في سيرته الذاتية الفكرية التي أسماها "رحلتي الفكرية: في البذور والجذور والثمر- سيرة غير ذاتية غير موضوعية" يسجل المفكر المصري الراحل عبد الوهاب المسيري أنه في يناير 1998 انتهي من العمل في الموسوعة التي ارتبطت باسمه، موسوعة "اليهود واليهود والصهيونية: رؤية نقدية". ولكنه عندما يحاول تسجيل تاريخ بداية كتابتها يبدو له أمرا خلافيا، فربما كانت نقطة البدء يوم كتب أول دراساته عن الصهوينة، وربما كانت يوم ولادته باعتبار أن كل تجربة خاضها كانت جزءا من المنهج التحليلي والمعرفي الذي اتبعه في إنجاز الموسوعة "النقدية".
لا يمكن للقاريء الذي وصل إلى هذا الجزء في سيرته أن يعتبر هذه الكلمات من نوع إطراء الكتاب لكتبهم باعتبارها خلاصة تجربتهم، لأنه سيكون قد عرف فعلا كيف جعل المسيري من حياته كما يرويها رحلة لا تنفصل فيها التجربة الشخصية عن التجربة الفكرية، ولا الدراسة والوظائف التي عمل بها عن الهم الفلسفي والموقف الأخلاقي، ولا كل ذلك عن الالتزام الإنساني والسياسي في معناه الأرحب الذي يلخصه عنوان أحد كتبه: "دفاع عن الإنسان".
لا يمكن للقاريء الذي وصل إلى هذا الجزء في سيرته أن يعتبر هذه الكلمات من نوع إطراء الكتاب لكتبهم باعتبارها خلاصة تجربتهم، لأنه سيكون قد عرف فعلا كيف جعل المسيري من حياته كما يرويها رحلة لا تنفصل فيها التجربة الشخصية عن التجربة الفكرية، ولا الدراسة والوظائف التي عمل بها عن الهم الفلسفي والموقف الأخلاقي، ولا كل ذلك عن الالتزام الإنساني والسياسي في معناه الأرحب الذي يلخصه عنوان أحد كتبه: "دفاع عن الإنسان".
البذور
ولد المسيري عام 1938 في مدينة دمنهور لأسرة من "البرجوازية الريفية"، باعتبار أن دمنهور مدينة/قرية كما يصفها في سيرته. ويرى أن أثريائها كانوا مختلفين عن أثرياء الحضر في القاهرة والإسكندرية الذين أصابهم التغريب، كما كانوا مختلفين عن أثرياء الريف الإقطاعيين، وهو ما جعلهم محتفظين بالقيم المصرية والعربية والإسلامية، وأقل بحثا عن الأبهة والجاه ، وأكثر ارتباطا بالحركة الوطنية المصرية ممثلة آنذاك في حزب الوفد، الذي كان معظم أفراد هذه البرجوازية الريفية أعضاء فيه أو متعاطفين معه.
نشأ المسيري في هذا المجمع التقليدي الذي يحكمه إطار من القيم الدينية والأخلاقية والأعراف المعتبرة، وهو ما سيعود ويقرأه ويحتفى به عند نقده للمجتمع الحديث والحداثة المنفصلة عن القيمة كما يصفها.
لا ينكر المسيري مشكلات ومثالب المجتمع التقليدي، إلا أنه يؤكد على العديد من جوابنه الإنسانية، مثل سيادة قيم التراحم، التي تخفف من حدة التفاوت الطبقي والاجتماعي، ووجود ثقافة مشتركة تجمع بين كل أفراد وطبقات المجتمع، الذين كانوا يرتدون نفس أنماط الملابس ويأكلون نفس أنواع الطعام، يتعلم أبناء كل الطبقات في المدارس نفسها ويلعبون معا، وتجمعهم نفس طقوس الاحتفال في المناسبات. بالإضافة لرفض المجتمع، أثريائه وفقرائه، التبديد والاستهلاك المفرط ومظاهر الترف، والإعلاء من شأن الجدية والاقتصاد، بدون أن تظغى قيم الأنجاز والعمل على أهمية التواصل الاجتماعي. فإيقاع الحياة الأقل سرعة أتاح فسحة لإقامة روابط قوية داخل الأسرة الواحدة كما دعم التواصل بين أطراف العائلة أو الأسرة الممتدة.
ورغم احتفاء المسيري بقيم ومجتمع نشأته، إلا إنه يحدد بداية تشكل هويته الفكرية عند بدء ممارسته لـ"طقوس الانفصال". فباعتباره ابن واحد من كبار التجار في دمنهور، كان من المفترض أن يتوجه في الإجازة الصيفية إلى متاجر أبيه مثل أقرانه من أبناء كبار التجار ، إلا أنه يروي قصة اكتشافه لمكتبة البلدية التي غيرت حياته وكيف بدأت قراءاته في الأدب والفلسفة والتاريخ والفنون في سن مبكرة بتشجيع من مشرف المكتبة، ثم بتشجيع أساتذته خاصة أستاذ الفلسفة في المدرسة الثانوية. و يذكر كيف كان يحرر وحده مجلة حائط في مدرسته وهو بعد في الحادية عشرة. وشجعه كثيرا على الاهتمام بالكتابة والقراءة، نشر الصحف المحلية فورا لكل ما يرسله إليها من تعليقات ورسائل ، قبل أن يعرف لاحقا أن السبب في ذلك تشابه اسمه مع الأديب المعروف وقتها في دمنهور عبد المعطي المسيري !
وفي فترة صباه وبداية شبابه في الخمسينات، كانت الماركسية في أوج زهوها، وكانت أفكارها وكتبها تلقى رواجا نسبيا في المدن المصرية بين المتعلمين والمثقفين، وهو ما أثر على المسيري حتى قبل اعتناقه لها. فيروي كيف أنه أحال موضوع إنشاء عن حديقة المنزل وهو في السنة الثانية من المرحلة الثانوية إلى مقال عن الظلم الاجتماعي لأن منازل الفقراء ليست بلا حدائق فحسب، بل في حالة سيئة وينشأ الأطفال فيها بين أكوام القمامة. وهو ما دفع أستاذ اللغة العربية، بعد أن منحه صفرا، إلى تحذير أسرته من ميوله "الشيوعية".
في منتصف الخمسينات اعتنق المسيري الماركسية و انضم إلى الحزب الشيوعي وظل عضوا به حتى 1959، بعد أن قضى فترة تقلب وبحث كعادة أبناء جيله، انضم فيها لحزب مصر الفتاة لأيام ثم الإخوان المسلمين لفترة، كما انضم لهيئة التحرير التنظيم السياسي الوحيد بعد ثورة يوليو 1952 التي ألغت الأحزاب.
شكلت الماركسية رافدا مهما لفكر المسيري، باعتبارها اتجاها نقديا للحداثة والتنوير الغربي، ولنقدها الرأسمالية واغتراب الإنسان عن إنتاجه ورفضها للظلم الاجتماعي والاستعمار. وهي الأفكار التي سيطورها المسيري ضمن نسقه الفكري الخاص، مستفيدا من أفكار فلاسفة مدرسة فرانكفورت، ذوى الخلفيات الماركسية أيضا، في نقد المجتمع الحديث.
ومن قبل اعتناق الماركسية، ثارت في نفس المسيري الشكوك الدينية التي لم يجد لها إجابة عند من حوله سواء في المدرسة أو البيت، فتوقف عن أداء الشعائر التي تربى عليها. ولم يطلق المسيري على نفسه صفة "ملحد" مؤكدا أنه ظل يؤمن بمطلقات أخلاقية غير مادية. واعتبر بعد نقاش مع أقرانه أنه قد فقد الإيمان الساذج البسيط فحسب، وبدأ رحلة اكتشاف الإيمان الأكثر تركيبا.
ورغم أنه سيقوم فيما بعد بنقد الماركسية باعتبارها تقف على نفس الأرضية المادية داخل النموذج الغربي لتفشل في إدراك تركيب الإنسان المتجاوز للمادة. إلا أنه يقول أن الجانب الإنساني منها، الذي يرفض الاستغلال واعتبار الإنسان وسيلة، منع تجربة الشك الديني من أن تدفعه إلى هوة العدمية والعبثية والحياد تجاه الظلم الاجتماعي وإنكار أي معنى أو غاية.
ويحلو للمسيري في حواراته القول أنه كان "ماركسيا بشَرطَة" ، أي ماركسيا استثنائيا، بسبب حفاظه على البعد الأخلاقي المتجاوز للقيم المادية. وبعد تجربة استعادته الإيمان ، يشير إلى بقاء تأثيرات الماركسية في تفكيره بالقول أنه أصبح "ماركسيا على سنة الله ورسوله".
حصل المسيري على الشهادة الثانوية عام 1955، والتحق بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب في جامعة الإسكندرية. وحمل خلفيته الماركسة معه فكان ناشطا في الجامعة، كما أنه كان أثناء الدراسة ينقد النصوص الأدبية بالأدوات الماركسية ومن منظور التحليل الطبقي، ويحفظ لأساتذته إنصافه رغم اختلافهم مع توجهه الفكري والسياسي.
بعد تجربة قصيرة، كانت نقلة كبيرة في حياة المسيري القادم من مجتمع دمنهور التقليدي إلى مجتمع الإسكندرية متعدد الثقافات الذي كانت الجاليات الأجنبية فيه ذلك الوقت تكاد تفوق سكانه المصريين، تخرج المسيري وتم ترشيحه للالتحاق ببعثة إلى جامعة كامبريدج في بريطانيا للحصول على الماجستير، إلا أنه اختلف مع الأستاذ الذي كان من المفترض أن يساعده في الالتحاق بالبعثة وانتقد منهجه، فلم يزكه الأستاذ. وغير مساره ليذهب إلى جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1963.
الجذور
يعتبر المسيري تجربة الدراسة في الولايات المتحدة بمثابة جذور رحلته الفكرية. فقد شهدت ما يصفه بـ"مواجهة فكرية أولى" بينه، هو الذي ذهب مؤمنا بالنزعة الإنسانية "الهيومانية" والحداثة وقيم التنوير، وبين مجتمع النخبة الأمريكية الذي وجده يسخر من كل ذلك ويتحدث عن ما بعد الحداثة والعبثية و العدمية والعنف والمخدرات ومركزية الجنس.
شكل ذلك صدمة أول مشاهد المواجهة، التي أعقبتها مشاهد ومواقف عديدة يرويها المسيري في سيرته، شكلت أساسا لنقده للفكر والحضارة الغربيين، ليصل إلى أن ما بعد الحداثة و افتقادها للمركز وسقوطها في النسبية والعدمية كانت كامنة في نموذج الحداثة و ليست انحرافا عنه أو تجاوزا له. لأن الحداثة وضعت الإنسان في مركز الكون وجعلت من المنفعة المادية أساسا وحيدا للقيمة، وأنكرت الإله أو المركز المتجاوز للكون والمادة. ومهدت الطريق لإنكار كل قداسة، بما فيها قداسة الإنسان نفسه التي وضعته في مركز الكون، فأصبح الإنسان كائنا ماديا وجزءا من الطبيعة، ومن جهة أصبحت لذة الفرد المطلقة هي المركز إن كان الأقوى كما أنها يمكن أن تتحول إلى وسيلة لأهداف الأقوى، وهو ما ينتج صراع الأفراد في العالم الخالي من أي غاية، أو كما يقول توماس هوبز"حرب الكل ضد الكل". بعد تمركز كل فرد حول لذته الخاصة وتهربه من أي مسئولية اجتماعية أو تبعات أخلاقية.
شكل ذلك بداية نقده للنموذج المعرفي الغربي، مستحضرا في الخلفية المجتمع التقليدي في دمنهور بقيمه الأخلاقية والعرفية. وأصبح التأمل في المجتمع الأمريكي وتجريد نموذجه المعرفي والإدراكي،من خلال وضعه في سياق الأدب والفكر الغربيين الهم الأول للمسيري وشاغله الفلسفي. وفي العام 1979 سيكتب المسيري كتابا خاصا عن ذلك هو "الفردوس الأرضي: تأملات وانطباعات في الحضارة الأمريكية" ولكن قبل ذلك، استدعى المسيري شاغله الفكري ليجعل رسالته للدكتوراة في جامعة رتجرز تتحول من مجرد دراسة فنية في الشعر الرومانتيكي إلى نقد للحضارة الغربية. ويعتبر المسيري هذه الرسالة التي أتمها عام 1967 أول أعماله الفكرية.
ثمرة أولى
كان من المفترض أن يضع المسيري رسالته في دراسة مواضع تأثير الشاعر الإنجليزي وردزوورث على الشاعر الأمريكي وولت ويتمان، إلا أنه جعل ذلك فقط الجزء الأول من الرسالة، بينما ضمن باقي الرسالة رؤية نقدية تطرح الانفصال بين الشاعرين وكان العنوان الفرعي للرسالة: دراسة في الوجدان التاريخي والوجدان المعادي للتاريخ. وقال أن الشاعر الأول الذي ينتمي للمجتمع الإنجليزي ذي التاريخ الكبير الذي تتجاوز فيه التقاليد مع الحداثة، يحتفي بالإنسان ولحظات حزنه وفرحه وتميزه عن الطبيعة التي يحن للعودة إليها للحظات مثل لحظات شطح الصوفي، فهو يقر بوجود الإنسان في التاريخ والمجتمع وأنه لن يتحد بالطبيعة أو بالمطلق. أما ويتمان الذي ينتمي للمجتمع الأمريكي وهو مجتمع استيطاني بلا تاريخ يسقط الإنسان في قصائده في الطبيعة ويتحد بلحظة اللذة، وغالبا ما تكون لحظة جنسية، ليفقد الحدود والمسافة بينه وبينها.
في هذه الرسالة طور المسيري مفهوم "المسافة" التي تفصل بين الإنسان والطبيعة باعتبار الإنسان كائن مركب، فيه عنصر مادي ولكن فيه عناصر أخرى تجعله متجاوزا للطبيعة وذا عقل توليدي مبدع وذا مسئولية أخلاقية وحدود اجتماعية وتاريخية. كما طور مفهوم "الحلولية" التي تذيب الفارق بين الإنسان والطبيعة فتجعلهما من أصل واحد هو المادة، لتصبح هي المطلق الذي يحتوى الإنسان والطبيعة معا. أو أن تكون الحلولية في وجهها الآخر بإسقاط المسافة بين الإنسان والإله بحلول الإنسان محل الإله أو اتحاده به ليكون مطلق التصرف فينتفي معنى الأخلاق والمسئولية.
في الجزء الثالث من الرسالة قال أن التشابه "المادي" بين نصوص الشاعرين لا يكفي للقول بتأثير الأول على الثاني، بينما يؤكد تحليل النموذج الفكري لكل منهما- بحسب المسيري- سطحية القول بالتأثير والتأثر. ولكن الأهم هو انطلاقه في الجزء الرابع لنقد الحضارة الغربية التي سقطت مع ويتمان في الحلولية والهروب من التاريخ عن طريق لحظة الجنس أو اللذة.
كما بدأ المسيري في هذه الرسالة التفكير في أدواته المنهجية مثل فكرة "النموذج التحليلي" الأكثر أو الأقل تفسيرية، ففي نهاية الجزء المعلوماتي الأول من رسالة الدكتوراة قال أن تأثير وردزوورث على ويتمان ليس إلا مجرد معلومات لا تفضي إلى حكمة. ولكنه في الجزء الثاني طور أطروحته على أساس ما أثاره شعر وردزوورث وويتمان فيه حول همه الفلسفي والوجودي، وكانت فكرة النموذج التحليلي التفسيري هي الإجابة على سؤال: هل ما أثارته القصائد عند المسيري سببه ذاتي، أي بسبب اهتمام المسيري بهذه المشكلة، أم أنه تأثير موضوعي نابع من القصائد نفسها. وكانت إجابة المسيري المنهجية، أن عقل الإنسان ليس كآلة التصوير، ولكنه عقل توليدي تفكيكي تركيبي يرتب العناصر ويختار ويستبعد، لذا فإن كل جهد عقلي لا هو بالموضوعي ولا هو بالذاتي ولكن فيه منهما، ودور الباحث والناقد و المفكر هو إبداع أو صياغة نموذج نظري يكون قادرا على تفسير المعلومات والوقائع. وباختبار هذا النموذج الفكري وقدرته على الإحاطة بالظاهرة وشموله لتفاصيلها وتجاوزه للتفاصيل بتقديم معرفة شاملة ومحيطة بها، يتبين كونه أكثر تفسيرية أو أقل تفسيرية. استفاد المسيري في صياغة رؤيته المنهجية بأفكار العقلانيين في فلسفة العلم ونظرية المعرفة، التي واجهوا بها آراء المتطرفين من التجريبيين الذين كانوا يعتبرون العقل صفحة بيضاء تكتفي بتسجيل ما يرد إليها من الحواس. لكن المسيري ربط بين نقده للحضارة الغربية ولفكرته المنهجية عن النماذج التحليلية الأكثر تفسيرية وبين رحلته مرة أخرى باتجاه الإيمان.
الدين كنموذج أكثر تفسيرية للإنسان
عندما كان المسيري يصف نفسه بأنه "ماركسي بشَرطَة" أو ماركسي استثنائي ، كان يشير إلى تبنيه رؤية مادية للكون والمجتمع، وفي الوقت نفسه تمسكه برؤى أخلاقية وجمالية لا يفسرها التحليل المادي.
هذه الازدواجية ظلت همه الفكري، وبعد أن طور مفهوم النموذج التفسيري، أحس أن النموذج المادي قاصر عن تفسير التفرد الإنساني، وأنه لا يفسر إلا جانبا وحيدا من الإنسان، وتبينه يؤدي إلى السقوط في "الواحدية"، أي رد كل العالم إلى عنصر واحد، وهو ما يعني "الحلولية".
وعلى عكس الاتجاهات المعاصرة التي تحتفي بالتصوف، خاصة فيما يتعلق بمذهب وحدة الوجود، والحلول والاتحاد. يذهب المسيري إلى اعتبار الحلولية التي ترد العالم إلى المادة هي نفسها الحلولية التي تؤله كل العالم باعتبار أن الله حل فيه. وهو يطلق عليها الحلولية الصوفية المادية، ويرى أن الحلولية التي تنكر الأخلاق هي وجه آخر لإنكار التكليف في المصطلح الصوفي بعد بلوغ الغاية والاتحاد بالإله.
في مقابل ذلك، رأى المسيري أن النموذج الأكثر تفسيرية للإنسان ولتفرده ونزوعه الأخلاقي والجمالي، هو النموذج التوحيدي الذي يحتوى على ما يسميه "ثنائية فضفاضة". وفي النموذج التوحيدي يظل الله خارج الكون مفارقا له، وهو الذي خلق كل المخلوقات ووضع الإنسان في مركز الكون وحمله الأمانة الأخلاقية. وبذلك يمكن تفسير المسافة بين الإنسان والطبيعة، عن طريق ثنائية الخالق والمخلوق من جهة، وثنائية الإنسان والطبيعة من جهة. فالإنسان الرباني (أو الإنسان/ الإنسان كما يسميه المسيري أيضا) هو الإنسان المتجاوز للطبيعة، ولكنه ليس سيدها المطلق أو هو مركز الكون، بل تم وضعه في مركز الكون وهو مستخلف فيه، يتصرف فيه مسئولا. يعيش الإنسان بين نزعتين: ربانيته وطبيعيته. "قدمه في الطين ونظره شاخص إلى السماء" بتعبير المسيري. فلا هو يستسلم للنزعة "الجنينية" أي العودة إلى الطبيعة ليكون جزء منها، ليتحد بلحظة لذة متحررة من المسئولية، ولا هو يطمح أيضا إلى الاتحاد بالمطلق، ولكن يظل المطلق (الله) هو نقطة ارتكازه التي تضمن افتراقه عن الطبيعة وامتيازه عنها.
الله إذن هو ضامن وجود الإنسان/ الإنسان أو الإنسان الرباني وبدلا منه تنحصر الرؤية في الإنسان/ الطبيعي الذي يمكن تفسيره فقط من خلال العوامل المادية والمعادلات الكمية الرياضية.
الدين إذن، وتحديدا الدين التوحيدي، الذي يضع المسافة بين الخالق وخلقه، وبين الإنسان والطبيعة، هو النموذج الأكثر تفسيرية للإنسان عند المسيري.
وكما روي المسيري كيف كان لقصيدة للشاعر كامل الشناوي تتساءل عن معنى وجود الإنسان والغاية منه، كان قرأها شابا في مجلة الرسالة الجديدة، كيف كان لها أثرا كبيرا في تفكيره الديني آنذاك، فإنه يفرد مساحة كبيرة ليشارك قراء سيرته تأملاته الدينية حول الله والإنسان من خلال قراءة وتأمل شعر كوليردج وكيتس وردزورث وويتمان وأندرو مارفيل. ويؤكد على أن دراسته للأدب التي جعلته يتأمل الإنسان في تركيبه وخصوصيته وتفرده كان لها أبلغ الأثر في عودة إيمانه بالإنسان والله.
يروي المسيري ذلك في فصل "من بساطة المادية إلى رحابة الإنسانية والإيمان" ويقول أنه بالإضافة لدراسته للأدب وهمه الفلسفي، فإن تأملاته في الإيمان كانت بشكل أساسي من خلال التأمل في الإنسان وحياته، في عمومه وخصوصه، من خلال تجربته في دمنهور ثم في الولايات المتحدة، وعبر العديد من المواقف والمشاهد التي لم يتركها المسيري تمر إلا وحاول أن يتأمل من خلالها الإنسان ويتساءل إن كان يمكن للنموذج المادي أن يفسر سلوكه فيها.
ويقول أن كل ذلك جعل عودته للإيمان بالله تمر أولا عبر عودة إيمانه بتفرد الإنسان أو بمصطلح المسيري "إنسانية الإنسان" التي تظهر في الاجتماع والحس الديني والجمالي والأخلاقي، وهي المظاهر التي يعجز النموذج المادي عن تفسيرها والإحاطة بتجلياتها.
فالنموذج المادي ينتهي إلى ما يسميه المسيري "الإنسانية الواحدية" التي تجعل الإنسان فردا نمطيا من نوع، تسري عليه كل قوانين عامة فيمكن تفسير سلوكه والتنبؤ به والتحكم به مثلما يفعل الإنسان نفسه مع الطبيعة التي تتشابه كل جزئياتها وتسري عليها قوانين مادية صارمة لا مجال فيها للفردية والتفرد. أما الإيمان بتجاوز الإنسان لعالم الطبيعة/ المادة فيؤدي إلى ما يسميه "الإنسانية المشتركة" التي تمثل الجانب المشترك بين الأفراد وهو ما يمكنهم من التواصل معا، ولكنه لا يغفل تفرد كل إنسان نتيجة لإرادته الحرة التي حباه الله إياها.
ويؤكد المسيري أيضا على أن النموذج المادي في فهم الإنسان رغم قصوره عن الإحاطة بجوانبه إلا أنه دائما ما يظهر وكأنه منقسم على نفسه، فمن جانب يود الوصول إلى يقين مطلق في فهم ظاهرة الإنسان، وهو ما يظهر في الإيمان بقدرة العلم والتقدم على تحقيق السعادة المنشودة وإقامة الفردوس الأرضي كما في طموحات مرحلة الحداثة، ومن جانب يؤكد هذا النموذج على النسبية الشاملة التي تنكر إمكان أي معرفة حقيقية، كما في يأس مرحلة ما بعد الحداثة. أما النموذح الإيماني، وتحديدا الإسلامي، فيرى المسيري أنه في مجال المعرفة يطرح مفهوم "النسبية الإسلامية" التي تجعل للإنسان حيزا من المعرفة يمكنه من خلالها السعي في الأرض ولكنه يقف دون بلوغ اليقين المطلق. وفي فترة لاحقة سيظل المسيري يضيف في خاتمة مقالاته عبارة "الله أعلم" تأكيدا على رؤيته في النسبية الإسلامية. النسبية التي تعني الاجتهاد وفق الحيز المتاح دون تصور الإحاطة الكاملة. وهذا سيتدخل أيضا في تطوير المسيري لمفهوم "التحيز" الذي يجمع فيه بين أداة "النموذج الإدراكي" ومفهوم "النسبية الإسلامية" مؤكدا أن على أن كل إنسان، وكل ثقافة، ترى العالم من خلال نموذج إدراكي يحدد هذه الرؤية، فلا وجود للموضوعية الكاملة ولا الذاتية الكاملة، ولكن في النموذج الإدراكي يرى الإنسان أو أفراد مجتمع منتمين لثقافة معينة العالم من منظور ما. ويرى المسيري أن هذا النموذج الإدراكي يحتوى على تحيزات ما لا يمكن التخلي عنها، ولكن يمكن تجاوزه عبر إدراكه بهدف إدراك حدود معرفة الإنسان وتطوير هذه الحدود.
وفكرة التحيز سيطورها المسيري باتجاهين، الأول إدراك التحيزات الكامنة في المنظور الغربي للعالم منكرا أنها الرؤية الإنسانية الوحيدة الممكنة ولو سادت، وهو ما عبر عنه في كتابه " العالم من منظور غربي" الذي نشره عام 2001، أما الاتجاه الثاني فهو إدراك التحيزات التي يتضمنها منظور عربي إسلامي يمكنه رؤية العالم بشكل مختلف. والمسيري في هذا يتابع مرة أخرى جهود بعض فلاسفة العلم الذين يؤكدون أنه لا نظريات العلوم الاجتماعية ولا حتى نظريات العلوم الطبيعية كالفيزياء والكيمياء تخلو من التحيزات الفلسفية والتصورات النظرية المسبقة التي يأتي بها العالم من خلفيته الثقافية والاجتماعية. وفي عام 1993 اشترك المسيري مع مجموعة من الباحثين في إنجاز موسوعة تتناول إشكالية التحيز في العلوم ومجالات المعرفة المختلفة وصدرت تحت عنوان "إشكالية التحيز: رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد" وكان المسيري محررها الرئيسي، كما كتب مقدمة الموسوعة التي صدرت بعد ذلك في كتاب مستقل حمل اسم "فقه التحيز".
دراسة الصهيونية والموسوعة
في جامعة روتجرز بالولايات المتحدة التي حصل منها على الدكتوراة أسس المسيري مع زميل له أول ناد للفكر الماركسي هناك ، وكانت أول أنشطته محاضرة ألقاها عن الصراع العربي الإسرائيلي من منظور طالب عربي تقدمي. الاهتمام بدراسة الصهيونية لم يكن بعيدا عن ذهن المسيري دارس الأدب، بل كانت دراستها برؤية نقدية وفي إطار تحليلي معرفي جديد هي طريق المسيري في تعبيره عن انحيازه واجتهاده في القضايا التي يشعر نحوها بالالتزام والمسئولية.
ودفعته حماسته للقضية الفلسطينية مع تصاعد الخطر الصهيوني في الستينات إلى طلب تحويل بعثته من دراسة الأدب الرومانتيكي إلى التخصص في الصهيونية، إلا أن الرد من المسئولين جاءه بـ" أن يكف عن الجنون" ورفضوا رفضا قاطعا بسبب التعقيدات البيروقراطية لتحويل مسار بعثة دراسية. إلا أن المسيري استمر في اهتمامه بجهد شخصي بالتوازي مع دراسته، وربما كان ذلك من حسن الحظ، فهو يروي في سيرته كيف كانت دراسته للأدب سببا في تطوير منهجه في دراسة الظواهر الإنسانية وتحليل الخطاب السياسي والكشف عن جذوره المعرفية.
وبالتوازي مع تحولاته الفكرية والفلسفية تطورت دراسته للصهيونية، فبدأ بإصدار كتيب بالإنجليزية صدر عام 1969 في الولايات المتحدة بعنوان "إسرائيل قاعدة للاستعمار الغربي" ولم يتعامل الكتيب مع إسرائيل والصهيونية إلا على المستوى السياسي من منظور يساري.
وبعد انتهائه من الدكتوراة التي طور فيها توظيفه لمفاهيم "نهاية التاريخ" و"الحلولية"، كتب دراسة أكثر معرفية عن الفكر الصهيوني نشرت عام 1972 بعنوان "نهاية التاريخ: مقدمة لدراسة بنية الفكر الصهيوني". وكانت الفكرة المركزية هي أن التصور اليهودي للإله لا ينزهه عن البشر والمادة، كما أنه يظل إله بني إسرائيل على وجه الخصوص، وهو ما يؤدي إلى حلول الإله في الشعب ليصبح القومي هو المقدس والمقدس هو القومي، ويصبح الهدف القومي بالعودة لأرض الميعاد هو نفسه الهدف المقدس الذي يشهد نهاية التاريخ.
وأثناء كتابة المسيري لـ"نهاية التاريخ" كان يضع هوامش لأسماء المصطلحات والأعلام والأماكن والفرق والمذاهب ذات الصلة باليهودية أو الصهيونية، وبدأت هذه الهوامش في التضخم، فقرر أن يضمها معا في ملحق للكتاب، إلا أن الملحق تطور إلى كتاب ثم إلى مشروع موسوعة صغيرة من جزء واحد صدرت عام 1975 بعنوان "موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية". وفي أثناء عمل المسيري في الكتاب ثم الموسوعة الصغيرة لاحظ أن المصطلحات المتعقلة بموضوعه ليست مصطلحات موضوعية بل وراءها نموذج إدراكي وتحيزات كامنة مثل مصطلح "الشعب اليهودي" الذي يضم كل يهود العالم في شعب واحد، بينما رأي المسيري ان التعبير الأدق هو "جماعات يهودية" لأن كل منها كان له سياق مختلف داخل مجتم مختلف ولم يكن الاشتراك في الديانة يعني كونهم شعبا واحدا. وبذلك بدأ المسيري "تفكيك" وتحليل الظاهرة والكشف عن تحيزات خطابها، لتتبعد موسوعته عن أن تكون عملا معلوماتيا رصديا.
كان المسيري قد بدأ العمل باحثا في مركز الدراسات السياسية و الاستراتيجية في الأهرام، وهو الذي نشر كتابه "نهاية التاريخ" عام 1972 قبل انتصار أكتوبر 1973، ولكن الأمر تغير بعده بعد اتجاه الدولة المصرية لعقد اتفاقية السلام مع إسرائيل، فلم تلق موسوعة 1975- كما يسميها المسيري تمييزا لها عن الموسوعة الشهيرة- اهتماما من مسئولي المركز، بل وجد منهم مماطلة في نشرها، ولم يقم المركز بعد طبعها بأي دعاية لها، بل تم طبعها ووضعها في المخازن. وبعد رحلة أخرى للولايات المتحدة عاد المسيري منها عام 1979 حاول المسيري أن يجد دعما لتطوير موسوعة 1957 وتحديثها، ولما لم يجد بدأ العمل في ذلك على نفقته الخاصة، وتفرغ لها تماما وأقام وقتها بين القاهرة والرياض، وعين مجموعة من الباحثين للعمل معه فيها.
في مشروع الموسوعة الموسعة، تجاوز المسيري طابع التفكيك في موسوعة 1975 التي كشفت عن النماذج الكامنة خلف الظاهرة الصهيونية وخطابها، واتجه إلى التركيب عبر نماذج تفسيرية تضع الظاهرة في إطار شامل يفسرها. فنظر المسيري للخلفية الدينية للظاهرة في الدين اليهودي ومذاهبه، واستخدم رؤيته لدور الدين كإطار تفسيري مركب للإنسان، وخاصة النظرة للإله والمطلق والتاريخ في الأدبيات اليهودية. كما وضع الظاهرة الصهونية في إطار الحضاري باعتبارها جزءا من الظاهرة الغربية، ووضع التأييد الغربي والتقبل لمقولات الصهيونية الغربية في إطار "العلمانية الشاملة" في الغرب- وهو المصطلح الذي سيطوره في مقابل العلمانية الجزئية الإنسانية – وفي إطار النموذج المادي المنفصل عن القيمة، إلا قيمة القوة. كما نظر لظواهر مثل العنصرية والنازية التي عانى منها اليهود باعتبارها ظواهر لها جذورها في الفكر الغربي، الذي يفتقد للمركز الأخلاقي فيمجد القوة و الترشيد المادي وينمط الإنسان، لذا فهي ليست نشازا عن هذا الفكر مجمله كما يرى المسيري وليست انحرافا عنه. وبالتالي نظر للصهيونية التي تم دعمها بوعد بلفور وبالقوة الاستعمارية قديما وحديثا، باعتبارها حلا من نفس نوع المشكلة لأنه تابع لنفس النموذج الفكري .
كما استخدم المسيري مفاهيم جديدة في التعامل مع الظاهرة مثل "الجماعات اليهودية" بدلا من الشعب اليهودي الواحد، كما استخدم نموذج "الجماعة الوظيفية" وهو المفهوم الذي طوره المسيري ليصف الجماعات التي تعيش على هامش مجتمع ما لتؤدي وظائف إما مميزة مثل المهام العسكرية بالنسبة للمماليك أو محتقرة مثل الربا بالنسبة لليهود في المجتمعات العربية والإسلامية. ثم استخدمه لتفسير أحوال هذه الجماعات وتفسير تعرضها للعنصرية الفجة ثم تلقيها للتعاطف الكبير والدعم فيما بعد نقلها وتوطينها في فلسطين.
انتهى عمل المسيري في موسوعة " اليهود واليهودية والصهيونية" عام 1998،لتصدر عام 1999 بعد أكثر من 33 عاما من أول بحث كتبه عن الصهيونية. ورغم قلقه المتكرر من التهام الموسوعة ودراسة الصهيونية لحياته وهو الذي يريد إنجاز العديد من المشروعات الفكرية الأخرى، إلا أنه مع تقدم العمل في الموسوعة بدأت روافد فكره كلها تتضافر في الموسوعة، لتخرج إلى النور متضمنة جانبها الموسوعي المعلوماتي ولكن في إطار نظري تحليلي وتفسيري صاغه مفكر لم يقنع بموضوعية التلقي عن الواقع، ولكنه تبني "الاجتهاد" كمنهج يطمح لرؤية الواقع وتفسيره في كليته، بل واعتبر الاجتهاد أحد جوانب إنسانية الإنسان وخاصة عقله التوليدي الذي يمكنه تجاوز الظواهر إلى التفسير من خلال إبداع النماذج والأفكار.
لم يسترح المحارب
.الأصداء الواسعة للموسوعة التي كفلت للمسيري مكانة بارزة في الفكر العربي، وخروجها إلى النور بشكل يرضى طموح المسيري الفكري والفلسفي، لم يقنعاه بالتخلي عن طموح بلورة رؤيته الفكرية وإبراز جوانبها الأخرى عبر مشروعات أخرى منفصلة ، بعد أن طبقها بشكل ما وتناول من خلالها موضوعات الموسوعة.
كتب المسيري مجموعة من الكتب في هذا السياق، منها "اللغة والمجاز: بين التوحيد ووحدة الوجود" عام 2002 ثم حاول التدخل كعادته بالتفكيك والتركيب في إشكالية لا يزال يدور الفكر العربي حولها ويرددها اجترارا وهي إشكالية العلمانية،ليكتب في العام نفسه " العلمانية الشاملة والعلمانية الجزئية" ليفرق بين الأولى التي تتبني النموذج المادي في الحياة العامة والخاصة وتمثل رؤية نهائية للمجتمع، وبين الثانية التي يسميها أيضا العلمانية الإنسانية أو العلمانية الأخلاقية التي تفصل الدين عن الدولة فحسب، ولكن يظل الدين والأخلاق وقيمهما حاكمين للرؤية العامة للمجتمع ولغاياته وقيمه.
وقبلهما اهتم المسيري بتسجيل سيرته الذانية والفكرية التي صدرت طبعتها الأولى عام 2000.
لم ينس المسيري الشعر، هواه الأثير دراسة، فكتب ديوانا واحدا بعنوان " أغاني الخبرة والبراءة" نشر عام 2003، كما نشر عددا من قصص الأطفال، لم يتخل فيها عن رؤيته الاجتهادية، فأعاد كتابة قصص نمطية مثل سندريللا وذات الرداء الأحمر وغيرها في إطار جديد بحيث تدور في العصر الحديث دون أن تفقد أسطوريتها، وتدخل لتفكيك ما رآه تحيزات غربية ومادية في قصص الأطفال النمطية، لتنتهي قصة سندريللا مثلا بطلب الأمير الزواج منها ليس لأن الحذاء ناسب قدمها أو لأنها رائعة الجمال، ولكن لأنه رآها مثقفة واسعة الخيال!
كما واصل المسيري حتى أواخر أيامه كتابة مقالات تشتبك مع قضايا الرأي العام أو تتناول ظواهر معاصرة بالتحليل فكتب عن التيشيرت والفيديو كليب والحجاب المعاصر وحتى الجدل الذي صاحب انتقال عصام الحضري حارس مرمى النادي الأهلي إلى نادي سيون السويسري!
وعلى الصعيد العملي، لم يقنع المسيري بدور المثقف الموسوعي والمفكر الكبير الذي ينظر للمجتمع من عل، بل انخرط كعادته في الشأن العام، رغم ضيق وقته وتتالي طموحاته ومشاريعه البحثية والفكرية ورغم إصابته بسرطان الدم. فكان من مجموعة مؤسسي حزب الوسط ذي الاتجاه الإسلامي، الذي لم يرخص له حتى الآن، كما كان من مؤسسي الحركة المصرية من أجل التغيير"كفاية" التي حركت المياه الراكة للسياسة المصرية عام 2004، ثم أصبح منسقها العام في 2007.
وقبل أشهر من رحيله عن عالمنا في يوليو 2008، لم يكن غريبا بالنسبة لمن يعرفون المسيري أن يروه، وهو الذي يناهز السبعين وقد اشتد عليه مرضه، واقفا بجانب الشباب في مظاهرة أو وقفة احتجاجية رمزية، فقد كان يرى أن الرمز والمجاز ليسا فقط مجال تجاوز الإنسان للحدود الضيقة وسطوة الواقع، بل وطريقة في التعبير عن إيمانه بما هو أفضل.
كتبت هذا المقال كمشاركة في ملف كانت تعده مجلة "القافلة" السعودية عن المسيري بعد وفاته مباشرة، ولم ينشر بسبب سوء تفاهم حول الاتفاق على المساحة المخصصة.
رحمه الله
ردحذفالمقال رائع
مقال رائع وتلخيص ممتاز لرحلة المسيرى الفكرية
ردحذفتحياتي
:D
نسأل الله أن يرحمه ويدخله فسيح جناته
ردحذفوقد أعجبت حقيقة بتلخيصك لرحلته العلمية والأكاديمية . بارك الله فيك
congratulation on your new blog.
ردحذفExcellent articles.
Glad that your dream has become true and now you are an "Egyptian reporter" instead of an "Egyptian Engineer"
Mohsen
المقال بالفعل رائع،ويعرض لمدى واسع للكاتب،والعنوان يوضح عناصره .على أنه كبير بالفعل،وأتخيله مرفق بمقتبسات تتناثر بانتظام هنا وهناك..أتمنى بالفعل أن أراه (أو غيره) في مجلة كمجلة العربي الكويتية مثلاً.
ردحذفبخصوص تناولك لكتاباته للاطفال،أضفت لي جديدًا،حيث كان انتباهي في هذه النقطة مُركزًا أنه و "محمد عفيفي مطر" قد اتجها للكتابة للاطفال ،حيث أنهما الأمل في التغيير..وقرأت للثاني ،ولم أفعل بعدُ للمسيري..ففي وسع المرء معرفة نوعية الأفكار المهمة المشغولين بنقلها.
شكرًا.
المقال رائع
ردحذفالمقال ممتاز إلا أنك سطحت تعريف المسيري للعلمانية الجزئية ففصل الدين عن الدولة يستتبع بالضرورة الفصل عن الحياة العامة فالدولة الحديثة متوغلة في كل مجالات الحياة العامة ويكفي تدخلها في التعليم والإعلام. وبالتالي فالدولة تتدخل في تصورنا لأنفسنا وصياغة أحلامنا. حتى يستقيم التعريف لا بد من أن يستعيد المجتمع سلطته وينحصر دور الدولة في سلطات إجرائية وتيصبح من الضرورة علمنة الإحراءات ويبقى للقيم بعض الدور فقرار التدخل في سوريا يعتمد على قيم الحق ونصرة المظلوم أم تأثير التدخل على سعر النفط. هذا ما يفرق بين رؤية قيمية ورؤية معلمنة.
ردحذف