الشتائم الجنسية نتاج لثقافة فصامية تهين المرأة وتحتقر الجنس أم "جماليات لغوية" و"عشم" بين الناس ؟
عندما تحدث هيرودوت عن المصريين في القرن الخامس قبل الميلاد قال أن من عادتهم "المجون والألفاظ البذيئة الفاضحة"، وروى كيف كانوا يحتفلون بعيد الإخصاب فتخرج النساء تحمل تماثيل لرجال عضو الذكورة فيها بطول باقي الجسم، ويتغنون بإله الإخصاب أوزوريس، بينما يتبادل الرجال الأنخاب والنكات الجنسية.
يحق لنا أن نسأل هيرودوت، أو مترجم كلامه إلى العربية، كيف تكون ألفاظ معينة هي عادة لمعظم المصريين وتكون في نفس الوقت "بذيئة" أو "فاحشة"، والبذاءة والفحش لغة معناهما البعد، والألفاظ البذيئة أو الفاحشة بالتالي هي الألفاظ التي يبتعد الناس عن استخدامها.
كما يصح أن نسأل كيف تكون هذه الألفاظ "فاضحة"، وفاضحة لأي شيء، بينما تخرج أعداد كبيرة من الشعب في يوم عيد تظهر تفاصيل العلاقة الجنسية بهذا الوضوح، بل وتحتفل بها.
وبعيدا عن إجابة لن تأتي من التاريخ، فالتناقض لا زال يحكم حتى هذه اللحظة. الألفاظ الجنسية التي تنتشر في العامية اليومية لمختلف طبقات وفئات المصريين لا وجود لها في الإعلام أو الأدب والفن، الذين من المفترض أنهم يعكسون الحياة اليومية، إلا قليلا أو إشارات غير مباشرة.
هل لهذا التناقض علاقة بأن الاستخدام الأكثر كثافة لهذه الألفاظ في صيغة الشتيمة، وإن استخدمت في أغراض أخرى كالسخرية أو المبالغة مثلا؟ وهل لذلك علاقة بتحول معظم قاموس الشتيمة اليومية بين المصريين لاستخدام الألفاظ والمفردات الجنسية، "البذيئة" و"الفاضحة"؟ وما علاقة الجنس تحديدا بالإهانة والشتيمة؟ ولماذا يكون مجرد ذكر العضو الأنثوي مقرونا بالأم إهانة؟ ولماذا تصور معظم الشتائم الشائعة العلاقة الجنسية بأنها بين طرفين أحدهما فاعل وآخر مفعول به مهان ومحتقر؟ حتى أن بعض الشتائم الجنسية لا تهين إلا الطرف السلبي أو "المفعول به" في العلاقة المثلية.
ترى د. عزة عزت، أستاذ الإعلام بجامعة المنوفية، وصاحبة كتاب" التحولات في الشخصية المصرية" أنه بالرغم من أن المصريين من أيام الفراعنة قد اتصفوا بالبذاءة وسلاطة اللسان والسخرية اللاذعة والفحش في القول كما يقول المؤرخون، إلا أن المصري القديم كان يحترم المرأة والعلاقة الجنسية. وتعتقد أن استخدام الجنس في الإهانة عبر الشتائم الجنسية لم يبدأ إلا في عصور متأخرة تراجع فيها احترام المرأة، بدخول "ثقافة الحريم" وانتشار عادة اقتناء الجواري في مصر، وترجح أن ذلك كان في العصر العثماني.
انحسرت ثقافة الحريم ، وإن لم تختف كل مظاهرها، وتحسنت صورة المرأة نسبيا، ولكن الشتائم الجنسية لم تنحسر ،وهو ما يجعل د. وائل أبو هندي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الزقازيق يعتمد في تفسيره على اللحظة الراهنة ليرى أن انتشار الشتائم عموما هو صدى لحالة من القهر والظروف الصعبة التي يعيشها المصريون، ويعتبر انتشار الشتائم الجنسية بشكل خاص تعبير عن "حرمان غير واعي" تجاه العلاقة الجنسية، ولكنه يخشى أن يتوهم البعض أن هذه الظاهرة عند المصريين وحدهم فيلفت النظر إلى إن هذه الشتائم ليست حكرا على المصريين بل هي عادة معظم الشعوب العربية الأخرى التي تعاني في رأيه" من نفس الحرمان".
ولكن هذه الشتائم لا تخص فقط الشعوب العربية، ولا تلك التي تعاني من الحرمان، فهي موجودة في مجتمعات تتسم بالتحرر الجنسي. وهو ما يؤكده د. محمد الرخاوي، أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة، "استخدام الجنس في الإهانة لا يرجع لعوامل تخص هذا الشعب أو ذاك، هناك تعميمات في الثقافة الإنسانية تربط فعل الجنس بالسيادة والقوة من جهة الذكر والخضوع والتعرض للاختراق من جهة الأنثى، لذا فهي تستخدم في الإهانة".
ازدواجية النظر للجنس
يعود ذلك بنا إلى فكرة القهر مرة أخرى، التي تظهر هذه المرة في فعل الجنس، الذي يتصوره البعض على شكل علاقة فيها أعلى وأدنى، وقاهر مقهور. يؤكد د. حسنين كشك، أستاذ الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية على علاقة استخدام الجنس في الشتائم بفكرة القهر، ويربطه بثقافة التمييز وعدم المساواة التي تعاني منها المجتمعات العربية سواء على المستوى السياسي أو على مستوى العلاقة بين الجنسين. ويضيف " هذه الشتائم نتاج لثقافة فصامية، لديها ازداوجية في النظر للجنس، فهي من ناحية ثقافة تعاني من أزمة تتعلق بممارسة الجنس نتيجة لمشكلة طغيان العنوسة، فلا ترى في المرأة إلا موضوعا جنسيا، ولكنها من ناحية أخرى تفتقد لاحترام المرأة لنفس السبب وتتحرش بها عبر هذه الشتائم".
إذن، هل يمكن أن ننتهي إلى أن هذه الشتائم التي تستخدم فعل الجنس أو العضو الأنثوي في الإهانة هي إهانة وتحقير للمرأة، أم أن الأمر ليس أحادي الجانب، وتتدخل فيه الازدواجيه التي يشير إليها كشك. فعلى خلافه لا تعتقد د. عزة عزت أن انتشار الشتائم الجنسية عند المصريين مرده لاحتقار المرأة، ورغم أنها رأت أن بدء انتشار الشتائم الجنسية كان مع عصور انحطاط قيمة المرأة، إلا إنها مع ذلك ترى أن هذه الشتائم تخفي خلفها "تقديسا للمرأة" ، وتوضح "الشتيمة تعتمد على الإهانة من خلال انتهاك المقدس والمصون، مثل سب الدين".
قريبا من ذلك، يرى مسعود شومان، الشاعر والباحث في التراث الشعبي، "القداسة عند المصريين مرتبطة بشكل خاص بالأم، لذا فالشتائم معظمها يتعمد استخدام الأم للإهانة. بخلاف شعوب عربية أخرى تنسب الشتيمة للأخت، فتنسب مثلا العضو الأنثوي للأخت على سبيل الإهانة"، ويرى شومان أن سبب ذلك هو تجذر ثقافة "العار" عندهم، وهي التي ترتبط بانتهاك العذارى بشكل خاص، بينما شتائم المصريين التي يتعلق معظمها للأم، الإهانة فيها متعلقة بانتهاك للأم المقدسة عندهم منذ أوزوريس حتى الآن.
ولكن نفس الشتيمة الشهيرة التي يلمح شومان إليها، ذكر العضو الأنثوي منسوبا للأم، يستخدمها
د.محمد الرخاوي ليقول أن الإهانة غير متعلقة بالمرأة، بقدر تعلقها بالجنس نفسه، ويقول "هذه الشتيمة تكتفي بمجرد ذكر العضو الأثنوي منسوبا للأم بلا أي وصف أو إضافة" وهي تشترك مع الشتائم الجنسية الأخرى في أنها تقتحم وتخدش حرمة موضوعات حميمة ذات علاقة بالجنس، عن طريق الكشف والإعلان عن العلاقات الجنسية والأعضاء الجنسية، وهذا الاقتحام والكشف هو مكمن الإهانة.
لكل ذلك وغيره، فالشتائم الجنسية بالطبع لن تعدم الهجوم العنيف، فيعتبرها د. حسنين كشك انحطاطا قيميا وثقافيا، وتعتبر د.عزة عزت انتشارها انحطاطا في عامية كل طبقات وفئات المصريين، بعد أن كانت هذه الشتائم منتشرة فقط بين "السوقة". ولكن مسعود شومان يعترض "التعامل القيمي والأخلاقي مع الشتائم يفقدها كثيرا من الجوانب المهمة والدالة ومنها جماليات الشتيمة!".
معجم الشتائم
شومان، الذي يشغل أيضا منصب مدير أطلس المأثورات الشعبية، قضى فترة في محاولة لإعداد معجم لشتائم المصريين، وكان مصدره الأساسي هو المشاجرات التي كانت تتنازعه أثناء متابعته لها رغبتان: رغبة الباحث في استمرار المشاجرة ليسمع القدر الأكبر من الشتائم ويسجلها، والرغبة الإنسانية أن تتوقف وينصرف الناس سالمين. ويبدو أن وقت المشاجرات كان كافيا ليرضى رغبة الباحث، فقد تمكن شومان من جمع وتسجيل 20 ألف شتيمة متنوعة، ولكن مشروعه توقف لأنه لم يجد جهة تتعهد نشره، وبالطبع فإن للكم الكبير من الشتائم الجنسية دور كبير في ذلك.
ولكن يبدو أن حماسة شومان لمشروعه لم تفتر، فهو يرد على وصف الشتائم بالانحطاط بقوله أن لمفردات لشتائم ومجازاتها أبعادها الجمالية، كما يرى أن الإدانة الأخلاقية أو حتى التفسير الذي يتركز حول انطلاق الشتيمة من نظرة للمرأة أو الجنس هو تفسير يهدر الكثير من دلالات مفردات الشتيمة. فيرى شومان أن الشتائم الجنسية ربما لا تعبر بالضرورة عن معاني متعلقة بالجنس، فالألفاظ تفارق معناها اللغوي المعجمي إلى معنى آخر مجازي، ويضرب مثلا لذلك "المفردات المختلفة التي تستخدم في الشتيمة وتعني كلها "المثليّ جنسيا" تشير لدلالات أخرى تتعلق بالميوعة أو افتقاد الرجولة والجدية أو تشير إلى أن الشخص لا يعتمد عليه".
كما يضيف أن العديد من الألفاظ الجنسية أصبحت تستخدم في الوصف لبيان القوة أو الشدة أو التأثر أو للسخرية الشديدة، وتستخدم أحيانا في المدح كما تستخدم في الذم،"عندما نقول: فلان ده ابن كذا، يختلف معناها ودلالاتها وغرضها بحسب الموقف وطريقة النطق والسياق، الشتيمة تستحضر اللغة الانفعالية القادرة بدورها على نقل المشاعر والانفعال بشكل يتجاوز قدرة اللغة العادية المباشرة" ويضيف "وهنا تكمن جماليات الشتيمة، في كناياتها ومجازاتها وطريقة أدائها".
ولكن هل لجماليات اللغة الانفعالية للشتمية علاقة ما بالجنس، يجيب شومان "بالتأكيد، الجنس لحظة تحرر من القيود العادية ومن الوقار، ولحظة الجنس مرتبطة أيضا بالتحرر اللفظي وهناك من لا يستمتعون بها إلا بالفحش في القول". يرى شومان أن هذا الجانب الانفعالي يربط الجنس بالشتيمة لتستخدم المفدرات الجنسية في سياقات مختلفة تعبر أحيانا عن الهجوم والسخرية والمدح وربما المحبة وإظهار القرب الشديد.
من باب العشم
ولكن كيف تكون الشتائم الجنسية تعبيرا عن القرب الشديد ؟، يرد شومان "بعض الأصحاب والمقربين، يتبادلون مفردات الشتائم الجنسية في جلسات وحوارات ودية، وكأنهم يمارسون نوعا من التعري والانكشاف وإسقاط الحواجز والكلفة، ، وفي هذه الحالة يفارق لفظ الشتيمة جانب الإهانة". ويفسر شومان بذلك انتشار الاستخدام الكبير لمفردات الشتائم في النطاقات الحميمة بين العديد من الناس بعيدا عن ساحات المشاجرات.
لدى د.محمد الرخاوي انطباع آخر حول مدى انتشار الشتائم الجنسية ، فهو يؤكد أنه لا دراسات دقيقة عن اننشارها أو انحسارها، ولكنه يسجل ملاحظته أن استخدام الشتائم الجنسية عند المصريين شهد انحسارا، ورأيه يتقاطع نوعا ما مع رأي شومان عندما يقول أن تبادل الشتائم، سواء في الهزل أو في المشاجرات، كان تعبيرا عن التفريج عن النفس وعن مساحات متاحة من التعبير غير اللائق، التي يمكن تداركها بسهولة وبتسامح، فهو يرى أن جانبا من استخدامها تعبير عن نوع من "العشم " بين الناس. ويرى أن انحساراستخدامها، رغم بقائها في معجم حياة المصريين، يشير إلى غياب هذا "العشم" والتسامح، الذي حل محله الخوف المتبادل والتوتر الشديد بين الناس، فلا تمر مثل هذه الشتائم ببساطة كما كانت تمر سابقا بحسب ملاحظته.
تأكيد الرخاوي على أن بعض كلامه وليد ملاحظاته فحسب، نتيجة لعدم وجود دراسات وافية، وقوله أن الأكاديمين أصحاب "الكرافتات" عادة ما يبتعدون عن دراسة مثل هذه الموضوعات، وإشارة شومان لتوقف مشروعه البحثي لصعوبة الاتفاق مع ناشر، بالإضافة للصعوبات التي تواجه حتى الموضوعات الصحفية التي لا تستطيع ذكر مفردات الشتائم الجنسية صراحة وتضطر للإشارة إلى معانيها.. كل ذلك يشير إلى صعوبة دارسة هذه الظاهرة التي يتأرجح التعامل معها، رغم شيوعها، بين الاعتراف والإنكار، والاهتمام والتجاهل، والإدانة والتفهم.
نشر في الشروق الأربعاء 1 يوليو 2009
عندما تحدث هيرودوت عن المصريين في القرن الخامس قبل الميلاد قال أن من عادتهم "المجون والألفاظ البذيئة الفاضحة"، وروى كيف كانوا يحتفلون بعيد الإخصاب فتخرج النساء تحمل تماثيل لرجال عضو الذكورة فيها بطول باقي الجسم، ويتغنون بإله الإخصاب أوزوريس، بينما يتبادل الرجال الأنخاب والنكات الجنسية.
يحق لنا أن نسأل هيرودوت، أو مترجم كلامه إلى العربية، كيف تكون ألفاظ معينة هي عادة لمعظم المصريين وتكون في نفس الوقت "بذيئة" أو "فاحشة"، والبذاءة والفحش لغة معناهما البعد، والألفاظ البذيئة أو الفاحشة بالتالي هي الألفاظ التي يبتعد الناس عن استخدامها.
كما يصح أن نسأل كيف تكون هذه الألفاظ "فاضحة"، وفاضحة لأي شيء، بينما تخرج أعداد كبيرة من الشعب في يوم عيد تظهر تفاصيل العلاقة الجنسية بهذا الوضوح، بل وتحتفل بها.
وبعيدا عن إجابة لن تأتي من التاريخ، فالتناقض لا زال يحكم حتى هذه اللحظة. الألفاظ الجنسية التي تنتشر في العامية اليومية لمختلف طبقات وفئات المصريين لا وجود لها في الإعلام أو الأدب والفن، الذين من المفترض أنهم يعكسون الحياة اليومية، إلا قليلا أو إشارات غير مباشرة.
هل لهذا التناقض علاقة بأن الاستخدام الأكثر كثافة لهذه الألفاظ في صيغة الشتيمة، وإن استخدمت في أغراض أخرى كالسخرية أو المبالغة مثلا؟ وهل لذلك علاقة بتحول معظم قاموس الشتيمة اليومية بين المصريين لاستخدام الألفاظ والمفردات الجنسية، "البذيئة" و"الفاضحة"؟ وما علاقة الجنس تحديدا بالإهانة والشتيمة؟ ولماذا يكون مجرد ذكر العضو الأنثوي مقرونا بالأم إهانة؟ ولماذا تصور معظم الشتائم الشائعة العلاقة الجنسية بأنها بين طرفين أحدهما فاعل وآخر مفعول به مهان ومحتقر؟ حتى أن بعض الشتائم الجنسية لا تهين إلا الطرف السلبي أو "المفعول به" في العلاقة المثلية.
ترى د. عزة عزت، أستاذ الإعلام بجامعة المنوفية، وصاحبة كتاب" التحولات في الشخصية المصرية" أنه بالرغم من أن المصريين من أيام الفراعنة قد اتصفوا بالبذاءة وسلاطة اللسان والسخرية اللاذعة والفحش في القول كما يقول المؤرخون، إلا أن المصري القديم كان يحترم المرأة والعلاقة الجنسية. وتعتقد أن استخدام الجنس في الإهانة عبر الشتائم الجنسية لم يبدأ إلا في عصور متأخرة تراجع فيها احترام المرأة، بدخول "ثقافة الحريم" وانتشار عادة اقتناء الجواري في مصر، وترجح أن ذلك كان في العصر العثماني.
انحسرت ثقافة الحريم ، وإن لم تختف كل مظاهرها، وتحسنت صورة المرأة نسبيا، ولكن الشتائم الجنسية لم تنحسر ،وهو ما يجعل د. وائل أبو هندي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الزقازيق يعتمد في تفسيره على اللحظة الراهنة ليرى أن انتشار الشتائم عموما هو صدى لحالة من القهر والظروف الصعبة التي يعيشها المصريون، ويعتبر انتشار الشتائم الجنسية بشكل خاص تعبير عن "حرمان غير واعي" تجاه العلاقة الجنسية، ولكنه يخشى أن يتوهم البعض أن هذه الظاهرة عند المصريين وحدهم فيلفت النظر إلى إن هذه الشتائم ليست حكرا على المصريين بل هي عادة معظم الشعوب العربية الأخرى التي تعاني في رأيه" من نفس الحرمان".
ولكن هذه الشتائم لا تخص فقط الشعوب العربية، ولا تلك التي تعاني من الحرمان، فهي موجودة في مجتمعات تتسم بالتحرر الجنسي. وهو ما يؤكده د. محمد الرخاوي، أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة، "استخدام الجنس في الإهانة لا يرجع لعوامل تخص هذا الشعب أو ذاك، هناك تعميمات في الثقافة الإنسانية تربط فعل الجنس بالسيادة والقوة من جهة الذكر والخضوع والتعرض للاختراق من جهة الأنثى، لذا فهي تستخدم في الإهانة".
ازدواجية النظر للجنس
يعود ذلك بنا إلى فكرة القهر مرة أخرى، التي تظهر هذه المرة في فعل الجنس، الذي يتصوره البعض على شكل علاقة فيها أعلى وأدنى، وقاهر مقهور. يؤكد د. حسنين كشك، أستاذ الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية على علاقة استخدام الجنس في الشتائم بفكرة القهر، ويربطه بثقافة التمييز وعدم المساواة التي تعاني منها المجتمعات العربية سواء على المستوى السياسي أو على مستوى العلاقة بين الجنسين. ويضيف " هذه الشتائم نتاج لثقافة فصامية، لديها ازداوجية في النظر للجنس، فهي من ناحية ثقافة تعاني من أزمة تتعلق بممارسة الجنس نتيجة لمشكلة طغيان العنوسة، فلا ترى في المرأة إلا موضوعا جنسيا، ولكنها من ناحية أخرى تفتقد لاحترام المرأة لنفس السبب وتتحرش بها عبر هذه الشتائم".
إذن، هل يمكن أن ننتهي إلى أن هذه الشتائم التي تستخدم فعل الجنس أو العضو الأنثوي في الإهانة هي إهانة وتحقير للمرأة، أم أن الأمر ليس أحادي الجانب، وتتدخل فيه الازدواجيه التي يشير إليها كشك. فعلى خلافه لا تعتقد د. عزة عزت أن انتشار الشتائم الجنسية عند المصريين مرده لاحتقار المرأة، ورغم أنها رأت أن بدء انتشار الشتائم الجنسية كان مع عصور انحطاط قيمة المرأة، إلا إنها مع ذلك ترى أن هذه الشتائم تخفي خلفها "تقديسا للمرأة" ، وتوضح "الشتيمة تعتمد على الإهانة من خلال انتهاك المقدس والمصون، مثل سب الدين".
قريبا من ذلك، يرى مسعود شومان، الشاعر والباحث في التراث الشعبي، "القداسة عند المصريين مرتبطة بشكل خاص بالأم، لذا فالشتائم معظمها يتعمد استخدام الأم للإهانة. بخلاف شعوب عربية أخرى تنسب الشتيمة للأخت، فتنسب مثلا العضو الأنثوي للأخت على سبيل الإهانة"، ويرى شومان أن سبب ذلك هو تجذر ثقافة "العار" عندهم، وهي التي ترتبط بانتهاك العذارى بشكل خاص، بينما شتائم المصريين التي يتعلق معظمها للأم، الإهانة فيها متعلقة بانتهاك للأم المقدسة عندهم منذ أوزوريس حتى الآن.
ولكن نفس الشتيمة الشهيرة التي يلمح شومان إليها، ذكر العضو الأنثوي منسوبا للأم، يستخدمها
د.محمد الرخاوي ليقول أن الإهانة غير متعلقة بالمرأة، بقدر تعلقها بالجنس نفسه، ويقول "هذه الشتيمة تكتفي بمجرد ذكر العضو الأثنوي منسوبا للأم بلا أي وصف أو إضافة" وهي تشترك مع الشتائم الجنسية الأخرى في أنها تقتحم وتخدش حرمة موضوعات حميمة ذات علاقة بالجنس، عن طريق الكشف والإعلان عن العلاقات الجنسية والأعضاء الجنسية، وهذا الاقتحام والكشف هو مكمن الإهانة.
لكل ذلك وغيره، فالشتائم الجنسية بالطبع لن تعدم الهجوم العنيف، فيعتبرها د. حسنين كشك انحطاطا قيميا وثقافيا، وتعتبر د.عزة عزت انتشارها انحطاطا في عامية كل طبقات وفئات المصريين، بعد أن كانت هذه الشتائم منتشرة فقط بين "السوقة". ولكن مسعود شومان يعترض "التعامل القيمي والأخلاقي مع الشتائم يفقدها كثيرا من الجوانب المهمة والدالة ومنها جماليات الشتيمة!".
معجم الشتائم
شومان، الذي يشغل أيضا منصب مدير أطلس المأثورات الشعبية، قضى فترة في محاولة لإعداد معجم لشتائم المصريين، وكان مصدره الأساسي هو المشاجرات التي كانت تتنازعه أثناء متابعته لها رغبتان: رغبة الباحث في استمرار المشاجرة ليسمع القدر الأكبر من الشتائم ويسجلها، والرغبة الإنسانية أن تتوقف وينصرف الناس سالمين. ويبدو أن وقت المشاجرات كان كافيا ليرضى رغبة الباحث، فقد تمكن شومان من جمع وتسجيل 20 ألف شتيمة متنوعة، ولكن مشروعه توقف لأنه لم يجد جهة تتعهد نشره، وبالطبع فإن للكم الكبير من الشتائم الجنسية دور كبير في ذلك.
ولكن يبدو أن حماسة شومان لمشروعه لم تفتر، فهو يرد على وصف الشتائم بالانحطاط بقوله أن لمفردات لشتائم ومجازاتها أبعادها الجمالية، كما يرى أن الإدانة الأخلاقية أو حتى التفسير الذي يتركز حول انطلاق الشتيمة من نظرة للمرأة أو الجنس هو تفسير يهدر الكثير من دلالات مفردات الشتيمة. فيرى شومان أن الشتائم الجنسية ربما لا تعبر بالضرورة عن معاني متعلقة بالجنس، فالألفاظ تفارق معناها اللغوي المعجمي إلى معنى آخر مجازي، ويضرب مثلا لذلك "المفردات المختلفة التي تستخدم في الشتيمة وتعني كلها "المثليّ جنسيا" تشير لدلالات أخرى تتعلق بالميوعة أو افتقاد الرجولة والجدية أو تشير إلى أن الشخص لا يعتمد عليه".
كما يضيف أن العديد من الألفاظ الجنسية أصبحت تستخدم في الوصف لبيان القوة أو الشدة أو التأثر أو للسخرية الشديدة، وتستخدم أحيانا في المدح كما تستخدم في الذم،"عندما نقول: فلان ده ابن كذا، يختلف معناها ودلالاتها وغرضها بحسب الموقف وطريقة النطق والسياق، الشتيمة تستحضر اللغة الانفعالية القادرة بدورها على نقل المشاعر والانفعال بشكل يتجاوز قدرة اللغة العادية المباشرة" ويضيف "وهنا تكمن جماليات الشتيمة، في كناياتها ومجازاتها وطريقة أدائها".
ولكن هل لجماليات اللغة الانفعالية للشتمية علاقة ما بالجنس، يجيب شومان "بالتأكيد، الجنس لحظة تحرر من القيود العادية ومن الوقار، ولحظة الجنس مرتبطة أيضا بالتحرر اللفظي وهناك من لا يستمتعون بها إلا بالفحش في القول". يرى شومان أن هذا الجانب الانفعالي يربط الجنس بالشتيمة لتستخدم المفدرات الجنسية في سياقات مختلفة تعبر أحيانا عن الهجوم والسخرية والمدح وربما المحبة وإظهار القرب الشديد.
من باب العشم
ولكن كيف تكون الشتائم الجنسية تعبيرا عن القرب الشديد ؟، يرد شومان "بعض الأصحاب والمقربين، يتبادلون مفردات الشتائم الجنسية في جلسات وحوارات ودية، وكأنهم يمارسون نوعا من التعري والانكشاف وإسقاط الحواجز والكلفة، ، وفي هذه الحالة يفارق لفظ الشتيمة جانب الإهانة". ويفسر شومان بذلك انتشار الاستخدام الكبير لمفردات الشتائم في النطاقات الحميمة بين العديد من الناس بعيدا عن ساحات المشاجرات.
لدى د.محمد الرخاوي انطباع آخر حول مدى انتشار الشتائم الجنسية ، فهو يؤكد أنه لا دراسات دقيقة عن اننشارها أو انحسارها، ولكنه يسجل ملاحظته أن استخدام الشتائم الجنسية عند المصريين شهد انحسارا، ورأيه يتقاطع نوعا ما مع رأي شومان عندما يقول أن تبادل الشتائم، سواء في الهزل أو في المشاجرات، كان تعبيرا عن التفريج عن النفس وعن مساحات متاحة من التعبير غير اللائق، التي يمكن تداركها بسهولة وبتسامح، فهو يرى أن جانبا من استخدامها تعبير عن نوع من "العشم " بين الناس. ويرى أن انحساراستخدامها، رغم بقائها في معجم حياة المصريين، يشير إلى غياب هذا "العشم" والتسامح، الذي حل محله الخوف المتبادل والتوتر الشديد بين الناس، فلا تمر مثل هذه الشتائم ببساطة كما كانت تمر سابقا بحسب ملاحظته.
تأكيد الرخاوي على أن بعض كلامه وليد ملاحظاته فحسب، نتيجة لعدم وجود دراسات وافية، وقوله أن الأكاديمين أصحاب "الكرافتات" عادة ما يبتعدون عن دراسة مثل هذه الموضوعات، وإشارة شومان لتوقف مشروعه البحثي لصعوبة الاتفاق مع ناشر، بالإضافة للصعوبات التي تواجه حتى الموضوعات الصحفية التي لا تستطيع ذكر مفردات الشتائم الجنسية صراحة وتضطر للإشارة إلى معانيها.. كل ذلك يشير إلى صعوبة دارسة هذه الظاهرة التي يتأرجح التعامل معها، رغم شيوعها، بين الاعتراف والإنكار، والاهتمام والتجاهل، والإدانة والتفهم.
نشر في الشروق الأربعاء 1 يوليو 2009
شوف قلة أدبه
ردحذف..........
الحديث عن قلة الادب يحتاج الى فن الادب
ما جبتلناش واحد مش محترم ليه يفسر الموضوع ويقول رايه فى نفسه
جميل
حين تحدث هيرودوت ووصف الألفاظ بالبذيئة فبالتأكيد وصفها بهذا نسبة إليه وهى ربما ليست بذيئة عند الشعب المصرى
ردحذفأما مسألة إقران عضو التناسل بذكر الأم فعلى ما أظن أن الجملة تحوى فعلاً محذوفاً من باب السرعة وتقديره معروف
وهذا الأسلوب لا يستخدم للسب بقدر ما يستخدم لقصد الإساءة ولا يخص المصريين وحدهم ولا العرب وحدهم وتستطيع أن تراجع القاموس الأمريكى الشعبى مثلاً
أهلا بالمحمودين
ردحذفشكرا لاهتمامكما
محمود:
ربما تسنح فرصة أخرى لتناول الموضوع بطريقة "أقل أدبا". لكنها بالتأكيد لن تكون بغرض النشر في جريدة.
محمود سعيد:
المصريون أيضا، ممن يستخدمون هذه الألفاظ بكثافة، يعتبرونها بذيئة وأحيانا يتبعدون عنها في المواقف الرسمية وعند وجود النساء. ورغم أن بعضهم يستخدمونها للمزاج إلا أنهم يقولون عنها أنها ألفاظ "قبيحة".
الفعل المقدر المحذوف عند ذكر العضو التناسلي للأم يفسر بعض استخدامات هذا التعبير وليس كلها، لانه يستخدم أيضا للتعبير عن المبالغة والانفعال كما قال شومان.
والأسلوب فعلا ليس مقتصرا على المصريين أو العرب كما قال الرخاوي. لكني آثرت ترك وجهات النظر المختلفة والمتعارضة أحيانا لبيان اختلاف طرق التناول والتفسير.
اشتباك القيمي بالجمالي بالديني اشكالية صعبة لم نستطع حلها حتى الآن .. ولكن هناك أهمية شديدة لمناقشة مثل هذه الموضوعات المسكوت عنها والمحبوسة في صناديقنا السوداء وهذا يحتاج لشجاعة وحرأة ..ويحتاج أيضاً لذوق سليم توفر لديك.. موضوع حلو ياعمرو وجرئ ..تستحق التهنئة عليه.
ردحذفوالله في اطار بحثي لحل مشكلة باتت تؤرقني و"فشختلي" دماغي وبوظتلي علاقتي الجنسية بزوجي لقيت البحث العظيم ده :D.. للاسف انا اتعرضت ف سن المراهقة لشتايم جنسية كتيرة لاني كنت بدخل شات.. الموضوع تقريبا وصلي واكدلي ان الجنس محض اهانة للمرأة، أنا كنت برفض الجنس شكلا وموضوعا، رؤية حتى بعض الحيوانات تمارس الجنس يشعرني بالقلق والإهانة، يعني ع الرغم من اني كبرت وعدى 10 سنين ع الموضوع تقريبا.. الا اني كل لما اسمه حد يقول "متناكة- شرموطة- لبوة" بفكر وبشعر ان المشكلة عندي انا! .. شعور حزن بغضب بخزي وعار بينغص عليا كل حاجة حلوة او مشاعر لطيفة بين اتنين متحابين.. حتى لو كنت بشوف صورهم وانا معرفهمش، البنات كلها بتحس الحب ف الصورة وانا بحس ان في حاجة غلط ودي مش الحقيقة !
ردحذفانا مش لاقية حد بيحس زيي كده او مقالات اجنبية بتتعكلم عن ده.. الذكاء العاطفي بدأ يساعدني شوية لكني للاسف لسه تايهة جدا ومش قادرة احكي لحاد.
هل هناك مصدر يمكن الرجوع اليه لما ورد على لسان شومان؟؟
ردحذف