تطوير المستشفى العام في البدرشين أو الجدل حول كيفية ترخيص التوك توك في إمبابة، أخبار قد لا تهتم بها معظم الصحف ووسائل الإعلام التي تهتم بكل مصر، وإن نشرت بعضها ففي مساحات صغيرة، ولن يكون مناسبا متابعة تطوراتها، لأن لمحرري الصحف والبرامج سيفكرون أن الخبر سيبدو مملا للقراء باستثناء قلة يسكنون هذه المناطق. ولكن في الحقيقة أن كل مجموعة من القراء تجمعم منطقة ما والتفاصيل الخاصة بها تهمهم وهي بالنسبة لحياتهم اليومية أخبار أكثر أهمية من نتائج الانتخابات الأمريكية.
وهذا هو سبب وجود "الصحافة الإقليمية".
وهذا هو سبب وجود "الصحافة الإقليمية".
جريدة "صوت إمبابة": عن التوك توك و"البوشي الصغير" وأوزباكستان
في مكان مميز من واجهة الكشك يضع بائع الجرائد في شارع "نادي إمبابة الرياضي" جريدة "صوت إمبابة". يوحي ذلك بأنها مطلوبة، ولكنه يرد قائلا: "توزيعها على قدها طبعا، وبتصدر كل فين وفين" ثم يضيف مبتسما "لكن الجار أولى بالشفعة".
ولكن هناك سبب آخر، العنوان الرئيسي للعدد الأخير من الجريدة يجتذب بسهولة أنظار المارة ومشتري الصحف الأخرى: "أسماء الشوارع التي سيلحقها التطوير وأرقام الأراضي التي ستزال". مثل هذا العنوان يثير فضول كل من يسكن في إمبابة، بسبب مشروع تطويرها الذي لن يقتصر على منطقة أرض المطار. هناك من يشتري بسرعة وهناك من يقف لدقائق يحاول تدقيق النظر وقراءة تفاصيل الخبر والجريدة في مكانها، ولا ينزعج البائع من ذلك.
لكن بعض من اشتروا بحثوا عن خريطة توضح أماكن قطع الأراضي المكتوب أرقامها والتي ستنزع ملكيتها فلم يجدوا. ولكي يعرفوا، يبدو أن عليهم الاتصال بالجريدة أو التوجه إلى مقرها القريب .
في شقة صغيرة بالكيت كات، يوجد المقر المشترك للجريدة و"جمعية الشباب"، وكلاهما أسسهما الشقيقان سيد إمبابي ومحمد إمبابي. يحب سيد إمبابي، رئيس مجلس إدارة الجريدة، أن يؤكد أولا على كون العائلة لا تنتمي إلى إمبابة بالاسم فقط ويقول: "العائلة في إمبابة من زمن ومعروفة هنا، وأنا أسكن في شارع القومية العربية ولا زلت أركب الميكروباص وأعرف مشاكل وهموم أهل المنطقة".
أما عن أرقام الأراضي التي ستنزع ملكيتها فيقول: "هذه المعلومات سبق وانفراد للجريدة، فعلاقتنا جيدة بمحافظ الجيزة وبرئيس المجلس المحلي. وهذا النوع من الأخبار أحد أسباب تميزنا كجريدة محلية عن الجرائد العامة. أما عن عدم وجود خريطة توضيحية فلأن قدامي سكان إمبابة وأصحاب الأراضي يعرفون أرقام أراضيهم جيدا".
أسس الشقيقان الجريدة في يناير 2005 بترخيص حزبي، فهما عضوان في أمانة الشباب في الحزب الوطني، وتزامن ذلك مع خوض سيد إمبابي انتخابات مجلس الشعب في نهاية نفس السنة مستقلا في مواجهة مرشحي الوطني. يرفض سيد إمبابي الحديث عن تفاصيل ولكنه يلمح إلى "صراعات وأطماع" داخل الحزب وصلت إلى إصدار آخرين جريدة بنفس الاسم لإزاحتها، وهو ما دفعه وفريق الجريدة إلى التنازل عن الترخيص الحزبي والتحول إلى جريدة تصدر بترخيص من لندن.
خلف مكتبه، صورة ضخمة تحتل كل الحائط لمشهد النيل من إمبابه وفوقه اسم الجريدة، وفي أركان الحائط شعارات الشركات الراعية. ولكن سيد إمبابي يحاول أن ينفي الصورة النمطية المرتبطة بالصحف الصغيرة، وربما بعض الصحف الكبيرة، التي يتحكم في تحريرها المعلنون والرعاة، مؤكدا أن الإعلانات جاءت بعد فترة طويلة من تأسيس الجريدة.
الصفحة الرئيسية لآخر أعداد الجريدة الصادر في 15 فبراير الماضي تتصدرها على اليمين صورة محمد حامد الصفطاوي، أمين شباب الحزب الوطني في منطقة "مدينة العمال" وأحد رعاة الجريدة، يهنيء أهالي إمبابة بالمولد النبوي، وعلى اليسار إعلان عن فضائية الأمة السلفية. وفي داخل العدد موضوع كبير يضم صورة أخرى للصفطاوي مع صور لكل أمناء شباب الحزب الوطني في مناطق إمبابة بمناسبة إقامة دورة الحزب الوطني لكرة القدم.
في العدد إشادة في أكثر من موضع بأداء سيد عبد العزيز محافظ الجيزة ومصطفى الخطيب رئيس المجلس المحلي، على هامش متابعات اجتماعات المجلس وجولات المحافظ. وصفحة كاملة لنشر اقتراح تتقدم به "جمعية الشباب"- شقيقة الجريدة- للمساهمة في ترخيص التوك توك بوساطتها أسوة بميكروباصات جمعيات نقل الركاب.
يعلق سيد إمبابي متسائلا : "هل أصبح الانتماء للحزب الوطني وكأنه سبة أوشيئا مشينا؟ الصحافة التي تمارس الانتقاد العنيف والمعارضة بلا هدف لا جدوى منها، وإذا اصطدمت بالأمن لن تتمكن من العمل وستفقد التأثير. الجريدة والجمعية لهما دور تنموي في إمبابة ولذلك نحرص على علاقتنا بالمسئولين. نرى الجانب الجيد من أدائهم لكي نقول لهم نحن نتابعكم ونشجعكم على المزيد".
حتى بعض الأحداث التي ترتفع فيها أصوات المعارضين مثل التنظيف والتجميل الفوري للشوارع والمناطق التي شملتها الزيارة الأخيرة لسوزان مبارك دونا عن باقي الشوارع والمناطق، يراها سيد إمبابي وجريدة "صوت إمبابة" بشكل مختلف: "لننظر إلى الجانب الإيجابي. من يسكنون هذه الشوارع والمناطق فقد تم تجميل مناطقهم، والآخرون استفادوا من تجميل شوارع ومناطق يمرون بها في أشغالهم أو تقع فيها مدارس أولادهم". المزيد من الزيارات لتغطي كل المناطق سيكون حلا إذن.
ولكن تضم صفحات الجريدة أيضا بعض الانتقادات للاستثناءات في هدم الأدوار المخالفة أو عرض مشكلات المرور والنظافة في بعض الشوارع، ومقال سيد إمبابي في الصفحة الأولى يناشد المسئولين أن يتواجد في شوارع إمبابة رجال مرور لحفظ النظام، مذكرا أن مشهد رجال المرور يختفي تماما في إمبابة والوراق باستنثاء ميدان الكيت كات القريب من العجوزة.
لغة الأخبار والتحقيقات تبتعد قليلا عن فصحى الصحافة وتقترب أحيانا من طريقة الكلام الشفهي والعامية، ولا تحمل عادة أسماء محرريها، أسماء الكتاب فقط على المقالات. يقول سيد إمبابي "فريق العمل الأساسي يعد على الأصابع، ولكننا ننشر لمتطوعين ومساهمين من أبناء إمبابة".
تضم ترويسة الجريدة أسماء الفريق، منهم عمر إمبابي، نجل سيد إمبابي، المتخرج حديثا من كلية الحقوق، وهومسئول عن قسم التحقيقات التي تخص المحافظة والمجلس المحلي، وهي أهم وأكبر مساحات الجريدة. وهناك مستشار سياسي للجريدة هو حسن عبد الله، القيادي بالحزب الوطني، الذي يقول سيد إمبابي أنه مؤسس جريدة "صوت بولاق" في منطقة بولاق الدكرور، وهي التجربة التي ألهمته إنشاء "صوت إمبابة". لا يعمل في "صوت إمبابة" صحفيون محترفون إلا رئيس تحريرها حسن سعودي، الصحفي بمجلة أكتوبر. سيد إمبابي رئيس مجلس الإدارة يعمل بالأساس رساما هندسيا في هيئة قناة السويس.
تضم الجريدة صفحات متنوعة للأدب والمرأة والدين – يضم ركنا للفتاوي ومقالات عن الإعجاز العلمي في القرآن - وصفحة للرياضة في إمبابة ومساحة اجتماعيات، وتضع الجريدة الحوادث في صفحتها الأولى. ويفخر سيد إمبابي أن الجريدة لا تكتفي بنقل الحوادث التي تكشفها الشرطة، بل تقوم بكشف حوادث قبل الإبلاغ عنها، مثل حادثة النصب التي كتبت عنها الجريدة تحت عنوان "بوشي إمبابة"، وهو شاب صغير تقاضي أموالا من عدد من الناس بهدف توظيفها وهرب.
ولكن ما يثير الدهشة هي الصفحة الكاملة – غير الإعلانية- المخصصة لأخبار وتفاصيل التعاون بين مصر وجمهورية أوزباكستان، وتكرار هذه الصفحة في الأعداد الأخيرة.ما علاقة ذلك إمبابة؟ يصمت سيد إمبابي طويلا قبل أن يقول:"نحن على علاقة جيدة بمدير الشركة الدولية لإدارة المعارض الذي توجه إلى هناك بصحبة رجال أعمال بناء على توجيهات الرئيس مبارك لتعزيز التعاون بين البلدين في مجالات مختلفة من الاستثمار، وهذا سيفيد كل المصريين بما فيهم أهالي إمبابة" ثم يضيف مبتسما: "كما أن العلاقات نفسها مفيدة جدا للصحافة كما تعلم".
البدرشين أونلاين .. مراسلون وجدوا أخيرا مكانا لأصواتهم
من على منبر أحد المساجد في قرية سقارة التابعة لمركز البدرشين، ظل الشيخ الأزهري ممدوح الكيس لسنوات يتحدث عن مشكلات القرية بأسلوبه الساخر المميز. ولكن بعد ترقيته ليصبح إماما وخطيبا لمسجد "خالد بن الوليد" في مدينة البدرشين، لم يعد بإمكانه أن يتحدث إلى أهالي المدينة عن مشكلات قريته التي يعود إليها كل مساء. فكر الشيخ في الكتابة للصحف وكتب بالفعل، ولكن لم تنشر رسائله التي تتحدث عن تفاصيل مشكلات النظافة والمواصلات والطرق في قريته. فكر في أن منتديات الإنترنت ستكون مكانا مناسبا، ولكن كتاباته التي تخص مجتمعه الصغير لم تلق اهتماما وتجاوبا في منتديات عامة عربية أو مصرية يهتم جمهورها أكثر بالقضايا العامة المشتركة. ولكنه استبشر خيرا عندما عثر على موقع "البدرشين أونلاين" وتصفحه ووجده مهتما بأحوال المدينة وقراها ومشاكلها، ووجد في صفحتها الرئيسية أخبارا من قرى الطرفاية وميت رهينة والمرازيق. يقول الشيخ ممدوح الكيس: "شجعني ذلك على الكتابة للموقع، كما أني شعرت بالغيرة الحميدة وقلت في نفسي أن قريتي أكبر قرى البدرشين وأقدمها وأعرقها وهي مكان سياحي هام". أرسل الشيخ إلى مدير الموقع وطلب منه تخصيص جزء لأخبار قرية سقارة في الصفحة الرئيسية وأرسل له بعضها. فوجد تجاوبا سريعا منه، ونشرت مقالاته ووجدت تجاوبا من قراء الموقع.
يبدأ الشيخ ممدوح الكيس مقالاته بالبسملة وحمد الله والصلاة على النبي وإلقاء السلام على القراء ثم يكتب عما يراه من مشكلات قريته، ويحكي عن اقتراحاته التي يبلغها لأعضاء المجلس المحلي ويقول أنه يتم تجاهلها، وآخرها كان تخصيص مكان لسوق القرية بدلا من المكان الذي تملؤه مياه الصرف الصحي محذرا من تلوث الخضر والفاكهة بسبب تلكؤ عربات كسح مياه الصرف الصحي من تنظيف منطقة السوق القرية. كما كتب ساخرا عن عدم الاهتمام بطرق وشوارع القرية تحت عنوان "أموات سقارة في الجنة" موضحا أن الطريق الوعر إلى منطقة المقابر يجعل رحلة النعش إلى القبر عسيرة ومليئة بالمطبات التي ترج الجثمان وتطوحه يمينا ويسارا ليصل إلى قبره وقد كفر عن كل سيئاته، ويختتم مقاله بتوجيه الشكر إلى القائمين على شئون القرية وأعضاء المجلس المحلي على هذه الخدمة الجليلة !
بخلاف مشكلات القرى وأحياء المدينة، يهتم الموقع بإلقاء الضوء على الأخبار التي تخص البدرشين، وربما لا تهم وسائل الإعلام ذات الاهتمام العام، مثل خبر البدء في تطوير مستشفى البدرشين العام أو خبر تبرع أحد رجال الأعمال من أجل إنشاء مجمع مصالح حكومية للتيسير على المواطنين بدلا من تفرق مكاتب خدمة المواطنين في شقق متناثرة بالمدينة. وفي الأخبار التي يتناولها الإعلام، يضيف الموقع تفاصيل تهم أهل المدينة بشكل خاص. فيما يخص حريق شب مؤخرا في أحد المنازل، اهتم الموقع بتسجيل الذين حضروا فورا من أعضاء المجلس المحلي وذكر دورهم ومتابعتهم للمتضررين والإشادة بموقفهم. وفي خبر عن اكتشاف فريق طبي مصري لوسيلة اكتشاف مبكر لسرطان الرحم، سجل الموقع أن رئيس الفريق من أبناء البدرشين.
الموقع أنشيء في نهاية عام 2007 على يد المهندس الشاب محمد سعد المتناوي، الذي ينتمي لعائلة "المتناوي" وهي واحدة من كبرى العائلات في البدرشين. أثناء دراسته لهندسة الميكانيكا بجامعة القاهرة، بدأ محمد المتناوي الاهتمام بالإنترنت وتصميم المواقع، وبعد تخرجه اتجه للعمل في هذا المجال بجانب مشاركته في إدارته استثمارات عائلته.
يقول محمد المتناوي: "شاركت لفترة في بعض المجموعات البريدية والمنتديات العامة. واتجه معظم النشطين فيها إلى المدونات، لكني وجدت أن المنتديات فيها روح جماعية، خاصة إن كنت تريد أن تناقش مشكلات مدينة محددة مثل البدرشين". هناك منتديات كثيرة بأسماء محافظات أو مدن، ولكن محتواها لا يعبر عن طابعها المحلي، يغلب عليها بعد فترة الأخبار العامة وتبادل الأفلام والأغاني والألعاب والصور. ولذلك اهتم محمد المتناوي أن يكون موقع البدرشين أونلاين في شكل منتدى المشاركة فيه مفتوحة ومتنوعة بين شئون المدينة والشئون والاهتمامات العامة، ولكن للموقع صفحة رئيسية يختار هو فيها أخبار ومقالات وصور عن البدرشين وقراها، وكتب في أعلاها دعوة: "الآن يمكنك العمل كمراسل للموقع في قريتك، أرسل خبرا أو مقالا وسيتم نشره على صفحات الموقع".
شجع ذلك أعضاء المنتدى على الاهتمام بأخبار قراهم وأحيائهم، وأصبح للموقع مراسلين في معظم قرى البدرشين، وفتح التعليق على الأخبار والمقالات حوارات ساخنة بين أعضاء الموقع، منها تعليقات قراء من تلك المناطق والقرى تؤكد وجود هذه المشاكل أو تعدد مظاهرها كما يراها كل معلق في حياته اليومية، كما فتح ذلك نقاشات أداء أعضاء مجلس الشعب والشوري والمجلس المحلي، يقول عنها محمد المتناوي "سجلت تلك الحوارات أعلى نسبة قراءة ومشاركة".
كان محمد المتناوي يطمح أن يكون المنتدى مساحة للحوار بين كل أبناء البدرشين من جانب، ومن جانب آخر جسر بين الأهالي والمسئولين حول شئون المدينة ومشكلاتها. ولكنه يقول: "نجح الموقع في إثارة الحوار بين أبناء البدرشين وبعض أعضاء المجلس المحلي اهتموا بالقراءة وبعضهم علق على موضوعات، ولكن لم يحدث إلى الآن التفاعل مع المسئولين بشكل يحقق نتائج عملية".
من خلال علاقاته وعلاقات عائلته التي انتخب بعضها لعضوية المجلس المحلي، يتابع المتناوي أخبار المدينة والقرى وتحركات المسئولين، كما حاول المتناوي أن يلتقي بأعضاء مجلس الشعب عن البدرشين وطلب منهم أن يقرأوا ما ينشر في الموقع، كما طلب منهم أن ينشر الموقع جهودهم وأخبارهم في العمل على حل المشكلات، ولكنهم لم يهتموا أو أبدوا اهتماما لم ينتقل إلى حيز التنفيذ. يقول محمد المتناوي: "يفتقدون للاهتمام بالجانب الإعلامي، أحيانا يكونون قد بدأوا فعلا في خطوات حل مشكلة ما، ولكن لا أحد يعرف ذلك".
يحاول المتناوي كمدير للموقع أن يبعد شبهة "العائلية" عنه. فالمدينة التي تخلو تقريبا من التيارت السياسية، تحرك انتخاباتها الانتماءات العائلية. في قسم "شخصيات من بلدنا" التي تسجل سير بعضا من أبناء البدرشين الذين قدموا خدمات للمدينة أو اشتهروا بين أهلها، لم يسجل سير المشاهير من عائلته مثل باهي المتناوي، أحد كبار قضاة محكمة النقض، الذي أطلق اسمه على الشارع الذي يمثل مدخل المدينة.وبعض القراء ممن لا يعرفونه انتقدوا ذلك وتساءوا إن كان ذلك موقفا من عائلة المتناوي! كما أنه يؤكد على أن أخبار مقالات الصفحة الرئيسية تتجنب التجريح الشخصي لكيلا تثير الحساسيات بين العائلات. ويذكر أن هناك جريدة محلية صدرت لفترة في البدرشين كان اسمها "النبأ العربي"، ولكنها اشتهرت بكونها مساحة لتصفية الخلافات الشخصية والعائلية أوتستهدف الابتزاز، فكانت تهاجم تجارا ومسئولين لفترة إلى أن تحصل منهم على دعم وإعلانات ثم تتحول إلى غيرهم، حتى توقفت عن الصدور بعد فترة قصيرة.
على عكس ذلك، فلا رابطة شخصية تجمع فريق العمل من مراسلين ومشرفين للمنتدى، فإلى الآن لم يلتق محمد المتناوي مع الشيخ ممدوح الكيس. وإن كان المتناوي ينوي أن يلتقي في المستقبل القريب بمشاركين في الموقع للتعارف والتشاور حول تطوير الموقع.
يزور الموقع يوميا حوالي 250 زائر، وهو عدد يراه المتناوي مناسبا لموقع محلي لم يكمل عامه الأول، بالإضافة للمستوى الاقتصادي لأهل المدينة وقراها، وعدد مستخدمي الإنترنت فيها. وهو نفس رأي الشيخ ممدوح الكيس الذي يخبر كل من يعرفه بأمر الموقع ويحثه على المشاركة، ويقول: "أنا مستبشر ببداية الموقع لكن الأهم أن يستمر على نفس المنوال. في كل الخطب المقدمات معروفة ومحفوظة وجميلة ولكن الأهم هو ما ستقوله بعد "أما بعد". أتمنى أن يظل الموقع مستقلا بعد أن يحقق الشهرة ويصبح مؤثرا ولا يفعل مثل أعضاء مجلس الشعب الذين انتخبناهم مستقلين وبعدما نجحوا انضموا للحزب الوطني !".
من الصحافة الإقليمية إلى الشعبية
نشأت الصحافة بالأساس إقليمية. إن لم يكن اهتمامها إقليميا فتوزيعها إقليمي بسبب ضعف المواصلات آنذاك.
في بريطانيا، بدأت جريدة "الجارديان" العريقة عام 1821 في مدينة مانشستر تحت اسم "مانشستر جارديان". و كانت صحيفة بوسطن أول جريدة أمريكية صدرت عام 1761 ، قبل استقلال الولايات المتحدة عن بريطانيا، عبارة عن ورقة واحدة تتناول أخبارا بريطانية وأوروبية مع أخرى محلية تخص بوسطن وبالطبع كانت توزع في هذه المدينة وحدها.
تطور الدولة الحديثة وارتباط الأخبار الهامة بالعواصم، جعل الصحف تتركز فيها، ويؤرخ عادة للصحف الإقليمية المصرية غير المركزية خارج القاهرة والإسكندرية بجريدة "النزهة" التي أنشأها جورجي خياط في أسيوط عام 1886، وفي أعقاب 1919 شهد المجتمع المصري حالة من النشاط والاهتمام بالسياسة والأخبار فازدهرت الصحف الإقليمية والصغيرة. ومن حصاد ذلك الازدهار أن ضم مجلس نقابة الصحفيين في الأربعينات صادق سلامة صاحب جريدة "الإنذار" التي تصدر في المنيا.
بعد 1952 بدأ انحسار الصحافة الإقليمية لصالح الصحف الكبرى التي أصبحت معبرة عن حكومة الثورة، ومؤخرا تضاءلت فرص الصحافة الإقليمية بسبب ضعف التوزيع الذي تعاني منه حتى الصحف الكبرى، والحالة المعيشية التي لا تسمح للكثيرين بشراء أكثر من جريدة واحدة لن تكون جريدة إقليمية. ولذلك ما استمر من الصحف الإقليمية كان من إصدار المحافظات ويرأس مجلس إدارتها المحافظ نفسه، مثل "القناة" في الإسماعيلية أو "أسوان". أو كانت تكون من إصدار حزبي ولم يستمر منها عادة إلا صحف فروع الحزب الوطني، أو أن تكون الصحيفة مشروعا شخصيا أوعائليا يهدف للدعاية ورعاية مصالح ملاك الصحيفة أو الرعاة من رجال الأعمال أو يحابي مسئولين بهدف دعمهم في صراعات سياسية وتجارية محلية. أو تكون صحيفة هادفة للربح بغض النظر عن الدور الإعلامي فتسلك طريق الإثارة عبر الصياغة الصفراء للحوادث والفضائح أو ابتزاز المسئولين ورجال الأعمال للحصول على دعمهم أو إعلانات منهم.
في السنوات القليلة الأخيرة، الإنترنت وفرت مساحة تتيح للصحافة الإقليمية أن تعود لتصبح صحافة شعبية ليس فقط في طبيعتها، بل وفي طبيعة القائمين عليها. المؤسسات الاحترافية ستواجه على الإنترنت نفس مشكلة تمويل الصحافة الإقليمية الورقية، والمدونات ذات طبيعة فردية تقدم أحيانا صحافة إقليمية ولكنها تختلف عن النافذة الصحفية المهتمة بمنطقة بعينها بشكل دوري. ولكن يملأ هذا الدور إما منتديات شعبية يوجهها أصحابها لتكون نافذة للإقليم أو المنطقة مثل "بورسعيد أونلاين"،وربما لا تجمع فريق العمل سابق معرفة أو غرض إلا التطوع لتغطية أخبار المنطقة مثل "البدرشين أونلاين". أو تكون مبادرات جماعية من إعلاميين ومثقفين مثل مجلة "ناهيا الغد" الإلكترونية التي تصدر من قرية ناهيا في منطقة بولاق الدكرور. وبخلاف ذلك هنا المواقع الإقليمية التابعة للإخوان المسلمين التي يديرها كوادرهم في مختلف المحافظات وتجمع بين الدعوة لأفكار الإخوان والدعاية لنشاطهم في المنطقة وفي كل مصر، وبين تغطية أهم أخبار المناطق كما في مواقع "إخوان إمبابة" و"فرسان مينا البصل" وغيرهما.
--
نشر في الشروق الجمعة 22 مايو 2009