الأربعاء، ٢١ أكتوبر ٢٠٠٩

هل أصبح "الأزهريون" أقلية في الأزهر؟


مهما كانت تفاصيل ما حدث بين شيخ الأزهر والطالبة المنتقبة في المعهد الأزهري، أوما سينتهي إليه الجدل والاحتجاج الذي وصل للقضاء بعد قرارمنع النقاب داخل فصول المعاهد والكليات والمدن الجامعية، فإن المشهد يثير التساؤلات: هل فشل مشايخ الأزهر ومناهج التعليم الأزهري في ربط تلاميذهم بـ"الوسطية الأزهرية" كما يرونها، أم أن الأزهر ضاق صدره بأحد الاجتهادات التي يدرسها في مناهجه بسبب شعوره بالاختراق من "تيارات وافدة" ؟

كانت نادية يوسف، مدرسة التاريخ بالمعهد الليبي الأزهري في مدينة مصر، إحدى من شهدن خروج شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي من أحد فصول المعهد غاضبا وهو يقول أنه سيصدر قرار بمنع النقاب في الفصول، بعد الحديث المنفعل الذي نقلته الصحف بينه وبين طالبة تمسكت بتغطية وجهها في حضوره ومدرِّسة بررت موقف الفتاة. تقول نادية يوسف أن المنتقبات لا يمثلن نسبة كبيرة في المعاهد الأزهرية ولكنهن موجودات: "في المعهد الذي أعمل فيه أجد طالبتين أو ثلاث في كل فصل منتقبات، وهناك 10 مدرسات منتقبات بين ما يقرب من 150 مدرسة"وتضيف: "أنا لست مؤيدة لارتداء النقاب، وأحيانا ما أتناقش مع مرتدياته، وحتى إن كنت أراهن متشددات قليلا في هذه المسألة لكنهن أغلبهن نساء وفتيات فضليات ملتزمات. مجتمع المدرسات والطالبات في المعهد هن مثل باقي المجتمع المصري، فيهن غير متدينات ومتدينات ملتزمات ومتشددات بعض الشيء ولكن لا شيء أبعد من النقاب ولا أوافق على اتهامهن بأنهن يتبعن تيارات معينة".
تعبير "التيارات المتشددة" تكرر من رموز جامعة الأزهر عقب تفجر الجدل حول النقاب، فأثناء جولات د.أحمد الطيب رئيس جامعة الأزهر ومعه نوابه في كلية البنات حرص الطيب على أن يتطرق لأمر النقاب مؤكدا أنه ليس فرضا على المرأة ومحذرا الطالبات من الانسياق وراء التيارات الدينية المتشددة ثم قال أنه "تم إعداد منهج دراسى جديد هذا العام بدأ تدريسه للوافدين، عن نقد التيار السلفى والتيارات البعيدة عن وسطية الإسلام". فيما كان تعليق أحمد الحسيني، نائب رئيس الجامعة أن "خريجي الأزهر هم سفراء للدين الإسلامى الوسطى المعتدل فى مصر والخارج ولن تسمح الجامعة لأية جهة بأن تخترق فكرها الوسطى وهويتها الإسلامية الأزهرية".
يبدي أحمد سعد، المدرس بأحد المعاهد الأزهرية الثانوية، اندهاشه أن يتفجر كل هذا الجدل عن التيارات والاختراق من موقف طالبة في معهد للمرحلة الإعدادية: "سبب دهشتي أن الطلبة في المعاهد الأزهرية مهما كانت ميولهم يكونون بعيدا عن جدل التيارات الفكرية والسياسية كما يحدث في المرحلة الجامعية، فهم لا زالوا صغار السن اللهم إلا تأثيرات الأسرة. أحيانا أعرف من طريقة كلام بعض التلاميذ أنهم أبناء أسر إخوانية أو سلفية وهناك أعداد كبيرة من أبناء الأسر المصرية العادية المتدينة التي تتابع الدعاة المشاهيرالسلفيين على الفضائيات وغيرها وهناك أبناء أسر أدخلت أولادها معاهد أزهرية لأنها الأقرب للمنزل أو لأنها تقبل سنا أصغر. من المؤسف فعلا أن عددا كبيرا من الطلبة لا يتأثرون بالتعليم الديني الأزهري إلا كمثل تأثر الطلبة في مدارس وزارة التعليم بمادة الدين، هي بالنسبة لهم مجرد مناهج تعليمية يتلقونها، وقلة فقط تشعر أنهم طلاب أزهريون حقيقيون يهتمون بما يدرسون ويتمثلونه في حياتهم" ويضيف "ابني في جامعة الأزهر وأعرف منه أن الأمر نفسه هناك: انقسام الطلبة الملتزمين بين الاتجاه السلفي والإخواني وقلة فقط تشعر أنهم أبناء التقاليد الأزهرية، أما الكارثة التي تهدد الهوية الأزهرية كلها هي الأغلبية التي تتلقى التعليم بروتينية وبغير اكتراث، وهذا هو الاختراق الأخطر".
ولكن يبدو أن ما يقلق الأستاذ أحمد سعد لا يمثل التحدي الأخطر بالنسبة لقادة الجامعة، ففي مقال كتبه د. محمد عبد الفضيل القوصي، نائب رئيس جامعة الأزهر، ونشرته "الأهرام" في مايو الماضي بعنوان "الأزهر ومحاولات الاختراق" عدد التيارات التي تهدد الأزهر بأنها أولا التيار الوافد من بلدان مجاورة يغلب عليه الحرفية والتشدد ( التيار السلفي) والتيارات التي ترفع لافتات سياسية (الإخوان) ثم تيار التشيع وأخيرا تيار التغريب الذي يريد أن يغير ثوابت الأزهر تحت دعاوى "التنوير والحداثة".
هناك فارق شاسع بين التيارين الأخيرين الهامشيين واللذين يقتصران أحيانا على عناصر فردية أو مجموعات محدودة داخل جامعة الأزهر وبين التيارين الأولين اللذين يمثلان الاتجاهين الأكثر بروزا ونشاطا داخل الجامعة. يقول محمد الميموني، الطالب بكلية التجارة بالجامعة والقائد الكشفي في عشيرة الجوالة: "أثناء تنظيم الجوالة لحفل استقبال الطلبة الجدد في بداية العام الدراسي وتعريفهم بالكليات وأنشطة الجامعة وجدت طالبا يسألني: أين مقر أسرة الجيل المنشود؟ وهو اسم الأسرة غير المسجلة رسميا في الجامعة والتي ينشط فيها طلاب الإخوان المسلمين. وعندما استفسرت منه عن السبب، قال أن أخاه الطالب السابق بالجامعة نصحه بالذهاب إليهم لأن ملتزمون ولأنهم يقدمون خدمات للطلبة مثل ملازم الامتحانات". يروي الميموني ذلك كدليل على النفوذ الكبير والمتجدد للإخوان داخل جامعة الأزهر مؤكدا أنهم يجتذبون نسبة لا تقل عن ثلث الطلبة ويأتي بعدهم بقليل السلفيون غير المنظمين في جماعات أو أسر ولكنهم يشكلون تيارا فكريا وسط الطلبة.
باقي الطلبة في ملاحظة الميموني هم إما يدرسون بلا توجه فكري محدد ومعظمهم وعيهم الديني والسياسي محدود، ومنهم طلبة ريفيون أقصى آمالهم استكمال تعليمهم بأي طريقة للعودة إلى قراهم والعمل في الخطابة أو التدريس في المعاهد الأزهرية المنتشرة هناك، وإما قلة فقط تمثل "الملتزم الأزهري" بحق.
أنس السلطان الخريج الحديث من كلية الشريعة والقانون هو بالتأكيد من هؤلاء، فهو يقول أنه كان الطالب الوحيد في الكلية الملتزم بالزي الأزهري طوال سنوات الدراسة رغم الطابع الشرعي للدراسة كما أنه يعتبر نفسه من قلة تريد الالتزام بما يعتبره "الفكر الأزهري". وهو أيضا يؤكد على ملاحظات المدرس أحمد سعد وطالب التجارة محمد الميموني ويقول أنها صحيحة أيضا داخل الكليات الشرعية بالأزهر: " قلة فقط لا تزيد بأي حال عن 2 أو 3 % يمكن أن نعتبرهم أبناء الفكر الأزهري المتأثرون والمتتلمذون على العلماء الأزهريين مثل على جمعة وأحمد الطيب وأسامة السيد وغيرهم".
يقول أنس السلطان أن ارتداءه للزي الأزهري على الدوام جعله يشعر كيف ينظر الناس إلى الأزهري هذه الأيام: "هناك إكبار واحترام شديدين من جانب البسطاء ولكن يقابله أيضا شعور أن هذا الشخص ذو فكر قديم بعض الشيء، قد يكون في نظرهم ضليعا في جوانب الشرع من الناحية العلمية ولكنه من ناحية أخرى أقل فهما لكل ما هو حديث. ومن جانب آخر هناك النظرة للأزهري باعتباره قريب من السلطة وهو ما يجعلهم يعتبرون السلفيين أكثر صدقا وإخلاصا وقربا من الله".
يشير أنس إلى أن هناك العديد من الطلبة داخل الأزهر ينظرون إلى التعليم الأزهري نفس النظرة فيرونه تعليما قديما ومتحجرا نوعا ما كما أنه مرتبط بالسلطة وكثيرون منهم يعتبرون أساتذتهم مجرد أكاديميين لديهم حصيلة علمية ويعتبرون قلة منهم فقط في مصاف العلماء الحاملين لتقاليد الأزهر ويحرصون على طلب رأيهم.
يرى أنس أن الفكر الأزهري له ملامح مميزة منها أنه يتبنى العقيدة الأشعرية باعتبارها عقيدة أهل السنة والجماعة وفي الفقه يتمسك بدراسة فقه المذاهب المختلفة ولا يوجد أزهري لم يدرس على مذهب معين على خلاف السلفيين وفي جانب السلوك والأخلاق هم إما متصوفة مثل جمعة والطيب أو قريبون من التصوف مثل أسامة السيد ولكنهم متمسكون بالتصوف المعتدل وليس ما ينسب إليه من ضلالات وخرافات وبدع.
يستدرك أنس أن هناك بعض الاختلافات داخل هذا الفكر الأزهري فهو ليس تيارا واحدا فهناك علماء أزهريين يميلون ناحية السلفية قليلا وهم أبعد عن التصوف ومتسمكون بالعقيدة السلفية المخالفة للمذهب الأشعري وهم العلماء الذين يعلتون منابر الجمعية الشرعية. ويؤكد أيضا أن هناك تعدد داخل الأزهر فهم يدرسون الفقه على المذاهب الأربعة، ومنهم المذهب الحنبلي الذي يرجح علماؤه وجوب النقاب على المرأة وهو محل الجدل الحالي.
الأساتذة الأزهريين المتبنين للمذهب الحنبلي - الأقرب للاتجاه السلفي - قلة داخل الأزهر، وعلى منتديات السلفيين يسأل طلاب الأزهر السلفيين بعضهم بعضا عن الأساتذة الحنابلة لكي يتواصلوا معهم كأنهم يبحثون عن إبر في كومة قش. والمعاهد الأزهرية التي تلتزم كل منها تدريس الفقه على مذهب معين، منتشرة في كل مصر على المذاهب الثلاثة: الشافعية والحنفية والمالكية. لكن هناك معهدان فقط في كل مصر يدرسان المذهب الحنبلي.
الحضور القليل للميل السلفي في المعاهد الأزهرية وبين أعضاء التدريس في الجامعة غير كاف لكي يكون وراء الحضور الكبير لهذا الميل بين طلبة الأزهر، وهو يؤكد أن دور الأزهر يتراجع في تخريج رموز جماهيرية مؤثرة، ليس فقط للجمهور العادي ولكن أيضا بين طلبته والدراسين فيه الذين لم ينجح التعليم الأزهري الذي ينخرطون فيه طوال حياتهم في جعلهم يتبنون التقاليد التي تمثل الفكر الأزهري الذي يشكل هوية المؤسسة. وقد يحمل الأمر وجها آخر إذا اعتبرنا الأزهر يخوض معركة ضد أحد تنوعاته وضد مدرسة من الاجتهادات موجودة بداخله ولو على الهامش. ولكن في كلتا الحالتين فقد يصدق رأي أنس السلطان الذي يرى أن الأزهر مثل معظم المؤسسات في هذا البلد تفتقد للتواصل الجيد بين قيادتها ورموزها من جهة وأبنائها أوجمهورها من جهة أخرى.
قد يكون توصيف أنس السلطان الأزهري الغيور على الهوية الأزهرية والفكر الأزهري هو الأقسى، فافتقاد التواصل بين طرفي مؤسسة تعليمية ودعوية بالأساس يعني انهيارا في وظيفتها الأساسية ومعنى وجودها.


- نشر في "الشروق" الأربعاء 21 أكتوبر 2009
-PDF
- الصورة من موقع "حماسنا"

هناك تعليق واحد:

  1. السؤال الحقيقي لماذا اخترق السلفيون تحديدا الأزهر؟
    السلفيين رأوا أنه من الواجب جعل الأزهر مبرا للسلفية و لكن الموضوع يحتاج الى وقت كما حدث مع الجمعية الشرعية .. يعني معلومة هامة يجب ان تذكر هنا أن الجمعية الشرعية كان مؤسسها الشيخ محمود خطاب السبكي و قد كان شيخا أزهريا أشعريا و كان هناك خلاف مع جماعة أنصار السنة التي تأسست في نفس الحقبة تقريبا .. حيث ان أنصار السنة سلفية أو حنبلية الاعتقاد و لكن بعد مرور حوالي 100 عام على تأسيس الجمعية الشرعية أصبحت احد منابر السلفية في مصر!
    انضمام السلفيين للدراسة في الازهر ما هو الا خطوة لجعل الأزهر سلفي الفكر و الاعتقاد و نهاية الفكر الأشعري الخصم اللدود للسلفية .. و بعدين السلفي حين يرتدي العمامة الازهرية فهذا تصريح و بطاقة مرور عند كثير من الناس .. و حتى يقال .. ها هو شيخ أزهري يفتي بما يفتي به مشايخ الجزيرة العربية ..يعني هو ده الدين و هو ده الاسلام و لا خلاف بين الاسلام و الفقه في مصر و الاسلام و الفقه في الجزيرة العربية !!

    تحياتي

    ردحذف