العتيق لحقه تطوير ملحوظ جعله أفضل في نظرها من مركز شباب إمبابة. إعجابها برياضة الكاراتيه لا ينافسه إلا إيمانها بضرورة ممارسة الأطفال للسباحة أيضا.<br />أكثر من 400 لاعب للكاراتيه في فريق مركز شباب روض الفرج يجعلها اللعبة الأولى من حيث عدد الممارسين في المركز. لهذا السبب كان هناك يقين فؤاد، الباحث الشاب في الجامعة الأمريكية والذي يعد أطروحة لنيل درجة الماجستير في الأنثروبولوجيا عن ممارسة رياضة الكاراتيه في مصر. يجوب يقين النوادي ومراكز الشباب في القاهرة والمحافظات محاولا الوقوف على نمط ممارسة الرياضة وعلاقته بأفكار وسلوكيات وممارسات اجتماعية وفردية لممارسيها. اختيار يقين لرياضة الكاراتيه تحديدا يعود لأكثر من سبب، منها ما انتهى إليه ولاحظه من انتشارها الكبير. في إحصاء لمركز معلومات مجلس الوزراء صدر عام 2009 عن الحالة الرياضية للشباب، اعتمادا على مسوح أجريت ما بين عامي 2000 و2007، أن رياضة الكاراتيه لها أكبر عدد من الفرق بين كل الرياضات في مصر وإن كان يقول أن عدد ممارسي كرة القدم هو الأكثر. ولكن يقين فؤاد حصل من مصادر من اتحاد الكاراتيه على معلومات أحدث تفيد أن عدد المسجلين في مسابقات هذا العام وصلوا 73 ألفا في مقابل 28 ألفا في مسابقات كرة القدم بحسب نقل يقين عن مصادر أخرى في اتحاد كرة القدم. من الصعوبة المقارنة بين لعبتين واحدة جماعية والأخرى فردية ولكن المؤشرات تشير إلى أن رياضة الكاراتيه من حيث الممارسة المنظمة تنافس كرة القدم إن لم تتفوق عليها.<br /><br />يقول يقين فؤاد أن لهذه الظاهرة بعد تاريخي نوعا ما متعلق بملابسات دخول الرياضة إلى مصر في أوائل السبعينات ورواج اسمها الذي كان يطلق في فترات على كل الألعاب القتالية: “شكى لي مدرب كونغ فو أن بعض الناس يطلقون على أي رياضة قتالية اسم كاراتيه، بل إنه وجد أفلام حركة كانت الترجمة العربية فيها تحول الكونغ فو إلى كاراتيه!”.<br />لا يوجد تاريخ موثق لدخول اللعبة إلى مصر، ولكن أبرز من بدأوا تدريبها هو إيكوموتو الذي ظل مستشارا لاتحاد الكاراتيه ومنتخب مصر وتوفى قبل 3 سنوات. ويرى يقين أن انتشار الكاراتيه في مصر ارتبط بحركة وتنقلات واجتهاد تلاميذ المدربين الأوائل الذين احترفوا التدريب ونشروا الرياضة.<br />على عكس ما يحدث الآن من اهتمام الأسر، فإن الكاراتيه كان يجتذب الشباب من أبناء الفئات الشعبية الذين يشاهدوه في مكان ما أو في الأفلام. أشرف الجزار، مدرب الكاراتيه في مركز شباب روض الفرج الذي يسكن في الحي نفسه، يقول أنه قرر لعب الكاراتيه عندما شاهده في فيلم "الأبطال" لأحمد رمزي، فاتجه إلى مركز شباب روض الفرج وهو شاب في منتصف العشرينات وبعد ممارسته فترة ترك مهنته كمحاسب في أعمال أسرته واتجه إلى احتراف التدريب منذ عام 1986 إلى الآن.<br /><br />تميز وتحقق<br />من المقابلات التي أجراها يقين فؤاد في العديد من الأندية ومراكز الشباب يرى أن توجه الشباب أنفسهم إلى ممارسة الكاراتيه في الأحياء الشعبية والريف فيه بحث عن مجال للتميز والتحقق. يقول يقين: "بالنسبة لأبناء الفئات الاجتماعية الأفقر تبدأ ممارسة الكاراتيه بشغف شخصي و رغبة في الخروج من التنميط الاجتماعي بممارسة بمختلفة فيها استعراض ومنافسة، قد تجعله بطلا وعلى الأقل تجعله مميزا. أيضا احتراف الكاراتيه يظل بالنسبة لشباب هذه الفئات شيئا جذابا سواء كلاعب محترف يحقق بطولات أو كمدرب في مقابل صعوبة الحصول على مهن أخرى مستقرة. وجدت كثيرين يحترفون الكاراتيه ولكنهم سرعان ما يتركونه أو ينوون إن وجدوا فرصة عمل مستقرة".<br />الميل لرياضة قتالية أعنف وأكثر شراسة يجعل الشباب يتوجهون إلى الكونغ فو أو الملاكمة، ولكن بسبب انتشار مدربي الكاراتيه في مدارس ومراكز شباب فإن رياضة الكاراتيه كسبت أرضا أكبر، ومع نمو الرياضة تزيد جاذبيتها وجمهورها وفرص احترافها والتدريب فيها مع تراكم الخبرات.<br />السيدة سهام ظريف، مأمورة الضرائب التي تسكن بالقرب من مركز الشباب وتنتظر ابنها مينا و ابنتها ميرا، وجهتم أولا إلى الكونغ فو ولكن لم تعجبها. تعبر عن رأيها قائلة: "رأيت أن الكاراتيه أرقى. فيه نظام واحترام أكثر. أنا أريد لأولادي أن يكونوا قادرين على الدفاع عن أنفسهم وأن يثقوا بأنفسهم وأن يشغلوا وقتهم بشيء مفيد بدلا من الاتجاه للشارع أو البلاي ستيشن".<br />الفئات المختلفة في الطبقة الوسطى لها دوافعها المختلفة عند توجيه الأولاد إلى رياضة الكاراتيه. لدي يقين فؤاد بعض الافتراضات بعد جولاته ومقابلاته، أولاها لها علاقة بالنوادي ومراكز الشباب كمكان عام يشهد إقبالا متزايدا. ففي رأيه أن علاقة الفئات الأبسط من الطبقة الوسطى بالأماكن العامة تقل، لا يوجد مجال لخروج الأسرة بشكل ممتع للمشي أو للتسوق في الكثير من الأحياء. النوادي ومراكز الشباب هي المتنفس الأهم. الأسر تهرب بأولادها من الشارع انزعاجا من سلوكياته وتريد أن تظبط سلوك الأبناء وتوجهه في مسارات محددة. ممارسة الرياضة تأتي في هذا الإطار.<br />على عكس روح الجموح والبحث عن الإثارة في اتجاه أبناء الفئات الشعبية للرياضات القتالية، هناك بحث عن الانظباط والتحكم في توجيه الأسر المتوسطة لأبنائها. المهارات القتالية هنا مهارات مفيدة للدفاع عن النفس في الشارع الخطير الفوضوي، والرياضة بالطبع مفيدة صحيا ونفسيا للأطفال. خبرة المنافسة الرياضية والقتالية تجعل الطفل في الحلبة وحيدا إلا من خبرات جسده وأفكاره ومهاراته.<br /><br /><span style="font-weight: bold;">وعي بحدود الجسد</span><br />يضيف يقين فؤاد أن الرياضات القتالية بشكل عام تجعل من تجربة العراك، أن تضرب وتُضرب، تجربة معتادة فتتنزع منها الخوف والرهبة وتجعل الفرد واعيا بجسمه وحدوده وإمكاناته، قد يعرف أنه قد لا ينتصر هذه المرة ولكن ذلك لن يسبب له هلعا أو فقدان الثقة في النفس.<br />يعبر عن هذا المعنى المهندس أحمد علام قائلا: "الكاراتيه بيساعد الولد إنه ينشف". ينتظر علام ابنه وابن أخيه مؤكدا أنه يحرص على تعليمهم الكاراتيه لأنه هو نفسه مارسه لفترة طويلة. تعرف علام على الكاراتيه من مدرب جارهم وهو شاب عمره 18 عاما ولكنه وجه ابنه وابن أخيه إليه في سن مبكرة، و يضيف أن تميز رياضة الكاراتيه عن غيرها أنها تعلم الدفاع عن النفس ولكن بلا ميل لإيذاء الخصم عكس رياضات أخرى فيها روح شرسة أكثر.<br />يقول أشرف الجزار، مدرب فريق الكاراتيه: “ أحد أسباب جاذبية رياضة الكاراتيه عند الأسر هو أنها رياضة تعلم مهارات القتال ولكنها ليست قتالا عنيفا. يتعلم اللاعب حركات قوية ومؤثرة لكنه يتعلم أيضا ضرورة أن يوقف يده أو قدمه عند جسد خصمه بشكل معين لكي لا يؤذيه".<br />هناك روح تربوية منضبطة في الكاراتيه، وفي أثناء التدريبات والمباريات هناك اهتمام كبير بالتقاليد واحترام اللاعب لزميله وخصمه ومدربه والتزام آداب معينة في الحركة والكلام.<br />تلك الروح جعلت من الكاراتيه رياضة أسرية، تدفع الأسر أبنائها في سن مبكرة للعبها. ولكن نفس الروح هي التي تجعل كلا من الأهل والأبناء يفكرون في أن الكاراتيه، مثل أي رياضة، نشاط أدنى من التعليم. يتركه الأبناء في مرحلة الثانوية العامة أو الجامعة.<br />يقول أشرف الجزار أن 80 % من لاعبي الكاراتيه في المركز لهذا السبب هم من سن 4 إلى 9 سنوات. وأصبح من الصعب الآن أن يبدأ شاب اللعب في سن كبيرة لأن المنافسة أصبحت قوية وتحتاج بدء التدريب من سن صغيرة، ولكن هناك استثناءات لو كان شاب عنده استعدادات استثنائية أو في الأندية التي لديها ترف وجود مدربين كثر للفئات السنية المختلفة لتتحمل وجود مبتدئين في كل سن.<br />المتميزون الذين يحصدون البطولات يواجهون خيارا صعبا، ولكن يحسمه مدى تميز تعليمهم في مقابل تميزهم في الكاراتيه. يقول يقين أن كل الذين يلتحقون بكليات الطب والهندسة يتركون الكاراتيه تماما، حتى كريم شريف بطل العالم في الكاراتيه تركه عندما أصبح ضمن هيئة تدريس كلية الطب بالقصر العيني. ولكن هناك استثناءات فردية، فيذكر أن مهندسا ترك الهندسة رغبة في احتراف تدريب الكاراتيه ويضيف يقين أنه أحيانا ما يدر ذلك دخلا أعلى لو كان المدرب متميزا ومشهورا في أوساط اللعبة، يمكنه أن يدرب في أكثر من ناد وصالات خاصة بالإضافة للتدريب في المنتخب.<br />يظل الاستمرار في ممارسة الكاراتيه واحترافه فرصة أكثر للفئات التي تمثل الهامش وتفتقد الفرص الواسعة. يعتبر يقين كون 15 لاعبا من أصل 20 في منتخب مصر في الكاراتيه من الأقاليم و5 فقط من القاهرة هو مؤشر على جاذبية اللعبة في الأقاليم التي تفتقد الفرص بالمقارنة بالقاهرة. وفي بعض المحاقظات لاحظ يقين الوجود الكثيف لإعلانات على الحوائط والأسوار عن مدارس تعليم الكاراتيه.<br />لا يزال يقين فؤاد يصيغ أطروحته بشأن ممارسي لعبة الكاراتيه ولكن هناك انطباع عام وصله خلال بحثه وهو انطباع يصله أيضا من حياته اليومية أيضا: "هناك حالة عامة من الإحساس بعدم الأمان تحرك خيارات الجميع بشكل ملحوظ".<br />قد يبدو ذلك مثيرا للدهشة فيما يتعلق بأبناء رياضة قتالية، وقد يبدو متسقا مع كونها طريقهم إلى الثقة والأمان. ولكنهم معظمهم يعتبرون أن اللعبة نفسها تعاني من التجاهل رغم إنجازاتها. يقول أشرف الجزار أن مصر في نوفمبر الماضي احتلت المركز الثالث في بطولة العالم للكاراتيه، وفازت فتاة من مركز شباب روض الفرج بالمركز الثاني في وزنها بينما كان الجميع مشغولين بالمعركة الكروية بين مصر والجزائر. ولكنه على كل حال متفائل بالصالة الجديدة الأكبر التي لا تزال تحت التجهيز والتي خصصتها إدارة مركز الشباب للكاراتيه لكي تستوعب الأعداد المتزايدة من اللاعبين كل عام.<br /><br /><hr />نشر في "الشروق" الخميس 8 يوليو 2010<br />PDF<br /><br />تصوير: محمود خالد<br /></span></div>عمرو عزتhttp://www.blogger.com/profile/08927951113123256622noreply@blogger.com3tag:blogger.com,1999:blog-5559439168559928821.post-6784972531056730332010-07-19T05:00:00.000-07:002010-07-19T05:10:09.013-07:00الطرق المتقاطعة فوق هضبة المقطم<span style="font-weight: bold;font-size:130%;" >أفكار وأجيال جديدة في ساحة المجتمع المدني</span><br /><a onblur="try {parent.deselectBloggerImageGracefully();} catch(e) {}" href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEiEECMLUM2ldvnSb2BbDdwZ7wDhDF_ooEGo6u8yeDsS3U1jHFKsbhi11tRVfSiwdaqk62qeik3Fd_hgE4kd_IpR7pv_pdDOq390ylzZTc71-szivikb7yAW1ZtDcL5cmZNl2n2ePCSNuz8/s1600/%D9%85%D9%82%D8%B7%D9%85.jpg"><img style="cursor: pointer; width: 400px; height: 267px;" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEiEECMLUM2ldvnSb2BbDdwZ7wDhDF_ooEGo6u8yeDsS3U1jHFKsbhi11tRVfSiwdaqk62qeik3Fd_hgE4kd_IpR7pv_pdDOq390ylzZTc71-szivikb7yAW1ZtDcL5cmZNl2n2ePCSNuz8/s400/%D9%85%D9%82%D8%B7%D9%85.jpg" alt="" id="BLOGGER_PHOTO_ID_5495587950664450242" border="0" /></a><br /><br /><div dir="rtl" style="text-align: right;"><div style="text-align: justify;"><span style="font-weight: bold;">الخصائص المميزة لحي المقطم تجعل من شبكة المجتمع المدني فيه واعدة و مترابطة ومتشابكة رغم اختلاف الأفكار والاتجاهات والأساليب، والتركيبة الاجتماعية تجعل صوته أقوى.</span><br /></div><br /><span class="fullpost">بعد انتهاء عرض الفيلم ومناقشته في نادي السينما الأسبوعي الذي ينظمه "منتدى المقطم" في مقر جمعية" تنمية البيئة بالمقطم"، وقفت سيدة تقول: هل سنسكت على مشروع افتتاح "كارفور إكسبريس" في ميدان النافورة بمدخل المقطم؟<br />دار حوار بينها وبين الحاضرين حول ذلك الافتتاح الذي يظن العديد من أهالي المقطم أنه سيؤدي إلى اختناق مروري في مدخل المنطقة. بعد أسابيع تشكلت لجنة تحت اسم "مقطم بلا زحام" وبدأوا بحث طرق الاحتجاج ضد افتتاح المشروع في هذا المكان.<br />يحكي زياد العليمى، المحامي والناشط وأحد أعضاء المنتدى، أن معظم أعضاء لجنة "مقطم بلا زحام" هم من رواد نادي السينما الذي ينظمه المنتدى منذ فبراير 2009: “فكرنا في نشاط عروض الأفلام ومناقشتها كبداية لنشاط المنتدى لأنه نشاط ممتع وجذاب ويمكن أن يثير اهتمام العديد من سكان المنطقة الذين يمكن أن يشتركوا في أنشطة أخرى ويطوروا المنتدى مثلما حدث في مبادرة لجنة "مقطم بلا زحام".”<br />في يناير الماضي بدأت اللجنة حملة ضد إنشاء كارفور في هذا المكان، ونظموا وقفة احتجاجية هناك وأعدوا عريضة احتجاج أرسلوها إلى الشركة الأم في فرنسا ووزعوا نشرة في المقاهي والتجمعات تدعو الأهالي للمشاركة في الاحتجاج، وقام بعض الأعضاء بمخاطبة المسئولين والنواب لمساندة المبادرة.<br /><br />النشاط الذي يقوده شباب المنتدي وينطلق من مقر جمعية" تنمية البيئة بالمقطم" بعد فترة من الركود بالتأكيد يبهج د. شكري عازر، الطبيب والناشط السياسي اليساري: “الجمعية تأسست في أوئل التسعينات من ناشطين ميولهم مدنية ومهتمين بالعمل الاجتماعي من سكان حي المقطم. التيارات الدينية كانت نشطة جدا وقتها. ورغم بعض الصعوبات في الحصول على ترخيص الجمعية، إلا أننا تمكننا من الحصول عليها وشكلنا مجلس إدارة رأسه د.رفعت السعيد، رئيس حزب التجمع".<br />وقتها كانت التركيبة الاجتماعية أكثر تجانسا وأقل عددا، وكلها من طبقة متوسطة وما فوقها، ولديهم بعض الترف في الوقت والمال للاهتمام بعمل اجتماعي يهتم بشئون المنطقة. الطبيعة الجغرافية للمنطقة التي تقع فوق هضبة لها مداخل ومخارج قليلة شكلت أيضا مجتمعا مرسوم الحدود. وكان نشاط الجمعية الذي ركز على مشاكل المنطقة والتفاصيل اليومية لحياة أهلها جذابا لأهالي الحي الذين تفاعلوا معه بدرجة ما.<br />يحكي د.شكري عازر عن حماستهم وقتها: "كنت آخذ كاميرتي وأصور وأنتقل لمكان أي حادث أو شكوى، كنت مشرف نشرة "المقطم" التي تصدر شهريا من ورقتين فقط. كنا ننشر أخبارا وصورا ومقالات وشكاوى مع إعلان من راع يتحمل تكلفة العدد''.<br /><br />يشير د. شكري عازر إلى أن طبيعة الطبقة التي شكلت السكان القدامي للمقطم ساعدت في تمويل الأنشطة الاجتماعية والخدمية والخيرية، نظرا لوجود عدد كبير من رجال الأعمال. من أعضاء ومؤسسي الجمعية هناك د. هاني عنان وهناك عائلات مثل آل سلام وخاطر يمولون ويساعدون بعض مشروعات الجمعيات أو يتطوعون لمساعدة أجهزة الدولة في تطوير الخدمات.<br /><br />بمساعدة بعض الممولين وبنشاط من عدد محدود من مؤسسي الجمعية النشطين استمرت الجمعية في تناول مشكلات المقطم بل وتقديم مقترحات والقيام بمبادرات فعلية لحل هذه المشكلات.<br />يقول د. شكري عازر:”نظمنا قبل سنوات حملة نظافة تطوع فيها العديد من طلبة المدارس. وتناولنا مشكلات تآكل حواف الهضبة واستعنا بجيولوجيين ومهندسين من أهل المقطم تقدموا بمقترحات وحلول. وكذلك دعونا إلى إنشاء طريقين منفصلين، صاعد وهابط- إلى ومن المقطم بدلا من الطريق المزدوج الخطر حتى تم ذلك".<br /><br /><span style="font-weight: bold;">شيوخ وشباب</span><br />استمرت النشرة التي كانت محور أنشطة الجمعية بانتظام نسبي من 1993 حتى 2006 ثم توقفت. الأعضاء المؤسسين أصبحوا أكبر سنا وأقل حماسة وزادت أعباءهم ولم تتجدد العضوية في الجمعية. يقول د.شكري عازر أن ذلك حدث بسبب تشدد إدارة الجمعية في فترة في قبول عضوية الشباب بسبب الخوف من اختراقها من قبل التيارات الإسلامية وخاصة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى أن تقدير بعض الناس لنشاط الجمعية لا يعني بالضرورة استعدادهم للانخراط بأنفسهم فيها.<br />لا تزال الجمعية تقوم بأنشطة نمطية نوعا ما تنشط صيفا مثل دورات الكمبيوتر واللغات وتعليم بعض المهارات. ولكن النشاط بدأ يدب شتاء أيضا مع مجموعة الشباب التي انضمت إلى الجمعية وبدأت نادي السينما الأسبوعي مساء كل خميس ثم انطلقت منها مبادرة "مقطم بلا زحام" التي يبدو أن احتجاجها نجح حتى الآن في الضغط على الأجهزة الحكومية، فرفضت إدارة المرور إصدار ترخيص للمشروع رغم استكماله لكل التراخيص الأخرى.<br />على جانب آخر، هناك من له رأي آخر محايد نوعا ما في قضية إنشاء كارفور. فريق عمل جريدة "أخبار المقطم" الذين يقودون مبادرات تبدو قريبة في طبيعتها من مبادرات تنمية البيئة أوائل نشاطها. السمت الإسلامي واضح على فريق الجريدة وفي بعض جوانب الجريدة نفسها. الجريدة بالأساس مشروع هادف للربح ومرتكز أكثر على الإعلانات ومهتم بالجودة العالية للمطبوعة والتوزيع الواسع. تطبع الجريدة 10 آلاف نسخة شهريا وتوزعها مجانا وتقدم خدمة توصيلها للمنازل مقابل اشتراك سنوي.<br />يقول م. هاني محمود، المدير العام للجريدة: “كان هناك إصدار سابق من نفس الجريدة بدأ عام 2006 ولكن كان خطه هجوميا بعض الشيء في تناوله للمشاكل وكان ذلك يسبب خسارة العلاقات مع المسئولين وفي نفس الوقت نحن مطبوعة محدودة التأثير وليس لدينا أوراق قوية للضغط. الإصدار الجديد بدأ في سبتمبر 2009 وبدأ يهتم أكثر بأن يكون جذابا للقراء من خلال مواد خفيفة عن التكنولوجيا ومعلومات تهم الشباب والأسرة وننشر أيضا مشاركات القراء وحوارات مع رموز ومشاهير من سكان المقطم مع تقديم الخدمات الإعلانية لكل الأنشطة في حي المقطم. أما عن أخبار المقطم ومشاكله فنتناولهم بشكل هاديء وغير صدامي".<br />تحاول الجريدة التعاون والتشبيك مع الجمعيات النشطة في المقطم، كجزء من مهمتها الإخبارية وأيضا من أجل دعم مبادراتها وحملاتها.<br />في المقطم 155 جمعية أهلية، بحسب معلومات م.هاني محمود، هناك 25 منهم نشطون وتتعاون الجريدة معهم. معظم الجمعيات تتجه للأعمال الخيرية التقليدية خاصة الجمعيات ذات الطابع الديني، يؤكد م.هاني على ذلك ويقول أنهم يحاولون إقناع هذه الجمعيات بالاهتمام بأنواع أوسع من العمل الاجتماعي بدلا من التكرار: "هناك مثلا 20 دار أيتام في المقطم تفوق حاجة الحي، وأحيانا تجد في كل دار طفلين أو ثلاثة بسبب سوء التنسيق”.<br />بخلاف التيار الأكثر انتشارا في العمل الخيري هناك جمعيات تقدم أفكارا مختلفة في العمل الاجتماعي، مثل جمعية "فاتحة خير" التي كانت نشاطها الأساسي منح القروض متناهية الصغر لبدء مشروعات وأعمال صغيرة. والتي قام بعض أعضائها فيما بعد بإنشاء جمعية "ألوان وأوتار" التي تركز على تنمية مهارات أطفال الفقراء لزيادة فرصهم.<br /><br /><span style="font-weight: bold;">هايد بارك المقطم</span><br />تحاول الجريدة أيضا أن تقدم أفكار مبادرات خدمية مثل حملة "مقطم بلا قمامة" والتي قامت فيها بالتعاون مع الحي وهيئة النظافة والتجميل بنشر أرقام تليفونات متعدي النظافة لكل منطقة لكي يتمكن الأهالي من التواصل معهم إن لم يجدوهم، بالإضافة لأرقام خاصة باستقبال الشكاوى إذا لم يقم المتعهدون بمهمتهم. وفي الحملة الأخيرة "هايد بارك المقطم" أو "المقطم بلا كراكيب" تدعو الجريدة أهالي المقطم إلى التبرع بما لا يحتاجونه من الملابس والأثاث والأجهزة لبيعها بأسعار مخفضة في منطقة مساكن الزلزال، التي يسكنها شرائح أقل دخلا، وتخصيص دخلها لإنشاء حديقة عامة لأهالي المقطم.<br />في هذه الحملة يبدو تقاطع وتشبيك الجمعيات واضحا، فالجمعية التي تقدمت بطلب تخصيص أرض وتصريح لإنشاء حديقة هي جمعية "تبارك" بينما تشارك جمعيات"تنمية البيئة بالمقطم" و"خدمات المقطم" و"المقطم" بمجهود أعضائها في جمع "الكراكيب" ونقلها وبيعها.<br />فيما يخص قضية إنشاء كارفور كانت هناك محاولة أخرى للتشبيك وتقريب وجهات النظر المختلفة. فريق عمل "أخبار المقطم" كان رأيه أن يحدث تفاوض مع الشركة للوصول لحل مرضي. ودعوا رفعت السعيد بصفته رئيس جمعية "تنمية المقطم" القريبة من لجنة "مقطم بلا زحام" وباعتباره عضو في مجلس الشورى وقريب من المسئولين للقاء مع مسئول من شركة كارفور. يقول م.هاني محمود أن فريق "أخبار المقطم" حاول ترتيب الموعد لكن د.رفعت السعيد اعتذر عنه ومضى أعضاء “مقطم بلا زحام” في طريقهم ودعونا للاشتراك معهم لكننا رفضنا لأننا قررنا منذ البداية أن نكون بعيدا عن التحركات ذات الطابع السياسي وأن نقدم ما يتناسب مع حجم تأثيرنا.<br />يرى زياد العليمي أن هناك انتماء ما للحي وتجانس فيما يخص طريقة التفكير تتيح إمكانية كبيرة للتنسيق والتشبيك بين مختلف العاملين في المجتمع المدني رغم اختلاف التوجهات. يوضح أن معظم الجمعيات والمبادرات هي امتدادات لأخرى قديمة مستمرة، ومعظمها يتعاون ويشارك في أنشطة مشتركة يتحمس لها رجال أعمال وشباب ناشطون ومدونون.<br />الأجيال والأفكار الجديدة رغم اختلاف المزاج والاتجاهات تبدو مبشرة بشبكة مجتمع مدني واعدة فوق هضبة المقطم.<br /><br /><hr />نشر في "الشروق" الأربعاء 14 يوليو 2010<br />PDF<br /><br /></span></div>عمرو عزتhttp://www.blogger.com/profile/08927951113123256622noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-5559439168559928821.post-58807433898781267322010-07-07T06:02:00.000-07:002010-07-07T08:32:06.277-07:00المطربة الشعبية ترتدي الكاجوال<span style="font-size:180%;">الشعبي متأثرا بالفيديو كليب</span><br /><a onblur="try {parent.deselectBloggerImageGracefully();} catch(e) {}" href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEjUcVa_6YgDXGmTbIBaRYxjYddym2dd0Mj1uNIrG4wBVkDA8p-KViYgNwXJs1BwItfaelD_CybjAy4jGzPGIJXGidoMUM9oN31OZogoxIbDf4zTs_mxNwLR6proJp6Qz5T8M7DnBS5psWM/s1600/%D9%8A%D8%A7%D8%B1%D8%A7+%D9%88%D8%B4%D9%8A%D9%85%D8%A7%D8%A1+%D8%AA%D8%B5%D9%88%D9%8A%D8%B1+%D9%87%D8%A8%D9%87+%D8%AE%D9%84%D9%8A%D9%81%D8%A9+%2859%29.JPG"><img style="cursor: pointer; width: 400px; height: 267px;" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEjUcVa_6YgDXGmTbIBaRYxjYddym2dd0Mj1uNIrG4wBVkDA8p-KViYgNwXJs1BwItfaelD_CybjAy4jGzPGIJXGidoMUM9oN31OZogoxIbDf4zTs_mxNwLR6proJp6Qz5T8M7DnBS5psWM/s400/%D9%8A%D8%A7%D8%B1%D8%A7+%D9%88%D8%B4%D9%8A%D9%85%D8%A7%D8%A1+%D8%AA%D8%B5%D9%88%D9%8A%D8%B1+%D9%87%D8%A8%D9%87+%D8%AE%D9%84%D9%8A%D9%81%D8%A9+%2859%29.JPG" alt="" id="BLOGGER_PHOTO_ID_5491180960879776930" border="0" /></a><br />تصوير: هبة خليفة<br /><br /><div dir="rtl" style="text-align: right;"><div style="text-align: justify; font-weight: bold;">الأزياء الفولكلورية التي ناسبت الفنانة الشعبية التقليدية أو فساتين السهرة الكلاسيكية التي ناسبت مطربات الأفراح لفترة طويلة لم تعد تناسب الفنانة الشعبية الحديثة التي تقدم عرضا بصريا على مسرح الفرح الشعبي.<br /></div><br /><span class="fullpost">بعد فاصل طويل من السلامات والنقوط والتحيات، يعلن نوبتجي الفرح عن بدء الفقرات مع "نجمتي الغناء العربي و مسارح القاهرة".<br />ترتفع الموسيقى باللحن الشعبي الشهير "زكي يا زكي" لفترة قبل أن تدخل الشقيقتان <a href="http://www.youtube.com/results?search_query=%D9%8A%D8%A7%D8%B1%D8%A7+%D9%88%D8%B4%D9%8A%D9%85%D8%A7%D8%A1&aq=f">يارا وشيماء</a> بخطوات سريعة راقصة إلى المسرح. يارا وشيماء ترتديان زيا متشابها: تي شيرت مع جيليه وجونلة عليهم اسم الماركة العالمية الشهيرة D&G.<br />تبدأ الشقيقتان في الغناء. تمزجان الغناء الشعبي باستعراضات يؤدونها في تزامن. تمزج حركاتهما بين الرقص الشرقي وبين بعض حركات الرقصات الفولكلورية الصعيدية أو السواحلية وبين الرقص الغربي.<br />يتحمس الجمهور الممتد من أول ذلك الشارع من مدينة رشيد إلى آخره حيث ينتصب المسرح، ويعاني أهل الفرح بعد كل أغنية وهم يقنعون الشباب والصبيان بالنزول من على المسرح بعد أن صعدوا إليه متحمسين.<br />القبول الذي يحظيان به يدل عليه ذلك الانتشار الكبير في أفراح الدلتا على وجه الخصوص، تلك الليلة كان لدي الشقيقتان أكثر من فقرة في أكثر من فرح في رشيد وحدها. بالإضافة للفيديوهات الكثيرة المنتشرة على اليوتيوب التي صورها، بالإضافة للفرق الموسيقية التي اشتركوا معها.<br />قد يكون نموذج يارا وشيماء كثنائي فريدا في عالم الأفراح الشعبية، ولكن نموذج الفنانة الشعبية الذي يمثلانه في المظهر والأداء له نماذج أخرى: <a href="http://www.youtube.com/results?search_query=%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%B1+%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF+%D8%B3%D8%B9%D8%AF&aq=f">المطربة منار محمود سعد</a> و<a href="http://www.youtube.com/results?search_query=%D9%85%D9%87%D8%A7+%D8%B9%D8%A8%D8%AF+%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A4%D9%85%D9%86&aq=f">عازفة الأورج مها عبد المؤمن</a> وغيرهن، ومن عالم المشاهير هناك أمينة وهدى وأخريات.<br />بدأت الشقيقتان عملهما في سن مبكرة. دفعهما والدهما الممثل إلى قصر ثقافة بورسعيد حيث تقيم الأسرة فمارسا هناك التمثيل والغناء والرقص، ثم بدأوا يقدمون فقرات في الأفراح في سن الثالثة عشر والخامسة عشر. درسا الموسيقى كهواة في أوبرا الإسكندرية وتدربا على الرقص مع وليد عوني في مركز الإبدع بالقاهرة.<br />اختار والدهم لهما شكل الثنائي ليكونا متميزتين. واختارا هما شكل ملابسهما مثل الملابس العادية اليومية للبنات في سنهما.<br />تحكي يارا: "في الأول فيه ناس استغربتنا. لكن بعد كده بقينا محبوبين بالشكل ده ومطلوبين جدا".<br />نموذج الفنانة الشعبية بزيها الفولكلوري الريفي يتراجع أمام الزحف المديني وتغير المزاج. الجيوب الريفية للمدن التي تتحول إلى أحياء شعبية تتغير تركيبتها وتستمتع بالأغاني "الشعبي" التي قد تأخذ من الفولكلور الريفي ولكنها تعبر عن مزاج مختلف يناسب الحياة الجديدة.<br />كذلك نموذج المطربة التي ترتدي السوارية يتراجع أمام المظهر الكاجوال الأكثر عصرية.<br />تقول شيماء :"دلوقتي الناس متعودة على شكل المغنية الأجنبية وحركاتها زي شاكيرا وغيرها. وإحنا بنقدم شكل قريب من ده بس مع الأغاني الشعبي".<br />مع تغير أزياء الأحياء الشعبية من التقليدي إلى الكاجوال أصبح من الطبيعي أن تتغير أزياء فنانيهم. ومع الغزو البصري للفيديوكليب أصبح المظهر الجذاب للفتاة مختلفا عن ذي قبل. نموذج الموديل التي ترتدي الكاجوال يسيطر على الخيال.<br />تحكي يارا أنهم كانوا أحيانا في سن صغيرة يقدمون أغان عادية، بعض الأغاني العربية القديمة أو بعض الأغاني الشبابية السريعة، "الفرانكو" كما تسميها. ولكن قبل 6 أو 7 سنوات بدأت الناس تطلب الأغاني "الشعبي" في الأفراح وأصبحت كل فقراتهم منها.<br /><br /><span style="font-weight: bold;">كوكتيل شعبي</span><br />تقول شيماء: "لأننا درسنا الموسيقى يمكننا أن نمزج الأجزاء الجامدة من مجموعة من الأغاني الشعبية من مقامات متقاربة أو متناسقة ونتفق على الحركات التي نؤديها معا. نحاول دائما أن نغني آخر الأغاني التي تعجب الناس، نغني أغاني محمود الليثي ومحمود الحسيني وغيرهم".<br />تقسم يارا الأغاني الشعبية إلى نوعين: الشعبي البحت والشعبي الشيك وتضيف:"نقيّم كل فرح حسب المكان ونوع الناس ونقدم ما يلائمهم. ولكن كل الناس في كل الأفراح تحب اللون الشعبي حتى أفراح الفنادق الفاخرة".<br />تحكي أنهما كانتا مؤخرا في فرح حضره محافظ الإسماعيلية ومسئولين كبار. ولكن الكل استمتع بفقرتهم حتى عندما غنوا من "الشعبي البحت" مثل الأغنية التي ذاعت مؤخرا "شربت حجرين ع الشيشة"!<br />في الدلتا ومنطقة القناة لا زال الأهالي يقيمون الأفراح الشعبية الحاشدة التي تستضيف الفرق وفقرات الفنانين الشعبيين. وفي هذه المنطقة انتشر اسم يارا وشيماء ويسافرون دائما بين المدن لتقديم فقرتهما. اللون الشعبي أصبح أيضا مطلوبا في المصايف الشعبية، ولذلك تؤكدان أن رأس البر كانت أهم محطات شهرتهما وجعلتهما مطلوبتين في أفراح هذه المنطقة.<br />تؤكد شيماء أنهما يحييان أفراحا في القاهرة أيضا، حيث انتقلت الأسرة كلها حاليا، وأن لهما في الشرابية والزاوية الحمراء جمهورا كبيرا، وتضيف أنهما قدما فقرات في فنادق كبرى، فالطبقات الثرية أصبحت تحب اللون الشعبي أيضا إن تم تقديمه بشكل "شيك" على حد تعبيرها.<br />يبدو أحيانا وكأن الغناء الشعبي ونجوم الأفراح الشعبية في عالم ونجوم الطبقات الوسطى وما فوقها في عالم آخر. هناك مساحة تقاطع، ولكن النجوم الأشهر للشعبي لا يهتمون بالفيديو كليب مطلقا، ربما يظهرون بأغنيتهم في فيلم ما إن ذاع صيت الأغنية.<br />كذلك يارا وشيماء تعتقدان أنه لا فائدة كبيرة بالنسبة لهما في إنتاج فيديو كليب، فالانتشار في الأفراح له قواعده الأخرى. وهم يرددون أغان لنجوم عالم الشعبي مثل الليثي والحسيني ومنار محمود سعد وكلهم لم يهتموا بأمر الفيديو كليب.<br /><a href="http://www.youtube.com/results?search_query=%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%B1+%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF+%D8%B3%D8%B9%D8%AF&aq=f">منار محمود سعد</a> نموذج آخر. ترتدي دائما الجينز والتي شيرت. اشتهرت أغنيتها "آه يا نا يا تعبانة" فتم اقتباس لحنها وتيمتها الرئيسية لتتر مسلسل الباطنية الذي عرض في رمضان الماضي. على موقع يوتيوب العديد من فيديوهات منار في أفراح وحفلات شعبية حاشدة معظمها في الدلتا أيضا.<br />صوت منار وأدائها يشترك مع باقي المطربات الشعبيات في أن به بعض القوة والخشونة مع الدلال. لا يجب أن يكون رقيقا للغاية. قد يبدو ذلك متفقا مع روح الحي الشعبي التي تقدر في الفتاة بعض الخشونة الكافية لردع المتطفلين أو ربما التي ترد الحبيب فتزيد شوقه. يتسق ذلك أيضا مع تفضيل المزاج الشعبي لبعض الخشونة في صوت المطرب الذكر. يشترك معظم المطربين الشعبيين في ذلك، وحتى غير المصريين الذين يحققون جماهيرية في عالم الشعبي مثل جورج وسوف.<br />رغم المظهر العصري لمنار أو يارا وشيماء إلا أنهن تغنين من هذه الطبقة التي تبدي بعض القوة. قد تبدو تلك القوة في موضوع الأغنية نفسه أحيانا.<br />كانت يارا وشيماء قد نزلتا من على المسرح وانتقلتا للغناء بين الجمهور وفوق الطاولات الموزعة في الشارع. تقف شيماء على طاولة وتنادي على الفرقة الموسيقية التي يبدو أنها تعمل معها للمرة الأولى، تأمرهم بأن يضبطوا المقام على نهاوند السي. تنتظر لحظة ثم تبدأ مع الموسيقى وتغني: "إنت يا عم الحلو. إنت يا عم الأمّور. شايف نفسك حلو. ما تلفش بينا وتدور".<br /><br /><hr />نشر في "الشروق" الأربعاء 7 يوليو 2010<br />PDF<br /></span></div>عمرو عزتhttp://www.blogger.com/profile/08927951113123256622noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-5559439168559928821.post-5346714107305943232010-07-05T03:28:00.000-07:002010-07-05T16:30:56.018-07:00تعبيرات الروح المرهقة في القاهرة<a onblur="try {parent.deselectBloggerImageGracefully();} catch(e) {}" href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhOUsTt9OflTdDv8db-uQLUknImNBeSYJyKLK3oitefVmoGtvdJFcf4dpNcqxjy2edKpMEcotHgXLinJgzC9c6_TlqSy33mL_yNXaDT36ABY_C0Wwn7DOQV7XaKqWzw28gh7qyhdA4mUOA/s1600/Aya+Soliman+%26+Atef+Yousef.jpg"><img style="cursor: pointer; width: 400px; height: 267px;" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhOUsTt9OflTdDv8db-uQLUknImNBeSYJyKLK3oitefVmoGtvdJFcf4dpNcqxjy2edKpMEcotHgXLinJgzC9c6_TlqSy33mL_yNXaDT36ABY_C0Wwn7DOQV7XaKqWzw28gh7qyhdA4mUOA/s400/Aya+Soliman+%26+Atef+Yousef.jpg" alt="" id="BLOGGER_PHOTO_ID_5490375025820729922" border="0" /></a><br /><div dir="rtl" style="text-align: right;"><span style="font-weight: bold;">عن كل تلك الحواجز بيننا وكل ذلك الذي يحدث بلا طائل</span><br /><br /><span class="fullpost">إيقاع متراخٍ متعَب لدرامز يصاحب خطوات الشاب ذي الشعر المبعثر وربطة العنق غير المحكمة، نظرة باهتة يرمق بها حركة الفتاة ذات الوجه المرهق التي تسير إلى جانبه وإن أسرع قليلا. ماكياجها يكاد يزول بينما عيناها الزائغتان تحاولان اللحاق بشيء ما بين جنبات "المول" المزدحم بالبشر والأشياء. ينتهي يوم الشاب والفتاة المقبلين على الزواج بلا إنجاز، محبوسين بالبذلات الرسمية في السيارة المحتجزة في أزمة مرورية في حي مصر الجديدة بالقاهرة. بعد جولات لاهثة وتفاصيل متداخلة تعوق شراء ذلك الجهاز أو تعطلهما عن موعد معاينة الشقة التي ينويان شراءها، يتركان السيارة في شارع جانبي بعدما اشتبكا في مشادة كلامية متوترة. يجلسان على مقعد في جانب الطريق ليلتقط الشاب أنفاسه ويعبّر عن تعبه وإرهاقه من هذا الزحام، وسأمه من تلك التفاصيل التي تستهلك يومهما، ثم يبدأ تساؤلا عما حدث لهما، وما الذي تغير فيهما وفي حي مصر الجديدة الذي كان يأتي إليه لزيارتها ويلتقيان بلا مواعيد ليتمتعا بأيام طويلة وسعيدة.<br /><br />في ذلك المشهد من فيلم "هليوبوليس"، العمل الأول لمؤلفه ومخرجه الشاب أحمد عبد الله السيد، الذي عرض لفترة قصيرة قبل أسابيع، قد تبدو تساؤلات الشاب مبالغاً فيها كردً فعل على يوم مرهق من المشاوير في زحام القاهرة. لكن الفيلم الذي تدور أحداثه كلها في يوم واحد، يفشل الجميع خلاله في إنجاز ما يريدون ويبيتون ليلتهم على أمل معاودة الكرة في اليوم التالي، يلتقط بحساسية حال العطالة والمراوحة والتخبط الجماعيّ بين الفرادى في زحام مسكون بالفوضى والعبث، ليصعّد الشكوى من زحام المدينة وأزماتها المرورية إلى شكوى من حالة تعطل وشلل اجتماعي تحاصر الجميع وتضعهم أمام خططهم ورغباتهم في أزمات وجودية عنوانها المراوحة وعدم الحسم.<br />علي ومها المقبلان على الزواج، يتخبطان في لحظة لا تتقدم نحو استقرار منشود ولا تعود إلى لحظة البهجة بالحب، ويبدو احتمال الفراق ماثلاً تحت نفاد الصبر. إبراهيم (خالد أبو النجا)، الشاب الذي يريد إنجاز بحث جامعي عن الأقليات الدينية فيعطله تحفظ السيدة اليهودية، التي تنسى كل شيء إلا أنها تتذكر أن فتاة ما كانت تشاركه البحث لتكشف ملامحه عن أسى شفيف يخبرنا عن طول زمان البعد وبقاء التورط، يعطله ضابط يسأله عن التصريح بتصوير المباني العتيقة ذت الطراز المعماري المميز، ثم يعاتبه صديقه في البار في نهاية اليوم على مراوحته في أسى حبه الضائع ويطلب منه أن يتجاوز الأمر وهو يخبره بنبأ ارتباطها بآخر. الرسالة الصوتية من الفتاة (هند صبري) التي يسمعها إبراهيم في نهاية اليوم من جهاز الرد الآلي، تنبئ عن مراوحة وقلق مماثلين على رغم تجاوزها الظاهري.<br />العلاقة الغاربة بين إبراهيم وفتاته التي تسكن حي مصر الجديدة، وفي ما يبدو هي سبب ألفته وولعه بالمكان، تبدو كلحظة عالقة سابقة متعطلة لو تحركت ربما لوقفت في مربّع متعطل آخر يقف فيه كلٌّ من علي ومها. في لحظة موازية ومربّع مواز، يقف هاني الشاب الذي لم يحسم قرار هجرته إلى كندا ولم يُتم بشكل كامل استيفاء أوراق سفره لزيارة عائلته هناك، بينما يبدو طيف علاقة ما يلمع بارق الأمل فيها ويخبو بينه وبين يسرا التي تسأله بقلق عن احتمال سفره وتدعوه بإلحاح ليشاهد أداءها ضمن كورال الكنيسة. المجند الذي تقوده خطة ما لتوفير الحراسات ليكون عند سور الكنيسة، يمضي يوما من سلسلة أيام متشابهة في الحراسة، يمضيها مع التفاصيل التي تتبعثر كلها في نهاية اليوم عندما يغادر موقعه ولا يعرف إن كان سيعود إليه مرة أخرى. الفتاتان اللتان تعملان في الفندق يدور بينهما في نهاية اليوم، جدل يبدو مكررا في البار حول اختلاسهما بعض المتع، وإن كان ذلك سيرا في "طريق خطأ"، بينما البحث عن "الاستقرار" وفق تقاليد المجتمع هو الصواب. الفتاة الأكثر تحررا وجرأة، تبدو الأكثر تكيفا، لكنها تتوارى خجلا من مروّج المخدرات "الديلر" تشتري منه الحشيشة التي تنهي بها يومها، بينما الأخرى تمضي يومها أمام قنوات تلفزيونية فرنسية وتقنع أهلها في الريف بأنها تعمل في باريس وترسل اليهم شهريا نقودا من هناك.<br />اليوم الضائع بالنسبة الى كل الأبطال، يبدو كحبة في مسبحة لا نهائية من الأيام المتشابهة العالقة في خيط خفي يشد الجميع، زحام الشوارع والمدينة التي يبدو كأنها حُمّلت فوق ما تحتمل، المواعيد المغدورة والتواصل الواهي بين الأبطال يكرس الإيقاع الرتيب لمساراتهم المرغوبة، بينما يتسارع إيقاع أحداث عرضية تتراكم ثم تنتهي إلى لا شيء. المجند الذي يحرس الكنيسة، هو الوحيد تتطور علاقة الألفة بينه وبين كلب شارع أطعمه وأواه معه في كشك الحراسة، لكنه قد لا يراه ثانية. هكذا سيعرف المجند وهو يلقي نظرة أخيرة على رفيق وحدة اليوم عندما يصعد إلى السيارة التي أتت لتجمع جنود الحراسة من مواقعهم في نهاية النهار، لتلقي بهم غدا في مواقع أخرى تحددها خطة الحراسات.<br />الضابط المسؤول عن الحراسات يمر في لحظة عشوائية ويهين المجند كجزء من روتين يومي، بعدما منع إبراهيم من تصوير المباني وطالبه بتصاريح ومبررات. حضور السلطة في أحد مستوياتها الدنيا، ممثلة في الضابط، حضور نافد الصبر، منفلت الأعصاب، وهو يتعامل مع كل ما يراه خارجا على المألوف والعادي، أو هو حضور يستعرض بعض سلطاته بفجاجة ظاهرة بديلة من ضبط فعليّ لنظام أو قانون.<br />لذلك لا أحد يفهم أو يتفهم ما تريده "اللجان الأمنية" التي تملأ ليلاً شوارع القاهرة، وتسأل عن الهويات وتنظر في الوجوه وتشتبه في هذا أو ذاك بشكل عام بعيدا من جريمة محددة.<br /><br /><span style="font-weight: bold;">بعد غرائبي</span><br />العرض المسرحي "فانتازيا اللجنة" الذي قدّمته "فرقة الطمي" المسرحية بدءا من نيسان 2009 من إخراج سلام يسري، يضفي على عمل "اللجنة" بعداً فانتازياً وغرائبياً. يقف أبطال المسرحية، يقدم كلٌّ منهم عرضاً منفرداً يحكي فيه عن بعض يومياته. الحكايات ليست عن عمل يستهدف إنجازاً محدداً، بل كلها عن تفاصيل تعترض مسار الحياة المرغوب أو الطبيعي، وتعوقه. "اللجنة" ممثلةً في ضابط بوليس، تحضر في أكثر من حكاية، في حكاية الشاب الذي يعود ليلا ليجد نفسه مطالباً بتقديم معلومات عن علاقته بجار مطلوب أمنيا، وآخر اضطر للاستعانة ببطاقة هويته كمخرج سينمائي لكي يتخلص من لجنة مرورية فعلية، والفتاة التي توقظها طرقات عنيفة لتنزل وتحرك سيارتها بأمر الأمن لأن موكباً مهماً لمسؤول سيمر من هنا ويجب إخلاء الطريق وتأمينه، ثم اضطرارها هي وقريبها لتوضيح سبب وجودهما معاً بملابس سهرة بعدما ارتكبا مخالفة مرورية. لكن اللجنة التي تعطل وتستجوب، ترتدي زيا مختلفا في سلوك آخرين، ليسوا في الضرورة في موقع سلطة: جيران سلام يسري، مخرج العرض، المعترضون على أسلوب حياته كفنان، المضايقات التي تتعرض لها فتاة أخرى في طريقها اليومية ومعاناتها في المواصلات المزدحمة، نظرات المحيطين التي تلجئ الفتاة الأولى الى تكيتكات ومناورات للحفاظ على سمعتها لأنها تقيم وحدها موقتا وقت سفر أهلها.<br />أيام الأبطال تبدو مشغولة بتجاوز هذه "اللجان" والإجابة عن أسئلتها. لا يحكي أحدهم شيئا عما يريد أو يرغب. الرغبة مضمرة، وتبدو دائماً من خلف "الحواجز" في البعيد كنقطة مفترضة للوصول، تماما كما تبدو الرغبات والأمنيات في صمت أبطال "هليوبوليس" والتفاتات أعينهم الحائرة.<br />على عكس حالة الأسى التي تغلّف السرد في "هليوبوليس"، تنفجر الكوميديا في حكايات أبطال "فانتازيا اللجنة"، لكن الأسى المتمسك بالأمل يعود في بعض الأغاني التي تتخلل حكيهم.<br />تتشابه بنية العملين: المسارات المتوازية لحكايات الأبطال، التي بالكاد تتلاقى في "هليوبوليس"، أو التي لا يجمعها إلا المكان المحتشد بـ"اللجان" في "فانتازيا اللجنة"، وكذلك الموقع الذي يصدر عنه الحكي والشكوى: الشباب الجامعي المتعلم المثقف من طبقة متوسطة، الذي يقارن بين ما يحدث وما يجب أن يحدث وفق قيم يؤمن بها أو يتطلع إليها. أو بحسب ما يحدث في أماكن أخرى في العالم، يمتلك رفاهية التفكير في الانتقال إليها بدون خيارات انتحارية. قد يمتلك بعض الحنين وبعض الأمل بروح سياسية أو بروح فردية متشبثة بحب الحياة، وإن كانت لا تفتقد بعض القلق والتساؤل والمراوحة بين التحرر والمحافظة.<br />هذه الفئة من الشباب هي التي أقبلت أيضا على فكرة "كورال شكاوى القاهرة"، بعض أفراد "فرقة الطمي" المسرحية شاركوا في مبادرة الكورال الذي دعا في أيار الماضي كل من يريد أن يغنّي شكواه الى المشاركة. وانعقدت ورشة لصياغة شكاوى المشاركين في أغنيات جماعية.<br />لم تخل الشكاوى من بعض الروح السياسية الساخطة، بالإضافة إلى عين هذه الفئة في رؤية ما يجب الشكوى منه. كالعادة، كان الفضاء العام للمدينة محل مساحة معتبرة من الشكوى دفعت الكورال لأن يغنّي ردا على سؤال "أين تذهب هذا المساء؟"، ليقول: "أوعى تروح في حتة!" بسبب الزحام بالطبع، أو يشكو الجميع من اللجنة أو الكمين: "اللي ما لهش ضهر/ هايلبس في الكمين"، أو الشكوى من الزمن المهدر: "بقالي مستنّي سنتين/ موظف يمضي لي ورقتين".<br />الروح الجماعية والغنائية للكورال، تصوغ الخيط الناظم للشكوى بشكل أبسط وأقل تركيبا مما يبدو في الفيلم والمسرحية. لكن مأزق المكان المعطل لا يزال موجوداً.<br /><br /><span style="font-weight: bold;">استعراض ساخط</span><br />تتحول البساطة الى شيء من التبسيط ومن التضخيم الهزلي في سيناريو أحدث أفلام النجم أحمد حلمي، "عسل أسود"، الذي يُعرض حاليا. يحكي الفيلم محاولة شاب مصري أميركي، اسمه الأول مصري، للعودة إلى القاهرة بعد فترة طويلة، بحنين جارف ورغبة في إنجاز معرض فوتوغرافي عنها وعرضه في الولايات المتحدة.<br />الفيلم هو عبارة عن استعراض ساخط لمشكلات الفضاء العام في القاهرة الذي لا يتم فيه شيء. يتخبط مصري في هذه المشكلات التي تبدأ بالزحام وسلوكيات المرور، وتلامس روح الفهلوة مرةً والنصب والاحتيال مرةً أخرى، ولا تنتهي أيضا بالتعامل الأمني الذي يصادر الكاميرا الخاصة به ويعتقله للاشتباه به. يجد سلواه الوحيدة في مساعدة جيران أسرته في الحي الشعبي، ولكن هذه الأسرة نفسها تعاني حالةً من التعطل والمراوحة: الشاب العاطل الذي ينتظر، والزوجان الذين يفتقدان لحظة حميمة وسط زحام الشقة المكدسة بالأجيال المختلفة.<br />البطل الوحيد هذه المرة، يعاني من الزحام والفوضى والاحتكاك العنيف في حركته في فضاء القاهرة، يمتلئ سخطاً ولا ينجز شيئاً، لكن الفيلم التجاري يجد نفسه مطالباً بوضع "إجابة نموذجية" عند النهاية. الإجابة النموذجية النمطية: البطل الذي يقرر العودة إلى أميركا ساخطاً، يغيّر قراره وهو في الطائرة تحت تأثير الحنين إلى "الجدعنة" المصرية والشهامة وروح الحي الشعبي ودفء الوطن، ويحاول أن يتمارض لكي تعود به الطائرة إلى مطار القاهرة فيتم تجاهله، فلا يجد طريقة إلا الاستعانة بجواز سفره الأميركي ليكون له ما أراد. الروح الهزلية تبدو حلاً شعبياً مقبولاً يغلف النهاية التي لا بأس بها لجمهور يترك صالة العرض غير مكترث إلا بكم المواقف الكوميدية.<br />الشكوى الحارة اليائسة يبدو أنها لا تشغل بال الجمهور الواسع، المنخرط تماماً في المأساة، الذي يخرج من صالة العرض ليشارك بكونه جزءاً من الزحام والحالة المتعطلة. أما أبطال "هليوبوليس" و"فانتازيا اللجنة" و"كورال الشكاوى"، فهم متحيّرون بين قرار الهروب إلى الخارج، عكس خيار بطل الفيلم الجماهيري، أو مسكونون بالحنين إلى حالة أخرى للمكان كما في "هليوبوليس". حي مصر الجديدة في حالته القديمة، الأكثر بهاءً ولطفاً وحداثةً وتسامحاً وأريحية. لا يبدو الحنين سياسياً في مجمله إلى ما قبل ثورة يوليو 1952، فالحنين إلى بعض ملامح الحياة يظهر في بعض اللقطات التسجيلية في الفيلم، التي تضع جنباً إلى جنب في أسى، بعض جماليات العمارة الباقية ولقطات فظة للشارع ومشاجرات حول مكان الانتظار يتدافع فيها بشر وسيارات.<br />بينما في عرض "فانتازيا اللجنة"، هناك بحث عن "فسحة الأمل"، فيغنّي الأبطال متمسكين بـ"الوطن" لكنهم يحلمون في الوقت نفسه بـ"مكان جديد" بديل، لتكون الأغنية: "نعمل مكان جديد اسمه الوطن".<br />بعيدا من الحنين أو الأمل، قد يكون الموقف البسيط هو الصياغة الأبسط للشكوى، مع الوعي بحدود قدرتها وحدود قدرة أصحابها. ففي نهاية عرض "كورال شكاوى القاهرة" يغنّي الجميع في إيقاع أبطأ كثيراً من إيقاع الأغاني الشاكية: الشكوى مافيش أسهل منها... وبرضه ما فيش حاجة بتتغيّر!<br /><br /><hr /><br /><a href="http://www.annahar.com/content.php?priority=4&table=mulhak_thakafi&type=mulhak_thakafi&day=Sat">نشر في جريدة "النهار" اللبنانية الأحد 4 يوليو 2010</a><br />الصورة من فيلم "هليوبوليس" من إخراج أحمد عبد الله السيد<br /><br /></span></div>عمرو عزتhttp://www.blogger.com/profile/08927951113123256622noreply@blogger.com1tag:blogger.com,1999:blog-5559439168559928821.post-16358894488746332482010-07-02T04:16:00.000-07:002010-07-05T04:55:24.256-07:00قانوني أم ناشط سياسي؟<a onblur="try {parent.deselectBloggerImageGracefully();} catch(e) {}" href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEgpmvjMYxIR5gQ8-SoUFBZ4HCsYnGYdaoF_lKW1q46ZbSqprv7xSGej4KS__lswZsCZ1HRwpEZTbbzY3vvWim4qse_WsgJe9ZT4VmkmcNdqEWtHmN7G6X9oHqcUSfFveggaR5hFTxeoRuM/s1600/hamad.jpg"><img style="cursor: pointer; width: 352px; height: 288px;" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEgpmvjMYxIR5gQ8-SoUFBZ4HCsYnGYdaoF_lKW1q46ZbSqprv7xSGej4KS__lswZsCZ1HRwpEZTbbzY3vvWim4qse_WsgJe9ZT4VmkmcNdqEWtHmN7G6X9oHqcUSfFveggaR5hFTxeoRuM/s400/hamad.jpg" alt="" id="BLOGGER_PHOTO_ID_5489276315689939986" border="0" /></a><br /><div dir="rtl" style="text-align: right;"><div style="text-align: justify;"><span style="font-weight: bold;"> مهنة محامي حقوق الإنسان لا تزال تتردد بين أسلوب المناضلين المتحمسين وأسلوب المهنيين في مؤسسات محددة المهمة.</span><br /></div><span class="fullpost"><br />لم يكن ذلك اليوم استثناء في مركز هشام مبارك للقانون. ولكنه كان أكثر ازدحاما عن باقي الأيام بسبب استضافة المركز ندوة عن قانون النقابات المهنية. يجلس على المنصة متحدثا أحمد سيف الإسلام المحامي الحقوقي المخضرم ومدير المركز، وبين الحضور يتحرك المحامي الشاب أحمد راغب، المدير التنفيذي، يتحاور مع عدد من العمال والناشطين حول توكيلات وتفاصيل قانونية تخص مشاكل.<br />أحمد سيف الإسلام المولود في أوائل الخمسينات وينتمي إلى جيل السبعينات في السياسة وراغب المولود في نهاية السبعينات وينتمي إلى جيل نهاية التسعينات وبدايات الألفية، يجمعهما أنهما محاميان دخلا إلى مجال العمل في حقوق الإنسان من بوابة السياسة والنشاط مع اليسار المصري. أوجه التشابه بينهما تحمل ملامح ثابتة للمحامي الحقوقي في مصر منذ بداية الحركة الحقوقية في الثمانينات وحتى الآن، وبعض الاختلاف يشير إلى التحولات التي تنتظر مسار هذا التخصص كمجال مهني مرتبط بشكل كبير بحراك اجتماعي وسياسي يشهد لحظات من الفوران.<br />درس سيف الإسلام، خريج العلوم السياسية، القانون أثناء سجنه بتهمة الانضمام إلى تنظيم سري وفي التسعينات بدأ تطوعه في قضايا حقوق الإنسان مع مركز المساعدة القانونية بجانب عمله في مكتبه الخاص. وفي عام 1996 وأثناء الانتخابات العمالية حدثت زيادة في عدد القضايا التي احتاجت محامين متطوعين. يقول سيف الإسلام:”بجانب عملي الخاص في مكتبي يمكنني أن أتحمل في السنة 5 أو 6 قضايا تطوعية. وعندما شعرت بضرورة العمل على المزيد من القضايا التي لا تخدم الأفراد بل المئات، وتساهم أحيانا في تعديلات قانونية تخدم أجيال لاحقة. فكرت في التحول بشكل كامل للعمل في مركز حقوقي. ذلك النوع من العمل يتطلب قدرا من التفرغ وباحثين وإمكانات مادية مساعدة".<br />وعبر مركز المساعدة القانونية ثم المشاركة في تأسيس مركز هشام مبارك استمرت مسيرة سيف الإسلام، التي تجاورت فيها روح الالتزام السياسي والخدمة القانونية.<br />كطالب في الجامعة وناشط بدأت علاقة راغب بالمركز مستفيدا من أنشطته وخدماته ومتدربا فيه. وبعد تخرجه وعمله لفترة في مكاتب محاماة لم يعجبه الحال وشعر أن عمله في مجال حقوق الإنسان يتسق أكثر مع فكرته عن نفسه كناشط أكثر منه موظف.<br />يقول راغب:"هناك تضحية مادية في المستقبل. فالمحامي الأكبر والأشهر في السوق يتقاضي دخلا أكبر بكثير من محامي حقوق الإنسان بنفس الخبرة. ولكن مقابلها هناك تحقق وإشباع للاهتمام السياسي وروح العمل العام. مؤخرا فقط يمكن أن نقول أن أجور المحامين حديثي التخرج في منظمات حقوق الإنسان توفر دخلا ثابتا أفضل من أقرانهم في مكاتب المحاماة".<br />يقول أحمد سيف الإسلام أنه شخصيا حسم أمره لأنه لم يعد لديه طموحات مادية ولكنه يريد أن يقوم بعمل يحبه ويتحمس له، ولكن الشباب لديهم التزامات مالية ضرورة في بداية حياتهم ولذلك المحامين الشباب في المركز ومراكز أخرى يعملون أيضا في مكاتب خاصة أو لديهم مكاتب تخصهم.<br />بعض الشباب يتجهون الآن لطلب التدريب والعمل في منظمات حقوق الإنسان بعد تخرجهم، بدون أن يكونوا من أصحاب النشاط السياسي، ولكن راغب يرى أن الأفق السياسي مهم جدا لمحامي حقوق الإنسان لأن علاقته بالقانون علاقة جدلية يجب أن يكون فيها إبداع، فهو ليس كمحامي السوق مهمته أن يفسر القانون لمصلحة الموكل، بل ينطلق من حق من حقوق الإنسان أو مصالح قطاعات واسعة وربما يسعى لاقتراح قوانين أو تعديل قوانين أو الدفع بعدم دستوريتها.<br />رغم تبنيهم لقضايا عامة إلا أنه كان على المحامين الحقوقين قبل سنوات الدعوة لمراكزهم بشكل ما أواستغلال شبكات العلاقات السياسية القريبة من أجل تشجيع الناس على التعامل معهم. يحكي سيف الإسلام أن بعض العمال كانوا يحضرون مظروفا به بعض المال ظنا أن المراكز الحقوقية التي لا تتقاضى منهم أتعابا لن تقوم بواجبها جيدا، مثل كل خدمة مجانية يرونها في مصر. ولكنه يرى أن جهد المحامين الحقوقيين وبعض الانتصارات في المحاكم تشجع المزيد على الثقة بهم. أما بعد سنوات الحراك السياسي والدعوة إلى التغيير وازدهار الصحافة الخاصة والتدوين، بدأ المحامون الحقوقيون يحتلون الصفحات الأولى مع الجدل السياسي والدفاع عن الحريات وتبني قضايا التعذيب التي تتحول لقضايا رأي عام. يضيف سيف الإسلام: "أصبح الناس يتصلون بنا ويأتون إلينا، وبينما خطتنا السنوية هي 100 قضية نتولى الآن سنويا ما بين 300 إلى 400 قضية".<br />يعترف سيف الإسلام أن أهم مشاكل المحامين الحقوقيين هو عدم قدرتهم حتى الان في مواجهة تزايد الاعباء على صياغة برنامج تدريبي لاعداد المحامين الحقوقيين الشباب الأكفاء والأمر يصبح متروكا أمام الاستعداد الشخصي والحماس.<br />الكفاءة مقابل الحماس، هي أيضا ما يراه راغب تحديا أمام المحامين الحقوقيين. المنظمات القانونية الحقوقية لا تزال تتحمل قضايا أكثر من طاقتها ولا تزال تحاول صياغة شكل مؤسسي منظبط لعملها.<br />يضيف راغب أيضا أن نظرة المحامين لدورهم يجب أن تتطور، فالروح السياسية الأحادية المعارضة للدولة التي شكلت عمل بعض الأجيال الأكبر في المجال الحقوقي يجب على الأجيال الأحدث أن تتجاوزها لتدرك أكثر أن هناك تنوعات داخل الدولة ويمكن التأثير على قرارها.<br />في أطروحته التي يعدها لنيل الدكتوراة من جامعة "إسكس" ببريطانيا حول حقوق الإنسان والسياسة في مصر، يتناول عمرو عبد الرحمن مشكلة هوية المحامي الحقوقي، ويرى أن تطور مهنية المحامين الحقوقين في مصر لا تزال في بدابتها وأسيرة النظرة للعمل الحقوقي كبديل وتعويض للفشل أو الركود السياسي، وأن الإحساس بالجانب الأخلاقي في العمل الحقوقي عند الدفاع عن منتهك مثلا لا يزال يعطل كفاءة الجانب المهني في إثبات ذلك، وهو ما تلاحظه بعض الجهات الدولية في العمل الحقوقي المصري. ويضيف أن هناك شخصية منقسمة وعلاقة متوترة بالسياسة بسبب عدم استقرار التقاليد الديمقراطية، بينما في أوروبا مهنية المحامي الحقوقي متشكلة لأن هناك حقوق واضحة مستقرة ومحفوظة ولا جدال عليها يقوم المحامي بتقديم خدمة قانونية مرتبطة بها وليس نضالا من أجلها.<br /><br /><hr /><br /><span style="font-weight: bold; color: rgb(204, 0, 0);font-size:130%;" > حقوقي إسلامي ؟</span><br /><br />الذين عرفوا إسلام لطفي أثناء دراسته الجامعية في كلية الحقوق بجامعة القاهرة كان رأيهم أنه ناشط سياسي إسلامي مختلف عن أقرانه من النشطاء الإسلاميين بشكل ملحوظ. بعد تخرجه أقدم إسلام على ما يدل على ذلك واختار العمل في المجال الحقوقي واستمر حتى الآن.<br />الصورة المعتادة لـ"المحامي الإسلامي" في المجال العام إما أنه يدافع عن الإسلاميين فحسب أو أنه المحامي الذي يرفع دعاوى ضد بعض المنشورات أو الأفلام أو الممارسات التي يراها خارجة عن آداب المجتمع وأعرافه وفي العادة يكون في مواجهة محام حقوقي آخر يدافع عن الحريات.<br />"صحيح أن عددا قليلا جدا من الإسلاميين يعملون في مجال حقوق الإنسان، لكني لا أرى تناقضا بين توجهي السياسي الإسلامي وبين عملي" يشرح إسلام لطفي فكرته :"أرى أن أفكار ومباديء حقوق الإنسان لا يوجد بينها وبين الإسلام تناقض جذري. حتى تلك التي يبدو أنها مخالفة للدين يمكن أن نجد لها تخريجات أو اجتهادات ما تمكّن الإسلاميين من التعامل معها والتواجد على الساحة الحقوقية".<br />بعد تخرجه عمل إسلام في برنامج للمساعدة القانونية للاجئين، وهناك واجه بعض المواقف الحرجة. يحكي إسلام أنه في نهاية العام كان يحصل على أعلى تقدير للأداء كموظف ولكنه فعليا كان يعاني من التكيف مع سلوكيات زملائه في محيط العمل، الحفلات والعلاقات بين الشباب والفتيات، مشيرا إلى أن الأوساط الحقوقية يغلب عليها تاريخيا الانتماءات اليسارية والقومية، ثم الليبرالية بعد ذلك. وفي الوقت نفسه تعرض للانتقاد لأنه يصلي في مكان العمل، مما جعل بعض رؤسائه يطلبون منه ألا يقوم بذلك لأن بعض اللاجئين السودانيين هاربين من اضطهاد النظام الإسلامي هناك مما قد يجعلهم يتوجسون عند التعامل معه ظنا أنه "إسلامي”. يضحك إسلام : "وهو ما كان صحيحا!”<br />الموقف الأكثر تعقيدا كان عندما أخذ لاجيء سوداني يحكي له عن تعرضه لانتهاكات بسبب كونه مثليّ الجنس. يقول إسلام أنه كان لا يزال شابا متحمسا وبينه وبين بعض معطيات الواقع حواجز نفسية، فبكى من هول الموقف والمأزق الأخلاقي، بينما ظن اللاجيء أنه يبكي تعاطفا منه. لجأ إسلام إلى رمز إسلامي يثق برأيه فطمأنه أنه لا حرج من مساعدة اللاجيء المظلوم مهما كان الأمر. يعلق إسلام: "موقفي الآن لا يزال معترضا على المثلية الجنسية كحق يجب الدفاع عنه، ولكن يمكنني أن أدافع عن حق المثليّ في الخصوصية إن مارس ذلك في بيته المغلق عليه ولم يخرج إلى العلن، وأدافع عن حقه في محاكمة عادلة بلا انتهاكات أو إهانة ولكني في هذه الحالة لا أدعو لتغيير القانون المصري الذي أعمل في إطاره ويعتبر ذلك فجورا".<br />يستدرك إسلام أن مجال حقوق الإنسان أوسع من تلك النقاط الحساسة: ”ولكن للأسف تلك النقاط تشكل حساسية بين جمهور الإسلاميين ومنهم الإخوان المسلمين، خاصة في الريف، وبين فكرة العمل في مجال حقوق الإنسان التي لا تزال تلقى توجسا".<br />تنقل إسلام بين عدد من الوظائف، ولكن كان أبرزها في مجاله أنه كان المنسق العام والمؤسس الفعلي لمركز "سواسية" لحقوق الإنسان في 2004، والمعروف أنه المركز الحقوقي التابع للإخوان المسلمين ويرأسه محاميهم عبد المنعم عبد المقصود. ولكن لم يستمر إسلام لطفي فيه طويلا لأنه وجد إدارة الإخوان للمركز تحدد أفقه ولا تطوره: " الإخوان تعاملوا معه كأداة سياسية وتوجسوا من تدريب كوادر جديدة لكيلا يستفز ذلك الأمن. بالإضافة أن تعامل الإسلاميين بشكل عام مع حقوق الإنسان يقتصر على المباديء التي لصالحهم دون وعي أن عليهم أن يتعاملوا مع المنظومة كلها بشكل ما".<br />يعي إسلام لطفي جيدا أن خيار العمل كمحامي حقوقي رغم انتمائه الإسلامي يضعه دائما بين مطرقة التوجس منه بين أوساط غير الإسلاميين وسندان توجس الإسلاميين التقليديين منه، ولكنه حسم أمره ويعتبر أن عمله يجمع بين تخصصه في القانون وشغفه بالسياسة والعمل العام، متفائلا بأن المستقبل يحمل الأفضل.<br /><br /><hr /><br />نشر في جريدة "الشروق" الخميس 1 يوليو 2010<br />PDF<br /></span></div>عمرو عزتhttp://www.blogger.com/profile/08927951113123256622noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-5559439168559928821.post-47993397002443493502010-07-01T02:15:00.000-07:002010-07-02T04:16:30.888-07:00ما يجمعه الرب وتفرقه الطوائف<a onblur="try {parent.deselectBloggerImageGracefully();} catch(e) {}" href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEjnWa-REoBA5g6j5vMPJkNbzCsAoC3os_XSpg53O-Mkj7lKrBFjTmx86q1faVMFOz2z_NUV29qtqLm6L7bxYG0G2S05dXi5Z61bC-ZAKXJq70PaKSCLjshC9wQ2FG83rSBwLeD6j0bsrOM/s1600/church.jpg"><img style="cursor: pointer; width: 400px; height: 249px;" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEjnWa-REoBA5g6j5vMPJkNbzCsAoC3os_XSpg53O-Mkj7lKrBFjTmx86q1faVMFOz2z_NUV29qtqLm6L7bxYG0G2S05dXi5Z61bC-ZAKXJq70PaKSCLjshC9wQ2FG83rSBwLeD6j0bsrOM/s400/church.jpg" alt="" id="BLOGGER_PHOTO_ID_5488936336767563490" border="0" /></a><br /><div dir="rtl" style="text-align: right;"><div style="text-align: justify;"><span style="font-weight: bold;">الاختلافات العقائدية بين الطوائف المسيحية الثلاث في مصر لا تبدو بالنسبة للبعض شأنا كبيرا يؤثر على العلاقات بين أفراد هذه الطوائف، ولكنها وما يتبعها من تقاليد وطقوس تؤثر في نظر البعض على طريقة التفكير وأسلوب الحياة والمزاج الاجتماعي وقد تسبب بعض التوتر بين الطوائف أو أفرادها أحيانا. </span><br /></div><br /><span class="fullpost">يحكي ماهر ميخائيل ببساطة أنه قضى فترة الثانوية كلها يتردد على كنيسة كاثوليكية وفترة الجامعة كلها يتردد على كنيسة بروتستانتية رغم أنه مسيحي أرثوكسي ومقتنع بهذا المذهب بما يكفي.<br />لا يعتبر ماهر، الصيدلي الشاب، نفسه متدينا بما يكفي للحديث عن الخلافات العقائدية بين الطوائف الثلاث التي يتوزع مسيحيو مصر بينها، ولكن ما يعرفه منها تجعله يعتقد أنها خلافات قشرية إذا ما قورنت بالاتفاق الكبير في أساس العقيدة. ولكن هذا لا يمنعه أيضا أن يقول أن هناك العديد من الشباب الأرثوكس وأسرهم ممن لا يستسيغون ما فعله ذلك ويضخمون من هذه الاختلافات ويتحفظون أحيانا عند التعامل مع أبناء الطائفة المسيحية الأخرى.<br />لا يوجد إحصاء معلن ورسمي لعدد المسيحيين في مصر وبالتالي لا توجد إحصاءات رسمية لأعداد الطوائف، ولكن هناك تقديرات تشير إلى كون الأقباط الأرثوكس 80% من مسيحيي مصر، وتتوزع النسبة الباقية على البروتستانت ثم الكاثوليك.<br />يقول ماهر: "مثل أي أغلبية، يفكر الأقباط الأرثوذكس أنهم الأصل وينظرون إلى الطوائف المسيحية الأخرى في مصر باعتبارهم مذاهب جديدة أو وافدة ومنحرفة عن المذهب الصحيح".<br />تؤرخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لنفسها بداية من قدوم القديس مرقس تمليذ المسيح إلى مصر للتبشير بالمسيحية قبل ما يزيد عن 19 قرنا.وفي مجمع خلقدونية عام 451 م الذي انعقد لمناقشة بعض الاختلافات العقدية حول طبيعة المسيح حدث الانشقاق الذي نتج عنه الانفصال بين الكنائس الشرقية وعلى رأسها كنيسة الإسكندرية القبطية المصرية عن الكنائس الغربية الرومانية وعلى رأسها كنيسة روما وعرفت الأولى بالكنائس الأرثوذكسية والثانية بالكنائس الكاثوليكية.<br />وفي القرن السادس عشر قاد مارتن لوثر في أوروبا حركة إصلاحية معترضا على مجموعة من تعاليم وتقاليد الكنيسة الكاثوليكية فخرجت من هذه الحركة الكنائس البروتستانتية.<br />يؤرخ لبداية تأسيس الكنيسة الكاثوليكية في مصر بقدوم الحملة الفرنسية إلى مصر ومعها الإرساليات الكنسية الكاثوليكية. بينما اعترفت الدولة العثمانية في نهاية القرن التاسع عشر بالكنيسة الإنجيلية أكبر فروع البروتستانت في مصر كطائفة قائمة بذاتها بجانب الكنيستين القبطية والكاثوليكية.<br />الخلافات بين الكنائس المختلفة حول طبيعة المسيح والعذراء وبعض المسائل اللاهوتية قد لا تهم سوى رجال الدين، ولكن بعض هذه الخلافات وما يترتب عليها من طقوس وتقاليد ترسم نوعا من المزاج الاجتماعي المختلف لكل طائفة وتميز أفرادها.<br />يرى ماهر ميخائيل أن أهم ما يميز الأقباط الأرثوكس هو روحهم التقليدية، فهم من جانب يحاولون الحفاظ على العقيدة والطقوس كما تم معرفتها وممارستها أول مرة. وذلك يمنحه ارتياحا أنه يتعلم الدين بلا أي محاولة للتأويل أو التعديل بسبب أي ضغوط عصرية أو تحديات، ولكنه يعتقد من جانب آخر أن هذه الروح تربط الأرثوذكس أكثر بالطقوس والشعائر إلى حد قد يصل أحيانا إلى الشكلية، في حين أن الكاثوليك مشغولون أكثر بخدمة المجتمع والتجديد الفكري اللاهوتي والبروتستانت يفسرون نصوص الإنجيل بحرية وينتقدون الاتباع الشكلي للأجيال الأولى في الطقوس والأفكار.<br /><br /><span style="font-weight: bold;">تقاليد وأسرار</span><br />في كتاب اللاهوت المقارن للبابا شنودة الثالث يجمل الاختلافات بين الأقباط الأرثوكس من جهة وبين الكاثوليك والبروتستانت من ناحية أخرى. الكاثوليك على خلاف الأرثوكس يمارسون بعض التعديل في الطقوس التي مارسها المسيح وتلاميذه بشكل يحافظ في رأيهم على معنى الطقس وجوهره ويسهل ممارسته، مثل التساهل في تغيير بعض تفاصيل طقس التناول، الذي يناول فيه الكاهن الخبز للمسيحي بوصفه جزءا من جسد المسيح، وهو أحد "الأسرار السبعة للكنيسة". البروتستانت ينكرون الأسرار السبعة تماما بما فيه طقس التناول لأنهم لا يؤمنون إلا بنصوص الإنجيل ويتجاهلون – في رأي الطوائف الأخرى – التقاليد التي وضعها الرسل والقديسين والآباء.<br />هرماس فوزي، مهندس الكمبيوتر، المنتمي للكنيسة الإنجيلية أكبرالكنائس البروتستانتية في مصر لا يحب كثيرا أن يوصف بأنه إنجيلي ويعتقد أن مسألة الطوائف هذه مسألة مصطنعة، ولكن عند الحديث عن التفاصيل يؤكد أنه فعلا يعتقد أن الطريقة الإنجيلية في تفسير المسيحية هي الأقرب إليه والأكثر إقناعا، فلا يجب أن يلتزم المسيحيون بطقوس وأساليب مورست في العهود الأولى بسبب مزاج أو رأي فردي أو ظروف اجتماعية معينة، ولذلك يحب تحرر البروتستانت من الاتباع والتقليد والرجوع إلى الإنجيل وتفسيره بحرية. يضيف: "أعتقد أنه نتيجة لذلك يميل الأقباط الأرثوذكس عادة لممارسة الطقوس بكثافة وتجنب الجدل والحوارات العقائدية بينما تحد البروتستانتي متحمس عادة للحوار والجدل والنقاش حول الأفكار مع أي أحد، لأن أفكاره ليست عقائد موروثة بقدر ما هي تفسير وتأمل متجدد في الكتاب المقدس. وذلك الاختلاف قد تجده أيضا عند النقاش في السياسة أو أي أمر آخر".<br />يتخذ الكاثوليك موقفا وسطا في الموقف من الطقوس والتقاليد القديمة، ولذلك يرى رامز شرقاوي، مهندس الكهرباء الذي ينتمي إلى الكنيسة الكاثوليكية أن بعض المرونة في الطقوس عندها تبرر أيضا روح الانفتاح والتجدد عند الكاثوليك مقابل الروح التقليدية المحافظة عند الأرثوكس أو أغلبهم.<br />يقول رامز: "الرهبنة على سبيل المثال، يمارسها الأرثوذكس بالشكل التقليدي كما فعله الآباء الأوائل بالاعتزال الكامل عن الناس وشرور الحياة الدنيوية وخطاياها، ربما حدث بعض التغيير مؤخرا. بينما الكاثوليك لديهم تاريخ عريق في الخدمة الاجتماعية من خلال الرهبان الذين يسيرون في الاتجاه المعاكس ويقتربون من الناس، مثل (الآباء اليسوعيين أو الجزويت) في مجال التعليم، و(الراهبات الهنديات) في مجال التمريض والإغاثة ومنهم الأم تريزا".<br />يشير رامز أيضا إلى أن تاريخ الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا ينعكس على علاقة أفرادها بالسياسة، فمنذ حدث فصل الدين عن الدولة أصبحت الممارسة السياسية للأفراد خارج نطاق سلطة الكنيسة تماما التي لا تشارك بالسياسة لا تأييدا ولا معارضة. يلمح إلى كون جورج إسحق، الناشط المعروف والمنسق العام الأسبق لحركة كفاية، كاثوليكي المذهب. يرى رامز في المقابل أن الكنيسة الأرثوذكسية متورطة بشكل ما في الحياة السياسية ولكنه يرفض تعبير "دولة داخل دولة" الذي يراه مبالغة كبيرة.<br />العلاقة مع رجل الدين داخل الكنيسة تبدو قريبة الصلة بالمزاج السياسي، فرجل الدين بما يمثله من سلطة والحدود التي ترسم علاقة الأفراد به تربيهم على سلوك معين في مواجهة السلطة. يرى رامز أن الكاثوليك أكثر تحررا من سلطة رجل الدين مقارنة بالأرثوكس الذين يضعونه في مكانة مبالغ فيها، ويقول أنه كثيرا ما يعترض على رأي الكاهن ويناقشه إن لم يقتنع. ولكن ماهر ميخائيل يرى أن المكانة التي يضع فيها الأرثوكس رجل الدين لا تضعه بشخصه، فالقس يغير اسمه الشخصي ويختار اسما آخر قبل أن ينخرط في سلك الكهنة، ولذلك فالعلاقة معه لا تعد علاقة مع شخص بقدر ما هي علاقة مع رمز يمثل الكنيسة.<br />البروتستانت لا يعترفون بالكهنوت من الأصل، ورجل الدين عندهم هو مجرد راع. يقول هرماس فوزي: "رعاة الكنيسة عندنا قد يرتدون الجينز ونتحدث معهم عن السينما والموسيقى. أعتقد أن البروتستانت بشكل عام يتميزون بعلاقة أكثر بساطة مع رجال الدين. فليس لدينا طقس الاعتراف بالخطايا لآباء الكنيسة، العلاقة هي بين العبد والله مباشرة".<br /><span style="font-weight: bold;"><br />الاعتراف والخلاص</span><br />يحب رامز شرقاوي أن يقول أنه بالرغم من وجود طقس الاعتراف عند الكاثوليك إلا أن العلاقة بين رجل الدين والأفراد فيها بساطة شديدة بسبب ميلهم لروح الخدمة الاجتماعية والدور الاجتماعي لرجل الدين.<br />يشير رامز أيضا إلى أن عقيدة الخلاص عند الكاثوليك تجعلهم جميعا، رجال دين وغيرهم، أكثر انفتاحا على المجتمع وبساطة وتسامحا. فهو يقول أن الخلاص في الآخرة وفق بعض الكنائس الكاثوليكية قد يناله غير المسيحي وغير الكاثوليكي إن حسنت نيته، هناك خلافات لاهوتية داخل الكنيسة بهذا الخصوص. ولكن على خلاف الكنيسة الكاثوليكية لا ترى الكنيسة الأرثوذكسية خلاصا إلا لشعب الكنيسة الأرثوكسية والبروتستانت لا يرون خلاصا إلى مع الإيمان بالمسيح.<br />يضيف رامز:"لذلك ترى أن الكثير من الأرثوذكس يغلب على سلوكهم التحفظ في التعامل مع الآخر، وبعض المتشددين يتوجسون من أبناء الطوائف الأخرى. البروتستانت يبدو أكثر انفتاحا وتسامحا ولكن لديهم روح تبشيرية تحب التطرق للدين والعقيدة وإقناع الآخر أن كان ذلك ممكنا. بينما الكاثوليك نتيجة لعقيدة بعضهم بشأن الخلاص يركزون على العمل ويخدمون المجتمع ويقدمون صورة للمسيحية لمن أراد أن يعتنقها ولكن لا يقدمون تبشيرا في خطاب مباشر".<br />يعلق هرماس أن هذه الروح لا تعيب البروتستانت مؤكدا أن المسيح دعا إلى التبشير وأن أي إنسان يؤمن بفكرة ويحاول نقلها لآخر فهذا تعبير عن الحب، وفي النهاية كل إنسان حر في اختياره.<br />بين الحين والآخر، يشكو رجال الكنيسة الأرثوذكسية من "محاولات تبشير بروتستانتية" ويعتبرونها محاولات اختراق وتأثير على الكنيسة القبطية. يقول ماهر ميخائيل أن ذلك بسبب جاذبية أنشطة الكنائس البروتستانتية ذات الطابع العصري والمنفتح، مشيرا على سبيل المثال إلى أن الترانيم البروتستانتية تستخدم كل تقنيات وآلات الموسيقى، بينما لا تزال الكنائس الأرثوذكسية تحافظ على استخدام المثلث والناقوس فقط. ولكنه يعتبر رد فعل الأرثوكس مشابها لرد فعل المسلمين تجاه أي تبشير مسيحي، هو رد فعل أغلبية تعتبر نفسها الأصل والصواب.<br />لا يبدو أن للتبشير بين المسيحيين أثر قوي إلى حد دفع عدد كبير إلى تغيير الطائفة والانتقال لأخرى، قد يكون ذلك مؤثرا في اجتذاب البعض لأفكار تنتمي للطائفة الأخرى، ولكن التحول بين الطوائف لا يزال ضئيلا وأغلبه يحدث بسبب الزواج. خاصة أن الكنيسة الأرثوذكسية لا تعترف بزواج يتم بين أفرادها وأفراد من طوائف أخرى.<br />يقول هرماس: "ما رأيته من حالات تغيير الطائفة معظمه فعلا بهدف الزواج، ولكن يحدث أيضا تحول بسبب الاقتناع، فالتحول إلى كنيسة بروتستانتية يأتي عادة من أشخاض انجذبوا إلى فكرها المتحرر نوعا. ولكن هناك أيضا متحولون إلى الأرثوذكسية بهدف الحصول على اطمئنان روحي من خلال الطقوس والشعائر التقليدية".<br />قد يمثل ربط بعض الاختلافات العقائدية باختلاف السلوك الاجتماعي لأنباء الطوائف المسيحية المختلفة نوعا من التعميم والاختزال للفروق الفردية، وقد لا يلاحظ المسلمون تلك الاختلافات، إلا أن مفهوم الكنيسة كجماعة يربط عقائدها بأسلوب معين للحياة تجعل مسيحيين كثيرين، يعتبر رامز شرقاوي نفسه منهم، يميزون بمجرد النظر أو بعد حوار قصير طائفة من يحادثونهم.<br /><br /><hr />نشر في جريدة "الشروق" الأحد 13 يونيو 2010<br />PDF<br /></span></div>عمرو عزتhttp://www.blogger.com/profile/08927951113123256622noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-5559439168559928821.post-66222623448991176992010-05-23T04:21:00.000-07:002010-05-23T04:26:07.235-07:00الاستبسال دفاعا عن مساحة التغاضي<a onblur="try {parent.deselectBloggerImageGracefully();} catch(e) {}" href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEh0nMLqrssyu-z7g08gpU_J1bUYliXITSxpgfqI2YdbXiC39jPV6thigZjKfWbbOf_iI7GygrwnutKoaGjAONhPflaE5XXms9TV4Iz0veKEMkOe9kCIbxtEyXb7MI32bE4bnVriMPnrdXQ/s1600/austen2.jpg"><img style="cursor:pointer; cursor:hand;width: 318px; height: 400px;" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEh0nMLqrssyu-z7g08gpU_J1bUYliXITSxpgfqI2YdbXiC39jPV6thigZjKfWbbOf_iI7GygrwnutKoaGjAONhPflaE5XXms9TV4Iz0veKEMkOe9kCIbxtEyXb7MI32bE4bnVriMPnrdXQ/s400/austen2.jpg" border="0" alt="" id="BLOGGER_PHOTO_ID_5474424994182533618" /></a><br /><b><blockquote>’وهكذا يصبح بعض الدفاع الحار عن مساحة الحرية في إعادة نشر التراث تنازلا مسبقا عن فرص الدفاع عن الحق الأهم في التعبير هنا والآن،</blockquote></b><br /><br /><span class="fullpost">لا يحتاج الأمر لكثير عناء. يمكن لأي متابع للإصدارات الأدبية الحديثة في القاهرة أن يتصيد لعشرات الأدباء والشعراء مقتطفا من هنا وهناك، ليقيم الدنيا بدعوى أن هذا يستخدم ألفاظا خادشة للحياء أوذاك يسيء للذات الإلهية.<br />ولكن بلا حاجة إلى قليل العناء ولا الإطلاع على الجديد، أمكن لمجموعة من المحامين أن يضعوا رأس أجندة الشارع الثقافي وصحافته لأكثر من أسبوعين مرشحين للاستعادة. فقط لأنهم يعرفون أن "ألف ليلة وليلة" بها بعض الحكايات التي تحتوي على أوصاف وعبارات جنسية صريحة ثم عرفوا أن الهيئة العامة لقصور الثقافة التابعة لوزارة الثقافة تعتزم إعادة نشرها ضمن سلسة "الذخائر"، فتقدموا ببلاغ إلى النائب العام يطلب منع إعادة النشر بـ"أموال المصريين"، والنائب العام بدوره أحال البلاغ إلى نيابة أمن الدولة للتحقيق فيه.<br />العشرات من مقالات الرأي واستطلاعات الرأي والتصريحات والمواقف سارعت إلى ساحة تلك المعركة وقالت كل ما يقال عادة في مثل هذه المعارك، ثم خفتت الأضواء عن الساحة في انتظار الجديد.<br />وصف بيان اتحاد الكتاب ما حدث بأنه "هجمة شرسة" ضد الإبداع والمبدعين وطالب بـ"مؤتمر قومي" لمواجهتها. يبدو رد فعل البيان متضخما ومبالغا فيه عندما يزور المرء موقع رابطة "محامون بلا قيود" التي قدّم ممثلوها بالبلاغ فلا يجد أثرا في صفحته الرئيسية وأخباره الحديثة لهذه الهجمة الشرسة.<br />تلك الهشاشة التي تبدو عليها الآن حرية التعبير والإبداع، بحيث أن بلاغات مجانية قد تتحول إلى تحديات مخيفة بهذا الشكل، تتطلب موقفا أكثر حزما واتساقا من الكلمات الضخمة الحماسية.<br />فتلك الهشاشة لها بنيان آخر يختفي خلف طرفي المعركة الذين يوحي بهما البلاغ: من يتقدمون به ومن يتم اتهامهم من خلاله.<br />الهشاشة يمكن تشريحها كالتالي: نص قانوني مطاط يحيل إلى وهم وجود توافق عام حول آداب عامة أو أخلاق جمعية متفق عليها، سلطة تمنّ على المعارضين أو المبدعين بتغاضيها عن استخدام القانون بالشكل الأسوأ وتلوح بذلك كثيرا وتقترفه أحيانا، جمهور غير مبال بالأساس بمعظم الإنتاج الأدبي سواء التراثي منه أو الحديث ولكنه قد يمنح صوته عند الطلب ضد الكثير من الحريات التي تبدو له تهديدا للأخلاق والدين اللذين لا يلتزم بهما بنفس الصرامة التي يتم بها إدعاء ذلك، قضاء لا يمكن توقع حركته التالية يراوح في مثل هذه القضايا بين مباديء ليبرالية يحوم طيفها في الخيال القانوني أحيانا وبين ما هو واقعي وملموس من ضغط السلطة التنفيذية والمحافظة الأخلاقية للمجتمع فضلا عن ميول رجاله الفكرية، وأخيرا وهو الأسوأ وسط ثقافي مخاتل في معظمه يخوض الأجزاء الأسهل من كل معركة.<br /><br />هؤلاء الذين يفجرون مثل هذه القضايا ويقدمون البلاغات ليسوا إلا محفزات وشرارات تنطلق لتفضح هذه الهشاشة التي لا تحتاج كثيرا لتصير حريقا. في أزمة "وليمة لأعشاب البحر"للروائي السوري حيدر حيدر قبل عشرة أعوام لا يذكر أحد اسم أول من أثار قضية محتوى الرواية أو من قدم بلاغا أواستجوابا في مجلس الشعب. ولكن لا تغيب عن الذكرى التغطية الساخنة الصارخة لصحيفة "الشعب" التابعة لحزب العمل، المجمدين حاليا، التي كانت ساعتها تحقق رواجا مناسبا بالنسبة لجريدة معارضة بفضل منحى شعبوي للصحيفة والحزب يغازل الجمهور وفق تعبير حاسديه أو يلتحم بهم وفق تعبير مناصريه. وعلى إيقاع "الشعب" تحركت "الطليعة": طلبة الجامعات وفي مقدمتهم طلبة جامعة الأزهر والمنتمين إلى التيارات الإسلامية المختلفة وبعض الأساتذة، وكانوا في موقع طليعة رأي عام غاضب بالفعل. وتحول الأمر إلى معركة فعلية تحركت فيها جموع ووقع فيها جرحى بالمعنى الحرفي والمجازي.<br />الجمهور الذي يتحرك ضد ما يعتقده إهانة للذات الإلهية لا يتحمس بنفس القدر ضد ما يسمى "الألفاظ الخادشة للحياء" فهي خبزه اليومي، أو خبز معظمه. والمفارقة بين استخدام الكثير من الرجال لها بشكل عادي وعفوي وبين استنكارهم وترتيبهم أحكاما أخلاقية قاسية تجاه استخدام النساء لها بالإضافة لتحفظهم في استخدامها أمامهن، هذه المفارقة تتسق مع كونهم مستعدين لأن يكون رأيهم عند طلبه أنها كلمات "لا تصح".<br />هناك مفارقة مقبولة في ظل تلك الهشاشة أن أفلاما وروايات واقعية تدور أحداثها في الشارع المصري تخلو من أي وجود لهذه الألفاظ. على الكاتب أو مبدع العمل الفني إن أصر على استخدام كلمات "لا تصح" أن يواجه هجوم هؤلاء الذين يملأون بها يومهم. أو فليفعل مثلما تفعل فضائية "ميلودي": يصل إلى أعتاب الوضوح في استخدام الألفاظ والإيحاءات ولكن بمراوغة فنية ساخرة، بل ويعترف ويصف هذا الأسلوب بوضوح بأنه "سفالة" مثلما يفعل الإعلان الأخير الذي يصور مدير القناة وهويناقش مخرج الحملات الإعلانية حول مضمون حملة إعلانية جديدة.<br />يستهلك قطاع واسع من الجمهور قناة "ميلودي" في الوقت نفسه الذي يستهلك سب جرأتها، وربما يمثل ذلك المركب المزدوج معنى الإثارة التي "تتحدى الملل"، إلام يمكن أن يحيل القانون عندما يتحدث عن الآداب العامة والحياء العام في المجتمع إن كانا هما عين "الملل" الذي تبتهج قطاعات واسعة من المجتمع باستهلاك تحديه؟<br />تسويق "المحرم" مع تكثيف الإيحاء بأنه كذلك وكونه متعة تشترى لمواجهة "التهذيب / المقبول/ الملل" يلقى رواجا ولا يصطدم بالقانون لأنه يؤكده حتى وهويسخر منه. ولكن الأمر يختلف عند أي استخدام عادي في سياق جمالي أو توثيقي للغة اللحظة التاريخية، وهو ما يمكن أن نصف به وجود الكلمات والعبارات الجنسية الصريحة في سياق حكايات "ألف ليلة وليلة". ولذلك محتوى الحكايات قابل بالتأكيد لأن يقع تحت طائلة النص القانوني المطاط بدرجات متفاوتة بحسب أريحية القاضي.<br /><br />القاضي ربما كان يستخدم هذه الألفاظ في حياته اليومية مثلما يرتدي البيجاما لكنه على المنصة لا يقبل لنفسه أو لمحام أمامه إلا البذلة الرسمية. الأمر يتوقف هنا على تفهم القاضي للفارق بين رؤيته للياقة الاجتماعية للألفاظ وبين حق الفن وكل تعبير في تناول اللياقة وعدم اللياقة على حد سواء أو في نقد حدود هذه اللياقة واقتراح أخرى. في مايو 1985 حكم قاضي محكمة آداب القاهرة بمصادرة ألف ليلة وليلة وتغريم الناشر خمسمائة جنيه واستند القاضي في حكمه إلى أن الناشر نفسه قام بتعديل بعض الألفاظ مما يعد اعترافا منه بمخالفتها للآداب العامة. ولكن في يناير 1986 أصدر القاضي سيد محمود حكمه ببراءة الناشر وإلغاء المصادرة لأن هذه الكتب التراثية "ليست كتبا في الجنس" وأن هناك كتبا تراثية أخرى متداولة تحتوي من عبارات الغزل الصريح ما يفوق الليالي، كما أنه ينفي عن الكتاب "مظنة إهاجة تطلع ممقوت أو الإثارة الشهوانية لقارئه إلا من كان منهم مريضا تافها".<br />حيثيات الحكم الأخير فقرة مفضلة في المقالات وأعمدة الرأي التي نزلت ساحة المعركة من أجل حرية التعبير والنشر، ومنطق الحيثيات مبثوث في معظم ما قيل: إنه بالأساس تراث ولا حيلة لنا فيه، كما أنه لا إثارة فيه لأي شهوة.<br />منطق المحاجاة القانونية يختلف عن منطق الحجاج الثقافي والاجتماعي من أجل إقرار حرية ما أو انتزاعها. يحاول القانون الاستناد إلى وضع مستقر، يبحث عن قبول سابق يقيس عليه، بينما منطق الدفاع عن حرية التعبير يفترض التمسك بحرية إثارة القلق والتساؤل وحرية اقتراح شيء لاحق لا سابق له.<br />حدود الدفاع عن حرية نشر "ألف ليلة وليلة" تكاد تقصرها عليها وعلى ما فات، ولذلك الحرارة المجانية في النزول إلى ساحة معركة الليالي لم تظهر عند مصادرة الرواية المصورة "مترو" لمجدي الشافعي التي اتهمت بأن فيها ألفاظا خارجة وخادشة للحياء. ورغم فارق الشهرة والأهمية التي سينسبها العديدون لألف ليلة إلا أن المعركة الأحدث هي الأهم والأكثرحساسية بإطلاق. فهي معركة يتوجب على من ينزل إلى ساحتها أن يكون مستعدا للدفاع عن الحق الآني في استخدام هذه الألفاظ ولو كانت صادمة لعموم المجتمع افتراضا.<br />دفع الاتهامات تحت وطأة قوانين غير مُرضية يجعل السياسيين والمثقفين ينكرون ما كتبته أيديهم فيما بينهم وبين المحقق، ولكن أمام الجمهور كيف يمكن لسياسي أو كاتب أن يتنصل مما كتب وقال بنفس الطريقة؟<br />في مذكرة الدفاع عن "مترو" ينقل نجاد البرعي المحامي شهادة الروائي صنع الله إبراهيم أن الرواية " فن روائي مصور وأن العمل ملتزم بالمبادئ العامة والأخلاقية للمجتمع".<br />إن صح النقل في المذكرة فقد تكون الديباجة مقبولة أمام نيابة أو منصة محكمة لإنقاذ المؤلف من وطأة قانون مجحف ولكن أي سخرية في أن ندافع عن حرية التعبير بطريقة تجعلنا ننكر الحق الأصيل للتعبير في مناقشة المباديء العامة والأخلاقية للمجتمع.<br />كذلك الكتاب والشعراء الذي ينقلون بحماسة فقرات من حيثيات الحكم، هل يعتقدون حقا أن الجنس "تطلع ممقوت" وهل هم حقا ضد "إثارة الشهوة"؟ أم أن منطق التصريحات يفترض مسبقا أن القاريء متغاض عن إنتاجهم وبالتالي لا يعرف شيئا عن انحيازاتهم، وسيقبل منهم أن يدافعوا عن حرية نشر مطبوعة وفي الوقت نفسه يمالئون خطاب القاضي الذي يرغب في طمأنة القانون بأن هذه الحرية لن تفسح المجال إلا لوثيقة تراثية وليس لممارسة قابلة للاستمرار والمضي قدما.<br />عدد 2 مايو من "أخبار الأدب"، التي يرأس تحريرها الأديب جمال الغيطاني رئيس تحرير سلسلة "الذخائر" وأحد المتهمين في بلاغ المحامين، كان المانشيت الرئيسي له بالخط الأحمر :"بحكم المحكمة: من تثيره ألف ليلة مريض تافه" !<br />لماذا تصبح استجابة المشاعر والغرائز الإنسانية للتعبير الموحي مرضا وتفاهة؟ هكذا يكون بعض الدفاع مكرسا لهشاشة فقاعة حرية التعبير التي تعيش في ظل التغاضي والتجاهل وبعيدا عن خوض غمار التفاعل الشجاع مع جمهور أوسع والتفاوض مع ذائقته وأخلاقه وأسلوب حياته، وهكذا يصبح بعض الدفاع الحار عن إعادة النشر تنازلا مسبقا عن فرص الدفاع عن الحق الأهم في التعبير هنا والآن.<br /><br /><hr /><br /><span style="font-weight:bold;">تهذيب الليالي</span><br /><br />من المعروف أن الحكايات الشعبية الخيالية التي تم جمعها تحت اسم "ألف ليلة وليلة" قد أعيدت كتابتها وصياغتها مرارا تحت تأثير الخيال والذوق الأدبي المتحول. ولكن منذ نهايات القرن العشرين وإلى الآن يحاول البعض أن يجعل للقانون حكما في ما تتضمنه من مشاهد جنسية وألفاظ صريحة، وأصبحت الصيغة الملائمة لنشرها تناقش في ساحات القضاء.<br />يرجع بعض الباحثين جذور حكايات الليالي إلى أصول فارسية أو هندية ولكن بالتأكيد كانت الصياغة النهائية عربية وتم إضافة الكثير من قصص العرب، ومعظم الأحداث يجري بين العراق والشام ومصر.<br />أقدم مخطوط مادي يشير إلى وجود الليالي هو مخطوط يحتوي على الحكاية الإطار التي تجمع شهرزاد وشهريار وحكايات أخرى موجود بالمعهد الشرقي بشكياغو ويعود تاريخه إلى عام 879 م. ولكن أهم المخطوطات التي اعتمدت عليها الصيغة المعاصرة لألف ليلة وليلة هي المحفوظة بالمكتبة الوطنية بباريس، وأشار المستشرق ماكدونالد إلى أنها كتبت في مصر، ويرجعها المحقق محسن مهدي إلى القرن الرابع عشر للميلاد.<br />لغة الحكايات لم تخل من إشارات وتعليقات في التراث العربي، ففي (الامتاع والمؤانسة) لأبو حيان التوحيدي إشارة إلى اختلاف لغة الليالي عن المألوف في الأدب لأنها لم تكن موجهة إلى طبقة الحكام والعلماء وإنما كانت موجهة إلى العامة.<br />قبل قرن كامل من ظهور طبعاتها العربية، طبعت ترجمات "ألف ليلة وليلة" في أوروبا. ففي عام 1704 طبعت الترجمة الفرنسية التي قام بها أنطوان غالان، ثم توالت الترجمات التي لم تخل من التصرف والتهذيب بطرق ودوافع مختلفة عند النظر إليها. يعبر بورخيس عن ذلك في مقال له عن مترجمي ألف ليلة وليلة وهو يقارن بين ترجمة غالان وترجمة إدوارد لين بعده بتسعين عاما ويقول" تعديلات غالان لبذاءات عرضية إنما يصدر عن اقتناعه بأنها رديئة الذوق، أما لين فينقب عنها ويطاردها مثل محاكم التفتيش".<br />ظهرت الطبعة العربية الأولى لليالي في "كلاكتا" بالهند عام 1818، بينما كانت الطبعة الأولى في بلد عربي هي الطبعة المصرية في مطابع بولاق عام 1853 ويعدها الباحثون الصيغة الأخيرة والمكتملة لألف ليلة والتي أصبحت المصدر الأساسي لكل الطبعات العربية اللاحقة التي نحا بعضها لـ"تهذيب النص".<br />الطبعة الخامسة بالعربية كانت في بيروت عام 1881 وكانت "طبعة مهذبة" أشرف عليها الأب اليسوعي أنطوان الصالحاني وحذف منها المشاهد الجنسية وتصرف في بعض الجمل والعبارات. ومثله فعل رشدي صالح في طبعة "دار الشعب" بالقاهرة عام 1969 واحتج في مقدمته أن ما حذف كان إضافات زيدت علي الحكايات لإثارة شهية القاريء ولا يؤثر حذفها وأنه يهدف لنشر طبعة تدخل كل بيت بلا حرج.<br />وفي عام 1985 بناء على مذكرة من ضابط شرطة، تم محاكمة الناشر "محمد علي صبيح" لمحاولته نشر نسخة مطبعة بولاق بدون تهذيب وحكمت المحكمة بمصادرة هذه الطبعة من "ألف ليلة وليلة" لأنها تحوي "العديد من روايات كيفية اجتماع الجنسين والألفاظ الجنسية الصريحة السوقية البذيئة والأشعار المكشوفة الفاضحة" استنادا إلى ما قررته محكمة النقض من أن "اجتماع الجنسين يجب أن يكون سريا وأن تكتم أخباره" ولا يُحتج بتغير الأخلاق والعادات المعاصرة لأنه "مهما قَلَّت عاطفة الحياء بين الناس فإنه لا يجوز للقضاء التراخي في تثبيت الفضيلة وفي تطبيق القانون" بحسب نص الحكم. ولكن في عام 1986 صدر حكم آخر يلغي حكم المصادرة ويقول في نصه أن الكتاب "كان مصدرا للعديد من الأعمال الأدبية الفنية الرائعة ومنه استقى كبار الأدباء في العالم عامة والعربي منه خاصة روائعهم الأدبية. الأمر الذي ينفي عنه مظنة إهاجة تطلع ممقوت أو الإثارة الشهوانية لدى قرائه إلا من كان منهم مريضا تافها وهو ما لا يحسب له حساب عند تقييم قيمة المطبوعات الأدبية الطيبة".<br />وبمناسبة إصدار طبعة جديدة من الليالي في سلسلة "الذخائر" التي تصدرها "الهيئة العامة لقصور الثقافة" التابعة لوزارة الثقافة المصرية، عادت الليالي إلى ساحات القضاء في إبريل الماضي بعد بلاغ إلى الناب العام تقدم به 9 محامين ينتمون إلى رابطة تسمى "محامون بلا قيود" ويطلبون مصادرة الطبعة ومحاكمة المسئولين عن نشرها بدعوى أنها تحتوي "على كم هائل من العبارات الجنسية الداعية إلى الفجور والفسق وإشاعة الفاحشة» بحسب البلاغ.<br /><br /><hr /><br /><a href="http://www.johncoulthart.com/feuilleton/2007/05/23/the-art-of-john-austen-1886-1948/">اللوحة: ألف ليلة وليلة لـجون أوستن<br />John Austen (1886–1948)<br /></a><br /><a href="http://www.annahar.com/content.php?priority=5&table=mulhak_thakafi&type=mulhak_thakafi&day=Sun">نشر في الملحق الثقافي بجريدة "النهار" اللبنانية الأحد 23 مايو 2010</a><br /><br /></span>عمرو عزتhttp://www.blogger.com/profile/08927951113123256622noreply@blogger.com1tag:blogger.com,1999:blog-5559439168559928821.post-48423634090150633272010-05-19T20:22:00.001-07:002010-05-22T14:34:15.307-07:00رسائل تائهة وسجلات حياة على الحيطان<div><b><span class="Apple-style-span" style="font-size:x-large;">قدم على الأرض وأخرى في الفيس بوك</span></b></div><a onblur="try {parent.deselectBloggerImageGracefully();} catch(e) {}" href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhe3jx4JtReowu8WS3vK6IiV5CvsiX4iDNGKIi08NQ4Xy-zcNAjSXlcZV__Y3KloyFda6wOs0B1CeaxlrM91r9uZI0ZIqK8bg54F_uTurnv2Af0zT_fC1yWPI-p6Qaj9OJzWtgzbZ_GyPg/s1600/facebook-+waleed.bmp"><img style="cursor:pointer; cursor:hand;width: 400px; height: 286px;" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhe3jx4JtReowu8WS3vK6IiV5CvsiX4iDNGKIi08NQ4Xy-zcNAjSXlcZV__Y3KloyFda6wOs0B1CeaxlrM91r9uZI0ZIqK8bg54F_uTurnv2Af0zT_fC1yWPI-p6Qaj9OJzWtgzbZ_GyPg/s400/facebook-+waleed.bmp" border="0" alt="" id="BLOGGER_PHOTO_ID_5473188103719289362" /></a><br /><b><span class="Apple-style-span" style="font-weight: normal;"><br /></span></b><div style="text-align: justify;"><b>ما تكتبه على صفحتك أو صفحة غيرك على الفيس بوك قد توجهه إلى هذا أو ذاك تحديدا ولكن هو رغما عنك رسالة إلى المئات من أصدقائك وأصدقاء أصدقائك متروكة لمن يلتقطها، وسِجِل لبعض حياتك مكشوف للقليل أو الكثير. استمتع بالتواصل والمشاركة وربما الاستعراض، وتحمل ما قد يجره من متاعب على علاقاتك.</b></div><span class="fullpost"><div style="text-align: justify;"><br /></div><br />ذكرى المشاحنة التي دارت بالأمس بينه وبين خطيبته كانت تعكر ذهنه وهو يشرب النسكافيه في الصباح ويفتح الفيس بوك ليتفقد آخر أخبار وصور أصدقائه. بعدما انتهي فكر قليلا في الجملة التي يمكن تلخص حالته هذا الصباح لكي يجعلها حالته Status. كتب: "دي حاجة بقت تقرف".<br /><br />قررسامي عبد الرحمن، مهندس الاتصالات الشاب، أن يبعد عن ذهنه ذلك الأمر، لن يهاتفها في الصباح كعادته. سيدخل في المساء ليشاهد ما كتبته في حالتها قبل أن يهاتفها ليعرف أن كانت نادمة أو غاضبة. الآن سحاول أن يفكر في العمل ومشكلته الأخيرة مع المدير. جهز أوراقه للاجتماع الذي سيبدأ بعد ساعة وحاولت أن يرتب في ذهنه بعض الكلام.<br /><br />في الاجتماع، كان المدير مقطبا جبينه رغم أن الحوارات سارت على ما يرام وبدا أن كل التوتر فيما يخص تفاصيل العمل قد زال. ولكن سامي فهم تلميح المدير الصريح له:”عاوزين نشتغل جد اليومين المهمين دول. واللي حاسس إنه قرفان يبقى يشوف حل أو يمشي".<br /><br />ساعتها فقط تذكر سامي أنه أضاف مديره إلى قائمة أصدقائه على الفيس بوك قبل أسابيع. يضحك سامي: "عدى الأمر على خير.تجاهلت الأمر وهو تجاهله. مديري لا يكبرني كثيرا. وفريق العمل أقرب للأصدقاء ولكني انتبهت ساعتها لهذه المشكلة، أحسست بتقييد كبير لحريتي، لا أستطيع أن أشكو من العمل على الفيس بوك!”.<br /><br />المشكلات مع الرؤساء بسبب الفيس بوك والشبكات الاجتماعية بشكل عام، واحدة من أكبر مشكلات إدارة العلاقات الشخصية. في دراسة نشرها الموقع المتخصص Proofpoint.com نهاية العام الماضي أن 17% من عينة من الشركات الكبيرة التي يزيد عدد موظفيها عن 1000 قد اهتمت بما يبثه موظفيها على الشبكات الاجتماعية بشكل أو بآخر. وأن 8% من الشركات قد فصلت موظفا على الأقل بسبب أحد أوجه نشاطه على الشبكات الاجتماعية وفي مقدمتها الفيس بوك.<br /><br />مشكلات العمل ليست الوحيدة، ولكن ربما كانت هي الجانب الوحيد الذي اهتم بدراسته ورصده مواقع وشركات مهتمة بالمعلومات وعلاقتها بالأعمال. مواقع أخرى كثيرة ذات طابع شبابي واجتماعي تحذر من مشكلات سوء التفاهم التي تدمر العلاقات العاطفية بسبب التدفق المكشوف للمعلومات على الشبكات الاجتماعية، وبعضهم بدأ في وضع نصائح جدية للتعامل مع الأمر تتضمن سؤال شريك العلاقة قبل بث معلومة أو تفصيلة أو صورة تخصهما معا، سؤاله قبل الإعلان عن العلاقة أصلا. بعض المواقع تنصح بتجنب زيارة صفحة الشريك بكثرة ونهم لتجنب رؤية ما يدل على "تجارب الماضي" أو إساءة فهم بعض الرسائل والحوارات، وتنتهي النصائح أحيانا بغلق الصفحة الشخصية تماما إذا استمرت مشكلات العلاقة بسببها.<br /><br />بعض هذه المشاكل مرت بها أريج حسن، مصممة الجرافيكس مع خطيبها:” كان غاضبا لأنه وجد واحدا اسمه مودي يخاطبني باسم الدلع ويهنئني بعيد ميلادي. وأنا رديت عليه وقلت له: تسلم يا مودي يا حبيبي. لم يكن يعرف أن مودي هو أخي محمد الذي كان يضع ساعتها بدل صورته شعار الأهلي!”.<br /><br />الحالات والتعليقات والكتابات على الحوائط Walls هي رسائل بين اثنين أو مجموعة ولكنها مفتوحة ومتاحة للكل.<br /><br />قد تساعد هذه الرسائل الجماعية على تواصل أسهل مع حلقاتك الاجتماعية، أن تجعل كل من يعرفونك على معرفة بآخر أخبارك بأقل جهد ووقت منك، ينشط حلقاتك الاجتماعية الأبعد التي لا وقت لديك لإنعاشها بلقاءات أو تليفونات، وقد يجعل التواصل مع المجموعات الأقرب أكثر متعة من خلال تبادل المقالات والصور والموسيقى والتعليقات. ولكن الأمر لا يخلو من مشاكل سوء التفاهم. في المواقف الطبيعية في الحياة التي نحضر فيها بأجسادنا ونرى ملامح وجه من يتكلم وتعبيرات جسده هناك أيضا مساحة لسوء التفاهم. وهو ما يمكن أن يزيد عندما نفتقد ذلك السياق أو بعضه في الفضاء الإلكتروني.<br /><br />هناك أيضا مشكلات التأويل. فالكثير من الناس يعبرون عن حالتهم بعبارات مقتضبة أو غائمة، تبدو وكأنها رسالة موجهة إلى واحدا بعينه. يقول سامي:"صحيح، فأنا لا أتحدث عن تفاصيل خاصة بي على الفيس بوك. ولكن أعبر عن حالتي بكلمات وعبارات قصيرة. يفهم تفاصيلها أحيانا المقربون مني أو من شاركوني موقف ما. والبعيدون يفهمون فقط أني في حالة سيئة أو جيدة".<br /><br />ولكن المشكلة تبدأ عندما تصل الرسالة إلى الطرف الخطأ ويظنها موجهة إليه. أو أن يسيء أحدهم تأويلها. يتذكر سامي: "مرة كتبت حالتي جزء من أغنية لعمرو دياب: وأهو بكره نقول كانت ذكرى وعشنا لنا يومين. كان ذلك جزء من حوار ضاحك بيني وبين مجموعة من زملاء العمل في مكتب سابق. المكتب أغلق فجأة وسافر صاحبه ولم نحصل على مستحقاتنا. سافرنا معا إلى الساحل لعدة أيام وكنا نغني مع عمرو دياب هذه الأغنية ونتذكر أننا لم نتقاضى مرتب آخر شهر ولكن كانت لنا ذكريات لطيفة تخص عملنا معا في المكتب. خطيبتي- قبل أن أخطبها - كانت مستاءة جدا من الحالة. وذهب عقلها إلى أني أعتبر علاقتنا عابرة أو أنني أقمت علاقة سريعة مع أخرى في الساحل!”.<br /><br />مرت علاقة سامي وخطيبته بمشاكل كثيرة بسبب الفيس بوك، يتذكر سامي أنه كان متعدد العلاقات قبلها وبعد أن أتم خطبته وقرر الاستقرار كان عليه أن يواجه غيرة خطيبته من تعليقات ومشاغبات كان يتركها على صفحات فتيات كانت بعضهن صديقات لخطيبته. بالإضافة لصوره مع بعضهن في رحلات أو حفلات. يضحك سامي: “فوجئت أن تاريخي معظمه مسجل على الفيس بوك. تنتبه لذلك عندما تنتقل لمرحلة أخرى. قبل ذلك كانت هذه التفاصيل فخرا لي ودليلا على أني واد جامد. الآن من المفترض أني واد مستقيم" يضحك سامي ويقول أنه ركز بعض جهوده على مسح بعض التعليقات والصور الأكثر استفزازا، وعندما تعب أغلق حسابه وفتح حسابا جديدا "على مياه بيضا" على حد تعبيره. يضيف سامي :”صحيح الفيس بوك يمكن أن يحرجك بتاريخك ولكنه يتيح لك أيضا أن تبدأ تاريخا جديدا تماما. عاشت التكنولوجيا!”.<br /><br />الكثير من الفتيات يملن للتحفظ وهن يستخدمن حساباتهن الشخصية على الفيس بوك وبعضهن لا يضعن صورا شخصية نهائيا. ولذا فأن تاريخهن قد لا يكون معقدا مثل تاريخ سامي. أريج ليست متحفظة للغاية، ولكنها تقول أن تدفق المعلومات أحيانا يجر عليك مشاكل غير متوقعة. مؤخرا، خرجت أريج مع صديقات لها في رحلة نيلية للترحيب أسماء صديقتهن التي تزوجت وانتقلت للعيش مع زوجها في الإمارات وتزور مصر في إجازة. الصديقة طلبت رؤية كل المجموعة المرتبطة ببعضها من أيام الثانوية إلا صديقتهن دينا التي كانت مرتبطة عاطفيا بمن أصبح زوجها وتسبب ذلك في توتر علاقتهما قبل زواجها. اتفقت المجموعة على ألا يخبرن دينا بشأن الرحلة. يوم وسيمر. ولكن صور الرحلة التي وضعتها صديقتهن على الفيس بوك ظهرت على صفحاتهن الشخصية على الفيس بوك. واضطررن جميعا للاعتذار لدينا. التي غضبت فترة وقالت أنها لم تكن لتغضب لأن علاقتها بدينا انقطعت ولكنها كانت تفضل أن تعلم.<br /><br />اضطرت أريج لتعديل إعدادات الخصوصية لكي لا تظهر صور يضيفها آخر في صفحتها إلا بإذنها. خاصة وأن صديقات أخريات لها تصفهن بـ"المتحررات" احيانا يلتقطن الصور من جلساتهن الجماعية الخاصة في البيوت بدون حجاب. وقد يسبب ذلك حرجا.<br /><br />إعدادات الخصوصية قد تساعد على تقليل ما يظهر من معلومات تخصك بدون إذنك، كما يمكنك بواسطتها التحكم فيمن يرى كل نوع من المعلومات عنك. يمكنك أن تقسم الناس إلى دوائر بحسب قربك منهم وتسمح لكل دائرة بالإطلاع على درجة معينة من المعلومات. تقول أريج أنها صنفت زميلات العمل في مجموعة معا، تخفي عنهن نشاطها أيام الإجازات التي قد تضطر فيها للتظاهر بالمرض بينما هي تود فقط الاسترخاء في المنزل أو الخروج في رحلة. وأي فضفضة أو بوح على الفيس بوك منها أو من رفيقاتها قد يسبب مشاكل ضخمة.<br /><br />تضحك أريج قائلة:"الموبايل يساعد على الكذب ولكن يبدو أن الفيس بوك سيفضحنا إن لم ننتبه". ويبدو أن البعض منتبه جدا لذلك ويجيد استخدام ثغرات التكنولوجيا لصالحه. سامي هاتف خطيبته في المساء وتصافيا بسرعة وعندما عاتبته وهي تلمح إلى ما كتبه على الفيس بوك قائلة: "ولا إنت قرفت خلاص؟" أجاب بسرعة: "إزاي الكلام ده يا حبيبتي. أنا كان قصدي على الشغل. هو أنا أقدر برضه!".<br /><br /><hr /><span class="Apple-style-span" style="font-size:large;"> معلومات أكثر .. غيرة أشد ! </span><br /><br />"هناك علاقة ما بين استخدام الفيس بوك وزيادة الغيرة بين شريكي علاقة عاطفية”. هذا ما انتهت إليه دراسة نشرت في "CyberPsychology & Behavior Journal" قبل ثمانية أشهر، وعرضها بن بار Ben Parr على موقع Mashable.com الموقع الأهم لأخبار التطبيقات الاجتماعية.<br /><br />الدراسة التي قالت في خاتمتها أنها مجرد مقدمة لدراسات أعمق، أجريت على عينة من 308 فرد. وانتهت إلى رصد أربع تيمات لزيادة الغيرة مع استخدام الفيس بوك:<br /><br />16.2 % ربطوا بشكل صريح بين استخدام الفيس بوك وشعورهم بغيرة على الشريك.<br />19.1 % يشعرون بالغيرة أكثر كلما زادت لديهم المعلومات عن نشاط شركائهم في العلاقة – أو من يريدون أن يكونوا كذلك - على الفيس بوك<br />10.3 % لديهم مشاكل في الحد من الوقت الذي يقضونه في تصفح صفحة الشريك على الفيس بوك.<br />7.4 % قالوا أن الغموض وعدم الوضوح على الفيس بوك يجعلهم أكثر عرضة للغيرة بسبب احتمال إساءة فهم نشاط الشريك.<br /><br /><hr /><br /><a href="http://www.scribd.com/doc/31646099/%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D8%A6%D9%84-%D8%AA%D8%A7%D8%A6%D9%87%D8%A9-%D9%88%D8%B3%D8%AC%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%86-%D8%B9%D9%85%D8%B1%D9%88-%D8%B9%D8%B2%D8%AA">نشر في "الشروق" الأربعاء 19 مايو 2010<br />PDF<br /></a><br /><br /><br /></span>عمرو عزتhttp://www.blogger.com/profile/08927951113123256622noreply@blogger.com1tag:blogger.com,1999:blog-5559439168559928821.post-85999637985207368582010-04-28T18:33:00.000-07:002010-04-28T19:19:24.551-07:00ليلة واحدة من النجومية<a onblur="try {parent.deselectBloggerImageGracefully();} catch(e) {}" href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEir4M0maRMceYN-uB7ctOmGaQwkJgqfpj9UYDmm-la-dmogA557F-obVqWJSWUbiyMrz9DHdL64VkXhE6qIQQdLOwh9GMCYF7vmMS7f6gZozTMGLXorX267gsyPSpA0-UYYvu1NwFD4Jic/s1600/farah2.JPG"><img style="cursor:pointer; cursor:hand;width: 400px; height: 245px;" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEir4M0maRMceYN-uB7ctOmGaQwkJgqfpj9UYDmm-la-dmogA557F-obVqWJSWUbiyMrz9DHdL64VkXhE6qIQQdLOwh9GMCYF7vmMS7f6gZozTMGLXorX267gsyPSpA0-UYYvu1NwFD4Jic/s400/farah2.JPG" border="0" alt="" id="BLOGGER_PHOTO_ID_5465368511429553490" /></a><br /><br /><div style="text-align: justify;"><b>الاحتفاظ بلحظات الليلة المميزة التي تسلط فيها الأضواء على العروسين وتطاردهما العيون والكاميرات، هي مهمة مصوري ومعدي فيديو الأفراح، الذين يوازنون بين رؤيتهم لمهنتهم وتصورات كل طبقة وفئة عن ليلة العمر وكيف يجب أن تكون.</b></div><br /><span class="fullpost"><b><span class="Apple-style-span" style="font-size:x-large;"> "الشعبي" في برواز فاخر</span></b><br /><a onblur="try {parent.deselectBloggerImageGracefully();} catch(e) {}" href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEgTgSmlR_F16Q0nme_mJhl8G_EeK9TBW3ukukHMXbo-hG14V3eKgw3YP5joBD5YPlMjJFHJv9oeqrWAWLsXBDkuecIRMIrh3MxeiAmEyPOSVvasNerkjHa54uA089o9qf9vU6GKVZK4Cyw/s1600/farah1.JPG"><img style="cursor:pointer; cursor:hand;width: 400px; height: 241px;" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEgTgSmlR_F16Q0nme_mJhl8G_EeK9TBW3ukukHMXbo-hG14V3eKgw3YP5joBD5YPlMjJFHJv9oeqrWAWLsXBDkuecIRMIrh3MxeiAmEyPOSVvasNerkjHa54uA089o9qf9vU6GKVZK4Cyw/s400/farah1.JPG" border="0" alt="" id="BLOGGER_PHOTO_ID_5465368285583588530" /></a><br />يمر العروسان في الحارة الضيقة الموصلة إلى الساحة الأوسع بين البيوت. حولهما زحام الأهل والأقارب والمعازيم وضجة الزفة. يصعدان إلى المسرح ويجلسان في الكوشة.<br />في الشاشيتن الموضوعتين على جانب المسرح تظهر صورتيهما وسط برواز ألوانه بهيجة على خلفية وردية مكتوب عليها: مبروك للعروسين. في الفيديو الذي سيشاهده العروسان فيما بعد ستكون أغنية فيلم "تيتانيك" الشهيرة لسيلين ديون في الخلفية بدلا من ضجة الزفة. مشهد التوك توك الذي أوصلهما إلى مدخل الحارة ستتبعه صورة مرسومة لسيارة فخمة وضخمة تقف أمام مدخل قصر كقصور ألف ليلة وليلة، من أكبر أبوابه تظهر الصورة الحقيقية للعروسين وهما يصعدان إلى المسرح.<br />"أطيب الفن أكذبه" يقولها أحمد صالح بعناية معتبرها أساس عمله. يجلس صالح، صاحب وحدة فيديو صالح بقرية الجوادية التابعة لمركز طلخا بالدقهلية، على جهاز الميسكر Mixer بجوار المسرح وأمامه الشاشات المتعددة التي يختار من بينها الصورة التي تظهر على شاشتي المسرح. على رأسه السماعات وعلى فمه المايك ليتحدث مع المصورين الثلاثة الذين يتحركون فوق المسرح وبين المعازيم. بين حين وآخر يركب صالح صورا للعروسين أو لوالدي كل منهما على خلفيات ورسومات جاهزة متاحة لديه.<br />يقول أحمد صالح: "كلما كان الأمر أبعد عن الحقيقة وفيه خيال يعجب الناس. مثلا صورة السيارة الفخمة غير المتاحة. وصورة القصر قبل أن يدخلا المسرح المقام في الشارع".<br />افتتح أحمد صالح وحدة الفيديو عام 1986 عندما كان لا يزال طالبا في كلية التربية النوعية. مقر الوحدة في قرية الجوادية ولكنها تنتقل لتصور الأفراح في محيط واسع حولها. يضع بعض مصوري الوحدة لقطات فيديو من بعض الأفراح على يوتيوب على سبيل الدعاية ومعها تليفون الوحدة. اللقطات من الأفراح التي شهدت حضور نجوم شعبيين مثل شعبان عبد الرحيم وعبد الباسط حمودة وغيرهم.<br />يقول أحمد صالح:”طبعا عندما يكون هناك فرقة أفراح مميزة أو نجوم الأغنية الشعبية نركز عليهم وعلى فقراتهم. يحب أهل العروسين أن يوثقوا أنهم كلّفوا الفرح وأتوا بنجوم".<br />يضيف صالح أن العروسين وأهلهما يطلبان الآن أيضا تصوير الشقة وتأثيثها لتضاف إلى مقدمة فيديو الفرح. عادة ما يذهب مصور مع العروسين إلى الشقة بعد خروجهما من الكوافير.<br />يضحك صالح وهو يقول:”هناك أحيانا طلبات غريبة. إذا كان أهل العريس هم من يدفعون يطلبون أحيانا التركيز عليهم والعكس صحيح. وأحيانا يطلب الأهل تصوير الجاموسة أو البقرة التي سيذبحونها لتقديمها إلى المعازيم".<br />يهتف النوبتجي في الفرح بأسماء من حيوا ونقطّوا العروسين. يتابع أحمد صالح على الميكسر ما يحدث ويضع صورة العروسين في لقطة قريبة داخل برواز على خلفية بها ورود ويكتب عليها اسم من حياهم لتظهر الصورة النهائية على شاشات العرض في المسرح.<br />يقول أحمد صالح:”يجب أن يكون الجالس على الميسكر مواكبا لما يحدث ويقال على المسرح. أيضا إذا غنى المطرب مثلا عن زمن الوحوش أضع صورة أسود ونمور. إذا غنى عن بحر الهوى أضع صورة بحر. هذه الأشياء تعجب الناس وتعطي لمسات فنية".<br />يحفظ أحمد صالح عن ظهر قلب الفقرات التي يؤديها المطربين المعتادين في أفراح المنطقة ويكون مستعدا بالصور المناسبة: "زمان كان الجالس على الميسكر يضطر لاستعمال شرائط كثيرة في كل منها خلفية واحدة. لكن الآن هناك كارت هندي يوضع في الجهاز ويوفر خلفيات كثيرة. الهنود أيضا جعلوا هناك قسما خاصا سموه أفراح المصريين. مجهز بخلفيات لأشياء مصرية مثل الأهرامات وأبو الهول والنيل ومكتوب عليها عبارات جاهزة مثل: ألف مبروك للعروسين، خطوبة سعيدة وهكذا".<br />ولكن بخلاف الخلفيات والإطارات الجاهزة، هناك تقليد معتاد يطلبه كل عروسين وهو التصوير فوق كوبري بسنديلة العلوي، الكوبري الوحيد في مجموعة القرى المحيطة بالجوادية. يقف العروسين فوق أعلى نقطة في الكوبري ليبدو من خلفهما امتداد الترعة الصغيرة التي يسميها أهل المنطقة "بحر بسنديلة".<br />يحاسب أحمد صالح مصوريه على اللقطات المميزة الضرورية لشريط الفيديو، التي منها المشاهد القريبة للعروسين، فستان العروس وتفاصيله وذهبها، صور أهالي العروسين، المعازيم المهمين من الوجهاء والمسئولين.<br />يقول أحمد صالح:"بخلاف الأفكار التقليدية التي ترضي العلائلات، الشباب يتابعون الأفكار الجديدة ويجب أن نواكب ذلك. الآن يطلبون تصوير كليب يعرض قبل الفرح على شاشة العرض ويكون ذكرى لطيفة".<br />قبل الزفاف بأيام على شاطيء جمصة، يقف أحمد صالح ومصور مع عروسين في كامل هندامهما يقومان بتمثيل بعض المشاهد اللطيفة التي تبدو رومانسية ومرحة. قد يحاول استعمال بعض الخدع. يوقف التسجيل ويثبت الكاميرا ليتحرك العريس خارجا من الكادر ثم يعيد التسجيل لكي يبدو ذلك في الفيديو فيما بعد اختفاء مفاجئا للعريس. تبحث العروس عنه حتى تجده مع ذورة الموسيقى الرومانسية أو الشعبية الفرحة.<br />يبدو أن فكرة الكليب الذي يصور قصة تحكي كيفية لقاء العروسين أو تصور مشاهد من علاقتهما انتقلت من تقاليد الطبقات الوسطى فما فوقها إلى الطبقات الشعبية والريفية.<br /><br />في دكان صغير بالجوادية يجلس أحمد صالح أمام الكمبيوتر الذي يتم به عملية المونتاج:"في المونتاج نداري أي عيوب في الصوت والصورة. نصنع سيناريو لفقرات اليوم المتتالية. نراعي طلبات الزبون لو له طلبات". يضحك قائلا أن العريس أحيانا ما يكون طلبه هو حذف صورة واحد من المعازيم لأنه يكرهه ولا يريد أن يراه في شريط الفرح.<br />أحيانا ما تكون مهمة صالح هي حذف بعض الكلمات أو الحركات "البذيئة" من راقصة أو مطرب لكي لا تضايق أهل العروسين عند مشاهدة الفيديو.<br />خلف ظهر صالح تبدو على الأرفف العديد من شرائط الفيديو التي تراكم عليها تراب:"لا زال الناس يطلبون شرائط فيديو والقليل يطلب اسطوانات CD والبعض بدأ يطلب مؤخرا تحويل الفيديو إلى صيغة تسمح بمشاهدته على الموبايل. ولكن هذا في حالة أنه دفع لنا أجرنا !".<br />يشير صالح إلى الأرفف خلفه ويقول أن النصف الأيسر منها- الذي يحوي قرابة م ائة شريط- هي شرائط أفراح لم يسدد أصحابها أجر التصوير ولم يأتوا للحصول على الشريط! يتعجب صالح قائلا أن أجرهم يبدأ من 70 جنيه إذا كان الفرح "على القد" ونصوره بكاميرا واحدة، وقد ترتفع التكلفة إلى 2000 جنيه في الأفراح الحاشدة مع أكثر من مصور وتجهيزات مسرح وليزر، ويضيف أنه قد يعطي الشريط للبعض إذا دفع فقط تكلفة الشريط الفارغ، ويعتبر ذلك "جميلا" في رقبة العائلة التي ينتمي إليها العريس. بعض العائلات تأخذ شريط الفيديو وتطلب منه الانتظار حتى يتم تقسيم "النقوط" لكي تعطيه أجره، البعض يقولون ذلك ولا يدفعون أبدا. يبتسم أحمد صالح :" لا مشكلة. بعض الأفراح تعوض بعضها".<br /><hr /><br /><b><span class="Apple-style-span" style="font-size:x-large;">المرح أكثر فخامة </span></b><br /><br />ينفتح باب القاعة الفخمة، فيدخل العروسان وهما يهرولان على موسيقى سريعة مرحة. العروس ترتدي فستانا بسيطا يسمح لها بذلك. يدخلان إلى وسط القاعة وحدهما ليؤديا الرقصة الأولى معا. لم تكن كما هي العادة هادئة على موسيقى حالمة، بل تابعت نفس الموسيقى السريعة المرحة.<br />الكاميرات تدور معهما، تقترب لتلتقط فرحتهما وتبتعد لتظهر في خلفيتهما جمال وأناقة القاعة ودائرة المعازيم.<br />إيقاع الفيديو سريع ومتتابع وينتقل سريعا لينقل ثوان من معظم فقرات، المونتير محمد عبد الظاهر في شركة "ديجيتال فيجن" Digital Vision يشرح: "نقوم دائما بعمل فيديو قصير ( ديمو Demo ) يلخص الفرح، لأن العروسين لن يعرضا على أصحابهما وأقاربهما الفيديو الكامل لحفل الزفاف والذي قد يكون 6 ساعات مثلا".<br />تسود روح المرح الفيديو القصير على أغان أجنبية وعربية سريعة، وصورته عالية الجودة HD يقول طارق البدري، المدير العام للاستديو: "نحن نتعامل مع شريحة معينة لديها تصور معين عن الجودة وتوقع لتكلفة ذلك. بالإضافة للأفكار الجديدة دائما التي يجب أن نواكبها بالتكنولوجيا الحديثة".<br />في المقر الفخم ذي الواجهة الفضية في مدينة نصر يستقبل موظفو التسويق والمبيعات العملاء للتعرف على طلباتهم وإذا كانت هناك طلبات تفصيلية تخص فيديو الفرح فإنهم يتلقون مع هاني شانة، مدير التصوير بالاستديو الذي يحاول التعرف على أفكارهم وتطويرها معهم: “دائما يريد العميل أن يظهر كل شيء وكل تفصيلة. ولذلك من المهم جدا لفريق التصوير أن يعرف بدقة برنامج الفرح ومواعيد كل فقرة وحركة لكي يمكنه التقاطها بالشكل المناسب".<br />فريق العمل في الفرح يتكون من مخرج ومساعد مخرج، يكونان عادة أمام شاشات جهاز الميكسر Mixer لتوجيه المصورين ومساعديهم وعمل المونتاج الحي لما سيظهر عل شاشات العرض في القاعة.<br />يكمل هاني شانة:"تصوير تجهيزات القاعة واستعدادات العروسين في البيت أو الكوافير مهمة جدا لعرضها في بداية حفل الزفاف. يحب الناس أن يروا ما وراء المظهر الجميل والفخم والتفاصيل الجميلة من عناية وتعب".<br />إظهار التفاصيل والعناية بها لا يجب أن يكون بشكل فج وكأنه يريد إثبات يسر الحال، ففي رأي طارق البدري أن تركيز التصوير على بعض الأشياء وأنواع الطعام قد يكون مناسبا لفئات متوسطة تريد أن توحي بالثراء، بينما الفئات الثرية بالفعل لا تحتاج لذلك فيكفي المشهد العام للمكان أو للناس ليقول ذلك وحده.<br />بالنسبة للفئة التي يتحدث عنها طارق البدري فتفكير العملاء يكون موجها معظمه للظهور بشكل مرح ومبتكر. ويلبي الاستديو ذلك باللجوء لأفكار من نوع تصميم بوستر يجمع العروسين يشبه بوستر الأفلام ويوضع على مدخل القاعة أو مكان الزفاف، بالإضافة لطباعة مجلة فيها تفاصيل عن علاقة العروسين وشخصيتهما، ويتم توزيعها على المعازيم.<br />هناك إقبال أيضا على تصوير كليب مرح يعرض للعروسين يصور قصة لقائهما الحقيقية أو المتخيلة.<br />فريق تصوير من ستديو "ديجيتال فيجن" كان في إحدى المدن الجديدة يصور فيديو كليب لعروسين قبل الزفاف بأيام. ورغم الخلفية التي تبدو فيها الفيلات الفاخرة، فإن العروس تخرج بجلباب بلدي مقلم وعلى رأسها منديل مطرز. تسير بدلال على موسيقى أغنية "إيه الأساتوك ده" لحمدي باتشان. يظهر شاب ذو جسم رياضي ويبدأ في مضايقتها لفترة، حتى يأتي ساعي بريد على دراجة ويقف بجوارهما ويشتبك مع الشاب الرياضي ويغلبه رغم الفارق الواضح في الحجم. ساعي البريد، الذي نعرف الآن أنه العريس، ينفض ملابسه ويأتي بدراجته ويمشي بجانب العروس ويتبادلان الحديث الودي. ينتقلان إلى حديقة إحدى الفيلات والعريس يغازل عروسه التي تتدلل فحسب هذه المرة وحمدي باتشان يغني: "كلّمني .. فهّمني".<br />يضيف طارق البدري:"أيضا يجب أن نكون على استعداد لتلبية الرغبات في إقامة الزفاف في أماكن وأوقات غير تقليدية. هناك اتجاه كبير الآن للزفاف النهاري. والزفة دائما غير تقليدية". بالإضافة لذلك قد يضطر لمحاولة تلبية طلبات وأفكار بالغة الغرابة وقد تكون صعبة.<br />يبتسم طارق وهو يتذكر أن عروسا طلبت أن يتم تصويرها مع أسد حقيقي في المسرح الروماني في مارينا ويضيف:"يجب أن ألبي كل طلبات العملاء أو على الأقل أبدأ في ذلك وأحاول النقاش معهم لتطويرها أو تعديلها بشكل يبدو لي جيدا كمحترف ومرضٍ لهم كعملاء".<br />في الكثير من أفراح الفئات المتعاملة مع الاستديو يكون هناك مسئولون أو شخصيات عامة بارزة، وأحيانا تكون هناك تعليمات بشأن التعامل مع صورتهم بشكل لائق. أيضا النجوم ومشاهير الفنانين يحرصون عل التنسيق مع مخرج الفرح. يقول طارق البدري:"المطربون يحرصون أكثر على جودة الصوت والتأكد من خروج أصواتهم بشكل ملائم في فيديو الفرح، والممثلون يهتمون أكثر بوضعهم أمام الكاميرا وصورتهم في كل لحظة".</span><div><span class="fullpost"><br /><hr /><a href="http://www.scribd.com/doc/30669508/%D9%84%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D8%AD%D8%AF%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AC%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D9%85%D8%B1%D9%88-%D8%B9%D8%B2%D8%AA">نشر في "الشروق" الأربعاء 28 إبريل 2010<br />PDF<br />تصوير: محمد حسن<br /></a><br /></span></div><div></div>عمرو عزتhttp://www.blogger.com/profile/08927951113123256622noreply@blogger.com1tag:blogger.com,1999:blog-5559439168559928821.post-29259795300694210892010-04-15T15:19:00.000-07:002010-04-16T08:17:03.805-07:00الأخوات المسلمات .. ظل الجماعة<a onblur="try {parent.deselectBloggerImageGracefully();} catch(e) {}" href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEgeHxXJJBNLSQq-fo3eLrucQua7vQeFyl-GClU8F5QpFqsy5t_mS3AzG7hwUsV_OGEwHJK810AoOT86kIbhsl598LlPDFK4OofWXol4a_DDSJUfCVfPZjJUSMTmL9JGjvjKgyvqEcd7lo8/s1600/MB+women.JPG"><img style="cursor:pointer; cursor:hand;width: 400px; height: 215px;" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEgeHxXJJBNLSQq-fo3eLrucQua7vQeFyl-GClU8F5QpFqsy5t_mS3AzG7hwUsV_OGEwHJK810AoOT86kIbhsl598LlPDFK4OofWXol4a_DDSJUfCVfPZjJUSMTmL9JGjvjKgyvqEcd7lo8/s400/MB+women.JPG" border="0" alt="" id="BLOGGER_PHOTO_ID_5460496171765330562" /></a><br /><div style="text-align: justify;"><b>رغم قلة الوجوه النسائية عموما في الأوساط السياسية، إلا أن جماعة الإخوان لديها قسم ضخم من الكوادر النسائية وزوجات الإخوة وبناتهم. وباستثناء التظاهرات الحاشدة فهن في العادة بعيدا عن دائرة الضوء إلا من محاولات قليلة وراءها تململ بعض الأخوات وارتفاع أصواتهن بالشكوى.</b></div><br /><span class="fullpost"><span class="Apple-style-span" style="font-size:x-large;">من حماسة السبعينات إلى تململ الألفية</span><br /><br />أثناء دراستها للطب في جامعة القاهرة منتصف السبعينات، كانت "الجماعات الإسلامية" في أوج ازدهارها. تحكي أم عبد الرحمن عن ذكرياتها آنذاك: المعسكرات التي حاضرهم فيها محمد الغزالي وزينب الغزالي والنشاط الكبير لكوادر جيل السبعينات في الإخوان، دراسة كتب سيد قطب وأبو الأعلى المودودي عن الدولة الإسلامية.<br />تقول أم عبد الرحمن:”كانت الطالبات يرجعن إلى بيوتهن بعد انتهاء أوقات المحاضرات في المعسكرات بينما يبيت الطلبة". تقول أنه في ذلك الوقت كان الكل يعمل تحت مسمى "الجماعات الإسلامية" في الجامعة. والطالبات كانوا أبعد عن التمايزات التنظيمية. زوجها الذي كان أيضا طالبا للطب في نفس الفترة قال لها في الثمانينات أنه من الإخوان. تضحك وهي تقول:”كان وقتا عصيبا. والقيادات وقتها لم يكونوا يثقون بالنساء".<br />انتقلت مع زوجها إلى باكستان للعمل في الأغاثة الإسلامية وقت حرب أفغانستان ثم إلى إحدى دول الخليج ومن ساعتها والأسرة تعيش بين الخليج والقاهرة.<br />تقول: "في حلقات النساء في باكستان لم يكن الجانب التنظيمي واضحا عند النساء. كان الانتماء أقرب للإسلامي العام. ولم تكون هناك مسئولات حتى على حلقات النساء. لأن كثيرين كانوا يعتقدون أنه لا تجوز أن تكون المرأة أميرة أو قائدة ولو على نساء. في الدولة الخليجية ثم في مصر كانت هناك حلقات الأخوات التابعة للإخوان المسلمين. وأصبحت مشرفة على حلقة منهم لأنني زوجة قيادي".<br />كان ذلك في أوائل التسعينات، بدأت أم عبد الرحمن الإشراف على بعض الأخوات تربية وتثقيفا عبر كتاب "رياض الجنة" المتعدد الأجزاء للمستويات المختلفة، وهو البرنامج المعتمد في الجماعة لحلقات الأخوات.<br />تقول أم عبد الرحمن أن "رياض الجنة" يحوي أساسيات العقائد والأخلاقيات الإسلامية والأحكام الفقهية والسيرة وغيرها، بالإضافة لجانب تطبيقي تربوي. ترى أم عبد الرحمن أن "رياض الجنة" لا يمثل إلا حدا أدنى من الثقافة الإسلامية. بعض حلقات النساء تكتفي به والبعض تزيد عليه بحسب شخصية المشرفة. وتنتقد فيه الجزء التطبيقي التربوي الذي يكون على شكل تقارير تملأ عن الحالة الإيمانية والأخلاقية لكل أخت:”هناك ِأشياء قلبية وأخلاقية لا يمكن اختزالها بهذا الشكل".<br />أثناء تجربة إشرافها على حلقة نساء، بدأت تتململ من إشراف الرجال على المشرفات، بل وإحساس الأزواج والآباء أنهم فوق المشرفة على نسائهم وبناتهم:”بعض الأزواج والآباء كان يسأل الزوجة والبنت عما درسته في الحلقة وبيدي اعتراضه على ما لا يعجبه من آراء".<br />زاد الأمر عندما كانت أم عبد الرحمن أوغيرها تنتقدن بعض تفاصيل التنظيم، فكانت تواجههم كليشيهات "ضرورة السمع والطاعة"، كما أنها حاولت تطوير خطابها في 2005 وقت خوض الإخوان للانتخابات البرلمانية الأخيرة بالتأكيد على الطابع الوسطي المنفتح للجماعة، فواجهت انتقاد بعض المسئولين في الجماعة :”دائما التنظيميون أكثر تشددا من الباحثين والأكاديميين ومفكري الجماعة".<br />بدأت أم عبد الرحمن تضيق أحيانا بالجانب التنظيمي الذي رأته أقرب للميل العسكري منه لجماعة مدنية، كما أن أعباء الإشراف على حلقة نساء بما فيه من فصل في منازعات وحل لمشاكل اجتماعية بدأ يرهقها فاعتذرت عن ذلك وابتعدت عن حلقات النساء نهائيا.<br />لاحظت أم عبد الرحمن تحولا في التعامل مع "الميل السلفي" عبر مسيرتها. ففي الثمانينات اهتم الإخوان بالتمايز عن الجماعات العنيفة ذات الطابع السلفي وكانوا لا يحبذون النقاب ويؤكدون على ضرورة كون الداعية تقدم واجهة مشرفة للإسلام الوسطي وتتواصل بكفاءة مع الجمهور. ولكن فيما بعد لاحظت أن سطوة الفضائيات السلفية تلقي بظلالها على اختيارات النساء عموما ونساء الإخوان أيضا فانتشر النقاب بينهم بعض الشيء. غيّرت أم عبد الرحمن مع الوقت بعض أفكارها عن النقاب – الذي ارتدته في الجامعة لا زالت ترتديه بحكم التعود- وأيضا التعامل مع الفنون والاختلاط مع الجنس الآخر ولكنها تلمس تراجعا في الميل الوسطي بين قطاعات مختلفة داخل الإخوان وإن كان ذلك متفاوتا بحسب المستوى الاجتماعي والثقافي داخل الجماعة الكبيرة.<br />ما زالت أم عبد الرحمن تقدر أهمية حلقات النساء في جانبها الاجتماعي بين نساء الجماعة: “في المدن بالذات تشكل تلك الحلقات مجتمعا للتواصل والتكافل لا يمكن الاستغناء عنه عند الغالبية. في الريف من الصعب أصلا أن تخترق حلقات النساء الروابط القريبة للعائلات ولذلك هي ليست منتشرة هناك".<br />تقول أن ابنتها الكبرى لا تزال تقدر أهمية الحلقات في جانبها الاجتماعي وإن كانت أكثر استقلاية فكريا، في حين أن ابنتها الصغرى تململت من أن هذه الحلقات تجعلها دائما داخل مجتمع الإخوان بينما تريد هي أن تصادق وتعرف أناسا آخرين "عاديين". تضيف: “ربيت أبنائي على الانفتاح على الآخر عموما ولهم أصدقاء ليسوا إخوان. ولكن الأطفال والشباب ينفرون بطبعهم من تلك الأشياء النظامية الأقرب للمدرسة".<br />لبنى، الابنة الكبرى، باحثة في العلوم السياسية وتعمل صحفية في موقع إسلامي، تخرجت مؤخرا من كلية الإعلام. تحكي أنها ظلت فترة طويلة بعيدة عن حلقات الأخوات وأي نشاط لهن. عملها في الموقع الإسلامي في وسط مثقف أكثر كما تقول كان مشبعا لها عن أجواء الحلقات التي لا جديد فيها فكريا وتثقيفيا. تبتسم لبنى وهي تقول "أحيانا كنت أنقطع وأعود فأجدهم يدرسن نفس الجزء من رياض الجنة لأن عضوات جديدات أتين. أفكر أن ما دعاني للعودة إلى الحلقات هو الجانب الروحاني والإيماني أكثر” تقول لبنى " البنات لا يذهبن للمساجد عادة. ولذلك قد نفتقد بعض الروحانيات التي لا يمكن الحفاظ عليها إلا بين جماعة ما". تضيف أيضا أن الجانب الاجتماعي مهم جدا إذا كنت قد نشأت في أسرة إخوانية: “ساعتها يكون لديك مجتمع قريب وباقي الناس يظلون لفترة طويلة "ناس عاديين" أو آخرين. عندما تنفصل عن الحلقات والأنشطة تنفصل عن هذا المجتمع القريب. عندما عدت اكتشفت أن بعضهن تزوجن وبعضهن أنجبت وغير ذلك".<br />تتذكر لبنى أيضا أن أحد أسباب انقطاعها عن حلقات الأخوات التي تعرف في الأدبيات الإخوانية بـ"الأسرة" هو أن معظم الحلقات صباحية لأن الأخوات المسئولات لا يستطعن في الغالب الإشراف على حلقة مسائية لكي يتمكنّّ من رعاية أزواجهن وأسرهن. ولذلك قد تجد الأخوات العاملات صعوبة في العثور على حلقة مسائية.<br />تلعب الحلقات أيضا دورا مهما بالنسبة للفتيات فهي أساس ترشيحات الزواج وسط المجتمع الإخواني الذي لا تتاح فيه فرصة للاختلاط بين الشباب والفتيات.<br />تقول لبنى: “لا توجد أنشطة مشتركة اللهم إلا المحاضرات العامة في جمعية أو مركز ويجلس الرجال في جانب والنساء في جانب" تبتسم وهي تضيف: “حتى في الجامعة كنا نتعامل مع زملائنا الذكور من غير الأخوان بينما كان هناك بعض الحرج والحساسية من الزملاء الإخوان رغم أنهم أقرب إلينا فكريا. في كلية الإعلام كانت الإخوات أكثر عددا من الإخوة. ولم نتعرف على الشباب الإخوان في دفعتنا إلا عندما في نهاية العام الدراسي الأخير عندما انضموا إلينا في مشروع التخرج".<br />تلاحظ لبنى على خلاف ما يقال أن هناك تململ من الطابع المحافظ للإخوان بين بناتهم. وترى أنهم أبعد عن الميل السلفي:"في الحلقة التي كنت أحضرها كانت هناك مجموعة من البنات المتمردات اللاتي كن يناقشن كل شيء ابتداء من ضوابط الزي إلى ضرورة حضور بعض اللقاءات التنظيمية".<br />وتحكي أيضا أن مجموعة قريبة منها في الجامعة كانت تضم أربعة صديقات يسكنّ في شبرا الخيمة: "التقيتهن من فترة قريبة. ثلاث منهن ارتدين النقاب وواحدة فقط ظلت بحجابها العادي الملتزم. الأخيرة فقط هي الإخوانية المنظمة. والثلاثة ملتزمات بشكل حر". تضيف أن الأخوات اللاتي يتلقين مناهج فكرية وتربوية فيها رغم كل شيء إطلاع على مدراس فقهية وفكرية متنوعة يكن أبعد عن السلفية التي تضيّق الخيارات. وترى أن الميل السلفي بين النساء يزداد بالفعل لكنه أقل كثيرا بين نساء الإخوان المنظمات وبين أجيالهن الجديدة المفتحة على وسائل الاتصالات الحديثة.<br /><br /><hr /><br /><span class="Apple-style-span" style="font-size:x-large;">بعيدا عن الواجهة ولكن ليس على الهامش</span><br /><br />"والدي الكريم، أنا باقية ان شاء الله في هذه الدعوة شاء من شاء وأبي من أبي، وأسأل الله الثبات حتي الممات ، ولكن هناك سيدي بعض الاشياء والمشاكل التي بح صوتنا من الحديث عنها ورفع الشكوي بها ولم نري استجابة او تفاعلا معها" هكذا افتتحت د. رشا أحمد، المدرس بكلية الطب مقالها أو رسالتها التي وجهتها للمرشد العام للإخوان. نشر المقال قبل أكثر من عامين على مدونة "أمواج في بحر التغيير" بعنوان "موجة نسائية"، وتضمن عرضا لأهم لشكاوى الأخوات داخل الإخوان المسلمين.<br />تتركز شكاوى د. رشا على ضعف الجانب الفكري والتثقيفي فيما يخص متغيرات العالم والسياسة. بالإضافة إلى عدم توظيف النساء في مواقع دعوية وتنظيمية كثيرة، فضلا عن حرمانهن من حق التصويت في الانتخابات الداخلية للجماعة.<br />رغم أنها تصف نفسها بـ"المعارضة" داخل الجماعة، إلا أن د. عبير عبد المنعم، الأستاذة الجامعية بإحدى جامعات الصعيد والناشطة في المجتمع المدني، تدافع بشدة عن وضع الأخوات داخل الجماعة وفي الوقت نفسه لا تنكر وجود مشكلات.<br />“البرامج التربوية فعلا غير مرضية" تقول د.عبير " ولكن هناك تطوير دائم لها، ليس على الوجه المأمول ولكنها في النهاية حد أدنى يمكن للأخوات أن يزدن عليه بأنفسهم".<br />وفي حين ترى زهراء النجار، الطالبة بجامعة الأزهر والمدوِّنة والناشطة الإخوانية، أن القصور هو في الجانب الفكري العام المواكب للمتغيرات، ترى د.عبير أن الجانب الفكري مفتوح ومتنوع وأن برامج التربية تضع أساسيات المنهج الإسلامي وتترك ما هو متغير للاجتهاد، وتقول :”كان جيلي يرجع لأمهات الكتب الشرعية. ولكن الأجيال الجديدة تجد صعوبة في ذلك وهذه البرامج تحاول تبسيط أوليات العلوم الشرعية".<br />ولكن المشكلة من وجهة نظر د.عبير والتي تطالب بتغييرها أن من يكتبون هذه المناهج كلهم رجال: “هناك لهجة ذكورية واضحة. لا تتفهم طبيعة المرأة. ولذلك هناك نقص في جوانب قد تهم النساء أكثر مثل كيفية التعامل مع المشكلات الزوجية مثلا".<br />ولكن كلا من د.عبير وزهراء ينكران أن ذلك يؤثر على دور النساء أو يهمشهن. بل تريان أن مشاركة النساء في الإخوان موجودة وفاعلة ولكن يحدها من جانب القمع الأمني الذي يدفع النساء للتراجع خطوات وراء الرجال أو هي ثقافة المجتمع المفروضة على الجميع والتي تجعل للمراة في أوساط كثيرة أدوارا مختلفة عن أدوار الرجل.<br />ترد د.عبير عبد المنعم على طلب بعض النساء حق الوجود في مكتب الإرشاد مثلا: “هانطلع نعمل إيه فوق؟! الجري وراء شعارات تحرير المرأة سيضيعنا. لماذا يجب أن نتذمر من قيادة الرجال؟ أنا رئيسي في الجامعة رجل، هل يجب أن أتذمر؟ مشرف قسم الأخوات ينقل كل مطالبنا وملاحظاتنا وصوتنا يصل لأعلى مستوى. وأنا أتحدثى مباشرة مع المرشد العام بلا حرج". في المقابل ترى أنه لا تتحمل أعباء عمل إداري تنظيمي في قيادة الجماعة إلا أرملة أومطلقة، بسبب تبعات الوقت والسفر. بالإضافة أنه في رأيها لا يتحمل أي مصري اعتقال زوجته أوابنته.<br />تختلف معها لبنى عبد الحميد، الباحثة والصحفية ذات الانتماء الإخواني، وتقول أن التاريخ الإسلامي شهد عذابات نساء بسبب تصدرهن للدعوة، ولكنها تتفق مع الرأي القائل أن النساء الإخوانيات لسن على الهامش بلا نشاط ولكنهن فقط بعيدا عن الواجهة وعن تبعات الظهور.<br />ترى زهراء النجار أن ترشح جيهان الحلفاوي ومكارم الديري في الانتخابات البرلمانية كمرشحات للإخوان كان بداية جيدة لبروز رموز نسائية في ساحة السياسة، ولكن د.عبير ترى غير ذلك: “كانت تجارب فاشلة جدا أشك أن كلاهما ترغب في تكرارها. الظروف كانت استثنائية. جيهان الحلفاوي كانت جدة وأعبائها قليلة. بيوت الإخوان تديرها الأخوات، لأن الأخ بين عمله ومهام دعوته أو يكون معتقلا. لا يجب أن ننقاد وراء الغرب بلا تفكير، نحن هنا لدينا أسر وأعباء تربوية يجب أن نقوم بها".<br /><br /><hr /><br /><span class="Apple-style-span" style="font-size:x-large;">الأخ رئيس قسم الأخوات</span><br /><br />في إبريل 1932 صدرت لائحة تنظيم "فرقة الأخوات المسلمات" في جمعية الإخوان المسلمين التي تأسست في الإسماعيلية آنذاك. وذلك بعد ازدهاء مدرسة "أمهات المؤمنين" الملحقة بمعهد حراء الإسلامي التابع للجمعية. وبحسب الموقع الرسمي للجماعة، فإن الغرض من الفرقة "التمسك بالآداب الإسلامية والدعوة إلى الفضيلة وبيان أضرار الخرافات الشائعة بين المسلمات"، و" رئيس الفرقة هو المرشد العام لجمعيات الإخوان المسلمين، وتتصل بأعضائها وكيلة عنه تكون صلة بينهن وبينه".<br />وبعد انتقال إدارة جماعة الإخوان المسلمين إلى القاهرة تكونت فرقة الأخوات المسلمات بالقاهرة، واختيرت السيدة لبيبة أحمد رئيسة لها، ولفرق الأخوات بكل من الإسماعيلية وبور سعيد.<br />كانت لبيبة أحمد من الناشطات مع هدى شعراوي ونبوية موسى إبان ثورة 1919. ولكن بعد تأسيس شعراوي للاتحاد النسائي في 1923، الذي رأته لبيبة أقرب للأفكار الأوروبية، قامت هي بتأسيس "جمعية نهضة السيدات المسلمات" ذات الطابع الإسلامي. وبعد اضطرار لبيبة أحمد للانتقال إلى المملكة السعودية تأسست في 1944 لجنة إرشاد للأخوات المسلمات رأستها السيدة آمال عشماوي.<br />زادت لجان النساء بالإخوان المسلمين حتى وصل عددها 50 لجنة في 1948 ثم 150 لجنة في 1951. ومع تزايد حجم الجماعة تم تعديل اللائحة ليسند الإشراف على قسم الأخوات للمرشد العام رأسًا، وله أن ينتدب من الإخوان العاملين سكرتير اتصال لتنظيم الأعمال الإدارية بالقسم ويتصل السكرتير بالأخوات في شُعب الجماعة. ولا يزال قسم الأخوات حتى الآن يرأسه أخ مشرف من أعضاء مكتب الإرشاد يتولي الاتصال بالأخوات.<br />من مشاهير الأخوات المسلمات الداعية زينب الغزالي، التي رفضت في البداية الانضمام إلى الأخوان بعد تأسيسها جمعية "السيدات المسلمات" عام 1937، ولكنها انضمت للجماعة عام 1948 بعد صدور قرار بحلها. تعاطفت في مع حركة يوليو 1952 في بداياتها ولكن توترت العلاقة بعد قمع الإخوان ومحاكماتهم، وتروى في مذكراتها أنها رفضت لقاء جمال عبد الناصر، ورفضت محاولة ضمها وجمعيتها ومجلتها إلى الاتحاد لاشتراكي، فصدر قرار بحل الجمعية وإيقاف المجلة في 1964. وتم اعتقالها في 1965.<br /><br /><hr /><br /><a href="http://www.scribd.com/doc/30025397/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D8%B8%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%B9%D9%85%D8%B1%D9%88-%D8%B9%D8%B2%D8%AA">نشر في "الشروق" الخميس 15 إبريل 2010<br />PDF</a><br /></span>عمرو عزتhttp://www.blogger.com/profile/08927951113123256622noreply@blogger.com93tag:blogger.com,1999:blog-5559439168559928821.post-51951564894307387812010-04-13T04:49:00.000-07:002010-04-13T10:52:38.850-07:00أحلام الدرجة الثالثة<div><span class="Apple-style-span" style="font-size:large;">ماذا ستفعل اللائحة الحديثة في مراكز الشباب العتيقة؟</span></div><a onblur="try {parent.deselectBloggerImageGracefully();} catch(e) {}" href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhKIOsn67s6ipXBKkFQaYGcMb2brAY50VGQ3wczB1J5lYTccDEKu5G1Ezqg15zelZ2q58-yPn4XohL3BVg4RcNej2GKtQgaLy2z2jPUGY77sGlLp8o_2LbtGlsN6682_zun_32Fs0EDUUE/s1600/marakez.JPG"><img style="cursor:pointer; cursor:hand;width: 400px; height: 254px;" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhKIOsn67s6ipXBKkFQaYGcMb2brAY50VGQ3wczB1J5lYTccDEKu5G1Ezqg15zelZ2q58-yPn4XohL3BVg4RcNej2GKtQgaLy2z2jPUGY77sGlLp8o_2LbtGlsN6682_zun_32Fs0EDUUE/s400/marakez.JPG" border="0" alt="" id="BLOGGER_PHOTO_ID_5459592897430167410" /></a><br /><br /><br /><div style="text-align: justify;"><b>منذ صدور اللائحة الجديدة لتنظيم مراكز الشباب نهاية العام الماضي، لا تزال بعض المراكز تنتظر بقلق توضيحات وتفسيرات بشأن ما قد يؤثر على فرصة ملايين الشباب في التمتع بمساحة رخيصة لممارسة الأنشطة.<br /><br /><br /></b></div><span class="fullpost">انتهت المباراة بين فريقي "مركز شباب البدرشين" ونادي "عادل نصّار" بهدف لكل منهما. الجمهور القليل الذي أحاط بالملعب في مركز شباب مدينة البدرشين كان أكثر ابتهاجا بنهاية المبارة. أول ما خرج الفريقين من الملعب الذي تبدو به بعض آثار لنجيلة قديمة، حتى احتله الشباب والكهول وقسموه أجزاء إلى ملاعب صغيرة وجرت في الملعب كرات كثيرة.<br />يحتل ملعب كرة القدم معظم مساحة مركز شباب البدرشين، والمساحة الترابية حوله احلتها منذ ساعات من سبقوا إلى المركز بعد صلاة الجمعة مباشرة.<br />يضحك خالد البغدادي، مدير المركز:"قريبا سيدخلون إلى مكتبي ويحولونه لملعب كرة". لا ينتهي من جملته حتى يدخل كهل بدون استئذان وبعشم كبير يمازح البغدادي: "مش عيب ما نلاقيش كرة نلعب بها؟!" ويطلب كرة حالا ليبدأوا المباراة. يبادله البغدادي المزاح بود ثم يقول له أن كرة ستكون عنده حالا. بعدما يخرج يقول: "المدينة كلها عائلات وكلنا نعرف بعضنا. والأستاذ من قدامى المترددين على النادي مع مجموعة خاصة يلعبون معا دائما، حتى أن لهم مكانا محددا للعبهم يوم الجمعة يعرفه الجميع".<br /><br />يمتليء المركز بالنشاط كل جمعة، باعة ترمس وعصائر يدخلون إلى المركز ليببعوا للشباب والأطفال الذين ينتظرون مكانا ليبدأوا اللعب.<br />يعلق محمد المتناوي، العضو الشاب في مجلس إدارة المركز: "المركز مفتوح للجميع، لا أحد على البوابة المفتوحة يسأل عن العضوية ولا توجد تذاكر. مستوى المعيشة هنا لا يسمح بذلك. اشتراك العضوية كان 3 جنيهات في السنة ورغم ذلك لا يمكن أن نسأل الأطفال والشباب عن العضوية ونحرمهم من اللعب. المشكلة التي تواجهنا الآن أن اللائحة الجديدة لتنظيم مراكز الشباب ستجبرنا على جعل اشتراك العضوية 100 جنيه للعضو العامل فوق 18 سنة و50 جنيه للعضو التابع. لا أحد سيدفع طبعا. وسنفقد المورد القليل الذي يوفره دفع المئات من الأعضاء للاشتراكات قبل انتخابات مجلس إدارة المركز لكي يتمكنوا من الترشح والانتخاب".<br />اللائحة التي صدرت في نوفمبر الماضي، لا تزال تثير الجدل والقلق، ومجالس إدارات العديد من المراكز، خاصة تلك العتيقة في المدن الصغيرة والقرى لا يزالون يتساءلون عن توضيحات وتفسيرات عن العديد من بنودها التي يرونها معوقة لتطوير المراكز وإمكاناتها المتواضعة، التي لا تزال رغم كل شيء تقدم خدمات يحتاجها العديد من الشباب.<br />فبخلاف الملعب والممرات التي تستخدم كلها في لعب كرة القدم. يضم مركز شباب البدرشين مبنى للإدارة هو الأحسن إنشاءا وتأثيثا. ومبنى متهالكا يضم صالة خلع ملابس مشتركة لكل الفرق، وصالة للندوات أو المعارض وأحيانا لتدريب فريق الكاراتيه والكونغ فو، بالإضافة لحمامات تم تجديدها مؤخرا لكنها غير مفتوحة لاستعمال الجميع من أجل الحفاظ عليها. ومبنى قديم لصالة جيمينزيوم ورفع أثقال ينتظر التجديد. ثم مبنى يضم قاعة يطلع فيها الأعضاء على محتويات مكتبة المركز وتقام فيها دورات الكمبيوتر. في القاعة الأخيرة مجموعة من أجهزة الكمبيوتر العتيقة التي لا يمكنها تشغيل البرامج الحديثة التي تدرّس في الدورات. يقول محمد المتناوي: "لدينا جهاز واحد صالح للاستخدام يشرح عليه المحاضر ثم يتناوب عليه الدارسون. هنا تواجهنا مشكلة أخرى خاصة باللائحة الجديدة. إمكانيات المركز محدودة والقيود على التبرعات تشترط موافقة الجهة المركزية في مديرية الشباب بالمحافظة وفي وزارة الشباب. وهذه الموافقة تأخذ وقتا داخل المكاتب الحكومية كالعادة. نعرف أن هدفها هو التأكد الأمني من مصدر التبرعات لكي لا تستخدم كرشوة انتخابية أو فساد، ولكنها تكرس المركزية بدلا من أن تحدد ضوابط لمجلس الإدارة وتحاسبه. ما يحدث أن المبترعين يملون ويذهبون بهباتهم إلى المساجد أو الجمعيات ويريحون أنفسهم".<br /><br />يفتح خالد البغدادي الموازنة التي كان قد أعدها لموسم 2009/ 2010. والتي تبلغ قيمتها 130 ألف جنيه. إعانة وزارة الشباب السنوية لا تزيد عن 12 ألف جنيه، وإيرادات المركز من الأنشطة والخدمات لا تزيد عن 60 ألف جنيه. وباقي الموازنة تحتاج لإعانة اتحاد الكرة التي تتراوح من 60 ألف جنيه إلى 80 ألف جنيه. والتي تحتاج إلى بقاء الفريق الأول لكرة القدم في المركز في دوري الدرجة الثالثة.<br /><br />يعلق البغدادي: "لذلك ننفق كثيرا على فريق الكرة. لأنه في الحقيقة أهم موارد المركز، فبالإضافة لإعانة اتحاد الكرة هناك دخل من بيع اللاعبين، قد يوفر بيع لاعب واحد للنادي 100 ألف جنيه . وهو ما يعني تغطية ميزانية المركز وإتاحة الفرصة للتجديدات والتحديث".<br /><br />بخلاف الفريق الأول للمركز، هناك فريقي تحت 17 سنة و15 سنة، وهناك مدرسة الكرة التي يشترك فيها الأطفال مقابل 20 جنيه يتغاضى المدرب عصام حب الدين عنهم إذا كان الطفل من أسرة غير قادرة.<br /><br />لا يكتفي الفريق الأول بالمواهب من مدرسة الكرة والفريقين السابقين، ولكن يضم أحيانا لاعبين من قرى ومدن مجاورة. يقول خالد البغدادي : "لا يمكن أن نخاطر بمستوى الفريق الأول لأنه مورد مهم. وهنا تواجهنا مشكلة أخرى في اللائحة التي تشترط أن يكون اللاعب عضوا في مركز الشباب وهو ما يعني أن يكون من سكان مدينة البدرشين لا مدينة أخرى ولا حتى القرى التابعة لمركز البدرشين".<br />ملعب كرة القدم الكبير في مركز شباب مدينة البدرشين هو الوحيد من نوعه في كل مراكز شباب القرى التابعة لها، بعض هذه المراكز هي "مراكز نوعية" أي أنها مجرد مقرات بساحات صغيرة بلا ملاعب. ولذلك يأتي بعض أبناء هذه القرى لممارسة بعض الرياضات والأنشطة.<br />محمد أحمد، أخصائي المساحة، الذي يجلس مع رفاقه ينتظر انتهاء إحدى المباريات يعبر عن ضيقه من أن يكون ملعب مدينة البدرشين بهذا المستوى، لا إضاءة ليلية، ولا مدرجات، نجيلته متهالكة. يرد خالد البغدادي: " يتحمل الملعب تدريبات الفرق الثلاث ومدرسة الكرة ولعب الأهالي ولا نجد وقتا كافيا للعناية به أو صيانته. أبراج الإضاءة العالية أنشئت هنا في وقت مقارب لإضافتها في ملعب نادي الزمالك، ولكنها تحتاج لميزانية كبيرة لتجديدها وصيانتها".<br />العديد من الأشياء توقفت بسبب نقص الإمكانات منها فريق رفع الأثقال وفريق السلة، ولكن مجلس الإدارة الجديد يطمح لإعادة هذه الألعاب مرة أخرى وبجانب طلب الدعم من الوزارة وإعاناتها وبيع اللاعبين، يسعى أعضاء المجلس لتطوير موارد المركز.<br />المساحة المبلطة أمام مبنى الإدارة هي إحدى هذه الموارد. فهي التي تؤجر ليقام فيها الأفراح مساء الخميس والجمعة مقابل 250 أو 300 جنيه. كما أنها تؤجر لعقد جلسات الصلح و "الحق" أو التحكيم العرفي، والإيجار هنا يكون بحسب أهمية وجسامة موضوع التحكيم، وكما يقول البغدادي قد يصل الإيجار لبضعة آلاف.<br />يفكر مجلس إدارة المركز في تأجير هذه المساحة لكافيتريا تخدم زوار المركز وتقدم لهم مشروبات وبذلك يجتذب المركز الأسر في أيام العطلات، ولكن يشكو المتناوي من أن اللائحة الجديدة قيدت حق مجلس الإدارة في التعاقد مع شركة خارجية لإدارة الكافيتريا وأصبح من الضروري أن توافق الإدارة المركزية لمراكز الشباب على كل تعاقد وهو ما يعطل خطط تطوير موارد المركز.<br />الألعاب الأخرى قلما تدر مواردا، ولكن بعضها نشط مثل الفرق الكشفية بمراحلها المختلفة، وبعض الأنشطة الأخرى تتحايل على الإمكانات مثل فريق المسرح الذي يستخدم مسرح قصر ثقافة البدرشين إلى حين توفر مسرح خاص بالمركز. معظم الأنشطة يتحمل ممارسوها تكاليف الملابس ورسوم المسابقات والاختبارات، ويدفعون اشتراكا شهريا قد يقتسمه المدرب والمركز مثلما هو الحال في رياضة الكاراتيه والكونغ فو. فالأجور وفق الميزانية المتاحة هزيلة جدا، ولكن الأمور يجب أن تستمر.<br /><br /><hr /><span class="Apple-style-span" style="font-size:x-large;"><b>"من بره أبو تريكة ومن جوه الكابتن حسن محمد"</b></span><br /><br />يجلس على حدود الملعب يتابع تدريب الفريق الأول لمركز شباب البدرشين. يحضر الكرات التي تبتعد عن الملعب، يلم مع رفاقه الأقماع والحواجز المستخدمة في التدريب.<br />كريم سيد، البالغ من العمر خمسة عشر عاما، واحد من أشبال مدرسة الكرة في مركز شباب البدرشين، يرتدي فانلة حمراء مكتوب على ظهرها " هنري". لا يعرف كريم من هو هنري ولكنه يرتدي الفانلة الحمراء لأنه أهلاوي ولأنه يريد أن يصبح لاعبا محترفا مشهورا في الأهلي. إذا سألته عن مثله الأعلى يسألك:”بره ولا جوه؟" ثم يجيب:”من بره زي الكابتن أبو تريكة، من جوه زي الكابتن حسن محمد".<br />حسن محمد هو مدافع فريق مركز شباب البدرشين، وكريم يحبه ويتابعه لأن مدربي مدرسة الكرة قالوا له أنه موهوب مثله في موقع الدفاع.<br />يقول كريم أن والده العامل بمصنع الحديد والصلب بحلوان وافق بعد عناء على التحاقه بمدرسة الكرة في المركز. قبلها خاض كريم اختبارات نادي سكر الحوامدية في مدينة الحوامدية القريبة وتم قبوله ولكن والده رفض لبعد المسافة وتأثير ذلك على دراسته.<br />يشير كريم بيده إلى ناحية نخيل عال:”ساكن هناك في منطقة العزبة القريبة من المركز". ولذلك كان المركز هو المكان المناسب ليبدأ كريم:” آتي يوميا تقريبا. إما للتدريب أو لمشاهدة تدريبات الفريق الأول أو للعب" ويضيف :” آتي بعد المدرسة مباشرة، وحتى لو لم أذهب إلى المدرسة يجب أن آتي للنادي". يتحدث كريم وعينه لا تفارق الكرة التي تجري بين أقدام اللاعبين في التدريب، وأول ما تقفز الكرة خارج سور الملعب يهب جريا ليعيدها ثم يعود إلى حافة الملعب يقف ويشاهد في صمت.<br /><br />الإعجاب في عيني كريم لا يتأثر ببعض التراخي في أداء لاعبي الفريق الأول أثناء التدريب. مكانهم هو حلم كريم المؤقت ولكن كلهم يفكرون أن المشوار لا زال طويلا وربما غير مضمون. في الملعب يقف المدير الفني للفريق غير راض عن أداء معظمهم ويصيح: “انتم مش ناقصين خصومات". يقولها بلهجة هي بين الوعيد والمزاح.<br />يبلغ متوسط دخل اللاعب في الفريق شاملا المكافآت 700 جنيه. بعض اللاعبين موظفين وبعضهم طلبةو المتفرغون منهم يلعبون لصالح شركة في دوري الشركات لتحسين دخلهم. الأمل يتجدد في نهاية كل موسم عندما تنشط إدارات أندية دوري الدرجة الثانية أو الدوري الممتاز في ضم بعض المتميزين والواعدين ليرتقوا درجة أو درجتين.<br /><hr /><span class="Apple-style-span" style="font-size:x-large;"><b> إدارة جديدة </b></span><br /><br />"وفق اللائحة الجديدة العديد من المجالس المنتخبة لمراكز الشباب تعد باطلة، ومديري المراكز لم يعودوا تنطبق عليهم الشروط" يشرح محمد المتناوي ذلك قائلا أن اللائحة الجديدة تمنع الجمع بين رئاسة مجلسي إدارة وهوما ينطبق على رئيس مجلس إدارة مركز شباب البدرشين مجدي المتناوي. كما أن اللائحة الجديدة تشترط أن يكون مدير المركز حاصل على مؤهل عال بينما خالد البغدادي حاصل على مؤهل متوسط.<br />في اللائحة السابقة كانت الشروط التي يجب أن تنطبق على مدير المركز هي إما أن يكون حاصل على مؤهل عال وخبرة 5 سنوات في العمل الشبابي أو مؤهل متوسط وخبرة 10 سنوات في العمل الشبابي، أما اللائحة الجديدة فطلبت فقط الحصول على مؤهل عال ولم تشترط أي خبرة. يعلق خالد البغدادي مدير المركز: "أما رئيس مجلس الإدارة وفق نفس اللائحة فلا يشترط إلا أن يكون مجيدا للقراءة والكتابة!”.<br />يقول المتناوي: “هناك إيجابيات في اللائحة هي أنها جعلت للشباب تحت 30 سنة نصف عدد أعضاء المجلس المكون من رئيس ونائب و5 أعضاء منتخبين و3 أعضاء معينين، ويجب توفر امرأتين على الأقل في عضوية المجلس".<br />فيما يخص عضوية المرأة في مجالس الإدارة، يقول البغدادي أن الأمر ينتهي في المناطق الريفية إلى عضوية صورية لهن، فالفتيات بالأساس لا يترددن على مراكز الشباب الصغيرة التي لا توجد بها فرق للفتيات، اللهم إلا في المسابقات الثقافية والدينية وحضور بعض الدورات.<br /><br /><hr /><a href="http://www.scribd.com/doc/29844074/%D8%A3%D8%AD%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B1%D8%AC%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A9-%D8%B9%D9%85%D8%B1%D9%88-%D8%B9%D8%B2%D8%AA">نشر في "الشروق" 7 إبريل 2010</a><br /><a href="http://www.scribd.com/doc/29844074/%D8%A3%D8%AD%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B1%D8%AC%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A9-%D8%B9%D9%85%D8%B1%D9%88-%D8%B9%D8%B2%D8%AA">PDF</a></span>عمرو عزتhttp://www.blogger.com/profile/08927951113123256622noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-5559439168559928821.post-59276740216726765082010-04-04T15:31:00.000-07:002010-05-27T07:37:52.337-07:00لماذا حمل جارك المسيحي السعف الأحد الماضي؟<div style="text-align: right;"><a onblur="try {parent.deselectBloggerImageGracefully();} catch(e) {}" href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEiAiJZIuR5Z7Xuu4sNq-eXl7nIpoFFiGc59URMckpdrlnn-Xj6r6ea1qMQKq6YX9QBNjCq7KBxABGgEB2IIHwbFVJ3JBgcV2Tnyo8OH18dEdbdeJU3P_ZGwpQSJDYqyI5ORgr6TqOaZUkY/s1600-h/sunday.jpg"><img style="margin: 0px auto 10px; display: block; text-align: center; cursor: pointer; width: 312px; height: 400px;" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEiAiJZIuR5Z7Xuu4sNq-eXl7nIpoFFiGc59URMckpdrlnn-Xj6r6ea1qMQKq6YX9QBNjCq7KBxABGgEB2IIHwbFVJ3JBgcV2Tnyo8OH18dEdbdeJU3P_ZGwpQSJDYqyI5ORgr6TqOaZUkY/s400/sunday.jpg" alt="" id="BLOGGER_PHOTO_ID_5326314449060947106" border="0" /></a><br /></div><div style="text-align: justify;"><br /></div><div style="text-align: justify;"> <span class="fullpost">"مديري في المستشفى رفض التصريح لي بإجازة يوم "خميس العهد". قال إنه لا يفهم لماذا يعتبر عيدا وتكفي إجازة أحد السعف وأحد القيامة" يعبر الطبيب المسيحي الشاب عن أسفه، ولكنه لم يجد الوقت ولا المكان المناسبين ليخوض جدالا دينيا حول أهمية مناسبة ما وحول رغبته في حضور طقس صباحي هام في ذلك اليوم. فهو يعرف جيدا أن زملائه ورؤسائه المسلمين يعرفون القليل جدا من المعلومات عن المسيحية وعن طقوسها ومناسباتها.<br />يتفهم الكثير من المسيحيين ذلك باعتبار أن ثقافة الأغلبية هي الأكثر شيوعا، ولكن البعض الآخر يرى أن غياب الحد الأدنى من المعلومات عن أهم المناسبات الدينية للزملاء والأصدقاء المسيحيين قد يقلل من بهجة الاحتفال وتسبب نوعا من الانفصال بين زملاء العمل والدراسة وجيران السكن.<br />يلوم رامي سيدهم، مهندس نظم المعلومات، الإعلام الذي يهتم أحيانا بالتراث القبطي أكثر من اهتمامه بتقديم بعض المعلومات عن طقوس وأعياد معاصرة. وبسبب ذلك قد لا يلاحظ بعض المسلمين أن هناك مناسبة أصلا تخص المسيحيين إن لم تكن إجازة، وقد لا يلاحظون في مناسبات أخرى إلا غياب زملائهم المسيحيين بسبب "عيد ما"، وعند مرورهم في الطريق على الكنائس أو مشاهدة القداس في التليفزيون يرون أنهم يقومون بطقوس غريبة غير مفهومة لهم. يضيف رامي :"لذلك تظل أبرز أشكال الاحتفال وهي حمل السعف غامضة بالنسبة للمسلمين ولا يعرفون معناها، رغم أنه طقس رمزي مشابه لما فعله أهل القدس عند قدوم المسيح إليهم، وهو حدث مشابه لدخول النبي محمد إلى المدينة واستقبال أهلها له".<br />انتقل رامي من السكن في شبرا إلى المقطم، وهو ما جعله يلاحظ أن التعامل المباشر بين المسلمين والمسيحيين في مناطق فيها أعداد كبيرة منهم هو مصدر المعلومات الوحيد. ويقول أن هذا الفارق في فهم مناسبات وأعياد المسيحيين نلاحظه أيضا بين أسيوط والمنصورة مثلا. ويضيف :"أيضا الأحياء الشعبية فيها تعامل مكثف بين الجيران بينما الأحياء الجديدة مثل مدينة نصر والمقطم تفتقد هذا فتقل فرصة الإطلاع على بعض ثقافة جارك وتفاصيل حياته".<br />في المقابل، يتفهم ناجي بطرس، المهندس المعماري، أن هناك ثمة قلق خاص تجاه الإفصاح عن تفاصيل وخلفية احتفالات أسبوع الآلام وعيد القيامة لأنهما يتعلقان بحدث صلب المسيح وهو محل اختلاف بين العقيدتين الإسلامية والمسيحية. ولكنه يعتقد أن بعض التفهم قد ينهي هذا القلق. وهو يلقي ببعض اللوم على بعض المسيحيين: "بعضهم لا يتمتع بالانفتاح الكافي لكي يطلع زملائه المسلمين ممن يسألون بفضول على تفاصيل ومعنى الأعياد خوفا من حدوث جدال ديني". يستدرك أن بعض التفهم مطلوب من الطرفين لكي تزول الرغبة في الجدال لتخطئة الآخر ودفاع كل طرف عن عقيدته أو شعوره بالتهديد بسبب اختلاف العقيدة، وهي في النهاية اختلافات عقائدية لا يجب أن تكون سببا لأي حواجز اجتماعية بين الزملاء والأصدقاء والجيران.<br />يقول ناجي أنه تعود أن يقدر وجود هذه المساحة من التفهم، فإن أحس أنها موجودة يمكنه أن يجيب على تساؤلات زملائه المسلمين حول تفاصيل الدين المسيحي ومناسباته وطقوسه. ولكنه يحكي أنه بعض زملائه يسألونه عن سبب هذا العيد أو ذاك ومعاني طقوسه ويجيبهم. وفي العام التالي في نفس المناسبة يلتقيهم فيجدهم يعيدون نفس السؤال!<br />يضحك وهو يقول: "لا بأس، لأن الباقين يقولون فقط: كل سنة وأنت طيب. والسؤال عن التفاصيل يكون أحيانا زيادة في التودد وليس بغرض المعرفة أو الفضول الحقيقي، مثل السؤال اليومي عن الأحوال: إزيّك ؟ - الحمد لله". يضيف ناجي مبتسما "ولا مشكلة، سأجيب كل سنة".<br />اقرأ أيضا:<a href="http://amr-ezzat.blogspot.com/2009/04/blog-post_19.html"> لحن حزايني بين لحنين فرايحي.</a><br /><br /><hr />نشر في "الشروق" 4 إبريل 2010<br />PDF<br /><br /></span></div>عمرو عزتhttp://www.blogger.com/profile/08927951113123256622noreply@blogger.com2tag:blogger.com,1999:blog-5559439168559928821.post-55282172415162183892010-04-04T15:30:00.000-07:002010-05-27T07:39:05.654-07:00لحن حزايني بين لحنين فرايحي<div style="text-align: right;"><a onblur="try {parent.deselectBloggerImageGracefully();} catch(e) {}" href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEjz7OD2GiezKKHLRM94_U8enwqK4xJYKQbNgIeLGQ8Vir7X9UcZHYzfHl5ZwmF_lVtO63DLPBkPez44gxIbn7fjpLUI5R0VgPL1LlCOJktJ1i5q7C5OvxmOqo7KpqdueNKmru2cTylfclo/s1600-h/resurc.jpg"><img style="margin: 0px auto 10px; display: block; text-align: right; cursor: pointer; width: 310px; height: 400px;" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEjz7OD2GiezKKHLRM94_U8enwqK4xJYKQbNgIeLGQ8Vir7X9UcZHYzfHl5ZwmF_lVtO63DLPBkPez44gxIbn7fjpLUI5R0VgPL1LlCOJktJ1i5q7C5OvxmOqo7KpqdueNKmru2cTylfclo/s400/resurc.jpg" alt="" id="BLOGGER_PHOTO_ID_5326317967021634370" border="0" /></a><br /></div><div style="text-align: justify;"><div style="text-align: center;"><span style="font-weight: bold;">أسبوع الآلام بين أحد السعف وأحد القيامة</span><br /><br /></div> <span class="fullpost">لحسن الحظ أن السبت إجازة في الشركة التي يعمل بها المحاسب سامح عزيز، وهو ما جعله السبت قبل الماضي يشهد البداية المبهجة لطقوس أسبوع الآلام الذي ينتهي اليوم بعيد القيامة. فمنذ الصباح الباكر للسبت أطل من شرفة منزله في شبرا ليجد باعة ينتشرون في الشوارع وخاصة حول الكنائس يبيعون سنابل القمح التي تعلق على مداخل البيوت وأعواد السعف الخام أو أعمال فنية بسيطة مصنوعة من السعف.<br />الأعمال قد تكون على شكل خواتم وأساور للأولاد والبنات الصغار أو على شكل صلبان أو بيوت صغيرة وقد تكون على شكل جحش صغير، فالسيد المسيح دخل القدس يوم الأحد، الذي كان بداية عبد الفصح عند اليهود، راكبا على جحش. وكان المسيح قبلها وفقا للإنجيل قد اعتزل في الجيل وصام 40 يوما وليلة منقطعا تماما عن الطعام، وهو ما اعتبره أهل القدس معجزة واستقبلوه بالفرحة والبهجة حاملين أعواد السعف.<br />يحب سامح اقتناء السعف المشكل على شكل جحش، ويحتفظ في حجرته بـ"قطيع" منها، يقارن كل سنة جودة الصناعة وطرافة الشكل والإبداع فيه فهو مهتم بالفن التشكيلي.<br />يوم أحد السعف يتجه سامح إلى الكنيسة صباحا ليحضر صلاة صباحية، ترانيم هذه الصلاة لحنها مبهج أو بتعبيرات الكنيسة "لحن فرايحي". فهي في مناسبة دخول المسيح القدس. في الكنيسة تلتقي أسرة سامح بأسر أعمامه وعماته وجده وجدته المقيمين في شبرا ومن عادتهم التوجه للتجمع في بيت الجد القريب.<br />لكن عند الغروب تبدأ طقوس الحداد. تقام صلاة "الجناز العام" فالكنيسة لا تقيم أي صلوات جنائز لأي متوف خلال الأسبوع، لتتفرغ طوال الأسبوع لطقوس تذكر آلام المسيح التي انتهت بصلبه وموته بحسب الاعتقاد المسيحي. مساء الأحد تعلق الأستار السوداء على أعمدة الكنائس وهياكلها ويرتدي الكهنة الأردية السوداء بدلا من البيضاء.<br />بدءا من الأحد يبدأ ما يسمى "أسبوع البصخة"، والبصخة هي نفسها كلمة "الفصح" وتعني العبور والاجتياز. وأيام البصخة هي نفسها في أيام عيد الفصح عند اليهود التي يحتفلون فيها بخروج الشعب اليهودي مع موسى من مصر هربا من بطش فرعون.<br />في هذه الأيام، بدأ المسيح يتخذ بعض الإجراءات ضد ما رآه من انحرافات اليهود. فطرد الباعة من الهيكل وقال لهم بحسب نص الإنجيل:"بيتي بيت صلاة يدعى، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص". وهو ما سيكون سبب غضب رجال الدين اليهودي واتهامهم له بالتجديف والخروج عن الدين.<br />يقول سامح: "طوال أيام البصخة تقام في الكنيسة صلوات معينة صباحا ومساء، تحكي ما حدث في هذه الأيام من أحداث. ويغلب عليها اللحن الحزايني، وهذه الأيام مثل رمضان عند المسلمين، من لا يأتون إلى الكنيسة طوال العام يحرضون على حضور هذه الصلوات. ولكن لا أتمكن من حضور الصلوات الصباحية بسبب العمل. الصلوات المسائية التي تبدأ من التاسعة مساء وتمتد حتى الفجر أحضر جزءا منها قدر ما أستطيع لكي أتمكن من الذهاب للعمل في اليوم التالي، ولكن هناك من يتمكن من أخذ إجازة طوال الأسبوع للتفرع للصلاة والروحانيات".<br />طوال هذه الأيام يستمر المسيحيون في الصيام الكبير، الذي يمتد إلى 55 يوما. يمتنعون عن أكل الروح وهو ما يشمل الأسماك أيضا. وفي أيام البصخة يصوم الكثيرون انقطاعا كاملا عن الطعام حتى العصر. يبتسم سامح قائلا أنه ليس متدينا جدا ولا يحرص على ذلك دائما ولكنه يحاول من سنة لأخرى.<br />يوم الخميس هو "خميس العهد"، وفيه اجتمع المسيح مع تلاميذه مساء في العشاء المعروف بالعشاء الأخير. وفيه أسس لأحد أسرار الكنيسة وهو سر التناول، أي تناول الغذاء والشراب بشكل يرمز إلى تناول غذاء وشراب روحي كأنهما من جسد المسيح ودمه من أجل تثبيت الإيمان وغفران الخطايا. وفي هذا المساء أيضا غسل المسيح أرجل تلاميذه لكي يعلمهم أن يكونوا خداما للناس. يقول سامح: "في خميس العهد هناك صلاة صباحية هامة تقرأ فيها أسفار الإنجيل التي تتحدث عن هذه المواقف، ويقوم الكهنة بمحاكاة فعل المسيح بشكل رمزي والمسح على أرجل الحضور بالماء. ولكن يحدث ذلك في الكنائس قليلة العدد ، وفي الكنائس الكثيرة العدد يتم المسح على أرجل الأطفال فقط أو لا يتم بسبب كثرة العدد".<br />العشاء الأخير شهد أيضا خيانة يهوذا أحد تلاميذ المسيح له وتسليمه إلى اليهود الذين حاكموه وحكموا عليه بالصلب حتى الموت. ولهذا السبب يكون المسيحيون خلال أيام البصخة أو أسبوع الآلآم في حالة روحانية حزينة يتذكرون فيها آلام المسيح ومواقفه وكلماته. يقول سامح: "نجتهد أيضا في الصلوات الفردية، ونقلل من مشاهد التليفزيون وسماع الأغاني. وهناك بيوت تتشدد في الالتزام فتغلق التليفزيون نهائيا وبعض النساء تلتزمن لبس الأسود طوال الأسبوع".<br />يوم الجمعة، وهو ذكرى "الجمعة الحزينة" التي شهدت صلب المسيح وموته بحسب الاعتقاد المسيحي، تكون ذروة أيام التعبد والصلاة، فتقام صلاة طويلة من الثامنة صباحا حتى الغروب، والألحان تتنوع بين الفرايحي والحزايني. وفي المساء تقام صلاة أخرى إلى فجر السبت يقرأ فيها بشكل خاص "سفر الرؤية" من الإنجيل. يقول سامح :" نصوم هذا اليوم بشكل انقطاعي حتى الغروب ونفطر على رشفة خل، لأن الإنجيل يروي أن الجنود قدموا للمسيح لما طلب الماء إسفنجة بها خل. وهناك عادة مصرية وهي أكل الفول النابت والطعمية في الجمعة الحزينة".<br />يوم السبت هو "سبت النور"، حيث يروى الإنجيل أن قبر المسيح تحول إلى النور قبل أن يفارقه ويقوم من بين الأموات. وفي هذا اليوم يكسر المسيحيون صيامهم ويأكلون الكحك بشكل خاص بالإضافة إلى اللحوم. ومساء تقام صلاة أو قداس ليلة العيد الذي يرأسه البابا في الكاتدرائية ويذيعه التليفزيون المصري. وفي هذه الصلاة تعود الألحان الفرايحي ابتهاجا بذكرى قيامة المسيح من بين الأموات. الصباح التالي هو أحد القيامة أو عيد القيامة، وفيه يتزاور المسيحيون ويتبادلون التهاني. وتحتفل كل أسرة بطريقتها وبعض الأسر تذهب للكنيسة التي تقيم احتفالات خاصة. وهناك صيغة دينية لتبادل التهاني تقال <strike>باللغة القبطية </strike>باللغة اليونانية :"اخرستوس آنستي" والرد "آليسوس آنستي"، وتعني "المسيح قام" والرد" بالحقيقة قام".<br /><br />اقرأ أيضا: <a href="http://amr-ezzat.blogspot.com/2009/04/blog-post.html">لماذا حمل جارك المسيحي السعف الأحد الماضي ؟</a><br /><br /><hr />نشر في الشروق 4 إبريل 2010<br />PDF<br /></span></div>عمرو عزتhttp://www.blogger.com/profile/08927951113123256622noreply@blogger.com9tag:blogger.com,1999:blog-5559439168559928821.post-1775628949495492362010-03-29T17:55:00.000-07:002010-03-29T18:56:48.163-07:00جروح مفتوحة .. حرائق محتملة<a onblur="try {parent.deselectBloggerImageGracefully();} catch(e) {}" href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEiHPylYR8Ifl31WCGkr_yAif4hXU2tUGbCt0YOFGncstoxqX1L0-Sb7KBf-6XRWoMmKxEzWNgzWoDin8HAMP_8njgHKXt1kIvOfPZn615HkY0wmkE2u47VsQAzitRgEo0rZzGyzdpSYuJY/s1600/%D8%B9%D8%B2%D8%A8%D8%A9+%D8%A8%D8%B4%D8%B1%D9%89+%D8%AA%D8%B5%D9%88%D9%8A%D8%B1+%D8%B9%D9%85%D8%B1%D9%88+%D8%B9%D8%B2%D8%AA+(13).JPG"><img style="cursor:pointer; cursor:hand;width: 400px; height: 300px;" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEiHPylYR8Ifl31WCGkr_yAif4hXU2tUGbCt0YOFGncstoxqX1L0-Sb7KBf-6XRWoMmKxEzWNgzWoDin8HAMP_8njgHKXt1kIvOfPZn615HkY0wmkE2u47VsQAzitRgEo0rZzGyzdpSYuJY/s400/%D8%B9%D8%B2%D8%A8%D8%A9+%D8%A8%D8%B4%D8%B1%D9%89+%D8%AA%D8%B5%D9%88%D9%8A%D8%B1+%D8%B9%D9%85%D8%B1%D9%88+%D8%B9%D8%B2%D8%AA+(13).JPG" border="0" alt="" id="BLOGGER_PHOTO_ID_5454236406728011538" /></a><div><span class="Apple-style-span" style="font-size:small;">كنيسة مؤقتة في حوش بيت مسقوف بجريد النخل لأقباط عزبة بشرى - تصوير: عمرو عزت</span></div><div><a onblur="try {parent.deselectBloggerImageGracefully();} catch(e) {}" href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEiHPylYR8Ifl31WCGkr_yAif4hXU2tUGbCt0YOFGncstoxqX1L0-Sb7KBf-6XRWoMmKxEzWNgzWoDin8HAMP_8njgHKXt1kIvOfPZn615HkY0wmkE2u47VsQAzitRgEo0rZzGyzdpSYuJY/s1600/%D8%B9%D8%B2%D8%A8%D8%A9+%D8%A8%D8%B4%D8%B1%D9%89+%D8%AA%D8%B5%D9%88%D9%8A%D8%B1+%D8%B9%D9%85%D8%B1%D9%88+%D8%B9%D8%B2%D8%AA+(13).JPG"></a><br /><div dir="rtl" style="text-align: right;"><span style="font-weight: bold;"> الأساليب السريعة لإطفاء نيران «الفتن الطائفية» تترك تحت الرماد مواد قابلة للاشتعال فى انتظار تجدد الشرارة. زيارة لعزبة «بشرى الشرقية" في بني سويف التي تجددت فيها الأحداث الطائفية على مدار سنتين.</span> <span class="fullpost"><br /><br />"كل شيء على ما يرام منذ جلسة الصلح. العلاقة بيننا وبين إخواننا المسلمين في العزبة جيدة جدا. صحيح لم يصدر بعد ترخيص ببناء كنيسة. لكن سمح الأمن لنا بالصلاة في بيت مؤقتا ونحن في انتظار الترخيص" يبدو الأب يعقوب متفائلا وهو يتحدث عن الأحوال في عزبة بشرى الشرقية التابعة لقرية تلت مركز الفشن ببني سويف.<br />العزبة الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها الألفين، ثلثهم تقريبا من المسيحيين، شهدت حادثين طائفيين. كلاهما بسبب مكان صلاة المسيحيين، ولا يفصل بينهما سوى عام واحد وجلسة صلح سابقة.<br />في يوليو 2008، بحسب تقريرالمركز الحقوقي "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، حرق مجهولون محاصيل بعض المزارعين الأقباط وحاولوا حرق منزل أحدهم، وهدموا سورا تم بناؤه بين أرض زراعية وأرض مملوكة لمطرانية الفشن بها منزل الكاهن السابق الأب إسحق الذي كان المسيحيون يزورونه لإقامة الصلاة فيه، وتردد في العزبة أن ذلك تمهيدا لبناء كنيسة. بعد جلسة صلح منع الأمن إقامة الصلاة في منزل الكاهن داخل قطعة الأرض.<br />وفي يونيو2009، حسب نفس التقرير، حدثت اشتباكات بين المسيحيين وأفراد أمن حاولوا منعهم من دخول منزل الكاهن السابق الأب إسحق لإقامة الصلاة عنده، وتدخل بعض الأهالي المسلمين إلى جانب أفراد الأمن. وبعض قدوم تعزيزات الأمن التي تتهمها الشهادات في التقرير بالاعتداء على منازل الأقباط أثناء اعتقالهم، وقعت إصابات لعشرات الأقباط و ثمانية من المسلمين وتم إلقاء القبض على 19 مسيحيا والمصابين الثمانية من المسلمين. تم إخلاء سبيل الجميع من نيابة الفشن، ولكن على مدى 3 أيام تجدد إتلاف محاصيل المزارعين الأقباط. وفي 30 يونيو 2009 عقدت جلسة صلح بحضور محافظ بني سويف ومطران الفشن ووكيل وزارة الأوقاف واقتصرت على خطب ودية ولم تتطرق إلى مشكلة مكان صلاة المسيحيين، ولكن تم الاتفاق على رحيل الأب إسحق من العزبة ووعد المحافظ برصف الطريقين المؤديين للعزبة!<br />وهو يقطع الطريق الترابي غير الممهد بين قرية تلت وعزبة، يبدي سائق التاكسي المقيم في مركز الفشن تعجبه من أنها المرة الأولى التي يعرف فيها باسم عزبة بشرى، بل لم يسمع عن كل هذه الأحداث من الأصل. وعندما يقترب من سور العزبة وبوابتها القديمة ذات الشكل المميز يعلق ضاحكا: كأننا ندخل التاريخ !<br />البوابة والسور مما تبقى من عزبة بشرى حنا باشا التي تم تقسيمها بعد يوليو 1952 بين مزارعين وبين ورثة بشرى باشا الذين باعوا كل نصيبهم ورحلوا. خلف السور الذي يفصل العزبة عن المحيط الزراعي الأخضر، تبدأ البيوت المتقشفة الطينية في أغلبها. مبان قليلة تبدو في حالة أحسن، منها المدرسة الصغيرة والمسجد الفخم ومنزل الكاهن الذي حدثت حوله الاشتباكات. وفي حالة أقل ولكنها أفضل قليلا تبدو البيوت التي تطل على الترعة التي تحد العزبة شرقا. هناك يسكن ميخائيل تادرس، أحد وجهاء الأقباط في العزبة، الذي لا يحب أيضا الخوض في تفاصيل المشكلة ويؤكد كثيرا على أن الأمور هادئة الآن خاصة بعد العلاقة الجيدة بين الأمن والأب يعقوب الكاهن الجديد، والتي جعلت الأمن يعطي موافقة شفهية على إقامة الصلاة في بيت آخر بجوار بوابة العزبة وتحت حراسة أفراد أمن. ولكن حديثه المطمئن يثير سؤالا قلقا حول مصير هذا الهدوء في حالة حدوث خلاف بين الأب وضابط أمن الدولة.<br />يقول إسحق إبراهيم، الباحث في برنامج حرية الدين والمعتقد ب"المبادرة المصرية”: “في ظل المشكلات الكثيرة التي تعترض وتؤخر صدور تراخيص بناء الكنائس، فإن العلاقة بين كاهن الكنيسة وأمن الدولة وأحيانا المحافظ وسمات كل منهم الشخصية تحدد طريقة التعامل مع أماكن صلاة الأقباط. أحيانا يصلي الأقباط في بيوت عادية بموافقة شفهية من الأمن. وأحيانا يوافق الأمن على إقامة الصلاة في جمعية أهلية مشهرة بوزارة التضامن الاجتماعي".<br />يتهم مصري عبد المولى، أحد سكان العزبة ورئيس المجلس المحلي بقرية أقفهص المجاورة، الأب إسحق الكاهن السابق بأنه سبب توتر العلاقات بين مسلمي العزبة ومسيحييها بالإضافة إلى محاولته إقامة صلاة في أماكن تنقصها التراخيص اللازمة.<br />يتهم بعض مسلمي العزبة، منهم مصري عبد المولى أحد ا لقيادات المحلية في المنطقة، الأب إسحق بأنه سبب توتر الأمور وقت الحادثتين بسبب عناده وإصراره على إقامة الصلاة في أماكن بلا تراخيص، بينما يشير ميخائيل تادرس إلى أن ذلك كان يمكن أن يمر لولا توتر العلاقة بين الأب إسحق وضابط أمن الدولة.<br />يلمح عادل رمضان، المسئول القانوني بالمبادرة والذي قام بجمع الشهادات من أهالي القرية وحضر جلسة الصلح الأخيرة، إلى أن سخط الأمن على كاهن الكنيسة وتعامل الأمن الفظ مع المسيحيين كان بمثابة تحريض وتشجيع على تلك الأحدث: “الأمن يمسك تماما بخيوط اللعبة. وإذا رأي بعض الأهالي أفراد الأمن يتعاملون بهذه الطريقة مع المسيحيين فهو بمثابة تشجيع. هذا ناهيك عن إشراف الأمن على مخالفة القانون بالضغط من أجل التناول عن كل المحاضر وقضايا التعويض عن الخسائر، بل وصل الأمر إلى حدوث تصالح في قضية حرق المنازل وهي قانونا جناية لا يجوز التصالح فيها".<br />يحكي عادل رمضان أن جلسة الصلح الأخيرة كانت بمثابة إعلان انتصار للمعتدين، فلم يتطرق كل الأطراف للمشكلة الرئيسية ولا للأحداث ولا لأي مسئولية ولا تعويض للخسائر، تم الاتفاق على إبعاد الكاهن وأن يكون المنزل محل الخلاف مجرد منزل للكاهن لا تقام فيه الصلاة. خرج بعض المسلمين يهتفون هتافات مستفزة وكأنه انتصار للإسلام! بينما خرج المسيحيون في ذهول يتساءلون عن مصير المشكلة الرئيسية التي حدث كل ذلك بسببها".<br />بعد جلسة الصلح الرسمية البروتوكولية، عقدت في أكتوبر الماضي جلسة صلح أخرى وافق فيها الأمن شفاهة على صلاة الأقباط في بيت صغير مع وعد بقرب صدور ترخيص لبناء كنيسة مكان هذا البيت.<br />على دكة في مواجهة البيت يجلس خفيرين للحراسة، وفي مدخله تقف أم معوض تبيع بعض البقالة والمشروبات. مكان الصلاة هو حوش صغير من جزئين سقفه مغطى بجريد النخل، على حوائطه علقت صور القديسين والآباء وبعض اللوحات الكرتونية التي تحمل صلوات، ومن بينها تظهر صورة حنا معوض، الزوج الراحل لأم معوض التي تسأل باهتمام عن موعد صدور ترخيص بناء الكنيسة التي ستظل تقيم فيها وتخدمها: “المكان ضيق. في الصيف نتنفس بصعوبة وفي الشتاء لا سقف فوقنا كما ترى. ولكن نحمد الله أننا نصلي".<br />يبدي معظم أقباط العزبة رضاهم، حتى كمال نعومي أحد المزارعين الذين أحرقت بعض أرضهم. لا يعلم كمال شيئا عن مصير المحضر الذي تقدم به وبالطبع لم يقدم أي مشتبه به للمحاكمة كما في معظم الأحداث الطائفية، لم يصرف له أي تعويض عما لحق به من خسائر ولكنه في النهاية يقول: “فرحت أننا صلينا عيد الميلاد الماضي في المكان الجديد، لا بأس به. لا أفكر في تعويضات ولا محاضر. الله يعوّض علينا وتصدر التراخيص وستكون الكنيسة عوضنا".<br /><hr /><br /><span style="font-size:180%;"> "الميزان يزداد اختلالا"</span><br />" قاصر وقصير النظر ومعيب وأحيانا مخالف للقانون" هذه هي خلاصة وصف تعامل الدولة مع المشكلات الطائفية في رأي حسام بهجت، المدير التنفيذي للمركز الحقوقي "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" الذي يصدر تقريرا ربع سنويا عن حالة حرية الدين والمعتقد في مصر.<br />يوضح حسام بهجت أسباب وصفه ذلك بأن التدخل الأولي للأمن يكون متأخرا يعجز عن حماية ضحايا الاعتداءات، أحيانا يمتنع عن التدخل السريع بسبب قلة أعداد الأمن عن المعتدين أو المتجمهرين، و بعد وصول تعزيزات يحدث قمع عشوائي وعنيف لكل التجمعات حتى لو كانت لأهالي الضحايا مثلا، مثلما حدث أمام مستشفى نجع حمادي بعد الجريمة الأخيرة هناك.<br />يتابع حسام: “غالبا ما تحدث اعتقالات عشوائية هدفها تشتيت انتباه الجميع وشغلهم بالإفراج عن الضحايا وأحيانا يستخدم ذلك للضغط من أجل التنازل عن المحاضر والقضايا".<br />ما يحدث بعد التنازل هو إفلات المعتدين وهو ما يشجعهم وآخرين على تكرار نفس السلوك مرة أخرى. يلاحظ حسام: “حرق المنازل صار سلوكا متكررا يفلت صاحبه". إحساس الضحايا بالقهر يزيد خاصة في غياب التعويضات المناسبة في معظم الحالات وعدم وجود آلية مستقرة لتقديرها وصرفها في باقي الحالات، إضافة إلى تجاهل جلسات الصلح غالبا للمشكلة الأساسية، يضيف حسام: “هكذا يزداد الميزان اختلالا. وهذه الطريقة في التعامل هي روشتة مثالية لتكرار الأحداث وهو ما يحدث بالفعل في أكثر من مكان منهم عزبة بشرى في بني سويف".<br />يرصد حسام في الفترة الأخيرة تغيرا في خطاب الدولة، تمثل في استخدام الرئيس في خطبه التالية لحادث نجع حمادي لكلمات مثل "التحريض الطائفي" و"العنف الطائفي" ويتمنى أن يلاحظ صدى لهذا التغير في طريقة التعامل بدلا من تلك الحالة التي يبدو وكأن هدفها هو نسيان ما حدث كأنه لم يحدث.<br /><hr /><br /><a href="http://www.scribd.com/doc/29134591/%D8%AC%D8%B1%D9%88%D8%AD-%D9%85%D9%81%D8%AA%D9%88%D8%AD%D8%A9-%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%82-%D9%85%D8%AD%D8%AA%D9%85%D9%84%D8%A9">نشر في "الشروق" الخميس 25 مارس 2010<br />PDF</a><br /></span></div></div>عمرو عزتhttp://www.blogger.com/profile/08927951113123256622noreply@blogger.com1tag:blogger.com,1999:blog-5559439168559928821.post-60894014164773877642010-03-23T14:12:00.000-07:002010-03-29T18:45:05.866-07:00حرامي في مولد<div><b><span class="Apple-style-span" style="font-weight: normal; "><b><span class="Apple-style-span" style="font-size:x-large;">التعذيب الشعبي </span></b></span></b></div><a onblur="try {parent.deselectBloggerImageGracefully();} catch(e) {}" href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEglnjE7ARDPrHYyonurrDuvOcOAxJ1kwx0KmvH3DrBdglcBBAS51hVqqkoGYqg93P9lhOy4bYmW_slqZaKy7hE0oVXrvv6KBjbQY-VFcKJGKoJEd112GN_HQA5fD8Mk_1zGa8bf9xP1NXM/s1600-h/WALID+TAHER.bmp"><img style="cursor:pointer; cursor:hand;width: 400px; height: 305px;" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEglnjE7ARDPrHYyonurrDuvOcOAxJ1kwx0KmvH3DrBdglcBBAS51hVqqkoGYqg93P9lhOy4bYmW_slqZaKy7hE0oVXrvv6KBjbQY-VFcKJGKoJEd112GN_HQA5fD8Mk_1zGa8bf9xP1NXM/s400/WALID+TAHER.bmp" border="0" alt="" id="BLOGGER_PHOTO_ID_5451946295430081794" /></a><br /><b>من المفترض أن يكون الفرق بين المجتمع الحديث الذي يحكمه القانون وبين "المولد" هو نفسه الفرق بين احترام الفرد وحقوقه ولو كان متهما بارتكاب جريمة وبين "العلقة" التي ينالها الحرامي في المولد ويضرب بها المثل. </b><br /><br /><span class="fullpost">لم تتمكن المهندسة المعمارية رشا أسامة من الدخول بسهولة إلي بيتها في منطقة الهرم ذلك المساء. فقد وجدت حشدا كبيرا متحمسا يتفرج على شيء ما في مدخل العمارة، وبصعوبة بالغة تمكنت من مناداة البواب الذي كان من الحشد فأفسح لها طريقا لتمر إلى السلم. وفي طريقها بدأت تدرك سبب ذلك الحشد: شاب في حالة رثة ملقى على الأرض وحوله مجموعة كبيرة من الناس ينهالون عليه بالسباب والضرب، وأحدهم يقوم بدور قيادي ويتولي التحقيق مع الشاب ممسكا بحزام جلدي ينهال به عليه بين الحين والآخر وهو يطالبه بالاعتراف.<br />علمت فيما بعد أن جريمة سرقت حدثت لأحد سكان العمارة، وأنهم اشتبهوا في علاقة هذا الشباب بالجريمة، فـ"ألقوا القبض عليه" و"تولوا التحقيق معه"، ولكن في النهاية لم يتمكنوا من إجباره على الاعتراف فـ"أطلقوا سراحه".<br />"الجماهير" التي تقمصت دور الشرطة لم تكتف بذلك، بل تجاوزت إلى استخدام قدرمن "التعذيب" في التعامل مع المتهم المفترض. وهو التجاوز الذي تتهم تقارير حقوقية متعددة ضباط الشرطة بارتكابه، بل واعتماده كسياسة منهجية في الأقسام والسجون. وأدين عدد منهم بالفعل، وأشهرهم الضابط إسلام نبيه المحكوم عليه بالسجن 3 سنوات لتعذيبه عماد الكبير الذي أصبح اسمه عنوان قضية شغلت الرأي العام لفترة. ولكن هل هذا "الرأي العام" يقف بشكل مبدئي ضد التعذيب أم أن الكثيرين منا لن يترددوا عن استخدامه عندما يجدون أنفسهم في مكان ضابط الشرطة ويودون إجبار شخص آخر على الإدلاء بمعلومات أو اعتراف، أو يودون عقابه بعيدا عن القانون؟<br />لا وجود لإجابة قاطعة بالتأكيد، فمن جهة ما ترويه المهندسة رشا أسامة يرويه آخرون أيضا، ومن جهة أخرى هذه الروايات تعكس اختلافا في الرأي حولها. فرشا أسامة لم يعجبها ما حدث، بينما الحشد المكون من أهل الشارع كان الأمر يعجبه إلى حد المشاركة. ولكن بالتأكيد تكرار مثل هذه الحوادث وعلى نطاق أكبر من هذه الحكاية مؤشر سلبي.<br />قبل عام، اتهم خفير في فيلا بالشروق، الطيار صاحب الفيلا وزوجته وشقيقته باحتجازه وتعذيبه، بل واستئجار رجل لانتهاكه جنسيا وتصوير ذلك وإجباره على التوقيع على إيصالات أمانة، عقابا له على إعطاء رقم تليفون زوجة الطيار لرجلين مجهولين قاما بمعاكستها تليفونيا. وسجلت التحقيقات اعترافاتهم بذلك، ولكنهم أنكروها في المحاكمة. وفي الشهر الماضي، تم اتهام تاجر من قرية "وردان" التابعة لمركز إمبابة باحتجاز أحد عماله و تعذيبه، لأنه شك في اختلاسه مبلغا ماليا. وقال في التحقيقات أن أمين شرطة هو الذي نصحه بذلك وقال له أن الطريق القانوني لن يعيد إليه أمواله.<br />يقول مصطفى حسين، الطبيب النفسي الذي يعمل ضمن فريق مركز النديم لإعادة تأهيل ضحايا العنف "عدم ثقة المواطنين في فاعلية القانون والقضاء في إعادة حقوقهم ربما يكون سببا في هذه الحالات. ولكن هذه الحالات لا تصل للمنظمات الحقوقية، ولا يزال التعريف الرسمي للتعذيب الذي تعمل على مناهضته ومعالجة آثاره هو الفعل الذي يأتي من جهة رسمية أو ذات سلطة" ويضيف أن بعض الحالات التي يقوم بالتعذيب فيها مواطنون عاديون يكونون أحيانا أصحاب سلطة بشكل ما على من يتم تعذيبه.<br />يمكن تقسيم حالات "التعذيب الشعبي" – إن أمكن أن نسميه كذلك- إلى نوعين: نوع يكون فيه المتهم بارتكاب التعذيب في موقع يمكن اعتباره "سلطة ما" أو "وضع اجتماعي أعلى" من الضحية، مثل الطيار مع خفير الفيلا والتاجر مع أحد عماله. والنوع الآخر هوالنوع الذي يتقمص فيه الناس دور أفراد الشرطة تطوعا لـ"تأديب" متهم ما شكوا فيه أو ينفجر غضبهم تجاهه بعد ضبطه متلبسا. والنوع الأخير هو ما يعبر عنه المثل الشعبي واصفا العلقة الساخنة بأنها "ما أخدهاش حرامي في مولد". المثل يمكن أن يكون صورة معبرة عن هذا النوع وما يحيطه من ملابسات. فالمولد عبارة عن حالة استثنائية من الفوضي يغيب فيها النظام وبالتالي القانون بشكل كبير. تنتشر السرقات نتيجة لذلك، وبالتالي فإن رد الفعل على نفس القدر من الفوضى. ينفجرالناس وينتقمون ممن يتم "الحكم عليه" في لحظة ما بأنه لص على كل تلك الجرائم التي حدثت سابقا لهم أو سمعوا عنها. وفي الغالب فإنهم يتركون "اللص" دون تسليمه إلى الشرطة، ويعتقدون أن ما حدث هو عقاب مناسب وكاف.<br />عبد الهادي سلامة، صاحب متجر للمحمول في بولاق الدكرور، يعتقد أن هذا الوضع هوالأفضل للناس وللصوص معا:"الحكومة ما عندهاش وقت للتحقيق في سرقة موبايل أو ألف جنيه، والناس بتخلّص حقها بدراعها. وكمان الحرامي ممكن يكون شاب غلط لأول مرة.حرام يتبهدل وتبقى سابقة ويدخل السجن ويبقى مجرم رسمي. كفاية عليه علقة تربيه ويتعلم الأدب". يضيف عبد الهادي أنه تعاطف مع عماد الكبير في قضية تعذيبه ولكنه أيضا يعتقد أن ضابط الشرطة "معذور" لأنه يواجه قضايا كثيرة ويتعامل أحيانا مع"أشكال واطية" لا ينفع معها الأدب أو القانون أوحقوق الإنسان و"كل الكلام الحلو ده" على حد تعبيره.<br />وجهة نظر عبد الهادي سلامة، هي إحدى زوايا النظر التي تفسر جانبا من الظاهرة التي تجمع معا تبريرالقيام بفعل التعذيب أوقبول وقوعه لآخرين من قبل بعض ضباط الشرطة. وهذ القبول له علاقة أيضا بما تشير إليه تقارير حقوقية من أن بعض حوادث التعذيب المتهم فيها ضباط شرطة تمت كشكل من أشكال "المجاملة" لأصدقاء أوأقارب أو أصحاب نفوذ. من ذلك ما يرويه المهندس محمد عبد القادر، وهو شديد الأسف، من أنه استعان مرة بأحد ضباط الشرطة من معارفه لردع "مسجل خطر" كان يهدد أسرته. وكان رأي الضابط أن التعامل الرسمي لن يفيد، وقام هو بما يظنه أصلح وأمر بتعذيب المواطن المسجل خطر في شارعهم وبأساليب "جنسية" مهينة ليضمن ألا يقترب من هذا الشارع مرة أخرى. يقول محمد عبد القادر: "لم أكن معترضا ساعتها ولكني الآن مستاء جدا من هذه الطريقة العنيفة خارج القانون". ما يرويه يؤكد جانبا من الظاهرة ولكن ندمه وأسفه يؤكدان جانبا آخر وهو أن هناك حالة من عدم الحسم أوالاستقرار في وجهة نظر بعض المصريين تجاه أشكال العنف ومن بينها التعذيب.<br />يقول مصطفى حسين، الطبيب النفسي: "تصاعد العنف في المجتمع المصري في الفترة الأخيرة في مجالات متعددة منها العنف داخل الأسرة أو في المدراس قد يغري الكثيرين بالتسرع واتهام المجتمع المصري بقبول فكرة التعذيب رغم أنه لا توجد دراسات كافية أو مؤشرات علمية في هذا الشأن".<br />ولكن مصطفى حسين قام ببنفسه بتجربة مصغرة ومحدودة، فأعد استفتاء صغيرا أجاب عليه أكثر من ثلاثين من أصدقائه، حول قبولهم تصرف ضابط قام بتعذيب متهم في قضية مقتل طفلين، بحرمانه من الطعام لمدة48 ساعة وضربه بعصا على مؤخرته حتى يعترف. ووضع تخيلين لحالة المتهم: الأولى أنه شخص تم إدانته سابقا باغتصاب سيدة والآخر هو شخص يدخل للمرة الأولى قسم شرطة. وكان غرضه من الأساس قياس اختلاف الموقف من التعذيب تبعا لنظرتنا للمتهم. ولكن النتائج لم تحمل فرقا يذكر بين موقف من أجابوا تجاه الحالتين، ولكن المفاجأة أن أكثر من ثلث العينة أيدت استخدام التعذيب في الحالتين، وأبدى مصطفى اندهاشه وهو ينشر نتائج الاستفتاء على موقعه الشخصي من أن يكون ذلك رأي أشخاص مقريبن منه ومعظمهم كما يقول أطباء نفسيين.<br />إن اعتبرنا هذا الاستفتاء المحدود مؤشرا مقلقا، فقلقنا لن يكون على المجتمع المصري وحده. فتجارب أخرى وعلى نطاق أوسع انتهت إلى أن أفراد عاديين من مجتمعات أخرى يمكنهم أن يقبلوا التعذيب بل ويشاركوا فيه إن أمرتهم سلطة بذلك أو تقمصوا هم أنفسهم دور السلطة. ففي ستينات القرن الماضي قام عالم النفس د. ستانلي ملغرام بإجراء تجربة في جامعة ييل في الولايات المتحدة الأمريكية، أجريت التجربة على عدد من المواطنين الذين استجابوا لأوامر المشرفين على التجربة- التي قيل لهم أنها تقيس دور العقاب في التعلم- وقاموا بالضغط على أزرار قيل لهم أنها تسبب صعقات كهربية متفاوتة الشدة لشخص يجلس في غرفة مجاورة إن أخطأ في إجابة أسئلة معينة. ورغم صراخ الممثل الذي يؤدي دور الشخص الذي يتم تعذيبه، وتوسلاته. فإن 65% من المشاركين استمروا في الضغط وطاعة الأوامر حتى أقصى شحنة كهربية متاحة. ورغم أن نسبة قليلة أبدت بعض الاعتراض إلا أن مشاركا واحدا لم ينسحب فعليا!<br />تجربة أخرى أجريت في العام 1971 تعرف باسم "تجربة سجن ستانفورد"، أجراها عالم النفس فيليب زيمباردو في جامعة ستانفورد، الذي قسم مجموعة من المواطنين العاديين إلى سجانين ومسجونين تم نقلهم إلى مكان يحاكي السجن تماما. التجربة التي خرجت عن السيطرة وجرى إيقافها قبل نهايتها، شهدت تقمص كلا الطرفين لدوره تماما، وقام السجانون بمعاقبة المسجونين بقسوة، فمنعوا عنهم الطعام وأجبروهم على النوم عراة على البلاط في الشتاء وتنظيف المراحيض بأيديهم المجردة. وقال المشرفون أن واحدا من كل ثلاثة سجانين أظهر ميولا سادية حقيقية، ومعظمهم شعر بالحزن لإيقاف التجربة!<br />هناك خلاف بين اتجاهات علم النفس حول الرغبة في العدوان، هل هي غريزة أصيلة في الإنسان أم انحراف. ولكن بعيدا عن هذا الخلاف، يبدو أن القاسم المشترك في ظاهرة "التعذيب" بوجهيه، هو الشعور بالسلطة من قبل شخص على آخر، سواء كانت سلطة رسمية أو نتيجة لمكانة اجتماعية أقوى أو حتى مجرد سلطة الجموع في "المولد" التي تتيح إدانة وعقاب "الحرامي". وهو مااكتشفه محمد عبد القادر وهو سبب ندمه وأسفه: "عندما قرأت بكثافة عن قضايا التعذيب في السنوات الأخيرة، أدركت أني فعلت نفس الشيء، أسأت استخدام سلطة قريبة مني لحماية نفسي وقضاء مصلحة لي".<br />ولذلك، فإن تناول ظاهرة "التعذيب الشعبي" ليس سببا لإعفاء أصحاب السلطة من المسئولية أو التقليل من الجهود السياسية والحقوقية والشعبية لمناهضة التعذيب ومطالبة السلطة الرسمية بالعمل في حدود القانون، بدعوى أنها ظاهرة شعبية وعالمية. بل هي على العكس تكشف جذور المشكلة المختفية تحت السطح، في السلطة التي في أيدي بعضنا قد لا نكتشفها إلا وهي تحرك سلوكنا، لنجد أنفسنا مكان الجلاد أو قريبا منه. وفي النهاية كل جلاد هو ابن مجتمعه وليس شيطانا أو وحشا من كوكب آخر.<br /><br /><hr /><a href="http://www.scribd.com/doc/29134551/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%B0%D9%8A%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%A8%D9%8A">- نشر في "الشروق" الخميس 11 مارس 2010<br />_ PDF<br /></a>- رسم وليد طاهر<br /></span>عمرو عزتhttp://www.blogger.com/profile/08927951113123256622noreply@blogger.com1