الأحد، ٢٢ مارس ٢٠٠٩

قرى البدرشين العطشى ستنتظر طويلا


’’ تمدد البناء العشوائي أفسد المياه الجوفية، وشبكات المياه والصرف تحتاج كلها للتغيير. وحتى إشعار آخر، الجمعية الشرعية وجمعيات مقربة من الحزب الوطني يقيمون في كل منطقة محطات صغيرة لمعالجة المياه بالتبرعات والجهود الذاتية،،





وحده الخزان العالي لمحطة معالجة المياه بقرية المرازيق مركز البدرشين يحاول أن يطول أشجار النخيل التي تميز القرية وتنتشر على مد البصر، محيطة بالتجمعات السكنية الصغيرة والأبنية البسيطة المتلاصقة رغم سعة الغيطان الخضراء.
تقف المحطة الصغيرة في منطقة كفر بحري بالقرية وسط مساحة واسعة يحيطها سور قصير يفصلها عن تجمع سكني محدود تبدو آثار تمدده في أعمال بناء حديثة تزحف على مساحات حقول النخيل، وفي المساحة الواسعة حول المحطة يجلس حارساها اللذين تركا الكارافان الأبيض الصغير وفضلا الجلوس على راحتهما فوق حصيرة يشربان الشاي وبجوراهما مصدر المياه الحلوة: جركن بلاستيكي، لم يملآه من مياه المحطة التي يعملان بها، ولكن من محطة المعالجة الصغيرة القريبة التي تديرها "الجمعية الشرعية".
من سنين طويلة، لم تعرف قرية المرازيق مياه النيل الذي تطل عليه من شريط طويل بدأت تحتله حاليا فيلات فاخرة. وباستثناء أصحاب الأراضي الزراعية القليلة الباقية في هذا الشريط، فإن أهل القرية اعتادوا على مياه الآبار الجوفية سواء عبر الطلمبات، أو عبر محطة معالجة المياه التي كانت تابعة للوحدة المحلية ثم انتقلت تبعيتها للشركة القابضة لمياه الشرب. ولكن بسبب التكتلات السكنية العشوائية التي لا تخدمها شبكة صرف، اعتمد الأهالي على الصرف في "ترنشات" تحت الأرض بجوار المنازل، وكانت النتيجة أن مياه الصرف لوثت المياه الجوفية، فلم تعد مياه الطلبمات الصغيرة صالحة للشرب ولم تفلح محطة المعالجة القديمة في تنقيتها.
بعد الإلحاح في الدعوة على كوب شاي، مؤكدا أنه سيصنعه من المياه الحلوة، يقول محمد محمود، أحد حارسي المحطة، أن الاختبارات التي قامت بها الشركة القابضة وجدت أن نسبة الملوحة عالية جدا في مياه المحطة ، ولذلك يستخدمها أهل القرية في أغراض أخرى غير الشرب والطبخ، ومصدر المياه الحلوة – يشير بيده إلى الجركن- إما محطات الجمعيات أو الشراء من باعة المياه.
أينما ذهبت لن تفتقد مشهد عربات الكارو التي تحمل خزانات بلاستيكية ضخمة تجوب القرية تملأ الجركن سعة 20 لترا بمقابل يتراوح من نصف جنيه إلى جنيه، حسب المواسم وضغط الطلب. والسعر يرتفع في أطراف القرية التي يضطر سكانها إلى الاتصال بالباعة تليفونيا ليأتوا إليهم خصيصا وبالتالي يرتفع السعر.
يقول خالد عبد المنعم، موجه مادة الحاسب الآلي بمديرية البدرشين والذي يسكن في كفر زهران بالمرازيق: "تجارة المياه أصبحت رائجة، فالباعة يملؤنها في التبين أو حلوان من صنابير عمومية مجانا أو مقابل إكراميات قليلة للمكلفين من المجالس المحلية بتنظيم استهلاك المياه. والكثير من الأسر تحتاج إلى أكثر من جركن في اليوم، مما يشكل عبئا ماليا كبيرا على العديد من محدودي الدخل والفلاحين، ولذلك فمحطات الجمعيات أنقذت أهل المرازيق".
أنشيء معظم محطات الجمعيات أواخر العام الماضي، وهي محطات معالجة صغيرة تخدم محيطا محدودا حولها. في كفر بحري بجوار المحطة الرئيسية للقرية، توجد محطة معالجة أنشئت بتبرع من جمعية "حسن الخلق" القاهرية وتديرها "الجمعية الشرعية"، تملأ الجركن سعة 20 لترا مقابل 25 قرشا، ويمول الدخل تشغيل المحطة وأجور عمالها. الأطفال في الغالب هم المسئولون عن رحلات ملء الجراكن، ولذلك كلهم يعرفون جيدا الشيخ عبد ربه عبد الله المشرف على المحطة ويمازحونه وهو في طريقه من بيته إلى المحطة.
في منطقة كفر زهران الجمعية الشرعية حاولت تحفيف عبء النقل، الشيخ أحمد سعد، عضو مجلس إدارة الجمعية في كفر زهران يقول:"بعد إنشاء محطة معالجة في كفر زهران استأجرنا عربة بحصان تملأ خزانا كبيرا مكتوب عليه "الجمعية الشرعية" وتجوب القرية من السادسة صباحا".
بخلاف محطات الجمعية الشرعية، هناك محطات مماثلة تديرها جمعيات تنمية المجتمع المحلي التي يشكلها أبناء العائلات الكبيرة في القرية، وأغلبهم أعضاء في الحزب الوطني. منها محطة مياه في كفر بحري أمام منزل عائلة الدرجلي الشهيرة هناك، ويرأس مجلس إدارة الجمعية المحاسب وعضو الحزب الوطني ناصر الدرجلي. محطة تنمية المجتمع المحلي، تبرعت بها أيضا جمعية قاهرية هي "منابر النور" وتبيع الماء بنفس سعر الجمعية الشرعية بالإضافة لإتاحة اشتراك شهري قيمته 3 جنيهات يتيح للمشترك 30 جركن شهريا.
محطات الجمعيات الخيرية خففت كثيرا من تكاليف شراء المياه، إلى حين تتحقق الوعود بمياه نظيفة تصل للبيوت،وهي التي انتظرها طويلا أهالي قرية المرازيق ومعهم أهالي قرى أخرى حولها مثل الشوبك الغربي وأبو رجوان وسقارة وميت رهينة وحتى مركز البدرشين نفسه.
لى إحدى المقاهي بجوار سنترال البدرشين، يؤكد المحامي محمد سيف والمهندس محمد المتناوي أن المياه المستخدمة في أكواب الشاي والقهوة الموضوعة أمامهما ليست من مياه الصنبور، بل يشتريها أصحاب المقاهي خصيصا. يمسك سيف بكوب الشاي ويقول أنه حتى مدينة البدرشين لم يسلم من أزمة المياه الحلوة، وأهلها صاروا يعرفون درجة جودة المياه من استخدامها في الشاي، إن زادت رداءة المياه يبدو الشاي كالكاكاو وتطفو فوق طبقة غريبة سميكة.
سعر جركن المياه في مدينة البدرشين يرتفع مع المستوى المعيشي لأهلها ليصل أحيانا إلى خمسة جنيهات. وخاصة في الأجزاء الغربية من المدينة. يفسر المهندس محمد المتناوي ذلك بأن المحطة المركزية للبدرشين التي تضخ مياه النيل توجد شرق المدينة ونظرا لضعف شبكة المياه في المدينة وعدم تحملها الضغوط الكبيرة اللازمة لضخ المياه إلى غرب المدينة، يتم الاكتفاء بضغط مياه قليل واستكمال كمية المطلوبة من محطات مياه آبار جوفية.
يشكو معظم الأهالي من ارتفاع معدل الإصابة بأمراض جلدية وخاصة للأطفال، بسبب رداءة المياه. بالإضافة للشكاوى المتكررة من ارتفاع تكلفة استهلاك المياه واضطرار الأهالي لشراءها بسبب الانقطاع المتكرر للمياه ولفترات طويلة.
هذه الشكاوى تصل إلى المجلس المحلي للبدرشين الذي يذكر أعضاءه أن تبعية محطات المياه انتقل من مرفق المياه التابع للوحدات المحلية إلى الشركة القابضة لمياه الشرب التي لا سلطان للمجلس المحلي عليها، وإنما تتبع مباشرة وزارة الإسكان.ولكن أيمن عبد الحي المتناوي عضو المجلس المحلي، يقول مبشرا أن هذه الأزمة ستنفرج في شهر يونيو القادم حيث سيعاد افتتاح تجديدات المحطة المركزية القديمة للبدرشين. ولكنه يعترف أن ذلك لن يحل المشكلة إلا في مناطق محدودة في مدينة البدرشين، ويتفق مع خالد السقعان، عضو المجلس، الذي يؤكد أن المشكلة الأساسية ليست في كم المياه الحلوة، فمحطة البدرشين تعطي فائضا من إنتاجها للحوامدية، ولكن المشكلة تكمن في قدم شبكات المياه والصرف التي لا تتحمل ضغط المياه العالي اللازم لوصول المياه إلى كل المدينة وإلى القرى،وتحتاج كلها للتجديد والإحلال. يضيف خالد السقعان: "تعالوا إلينا في شهر يونيو لتشهدوا انفجار شبكات المياه والصرف في البدرشين والقرى تحت الضغط العالي للشبكة الجديدة". أيمن المتناوي، يعود ويؤكد أنه بالرغم من صحة ذلك الكلام إلا أن هناك ما يدعو للتفاؤل لأن البدرشين كانت تعاني الإهمال في رأيه بسبب تبعبتها لمحافظة الجيزة التي تهتم في رأيه بالمناطق الشمالية منها فقط، ولكنها الآن تمثل جزءا هاما من محافظة 6 أكتوبر، وتحديات مدينة كثيفة السكان مثل البدرشين تمثل أهم تحديات تواجه مسئولي المحافظة الجديدة.
البدرشين وقراها ينتظرون ذلك، وإن كان ظاهر الأمر أن الانتظار سيطول فشبكات المياه والصرف القديمة لا زالت على حالها. ومشروعات محطات المياه الصغيرة في القرى التي بدأت أواخر العام الماضي تقول أن الأهالي قد وطنوا أنفسهم على ذلك الانتظار الطويل.

- نشر في الشروق 21 مارس 2009
- تصوير: محمد حسن

هناك تعليقان (٢):

  1. بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

    ازيك يا استاذ عمرو عزت
    ربنا يبارك فيك
    عاوز اقول لحضرتك ان المشاكل كثيرة جدا فوق ما تتخيل
    انت كتبت عن المياة فقط وهى ابسط مشكلة من مشاكل مدينتى
    طبعا انا عارف ان المياة من اهم الاشياء اللى نحتاج اليها ولكن بجانب كل المشاكل اللى نحن فيها تعتبر المياة شىء عادى وبسيط
    لآن احنا خلاص قلنا دة قدرنا وراضيين بهذة المياة الملوثة
    فى بعض الاوقات لها احتياجاتها فى اشياء كثيرة مثل الوضوء للصلاة
    ولكن للاسف المياة تنقطع كل يوم بالساعات
    اما عن مشاكل البدرشين
    فانا عامل موضوع فى (مننتدى البدرشين اون لاين) واسمة
    المدينة الغارقة فى الهموم والمشاكل
    (هموم ومشاكل البدرشين)

    من يريد ان يقرأ فليتفضل من هذا الرابط

    http://badrashein.com/forum/viewtopic.php?f=13&t=1621&start=0

    ردحذف
  2. السلام عليكم ورحمت الله وبركاته يا استاز عمور اشكرك على هذا المجهود المبزول وارجو من سيادتكم التكرم ببزل مجهود اكثر انا من قرية المرازيق كفر زهران ان هذا البلد ليس محروم من الخدمات من جانب المسؤليين اكثرمماهو حقد من افراد البلدعلى بعضهم البعض لو كان بيحبو الخير لبعضهم لاكانو يقفون بجوار بعض واصبحة لهم كلمه مسموعه عند المسؤليين ويا خساره على البلد والرجاله

    ردحذف