تطوير هيئة البريد لم يقتصر على الواجهات الجديدة الفاخرة والاهتمام بديكور مكاتب البريد وتغيير الشعار، بل لحق أيضا بمهام الموظفين مع توجه الهيئة للتحول إلى مؤسسة اقتصادية فزادت مسئولياتهم ولكن مع ثبات الأجور والمزايا. اليوم يحاول موظفو البريد بعدد من المحافظات تنظيم إضراب عن العمل في عدد من المحافظات، مطالبين بتحسين أوضاعهم بعد التطوير ومساواتهم بموظفي وزارة الاتصالات التي يتبعونها.
PDF
ساعي البريد ينتظر جوابا
لم يعد في جعبته إلا خطابات هيئات الدولة ومراسلات المساجين لأهلهم، يسمع عن خطط تحسين أوضاع موزعي البريد وعن موتوسيكلات ميسرة بالتقسيط توفر عليهم التجوال على الأرجل، ولكنه لا ينتظر الوعود مع زملائه بل ينتظر خطابا من قريب له بإيطاليا ليلحق به مثلما يفعل معظم شباب قريته.
يشعر محمد شاهين أنه في منتصف طريق لم يعد أحد يسلكه. فمنذ أربع سنوات تخرج من ثانوية البريد التي ألغيت بعدها، وهو الآن طالب يكمل دراسته في السنة النهائية بكلية التجارة الخارجية شعبة البريد وهي الشعبة التي توقفت عن استقبال الطلبة بدءا من هذه السنة الدراسية، كما أنه عمل طوال السنوات الأربع ولا يزال كساعي بريد أو موزع في مدينة المحلة بينما تقل الخطابات بشكل مطرد.
يبتسم محمد وهو يقول: "طبعا لم تعد هناك خطابات شخصية بين الناس بعد الموبايل والإنترنت، ولما نجد خطابا مثل هذا نعده من الطرائف". معظم الخطابات هي مراسلات رسمية بين هيئات الدولة وبعضها أو بينها وبين المواطنين مثل إخطارات الضرائب أو الدعاوى القضائية، وبخلاف ذلك هناك رسائل المساجين التي تصلهم دائما يوم الأحد، يقول محمد :"يبدو أن الداخلية تجمعها وتفرج عنها جميعا في يوم واحد". في الماضي كان الأدب والسينما يصوران ساعي البريد -خاصة في الريف - كشريك في تفاصيل حياة الناس- ولكن ما بقى من هذه الصورة هي معرفته بمن دخل السجن ومن خرج منه في نطاق خطوط السير التي عمل بها. فيواسي أهالي المسجون حديثا ويهنيء أهالي المسجون الذي توقفت رسائله متوقعا أنه تم الإفراج عنه. يقول محمد: "ولكن رسائل السجن لا تخلو أيضا من الطرائف، فأحيانا يكتبون عليها صيغا مثل: "يا بختك يا جوابي هاتشوف أعز أحبابي"، أو "يا رب يوصل" أو يحاولون تشجيعنا وحثنا على توصيله بعبارة "شكرا لرجال البريد الشرفاء هنا وهناك"، وأحيانا أجوب المنطقة بحثا عن شخص شهرته حماصة لأن الخطاب لم يكتب عليه إلا اسم الحي وعبارة "يسلم ليد حماصة"".
بتنقله بين خطوط السير المختلفة خلال السنوات الأربع، أصبح محمد شاهين يعرف جيدا معظم مناطق المحلة التي جابها سيرا على الأقدام : "لا أشعر عادة بالوقت يمر، يسلمك خطاب قريب إلى خطاب أبعد وهكذا لا أشعر بالوقت إلى أن أنتهي وعندها أشعر بأن ساقاي بالكاد تحملاني". يبتسم وهو يضيف :"ولكن لا تقلق هناك بدل مواصلات جنيه واحد في اليوم !". الفترة الماضية بدأت الهيئة في الإعلان عن عروض موتوسيكلات بأقساط ميسرة لهم ولكن دفعة واحدة منها بيعت وتوقف الأمر مع وعد بإعادة الكرة.
العمل في توزيع الخطابات هي المرحلة الأولى التي يمر بها كل رجال البريد ويتدربون فيها على يد موزعين أقدم منهم لمعرفة خطوط السير وحفظ خريطة المنطقة عن ظهر قلب، بعدها يرقون إلى فرازين وهم من يتولون التعامل مع أكوام الخطابات التي تجمع من الصناديق ويقومون بتصنيفها وإرسالها إلى مراكز الحركة التي تنقلها إلى أماكن إرسالها ليتولى فرازون آخرون توزيعها على خطوط السير والموزعين لتصل إلى المواطنين. وبعد مرحلة الفرز ينتقل رجل البريد للعمل في مكتب بريد ثم في إدارات المناطق.
يقضي خريجي ثانوية البريد خمس سنوات كتكليف من الدولة ، لا يمكنهم خلالها الحصول على إجازات طويلة. يقول محمد :"قبل سنوات كنت أنظر لموظفي البريد فأراهم مميزين بين موظفي الدولة، ولكن الآن تقل المميزات وتزداد الأعباء والتطوير بطيء فيما يخص التوزيع فمثلا عدد منا يشكو من أن تمدد العمران في كل المناطق سبب تضخم في خطوط السير وعندما نطلب تقسيمها بشكل مناسب يقال لنا أن ذلك يتطلب دراسة وموافقة في الإدارة المركزية في القاهرة وغالبا ما ينتهي الأمر على ما هو عليه لأنه لا ميزانية لعدد آخر من الموزعين". يضيف محمد أنهم سمعوا أيضا عن خطط لتغيير مسماهم الوظيفي من موزع إلى مندوب للهيئة يقوم بمهام إضافية ومختلفة ولكنهم يتخوفون من أن يكون ذلك بنفس المقابل الضعيف كما حدث مع موظفي المكاتب.
يشير محمد إلى أن مسكنه في قرية الناصرية مركز سمنود المدينة القريبة من المحلة، ومعظم شباب قريته اعتادوا على السفر للخارج للعمل في إيطاليا وفرنسا وألمانيا ويعودون لبناء العمارات وبدء الاستثمارات حتى أصبح ذلك تقليدا في كل عائلة وكل جيل يساعد التالي له في السفر والحصول على إقامة وفرصة عمل، وحتى أبناء الأسر المعدمة يخوضون تجربة قوارب الموت من ليبيا لمواجهة قلة فرص العمل. بعد التطورات الأخيرة فيما يخص أوضاع موظفي البريد يقول محمد أنه فقط ينتظر انتهاء السنوات الخمسة للتكليف لكي يحصل على إجازة ويتمني خلال هذه الفترة أن ينجح قريب له يعمل في إيطاليا من توفير فرصة عمل وإرسال دعوة له. وربما يكون هذا الخطاب هو آخر ما سيمسكه من خطابات.
موظفون غاضبون في مكاتب خضراء زاهية:
"الخطابات قليلة لكن صندوقنا فاض بالمهام"
الموظفون تلقوا دورات ليؤدوا دور موظف الشباك الشامل الذي يستطيع تقديم الخدمات المتنوعة الجديدة للمواطنين، وفي العديد من المكاتب يقومون بأداء أعمال النظافة والبوفيه ولكن منذ سنوات لا أجور إضافية والحوافز تقل، وما يزيد فقط هو المطالبة بالانضباط وإلا تزيد الجزاءات أيضا.
يدخل الشيخ الهرم مع دقات الساعة الثالثة عصرا إلى مكتب البريد الصغير في الحي الشعبي بمدينة المحلة ويسلم على موظفي الشباك الثلاثة بأسمائهم ويحيي شريف البدراوي وكيل المكتب ويسأل إن كان بإمكانه إيداع بعض المال في حساب التوفير الخاص به. يقوم إليه البدراوي ويعتذر منه بأنهم بدأوا في إغلاق حساب اليوم مع نهاية ساعات العمل. فيمد الشيخ يده بالنقود قائلا: "الدار أمان، خلوها معكم لبكرة وأودعوها". يعتذر منه البدراوي مرة أخرى ويطلب منه أن يرسل أي طفل صغير في الصباح بدلا من أن يتعب نفسه. يخرج الشيخ محييا الموظفين، ويهز شريف البدراوي رأسه في أسف وهو يقول أن مثل هذا الشيخ يجعلون فكرة إضراب موظفي البريد صعبة :"ماذا أفعل إن جاءني يطلب معاشه، هل يمكن أن أرده ؟". ولكن في نفس الوقت يقول أن أوضاعهم في حاجة إلى تغيير.
قبل ساعات كان المكتب يعج بالنشاط، صندوق البريد الموجود أمام المكتب نادرا ما يقربه أحدهم ليضع خطابا، ولكن لا تتوقف داخل المكتب طلبات الإيداع في دفتر التوفير والحوالات البريدية الفورية وخدمة تحصيل النقود لصالح الشركات، وسداد فواتير الكهرباء والمياه والتليفون وتوصيل الطرود، بالإضافة لخدمة بيع التليفونات المحمولة والخطوط وكروت الشحن لشركة اتصالات التي تملك هيئة البريد حصة تبلغ 26% منها.
"نحن الجهة الوحيدة التي يقوم موظفوها بعشرات المهام ويتلقون تدريبات مستمرة ولكن بنفس الأجر" يقول شريف البدراوي بعد أن أحضر أكواب الشاي التي أعدها بنفسه: " هنا نحن 4 موظفين فقط، ولأوقات طويلة نكون منهمكين في العمل أمام الشبابيك ولا نتمكن من القيام لإعداد كوب شاي، فلا يوجد سعاة أو عمال بوفيه، وبعد انتهاء أوقات العمل نقوم بتنظيف وكنس المكتب بأنفسهنا".
يشكو معظم موظفي البريد أنهم يؤدون مهاما متنوعة حديثة تتطلب تدريبا بالإضافة لأعمال خارج اختصاصهم مثل التنظيف، ولأكثر من سبع ساعات متواصلة بلا توقف. ولكن المقابل أقل بكثير من هيئات حكومية أخرى. يقول شريف البدراوي :" لي الآن 20 سنة أعمل في البريد، بدأت كموزع ثم فراز ثم معاون ثم مراجع والآن وكيل مكتب ولا يزال مرتبي 800 جنيه، بينما أقراني في وزارة الاتصالات لا يقل مرتبهم عن 2000 جنيه".
هذا بخلاف مشاكل التعاقدات، فيشير شريف إلى السيدة إحسان المنهمكة في إغلاق حسابات اليوم ويقول أنها واحدة من 5000 موظف بعقود مؤقتة يشكون، وبعضهم يشكو من 15 سنة ولكن دائما الردود تأتي بأنه لا موازنة لتعيينات جديدة أو لتعديل الأجور.
يشكك شريف في هذا الكلام قائلا أنه في عهد الرئيس السابق للهيئة د. علي مصيلحي- الوزير الحالي للتضامن الاجتماعي- كانت الحوافز أكثر وتحسب من الأجر الشامل، ولم تكن الهيئة توسعت في التطوير وبدأت شراكاتها الجديدة. كما أنه يشير إلى الديكور الحديث للمكتب قائلا أن الأموال توفرت لتطوير المكاتب ولشراء حصة من شركة المحمول الثالثة والدخول كشريك في خصخصة البريد الأردني ولكن الأجور لا تتحرك والحوافز تقل بل وتحسب من الأجر الأساسي. ويضيف: "نحن جهة خدمية ولكننا نحقق مكاسب من رسوم الخدمات. هذا المكتب الصغير على سبيل المثال يحقق دخلا متوسطه 20 ألف جنيها شهريا بينما لا تزيد مصاريفه شاملة أجور العاملين الأربعة به 3000 جنيه شهريا".
في المقابل يقول العديد من موظفي البريد أنهم الأكثر انظباطا بين هيئات الدولة، يتواجدون على مكاتبهم في الثامنة إلا الربع تماما، وينتهون من التعامل مع الجمهور في الثالثة، ثم يقومون بمراجعة الحسابات ولا يرحلون قبل الرابعة عادة. كما أن المفتشين يتعاملون بصرامة بالغة ويخصمون من مرتبهم بسبب سوء المظهر أو عدم نظافة المكتب أو بسبب أي خطأ أو سهو في اسم أو رقم أو عند حدوث أي مشادة مع مواطن.
يقول شريف البدراوي :"هناك جزاءات كبيرة بخصم أيام من المرتب، وهناك جزاءات صغيرة بخصم جنيه واحد في مقابل الأخطاء الصغيرة، وخصم الجنيهات يطول موظف البريد بشكل يومي، وفي نهاية الشهر يجد أمامه قائمة بخصومات الجنيهات من مرتبه" ويضيف "المشكلة أن لائحة تقييم الموظفين الجديدة التي كانت الهيئة تريد تمريرها تجمع خصومات الجنيهات وتحولها إلى أيام جزاءات بحسب قيمة أجر اليوم وتجعلها تخفض تقدير الموظف من ممتاز إلى جيد أو متوسط أو ضعيف، ولو حصل على تقدير ضعيف في تقريرين سنويين يمكن للهيئة فصله". هذه اللائحة اعترض عليها الموظون والنقابة العامة وتم تجميد العمل بها مؤقتا تمهيدا لتعديلها.
تعديل هذه الاوضاع ومساواتهم بموظفي وزارة الاتصالات وتوفير فرص عمل لأبناء العاملين هي المطالب المعلنة للجنة الداعية للإضراب التي تتركز في كفر الشيخ وشمال ووسط سيناء، وهي المحافظات التي أعلن عدد من موظفيها المشاركة في إضراب اليوم، ولكن حتى أول أمس لا تزال المحلة في حيرة من أمرها. يفسر شريف ذلك بأن أهالي المحلة عموما أصبحوا حذرين بسبب التجربة الصعبة في أحداث 6 إبريل 2008، كما أن الأمن أيضا أصبح هناك أكثر يقظة وحزما. يغلق شريف أبواب المكتب معتذرا لواحد آخر أتى متأخرا ثم يقول: "نعرف أن حياة عدد من الناس سيتعطل ولكن الأمر يتطلب وقفة فعلا والأمر رهن بقرار النقابة ولو أضرب بعض الزملاء في المقرات الرئيسية ممن طالهم جزاءات أو ظلم كبير، لن نتركهم وحدهم وسنضرب معهم. وربنا يستر".
-
تم تغيير أسماء الموظفين بناء على طلبهم
النقابة: بعض المطالب غير واقعية ولا نؤيد الإضراب
يؤكد محمد سعد البهوتي، رئيس اللجنة النقابية بالمحلة الكبرى، أن موقف النقابة العامة هو رفض الدعوة إلى الإضراب لأنها تضر بمصالح المواطنين البسطاء وقال أن النقابة العامة تسعى لتحقيق بعض المطالب الواقعية للموظفين مثل تثبيت المؤقتين وإعادة النظر في الحوافز والمرتبات في حدود الإمكانات المتاحة وتجميد العمل بلائحة التقييم الجديدة التي اعترض الموظفون عليها.
أما المطالب الأخرى مثل المساواة بموظفي المصرية للاتصالات فيرى أنها غير واقعية في ضوء الإمكانات المتاحة ولا تراعي اختلاف الدخل الذي تحققه كل مؤسسة، وقال أن بعض مكاتب البريد تحقق دخلا ولكن بعضها الآخر لا يحقق نفس الدخل وأن بعض الموظفين رؤيتهم محدودة بأماكنهم.
ويقول البهوتي أن اختلاف المكافآت في الوقت الحالي مع رئاسة علاء فهمي لهيئة البريد عن وقت رئاسة عادل مصيلحي يعكس اختلاف سياسات نظرا لدخول الهيئة في شراكات وخطط جديدة.
ويوضح البهوتي أن النقابة لا ترى أن إضافة مهام جديدة في نفس وقت العمل يبرر المطالبة بزيادة الأجور، وأن الإمكانات المالية لا تتيح تعيين سعاة وعمال نظافة ولكن النقابة سعت لحل المشاكل بتناوب السعاة المتوفرين على العمل في المكاتب أو استقدام عمال نظافة وإضافة أجرهم لمصاريف المكتب، ويضيف: "عندما كنت مديرا لمكتب كان الساعي في الستين من عمره وكنت أقوم بنفسي بتنظيف مكتبي ولم أتذمر ويجب أن نراعي ظروف البلد وظروف الهيئة".
--
نشر في الشروق 7 مايو 2009
ساعي البريد ينتظر جوابا
لم يعد في جعبته إلا خطابات هيئات الدولة ومراسلات المساجين لأهلهم، يسمع عن خطط تحسين أوضاع موزعي البريد وعن موتوسيكلات ميسرة بالتقسيط توفر عليهم التجوال على الأرجل، ولكنه لا ينتظر الوعود مع زملائه بل ينتظر خطابا من قريب له بإيطاليا ليلحق به مثلما يفعل معظم شباب قريته.
يشعر محمد شاهين أنه في منتصف طريق لم يعد أحد يسلكه. فمنذ أربع سنوات تخرج من ثانوية البريد التي ألغيت بعدها، وهو الآن طالب يكمل دراسته في السنة النهائية بكلية التجارة الخارجية شعبة البريد وهي الشعبة التي توقفت عن استقبال الطلبة بدءا من هذه السنة الدراسية، كما أنه عمل طوال السنوات الأربع ولا يزال كساعي بريد أو موزع في مدينة المحلة بينما تقل الخطابات بشكل مطرد.
يبتسم محمد وهو يقول: "طبعا لم تعد هناك خطابات شخصية بين الناس بعد الموبايل والإنترنت، ولما نجد خطابا مثل هذا نعده من الطرائف". معظم الخطابات هي مراسلات رسمية بين هيئات الدولة وبعضها أو بينها وبين المواطنين مثل إخطارات الضرائب أو الدعاوى القضائية، وبخلاف ذلك هناك رسائل المساجين التي تصلهم دائما يوم الأحد، يقول محمد :"يبدو أن الداخلية تجمعها وتفرج عنها جميعا في يوم واحد". في الماضي كان الأدب والسينما يصوران ساعي البريد -خاصة في الريف - كشريك في تفاصيل حياة الناس- ولكن ما بقى من هذه الصورة هي معرفته بمن دخل السجن ومن خرج منه في نطاق خطوط السير التي عمل بها. فيواسي أهالي المسجون حديثا ويهنيء أهالي المسجون الذي توقفت رسائله متوقعا أنه تم الإفراج عنه. يقول محمد: "ولكن رسائل السجن لا تخلو أيضا من الطرائف، فأحيانا يكتبون عليها صيغا مثل: "يا بختك يا جوابي هاتشوف أعز أحبابي"، أو "يا رب يوصل" أو يحاولون تشجيعنا وحثنا على توصيله بعبارة "شكرا لرجال البريد الشرفاء هنا وهناك"، وأحيانا أجوب المنطقة بحثا عن شخص شهرته حماصة لأن الخطاب لم يكتب عليه إلا اسم الحي وعبارة "يسلم ليد حماصة"".
بتنقله بين خطوط السير المختلفة خلال السنوات الأربع، أصبح محمد شاهين يعرف جيدا معظم مناطق المحلة التي جابها سيرا على الأقدام : "لا أشعر عادة بالوقت يمر، يسلمك خطاب قريب إلى خطاب أبعد وهكذا لا أشعر بالوقت إلى أن أنتهي وعندها أشعر بأن ساقاي بالكاد تحملاني". يبتسم وهو يضيف :"ولكن لا تقلق هناك بدل مواصلات جنيه واحد في اليوم !". الفترة الماضية بدأت الهيئة في الإعلان عن عروض موتوسيكلات بأقساط ميسرة لهم ولكن دفعة واحدة منها بيعت وتوقف الأمر مع وعد بإعادة الكرة.
العمل في توزيع الخطابات هي المرحلة الأولى التي يمر بها كل رجال البريد ويتدربون فيها على يد موزعين أقدم منهم لمعرفة خطوط السير وحفظ خريطة المنطقة عن ظهر قلب، بعدها يرقون إلى فرازين وهم من يتولون التعامل مع أكوام الخطابات التي تجمع من الصناديق ويقومون بتصنيفها وإرسالها إلى مراكز الحركة التي تنقلها إلى أماكن إرسالها ليتولى فرازون آخرون توزيعها على خطوط السير والموزعين لتصل إلى المواطنين. وبعد مرحلة الفرز ينتقل رجل البريد للعمل في مكتب بريد ثم في إدارات المناطق.
يقضي خريجي ثانوية البريد خمس سنوات كتكليف من الدولة ، لا يمكنهم خلالها الحصول على إجازات طويلة. يقول محمد :"قبل سنوات كنت أنظر لموظفي البريد فأراهم مميزين بين موظفي الدولة، ولكن الآن تقل المميزات وتزداد الأعباء والتطوير بطيء فيما يخص التوزيع فمثلا عدد منا يشكو من أن تمدد العمران في كل المناطق سبب تضخم في خطوط السير وعندما نطلب تقسيمها بشكل مناسب يقال لنا أن ذلك يتطلب دراسة وموافقة في الإدارة المركزية في القاهرة وغالبا ما ينتهي الأمر على ما هو عليه لأنه لا ميزانية لعدد آخر من الموزعين". يضيف محمد أنهم سمعوا أيضا عن خطط لتغيير مسماهم الوظيفي من موزع إلى مندوب للهيئة يقوم بمهام إضافية ومختلفة ولكنهم يتخوفون من أن يكون ذلك بنفس المقابل الضعيف كما حدث مع موظفي المكاتب.
يشير محمد إلى أن مسكنه في قرية الناصرية مركز سمنود المدينة القريبة من المحلة، ومعظم شباب قريته اعتادوا على السفر للخارج للعمل في إيطاليا وفرنسا وألمانيا ويعودون لبناء العمارات وبدء الاستثمارات حتى أصبح ذلك تقليدا في كل عائلة وكل جيل يساعد التالي له في السفر والحصول على إقامة وفرصة عمل، وحتى أبناء الأسر المعدمة يخوضون تجربة قوارب الموت من ليبيا لمواجهة قلة فرص العمل. بعد التطورات الأخيرة فيما يخص أوضاع موظفي البريد يقول محمد أنه فقط ينتظر انتهاء السنوات الخمسة للتكليف لكي يحصل على إجازة ويتمني خلال هذه الفترة أن ينجح قريب له يعمل في إيطاليا من توفير فرصة عمل وإرسال دعوة له. وربما يكون هذا الخطاب هو آخر ما سيمسكه من خطابات.
موظفون غاضبون في مكاتب خضراء زاهية:
"الخطابات قليلة لكن صندوقنا فاض بالمهام"
الموظفون تلقوا دورات ليؤدوا دور موظف الشباك الشامل الذي يستطيع تقديم الخدمات المتنوعة الجديدة للمواطنين، وفي العديد من المكاتب يقومون بأداء أعمال النظافة والبوفيه ولكن منذ سنوات لا أجور إضافية والحوافز تقل، وما يزيد فقط هو المطالبة بالانضباط وإلا تزيد الجزاءات أيضا.
يدخل الشيخ الهرم مع دقات الساعة الثالثة عصرا إلى مكتب البريد الصغير في الحي الشعبي بمدينة المحلة ويسلم على موظفي الشباك الثلاثة بأسمائهم ويحيي شريف البدراوي وكيل المكتب ويسأل إن كان بإمكانه إيداع بعض المال في حساب التوفير الخاص به. يقوم إليه البدراوي ويعتذر منه بأنهم بدأوا في إغلاق حساب اليوم مع نهاية ساعات العمل. فيمد الشيخ يده بالنقود قائلا: "الدار أمان، خلوها معكم لبكرة وأودعوها". يعتذر منه البدراوي مرة أخرى ويطلب منه أن يرسل أي طفل صغير في الصباح بدلا من أن يتعب نفسه. يخرج الشيخ محييا الموظفين، ويهز شريف البدراوي رأسه في أسف وهو يقول أن مثل هذا الشيخ يجعلون فكرة إضراب موظفي البريد صعبة :"ماذا أفعل إن جاءني يطلب معاشه، هل يمكن أن أرده ؟". ولكن في نفس الوقت يقول أن أوضاعهم في حاجة إلى تغيير.
قبل ساعات كان المكتب يعج بالنشاط، صندوق البريد الموجود أمام المكتب نادرا ما يقربه أحدهم ليضع خطابا، ولكن لا تتوقف داخل المكتب طلبات الإيداع في دفتر التوفير والحوالات البريدية الفورية وخدمة تحصيل النقود لصالح الشركات، وسداد فواتير الكهرباء والمياه والتليفون وتوصيل الطرود، بالإضافة لخدمة بيع التليفونات المحمولة والخطوط وكروت الشحن لشركة اتصالات التي تملك هيئة البريد حصة تبلغ 26% منها.
"نحن الجهة الوحيدة التي يقوم موظفوها بعشرات المهام ويتلقون تدريبات مستمرة ولكن بنفس الأجر" يقول شريف البدراوي بعد أن أحضر أكواب الشاي التي أعدها بنفسه: " هنا نحن 4 موظفين فقط، ولأوقات طويلة نكون منهمكين في العمل أمام الشبابيك ولا نتمكن من القيام لإعداد كوب شاي، فلا يوجد سعاة أو عمال بوفيه، وبعد انتهاء أوقات العمل نقوم بتنظيف وكنس المكتب بأنفسهنا".
يشكو معظم موظفي البريد أنهم يؤدون مهاما متنوعة حديثة تتطلب تدريبا بالإضافة لأعمال خارج اختصاصهم مثل التنظيف، ولأكثر من سبع ساعات متواصلة بلا توقف. ولكن المقابل أقل بكثير من هيئات حكومية أخرى. يقول شريف البدراوي :" لي الآن 20 سنة أعمل في البريد، بدأت كموزع ثم فراز ثم معاون ثم مراجع والآن وكيل مكتب ولا يزال مرتبي 800 جنيه، بينما أقراني في وزارة الاتصالات لا يقل مرتبهم عن 2000 جنيه".
هذا بخلاف مشاكل التعاقدات، فيشير شريف إلى السيدة إحسان المنهمكة في إغلاق حسابات اليوم ويقول أنها واحدة من 5000 موظف بعقود مؤقتة يشكون، وبعضهم يشكو من 15 سنة ولكن دائما الردود تأتي بأنه لا موازنة لتعيينات جديدة أو لتعديل الأجور.
يشكك شريف في هذا الكلام قائلا أنه في عهد الرئيس السابق للهيئة د. علي مصيلحي- الوزير الحالي للتضامن الاجتماعي- كانت الحوافز أكثر وتحسب من الأجر الشامل، ولم تكن الهيئة توسعت في التطوير وبدأت شراكاتها الجديدة. كما أنه يشير إلى الديكور الحديث للمكتب قائلا أن الأموال توفرت لتطوير المكاتب ولشراء حصة من شركة المحمول الثالثة والدخول كشريك في خصخصة البريد الأردني ولكن الأجور لا تتحرك والحوافز تقل بل وتحسب من الأجر الأساسي. ويضيف: "نحن جهة خدمية ولكننا نحقق مكاسب من رسوم الخدمات. هذا المكتب الصغير على سبيل المثال يحقق دخلا متوسطه 20 ألف جنيها شهريا بينما لا تزيد مصاريفه شاملة أجور العاملين الأربعة به 3000 جنيه شهريا".
في المقابل يقول العديد من موظفي البريد أنهم الأكثر انظباطا بين هيئات الدولة، يتواجدون على مكاتبهم في الثامنة إلا الربع تماما، وينتهون من التعامل مع الجمهور في الثالثة، ثم يقومون بمراجعة الحسابات ولا يرحلون قبل الرابعة عادة. كما أن المفتشين يتعاملون بصرامة بالغة ويخصمون من مرتبهم بسبب سوء المظهر أو عدم نظافة المكتب أو بسبب أي خطأ أو سهو في اسم أو رقم أو عند حدوث أي مشادة مع مواطن.
يقول شريف البدراوي :"هناك جزاءات كبيرة بخصم أيام من المرتب، وهناك جزاءات صغيرة بخصم جنيه واحد في مقابل الأخطاء الصغيرة، وخصم الجنيهات يطول موظف البريد بشكل يومي، وفي نهاية الشهر يجد أمامه قائمة بخصومات الجنيهات من مرتبه" ويضيف "المشكلة أن لائحة تقييم الموظفين الجديدة التي كانت الهيئة تريد تمريرها تجمع خصومات الجنيهات وتحولها إلى أيام جزاءات بحسب قيمة أجر اليوم وتجعلها تخفض تقدير الموظف من ممتاز إلى جيد أو متوسط أو ضعيف، ولو حصل على تقدير ضعيف في تقريرين سنويين يمكن للهيئة فصله". هذه اللائحة اعترض عليها الموظون والنقابة العامة وتم تجميد العمل بها مؤقتا تمهيدا لتعديلها.
تعديل هذه الاوضاع ومساواتهم بموظفي وزارة الاتصالات وتوفير فرص عمل لأبناء العاملين هي المطالب المعلنة للجنة الداعية للإضراب التي تتركز في كفر الشيخ وشمال ووسط سيناء، وهي المحافظات التي أعلن عدد من موظفيها المشاركة في إضراب اليوم، ولكن حتى أول أمس لا تزال المحلة في حيرة من أمرها. يفسر شريف ذلك بأن أهالي المحلة عموما أصبحوا حذرين بسبب التجربة الصعبة في أحداث 6 إبريل 2008، كما أن الأمن أيضا أصبح هناك أكثر يقظة وحزما. يغلق شريف أبواب المكتب معتذرا لواحد آخر أتى متأخرا ثم يقول: "نعرف أن حياة عدد من الناس سيتعطل ولكن الأمر يتطلب وقفة فعلا والأمر رهن بقرار النقابة ولو أضرب بعض الزملاء في المقرات الرئيسية ممن طالهم جزاءات أو ظلم كبير، لن نتركهم وحدهم وسنضرب معهم. وربنا يستر".
-
تم تغيير أسماء الموظفين بناء على طلبهم
النقابة: بعض المطالب غير واقعية ولا نؤيد الإضراب
يؤكد محمد سعد البهوتي، رئيس اللجنة النقابية بالمحلة الكبرى، أن موقف النقابة العامة هو رفض الدعوة إلى الإضراب لأنها تضر بمصالح المواطنين البسطاء وقال أن النقابة العامة تسعى لتحقيق بعض المطالب الواقعية للموظفين مثل تثبيت المؤقتين وإعادة النظر في الحوافز والمرتبات في حدود الإمكانات المتاحة وتجميد العمل بلائحة التقييم الجديدة التي اعترض الموظفون عليها.
أما المطالب الأخرى مثل المساواة بموظفي المصرية للاتصالات فيرى أنها غير واقعية في ضوء الإمكانات المتاحة ولا تراعي اختلاف الدخل الذي تحققه كل مؤسسة، وقال أن بعض مكاتب البريد تحقق دخلا ولكن بعضها الآخر لا يحقق نفس الدخل وأن بعض الموظفين رؤيتهم محدودة بأماكنهم.
ويقول البهوتي أن اختلاف المكافآت في الوقت الحالي مع رئاسة علاء فهمي لهيئة البريد عن وقت رئاسة عادل مصيلحي يعكس اختلاف سياسات نظرا لدخول الهيئة في شراكات وخطط جديدة.
ويوضح البهوتي أن النقابة لا ترى أن إضافة مهام جديدة في نفس وقت العمل يبرر المطالبة بزيادة الأجور، وأن الإمكانات المالية لا تتيح تعيين سعاة وعمال نظافة ولكن النقابة سعت لحل المشاكل بتناوب السعاة المتوفرين على العمل في المكاتب أو استقدام عمال نظافة وإضافة أجرهم لمصاريف المكتب، ويضيف: "عندما كنت مديرا لمكتب كان الساعي في الستين من عمره وكنت أقوم بنفسي بتنظيف مكتبي ولم أتذمر ويجب أن نراعي ظروف البلد وظروف الهيئة".
--
نشر في الشروق 7 مايو 2009
الهيئة البريدية ظالمة لموظفيها يعنى انا مثلا موزع بريد بتجيلى خطابات كثيرة ويوجد عجز فى الموزعين وهذايجعلنا نتحمل خطوط سير اخرى فوق مايطاق فى وسط النهار فى عز وهج الشمس حين ان صحبى المنقول بواسطهالى قرية رفية قاعد ينش الذباب من درجة الفراغ قلة الشغل وهذا عدم تساوى مابين الموظفين وايضا نرى موظف الحركة ياخذ حوافظ اكثر من الموزع فى حين ان موزع بريد واحد يتعب اكثر من موظفين الحركة فى منطقة توزيع بريد ملوى هذا مايجعل الدماء تغلى فى عروقنا وايضا ان موظفين الهيئة ممكن ان يتنقلوا مابين بعضيهم ماعدا الموزعين ، الهيئة عاملة طوق مثل الكلب حول اعانقهم ميقدروش يتنقلو من اماكنهم او يترقو لدرجة اعلى يعنى مثلا الموزع يفضل خمس سنين ويترقا وحصرتاه انا فى التوزيع اديلى ثمانية سنين ونصف ولاقى واحد صحبى موزع اترقا علشان معاه وسطة وانا قاعد مثل الصنم فى مكانى ،وحتى لو الهيئة ظلامنا فى الفلوس المفروض يوجد عدل مابين الموظفين وعلى راى المثل المساوة فى الظلم عدل ،على فكرة انا طالع النهارده اكثر من ثلاثمائة وخمسين خطاب غير العادى انا اطلع اوزع وصحبى معاه وسطة قاعد فى المكتب بيشرب شلى وانا فى عز الحرارة شايل منطقتين اين يوجد العدل والسلام عليكم ورحم الله وبركاته.
ردحذفالي السيد محمد سعد البهوتي اريد رقم التليفون الخاص بك / عبدالله حسن البهوتي /طوخ /محافظة القليوبية 0128673149
ردحذف