على كل طالب أن يحدد جبهته! - تصوير: أحمد عبد اللطيف
ساحة النشاط الجامعي لم تعد فقط مسرحا لـ"الحرب ضد الإخوان" على غرار حرب أمريكا ضد الإرهاب، فسياسة الأمن و"رعاية الشباب" تجاه الطلاب "الآخرين" من غير الإخوان تقترب أكثر وأكثر من طريقة خوض بوش لهذه الحرب:"من ليس معنا فهو ضدنا".
بعد حديث قصير مع مجموعة من أعضاء اتحاد الطلبة بكلية الآداب جامعة القاهرة في مقر لجنة الجوالة، وقبل أن يجيبوا عن سؤال يتعلق بمدى حرية نشاطهم واستقلاليته أو تبعيته لإدارة رعاية الشباب، تطوع مشرف لجنة الجوالة بالكلية وقدم إجابة عملية، تدخل متسائلا عن سبب إجراء هذا الحديث وطلب أن نوقفه فورا. لم يوجه حديثه مباشرة إلى الطلاب أعضاء الاتحاد، ولكنهم فور رحيله اعتذروا عن مواصلة الحديث وطلبوا ألا يتم نشر أسمائهم واقترحوا إن تم نشر ما قالوا أن ينسب بدون ذكر أسماء إلى "طلبة في كلية الآداب".
أعضاء اتحاد الطلبة ليسوا أي طلبة، من المفترض أنهم شخصيات عامة داخل الجامعة ويمثلون آلاف الطلبة، ومن المنتظر أن يكونوا بحكم اهتمامهم بالمجال العام شخصيات عامة في المجتمع. ولكن ما حدث، ويعد مؤشرا على درجة استقلاليتهم وتفهمهم لدورهم، ليس مستغربا أبدا بالنظر إلى الطريقة التي تدير بها إدارة "رعاية الشباب" النشاط الطلابي في الجامعة. والتبعية والخضوع لها من جانب الطلبة أعضاء الاتحادات الطلابية هو الوجه الآخر لما يملأ الصحف وقت الانتخابات الطلابية من أخبار الشطب والتهديد بالفصل للطلبة "الآخرين" الذين ليسوا معها.
"هذا ليس صحيحا" يعترض محمد معز، الطالب البارز في أسرة "شباب النيل" في كلية الهندسة، والأمين العام السابق للجنة الفنية في اتحاد طلاب الكلية، "نحن لسنا تابعين لإدارة رعاية الشباب، نحن فقط نجحنا في عقد علاقات قوية معهم وهو ما يسهل لنا ممارسة النشاط، أما شطب زملائنا من الإخوان والتيارات الأخرى، فهذه سياسة لا يمكننا تغييرها إذا كنا لا نحبها، فنحن لا نملك أمامها شيئا ولن توقفنا عن ممارسة نشاطنا".
ولكنها ليست فقط علاقات قوية، بل علاقات "حصرية". فهذه العلاقة التي تسهل ممارسة الأنشطة طول العام تنتهي في أوقات الانتخابات لتصبح "جلسة مغلقة" تضم الأسر المرضيّ عنها من قبل إدارة الشباب، لإتمام الانتخابات بطريقة التزكية عن طريق تقسيم مقاعد اتحاد الطلبة على هذه الأسر، وإما التعيين إن لم يتفقوا. وهو ما يؤكده معز ويتأسف أن الأسر الثلاثة في كلية الهندسة الناجية من الشطب والتي تحظى بحق "الجلسةالمغلقة": "شباب النيل" و"الفراعنة" و"فيو View" لم تتفق، وانتهى الأمر إلى التعيين الذي تجاهل معز هذا العام.
ولكن عضو نفس الأسرة محمد صبري، الطالب بالسنة الثالثة بقسم هندسة القوى الكهربية والأمين المساعد للجنة الفنية في اتحاد هذا العام "المعيّن"، يرى أن هذه "العلاقة التي تسهل ممارسة النشاط"- التي تحدث عنها معز- ضرورية ليتأكد المسئولين عن رعاية الشباب من أن هؤلاء الطلبة "مناسبون" ولن يسببوا أي مشاكل. صبري لا يرى الإقصاء والشطب قمعا ولكنه "حرص شديد" مشروع لحماية النشاط الطلابي. ويضيف صبري "من خلال هذه العلاقة أيضا نقوم بتعريف رعاية الشباب على الطلبة الجدد، نقيم حفلات استقبال ونضم "المناسب" منهم إلى أسرتنا ونعرفهم على أنشطة رعاية الشباب ".
شبكة أمنية وأخرى إخوانية
من الواضح أن شبكة العلاقات هذه، تحقق هدفها "الأمني" لدى إدارة رعاية الشباب وأمن الجامعة، لتمنع "تسلل" طلبة "مشاغبين أو مثيرين للقلق" في نظرهم. ولكن في الحقيقة هذه الشبكة لم تعد ذات معنى بالنسبة لطلبة الإخوان، فبعد سنوات من حصر النشاط الطلابي على هذه الشبكة وإقصاء ما دونها، لا يحاول طلبة الإخوان التعامل مع أنشطة رعاية الشباب، إلا في محاولاتهم المستمرة لتأسيس أسر. ولكن بخلاف ذلك فهم يدخلون إلى الجامعة ويصحبون معهم "شبكة علاقات" أخرى، يوفرها التنظيم خارج الجامعة كما يوفر هذا التنظيم دعما ماليا وبشريا لبدء الأنشطة الخاصة بطلبة الإخوان. ولكن يبقى في النهاية بلا داعم طلبة "الطريق الثالث"، إن جاز التعبير.
محمد عبد المحسن، الطالب بالسنة الثالثة بقسم الهندسة الكيميائية، من الأعضاء البارزين في فريق الغناء بالكلية وهو عضو أيضا في الفرقة القومية للموسيقى العربية. ورغم نشاطه الملحوظ وفوزه بالعديد من الجوائز في المسابقات الجامعية إلا أنه يشكو من أسلوب إدارة رعاية الشباب الذي يضعف النشاط الجامعي، ويرى أنه يلائم أكثر الطلبة ممن لديهم الوقت والرغبة في الدخول في شبكة العلاقات والقبول بشروطها، ويقول "هذه العلاقات أيضا تجعل الإدارة تركز على من يفيدونها، فتهتم باستقطاب الطلبة "الجاهزين" ممن لديهم قدرات ناضجة وليست مجرد مواهب، لأنهم مفيدون في المسابقات الجامعية ويحصدون الجوائز".
لهذا السبب، يحظى عبد المحسن بوضع خاص ويشترك في أنشطة وحفلات تنظمها رعاية الشباب، رغم أنه طالب ذو ميول ليبرالية وعضو في حزب الوفد، ولكنه لا يعول كثيرا على هذه الأنشطة وهامش الحرية المتاح من خلالها، ويرى أن النشاط الأفضل هو ما ينظمه الطلبة بشكل حر ومستقل، بعيدا عن الارتباط برعاية الشباب التي "تستسهل" وتريد تحقيق إنجازات وإقامة أنشطة في حدود هامش حرية ضيق، لذا فهي تجتذب بشكل أساسي الطلبة الراغبين في تحقيق "مصالح خاصة" من وراء النشاط.
الخط المفتوح
المصالح الخاصة لا تنطبق فقط على الاتهامات لبعض طلاب الاتحاد بالتكسب المادي من تنظيم الرحلات والأنشطة الأخرى، وهي الاتهامات التي يظل معظمها مرسلا ولا يمس إلا أفراد بعينهم. ولكن "المصلحة الكبرى" تتمثل في الخط المفتوح الواصل بين الاتحاد والأسر المرضي عنها وبين الحزب الوطني.
محمد معز، عضو أسرة "شباب النيل" كان ينفي أن يكون للحزب الوطني دخلا في إتاحة الفرصة لأسر بعينها يصل أفرادها إلى اتحاد الطلبة وهو يقول "الحزب ليس طريقا إلى الإتحاد، ولكن العكس صحيح: الاتحاد طريق إلى الحزب"،ويضيف أن العلاقة بين الحزب وبعض الأسر واتحاد الطلبة هي علاقة دعم وتعاون وليس سيطرة. فهو يشكو أن ميزانية الاتحاد ضئيلة ولا تكفي ويشيد بدور أمانة الشباب بالحزب الوطني في دعم النشاط.
يؤكد محمد صبري عضو الاتحاد ذلك ويقول "لسنا كلنا أعضاء في الحزب، ولكننا من خلال بعض الطلبة من أعضاء الحزب نحصل على الاعتمادات المالية لبعض الأنشطة".
في ظل القمع لبعض الطلبة ودعم آخرين، لا يمكن بالطبع الحديث عن نشاط طلابي حر ومستقل. يزيد الأمر صعوبة في نظر بعض الطلبة هو وقوعهم بين مطرقة الإدارة والأمن –أضف الحزب الوطني - وسندان الإخوان. وهي المشكلة التي يشير إليها محمد عبد المحسن عندما يقول أن الإخوان يريدون فرض ضوابطهم الخاصة التابعة لرؤيتهم الدينية على النشاط الطلابي وخاصة النشاط الفني، ويضيف أنه في الوقت الذي يتم فيه قمع طلبة الإخوان فأنهم يقومون أحيانا يقمع بعض الأنشطة و يعترضون عادة على إقامة حفلات غنائية مختلطة ويحكي أنهم قاموا قبل 3 سنوات بإفساد حفل غنائي، فأخذ أحدهم الميكروفون ووعظ الطلبة، بينما احتك آخرون بمنظمي الحفل.
" من حقنا أن نعترض، ولكن ليس من منهجنا إفساد أنشطة الآخرين" يرد محمد محيي الدين، الطالب بكلية الصيدلة والمتحدث الرسمي باسم طلبة الإخوان في جامعة القاهرة، ويقول" نحن نعلن اعتراضنا وننصح الآخرين وندعوهم للالتزام بالضوابط، التي ليست ضوابطنا الخاصة، ولكنها الضوابط التي يؤمن بها أغلب الناس الذين يمنحنوننا أصواتهم عندما تحدث انتخابات حرة". يستنكر محيي اعتبار الإخوان سببا في المشكلة "لا يمكن أن نسوّي بين الجاني والضحية، نحن نتعرض للقمع والشطب والفصل، ونحن نحترم الطلبة من كل التيارات والاتجاهات ونسعى للتعاون معهم، ولكن الطبيعي أن يقاوم الكل القمع والحجر على الطلبة ومن واجبهم أن يعترضوا على ما يحدث لطلبة الإخوان".
يعبر محيي الدين عن تفهمه لما يعانيه الطلبة المستقلون عن الكتلتين المتصارعتين مؤكدا: "الحرب ليست ضد الإخون أو غيرهم، الحرب على الوعي الطلابي وأي نشاط يحمل رسالة ما".
ممنوع الكلام !
إذا عدنا لكلية الهندسة كنموذج، فما يقوله محيي الدين يبدو منطبقا. فالنشاط السياسي والثقافي والفني المستقل عليه قيود شديدة، لا ينجو منها إلا الأنشطة التي تركز على الجانب الخيري وجانب تنمية المهارات الشخصية. ففي كلية الهندسة بدأ نشاط أسرة "رسالة" للأعمال الخيرية التي توسعت لتصبح جمعية "رسالة" الخيرية التي تنشط في مناطق متعددة، كما بدأ مشروع "ستب STP" الذي يهدف لتنمية مهارات الطلبة وتأهيلهم لسوق العمل، الذي انطلق من كلية الهندسة ليصبح مشروعا لكل طلبة الجامعات من مختلف المحافظات. ولكن حتى هذه الأنشطة تتعرض لمضايقات وعوائق إذا بدا للإدارة أنها بصدد توجيه أي "رسالة" أخرى موازية لعملها. فأسرة "رسالة" تم تجميد نشاطها في كلية الهندسة، ويعتقد معظم الطلبة أن ذلك جاء بسبب محاولة بعض أفراد الأسرة توجيه رسالة دعوة دينية بجانب النشاط الخيري وهو ما أدي للتجميد الذي يرفض قادة الأسرة الحديث عنه وعن أسبابه أملا في التوصل لحل ودي مع الإدارة.
"ستب" واجهت أيضا مشكلة العام الماضي بسبب دعوتها لأفرادها لتجمع في حديقة الأزهر وقيام أحد الطلبة بإلقاء كلمة عامة. التخوف من أن يتم جمع الطلبة خلال نشاط ما "مسموح" وتوجيه رسالة ما إليهم خارج نطاق "الرقابة"، سبب بعض المشاكل لـ"ستب" واضطرهم لنقل اجتماعهم السنوي العام الماضي إلى قاعة القبة داخل الحرم الجامعي بعد فشل تسوية هذه المشكلة مع عميد كلية الهندسة.
بدو كلية الهندسة بجامعة القاهرة أرضا خصبة للعديد من الأفكار والمبادرات المستقلة التي تنطلق خارجها إلى مجال أوسع. وربما كانت أحدث هذه المبادرات هي أسرة "عشاق الحياة" التي أسسها هذا العام طلاب مستقلون لهم اهتمامات مختلفة وبعضهم له ميول سياسية ليبرالية أو يسارية ومعظمهم مهتم بممارسة نشاط مختلف. مؤسسو "عشاق الحياة" ينطلقون من فكرة الاستقلال والرغبة في تأسيس تيار ثالث يعبر- وفقا لبيان تأسيس الأسرة - "عن جموع التجارب الجديدة و الطلبة غير الممثلين وغير القادرين على التعبير عن أنفسهم في ظل مناخ الجامعة الحالي". ويكون بديلا عن الاتجاهين الذين يسيطران على الحياة الجامعية، وهما – بحسب البيان أيضا – تيار محافظ يضم التيارات الدينية وبعض المجموعات الخيرية وتيار آخر يضم الأسر التي تخدم مصالح أفرادها الذاتية او مصالح إدارة الكلية أو جهات أخرى.
"معانا ولا مع التانيين !"
ولكن يبدو أن الكثير من العوائق تنتظر الطموح الكبير لـ"عشاق الحياة"، حيث يقول مجد زهران، الطالب بالسنة الثالثة بقسم الهندسة المعمارية وعضو "عشاق الحياة": "واجهنا مشاكل متعددة في تأسيس الأسرة و اضطررنا لدفع كل من نعرفه من أساتذة الجامعة للتوسط من أجل قبول أوراق الأسرة بعد مماطلة رعاية الشباب، وفي انتخابات هذا العام تم شطب كل طلاب الأسرة .. إنهم يحاربون كل تجربة جديدة بـ"الزهق"، يردوننا أن نمل ونتعب وننسى التفكير في الأمر".
يوضح محمد أنور، الطالب بالسنة الرابعة بقسم الهندسة الطبية وعضو الأسرة دور شبكة العلاقات إياها التي حاولت احتوائهم أو مواجهتهم "لقد فوجئت الإدارة بنا وبعددنا الكبير مقارنة بأسرة حديثة، فحاولت من خلال الأسر القريبة أن تحتوينا عن طريق دفعنا للاشتراك في لعبة تقسيم المقاعد بالتزكية ولما رفضنا كان نصيبنا الشطب بعد "قعدة الأمن" التي تعقب تقديم أوراق الترشيح، وفيها يحضر ممثلون عن رعاية الشباب والأمن وقادة الأسر المقربة ويقوم كل قائد أسرة بتحديد أوراق الطلبة المرشحين عن هذه الأسرة، والأوراق الباقية تخص الطلبة المستقلين ومنهم طلبة "عشاق الحياة"، لأن الإخوان لم يرشحوا أحدا هذا العام" ويضيف "كل اللي مش معاهم تم شطبه".
الاستبعاد من الانتخابات كان متوقعا من قبل طلبة المجموعة الوليدة، وكذلك عدم الاعتراف بهم وتسجيل الأسرة حتى الآن، ولكنهم بدأوا بالفعل في العمل كمجموعة مستقلة ترفض القبول بالهامش الضيق من الحرية، و تقاوم سياسة "من ليس معنا فهو ضدنا" بلغة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش أو "إنت معانا ولا مع التانيين" كما تقول النكتة. فالمجموعة بدأت في التعاون مع أعضاء هيئة التدريس القريبين منها ونظمت على مدار العام الدراسي الحالي عشر عروض لأفلام قصيرة أنتجها شباب ضمن خطة لنادي سينما أسبوعي، وبدأ نادي هواة التصوير الفوتوغرافي التابع للمجموعة نشاطه برحلة تصوير إلى جزيرة القرصاية ويعد لورش تصوير يشرف عليها فنانون ومحترفون، وتخطط المجموعة لتخصيص يوم ثقافي دوري يتضمن عروضا موسيقية وقراءات أدبية.
أسرة "عشاق الحياة" واحدة من تجارب مماثلة أو قريبة تتناثر هنا وهناك في الجامعات المصرية، ربما تنجح في فترة قصيرة في اجتذاب العديد من الشباب الذين يريدون التعبير بحرية، ليس بالضرورة تحت شعار سياسي، ولكن عن طريق التجمع حول ما يحبونه من الفنون والثقافة وطريقة التعبير. ولكن المعركة القاسية التي لا يقوى تنظيم قوي وعريق مثل الإخوان على مواجهتها، تجعل كثيرا من تلك التجارب تنتهي بعد قليل من مولدها إن لم يكن لديها أكثر من حرارة الأمل والحماسة. لننتظر ونرى.
من ليس معنا فهو ضدنا - الشروق 12 مارس 2009 أعضاء اتحاد الطلبة ليسوا أي طلبة، من المفترض أنهم شخصيات عامة داخل الجامعة ويمثلون آلاف الطلبة، ومن المنتظر أن يكونوا بحكم اهتمامهم بالمجال العام شخصيات عامة في المجتمع. ولكن ما حدث، ويعد مؤشرا على درجة استقلاليتهم وتفهمهم لدورهم، ليس مستغربا أبدا بالنظر إلى الطريقة التي تدير بها إدارة "رعاية الشباب" النشاط الطلابي في الجامعة. والتبعية والخضوع لها من جانب الطلبة أعضاء الاتحادات الطلابية هو الوجه الآخر لما يملأ الصحف وقت الانتخابات الطلابية من أخبار الشطب والتهديد بالفصل للطلبة "الآخرين" الذين ليسوا معها.
"هذا ليس صحيحا" يعترض محمد معز، الطالب البارز في أسرة "شباب النيل" في كلية الهندسة، والأمين العام السابق للجنة الفنية في اتحاد طلاب الكلية، "نحن لسنا تابعين لإدارة رعاية الشباب، نحن فقط نجحنا في عقد علاقات قوية معهم وهو ما يسهل لنا ممارسة النشاط، أما شطب زملائنا من الإخوان والتيارات الأخرى، فهذه سياسة لا يمكننا تغييرها إذا كنا لا نحبها، فنحن لا نملك أمامها شيئا ولن توقفنا عن ممارسة نشاطنا".
ولكنها ليست فقط علاقات قوية، بل علاقات "حصرية". فهذه العلاقة التي تسهل ممارسة الأنشطة طول العام تنتهي في أوقات الانتخابات لتصبح "جلسة مغلقة" تضم الأسر المرضيّ عنها من قبل إدارة الشباب، لإتمام الانتخابات بطريقة التزكية عن طريق تقسيم مقاعد اتحاد الطلبة على هذه الأسر، وإما التعيين إن لم يتفقوا. وهو ما يؤكده معز ويتأسف أن الأسر الثلاثة في كلية الهندسة الناجية من الشطب والتي تحظى بحق "الجلسةالمغلقة": "شباب النيل" و"الفراعنة" و"فيو View" لم تتفق، وانتهى الأمر إلى التعيين الذي تجاهل معز هذا العام.
ولكن عضو نفس الأسرة محمد صبري، الطالب بالسنة الثالثة بقسم هندسة القوى الكهربية والأمين المساعد للجنة الفنية في اتحاد هذا العام "المعيّن"، يرى أن هذه "العلاقة التي تسهل ممارسة النشاط"- التي تحدث عنها معز- ضرورية ليتأكد المسئولين عن رعاية الشباب من أن هؤلاء الطلبة "مناسبون" ولن يسببوا أي مشاكل. صبري لا يرى الإقصاء والشطب قمعا ولكنه "حرص شديد" مشروع لحماية النشاط الطلابي. ويضيف صبري "من خلال هذه العلاقة أيضا نقوم بتعريف رعاية الشباب على الطلبة الجدد، نقيم حفلات استقبال ونضم "المناسب" منهم إلى أسرتنا ونعرفهم على أنشطة رعاية الشباب ".
شبكة أمنية وأخرى إخوانية
من الواضح أن شبكة العلاقات هذه، تحقق هدفها "الأمني" لدى إدارة رعاية الشباب وأمن الجامعة، لتمنع "تسلل" طلبة "مشاغبين أو مثيرين للقلق" في نظرهم. ولكن في الحقيقة هذه الشبكة لم تعد ذات معنى بالنسبة لطلبة الإخوان، فبعد سنوات من حصر النشاط الطلابي على هذه الشبكة وإقصاء ما دونها، لا يحاول طلبة الإخوان التعامل مع أنشطة رعاية الشباب، إلا في محاولاتهم المستمرة لتأسيس أسر. ولكن بخلاف ذلك فهم يدخلون إلى الجامعة ويصحبون معهم "شبكة علاقات" أخرى، يوفرها التنظيم خارج الجامعة كما يوفر هذا التنظيم دعما ماليا وبشريا لبدء الأنشطة الخاصة بطلبة الإخوان. ولكن يبقى في النهاية بلا داعم طلبة "الطريق الثالث"، إن جاز التعبير.
محمد عبد المحسن، الطالب بالسنة الثالثة بقسم الهندسة الكيميائية، من الأعضاء البارزين في فريق الغناء بالكلية وهو عضو أيضا في الفرقة القومية للموسيقى العربية. ورغم نشاطه الملحوظ وفوزه بالعديد من الجوائز في المسابقات الجامعية إلا أنه يشكو من أسلوب إدارة رعاية الشباب الذي يضعف النشاط الجامعي، ويرى أنه يلائم أكثر الطلبة ممن لديهم الوقت والرغبة في الدخول في شبكة العلاقات والقبول بشروطها، ويقول "هذه العلاقات أيضا تجعل الإدارة تركز على من يفيدونها، فتهتم باستقطاب الطلبة "الجاهزين" ممن لديهم قدرات ناضجة وليست مجرد مواهب، لأنهم مفيدون في المسابقات الجامعية ويحصدون الجوائز".
لهذا السبب، يحظى عبد المحسن بوضع خاص ويشترك في أنشطة وحفلات تنظمها رعاية الشباب، رغم أنه طالب ذو ميول ليبرالية وعضو في حزب الوفد، ولكنه لا يعول كثيرا على هذه الأنشطة وهامش الحرية المتاح من خلالها، ويرى أن النشاط الأفضل هو ما ينظمه الطلبة بشكل حر ومستقل، بعيدا عن الارتباط برعاية الشباب التي "تستسهل" وتريد تحقيق إنجازات وإقامة أنشطة في حدود هامش حرية ضيق، لذا فهي تجتذب بشكل أساسي الطلبة الراغبين في تحقيق "مصالح خاصة" من وراء النشاط.
الخط المفتوح
المصالح الخاصة لا تنطبق فقط على الاتهامات لبعض طلاب الاتحاد بالتكسب المادي من تنظيم الرحلات والأنشطة الأخرى، وهي الاتهامات التي يظل معظمها مرسلا ولا يمس إلا أفراد بعينهم. ولكن "المصلحة الكبرى" تتمثل في الخط المفتوح الواصل بين الاتحاد والأسر المرضي عنها وبين الحزب الوطني.
محمد معز، عضو أسرة "شباب النيل" كان ينفي أن يكون للحزب الوطني دخلا في إتاحة الفرصة لأسر بعينها يصل أفرادها إلى اتحاد الطلبة وهو يقول "الحزب ليس طريقا إلى الإتحاد، ولكن العكس صحيح: الاتحاد طريق إلى الحزب"،ويضيف أن العلاقة بين الحزب وبعض الأسر واتحاد الطلبة هي علاقة دعم وتعاون وليس سيطرة. فهو يشكو أن ميزانية الاتحاد ضئيلة ولا تكفي ويشيد بدور أمانة الشباب بالحزب الوطني في دعم النشاط.
يؤكد محمد صبري عضو الاتحاد ذلك ويقول "لسنا كلنا أعضاء في الحزب، ولكننا من خلال بعض الطلبة من أعضاء الحزب نحصل على الاعتمادات المالية لبعض الأنشطة".
في ظل القمع لبعض الطلبة ودعم آخرين، لا يمكن بالطبع الحديث عن نشاط طلابي حر ومستقل. يزيد الأمر صعوبة في نظر بعض الطلبة هو وقوعهم بين مطرقة الإدارة والأمن –أضف الحزب الوطني - وسندان الإخوان. وهي المشكلة التي يشير إليها محمد عبد المحسن عندما يقول أن الإخوان يريدون فرض ضوابطهم الخاصة التابعة لرؤيتهم الدينية على النشاط الطلابي وخاصة النشاط الفني، ويضيف أنه في الوقت الذي يتم فيه قمع طلبة الإخوان فأنهم يقومون أحيانا يقمع بعض الأنشطة و يعترضون عادة على إقامة حفلات غنائية مختلطة ويحكي أنهم قاموا قبل 3 سنوات بإفساد حفل غنائي، فأخذ أحدهم الميكروفون ووعظ الطلبة، بينما احتك آخرون بمنظمي الحفل.
" من حقنا أن نعترض، ولكن ليس من منهجنا إفساد أنشطة الآخرين" يرد محمد محيي الدين، الطالب بكلية الصيدلة والمتحدث الرسمي باسم طلبة الإخوان في جامعة القاهرة، ويقول" نحن نعلن اعتراضنا وننصح الآخرين وندعوهم للالتزام بالضوابط، التي ليست ضوابطنا الخاصة، ولكنها الضوابط التي يؤمن بها أغلب الناس الذين يمنحنوننا أصواتهم عندما تحدث انتخابات حرة". يستنكر محيي اعتبار الإخوان سببا في المشكلة "لا يمكن أن نسوّي بين الجاني والضحية، نحن نتعرض للقمع والشطب والفصل، ونحن نحترم الطلبة من كل التيارات والاتجاهات ونسعى للتعاون معهم، ولكن الطبيعي أن يقاوم الكل القمع والحجر على الطلبة ومن واجبهم أن يعترضوا على ما يحدث لطلبة الإخوان".
يعبر محيي الدين عن تفهمه لما يعانيه الطلبة المستقلون عن الكتلتين المتصارعتين مؤكدا: "الحرب ليست ضد الإخون أو غيرهم، الحرب على الوعي الطلابي وأي نشاط يحمل رسالة ما".
ممنوع الكلام !
إذا عدنا لكلية الهندسة كنموذج، فما يقوله محيي الدين يبدو منطبقا. فالنشاط السياسي والثقافي والفني المستقل عليه قيود شديدة، لا ينجو منها إلا الأنشطة التي تركز على الجانب الخيري وجانب تنمية المهارات الشخصية. ففي كلية الهندسة بدأ نشاط أسرة "رسالة" للأعمال الخيرية التي توسعت لتصبح جمعية "رسالة" الخيرية التي تنشط في مناطق متعددة، كما بدأ مشروع "ستب STP" الذي يهدف لتنمية مهارات الطلبة وتأهيلهم لسوق العمل، الذي انطلق من كلية الهندسة ليصبح مشروعا لكل طلبة الجامعات من مختلف المحافظات. ولكن حتى هذه الأنشطة تتعرض لمضايقات وعوائق إذا بدا للإدارة أنها بصدد توجيه أي "رسالة" أخرى موازية لعملها. فأسرة "رسالة" تم تجميد نشاطها في كلية الهندسة، ويعتقد معظم الطلبة أن ذلك جاء بسبب محاولة بعض أفراد الأسرة توجيه رسالة دعوة دينية بجانب النشاط الخيري وهو ما أدي للتجميد الذي يرفض قادة الأسرة الحديث عنه وعن أسبابه أملا في التوصل لحل ودي مع الإدارة.
"ستب" واجهت أيضا مشكلة العام الماضي بسبب دعوتها لأفرادها لتجمع في حديقة الأزهر وقيام أحد الطلبة بإلقاء كلمة عامة. التخوف من أن يتم جمع الطلبة خلال نشاط ما "مسموح" وتوجيه رسالة ما إليهم خارج نطاق "الرقابة"، سبب بعض المشاكل لـ"ستب" واضطرهم لنقل اجتماعهم السنوي العام الماضي إلى قاعة القبة داخل الحرم الجامعي بعد فشل تسوية هذه المشكلة مع عميد كلية الهندسة.
بدو كلية الهندسة بجامعة القاهرة أرضا خصبة للعديد من الأفكار والمبادرات المستقلة التي تنطلق خارجها إلى مجال أوسع. وربما كانت أحدث هذه المبادرات هي أسرة "عشاق الحياة" التي أسسها هذا العام طلاب مستقلون لهم اهتمامات مختلفة وبعضهم له ميول سياسية ليبرالية أو يسارية ومعظمهم مهتم بممارسة نشاط مختلف. مؤسسو "عشاق الحياة" ينطلقون من فكرة الاستقلال والرغبة في تأسيس تيار ثالث يعبر- وفقا لبيان تأسيس الأسرة - "عن جموع التجارب الجديدة و الطلبة غير الممثلين وغير القادرين على التعبير عن أنفسهم في ظل مناخ الجامعة الحالي". ويكون بديلا عن الاتجاهين الذين يسيطران على الحياة الجامعية، وهما – بحسب البيان أيضا – تيار محافظ يضم التيارات الدينية وبعض المجموعات الخيرية وتيار آخر يضم الأسر التي تخدم مصالح أفرادها الذاتية او مصالح إدارة الكلية أو جهات أخرى.
"معانا ولا مع التانيين !"
ولكن يبدو أن الكثير من العوائق تنتظر الطموح الكبير لـ"عشاق الحياة"، حيث يقول مجد زهران، الطالب بالسنة الثالثة بقسم الهندسة المعمارية وعضو "عشاق الحياة": "واجهنا مشاكل متعددة في تأسيس الأسرة و اضطررنا لدفع كل من نعرفه من أساتذة الجامعة للتوسط من أجل قبول أوراق الأسرة بعد مماطلة رعاية الشباب، وفي انتخابات هذا العام تم شطب كل طلاب الأسرة .. إنهم يحاربون كل تجربة جديدة بـ"الزهق"، يردوننا أن نمل ونتعب وننسى التفكير في الأمر".
يوضح محمد أنور، الطالب بالسنة الرابعة بقسم الهندسة الطبية وعضو الأسرة دور شبكة العلاقات إياها التي حاولت احتوائهم أو مواجهتهم "لقد فوجئت الإدارة بنا وبعددنا الكبير مقارنة بأسرة حديثة، فحاولت من خلال الأسر القريبة أن تحتوينا عن طريق دفعنا للاشتراك في لعبة تقسيم المقاعد بالتزكية ولما رفضنا كان نصيبنا الشطب بعد "قعدة الأمن" التي تعقب تقديم أوراق الترشيح، وفيها يحضر ممثلون عن رعاية الشباب والأمن وقادة الأسر المقربة ويقوم كل قائد أسرة بتحديد أوراق الطلبة المرشحين عن هذه الأسرة، والأوراق الباقية تخص الطلبة المستقلين ومنهم طلبة "عشاق الحياة"، لأن الإخوان لم يرشحوا أحدا هذا العام" ويضيف "كل اللي مش معاهم تم شطبه".
الاستبعاد من الانتخابات كان متوقعا من قبل طلبة المجموعة الوليدة، وكذلك عدم الاعتراف بهم وتسجيل الأسرة حتى الآن، ولكنهم بدأوا بالفعل في العمل كمجموعة مستقلة ترفض القبول بالهامش الضيق من الحرية، و تقاوم سياسة "من ليس معنا فهو ضدنا" بلغة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش أو "إنت معانا ولا مع التانيين" كما تقول النكتة. فالمجموعة بدأت في التعاون مع أعضاء هيئة التدريس القريبين منها ونظمت على مدار العام الدراسي الحالي عشر عروض لأفلام قصيرة أنتجها شباب ضمن خطة لنادي سينما أسبوعي، وبدأ نادي هواة التصوير الفوتوغرافي التابع للمجموعة نشاطه برحلة تصوير إلى جزيرة القرصاية ويعد لورش تصوير يشرف عليها فنانون ومحترفون، وتخطط المجموعة لتخصيص يوم ثقافي دوري يتضمن عروضا موسيقية وقراءات أدبية.
أسرة "عشاق الحياة" واحدة من تجارب مماثلة أو قريبة تتناثر هنا وهناك في الجامعات المصرية، ربما تنجح في فترة قصيرة في اجتذاب العديد من الشباب الذين يريدون التعبير بحرية، ليس بالضرورة تحت شعار سياسي، ولكن عن طريق التجمع حول ما يحبونه من الفنون والثقافة وطريقة التعبير. ولكن المعركة القاسية التي لا يقوى تنظيم قوي وعريق مثل الإخوان على مواجهتها، تجعل كثيرا من تلك التجارب تنتهي بعد قليل من مولدها إن لم يكن لديها أكثر من حرارة الأمل والحماسة. لننتظر ونرى.
موضوع رائع آخر يا عمورة ...المدونة دي كانت مستخبية فين يبني ؟ هو انت بتحط عليها بس مقالاتك في الجرائد ؟
ردحذففكرة كويسة علي فكرة
أهلا يا شريف
ردحذفنعم هذه مدونة سأضع فيها الموضوعات الصحفية
سعيد باهتمامك ورأيك
أكيد تابعين إن شاء الله
ردحذفلو مكنوش تابعين مكنوش هيبقوا فى الإتحاد