الاثنين، ٢١ ديسمبر ٢٠٠٩
"فرسان النور" يحتاجون دليلا حديثا
النزعة الروحانية المعاصرة التي تعبر نفسها داخل الأديان أو على هامشها، تبحث عن تعبير يصورالإيمان في قلب تجربة ومغامرة ورحلة تجمع بين الحقيقي والمتخيل، بين الواقعي بكل قسوته والخرافي بكل إمكاناته المفتوحة ووعوده الجميلة.
الشعور بافتقاد حياته إلى الجانب الروحاني رغم أنه يعد نفسه مؤمنا ومتدينا، كان شعور محمد النقيب، المهندس الشاب، أول ما تعرف على كتب باولو كويلو. أحس بضرورة اتخاذ خطوة ما نحو إشباع هذا الجانب من حياته، بحث عن وجود الطرق الصوفية في الإسماعيلية حيث يسكن، ولكن لقاءات قصيرة معهم كانت كافية ليحسم أمره أن ما يريده ليس عندهم. عاد إلى ما يشعر أنه يشبهه، افتتح في فبراير 2007 مدونة باسم "محارب النور" وبدأ في ترجمة مقالات باولو كويلو التي ينشرها بالإنجليزية في مدونة بنفس الاسم. وكان أول مقال يترجمه يتضمن نصيحة نقلها كويلو عن معلم له سأله عن الإيمان:"اذهب وافعل ما تشاء. حاول فقط أن تضع الحب في كل بادرة".
ما كان يبحث عنه محمد النقيب كما يقول هو نزعة روحانية إنسانية وتؤكد على الإيمان بالله وفي الوقت نفسه تستخدم "الكود الأخلاقي" للأديان كلها، تقبل الاختلاف وتعطي مساحة لكل فرد وهي ترشده لاستكشاف قوته الداخلية التي يعاني معظم الناس في البحث عنها.
لا يزال الشكل التقليدي للنزوع الروحاني الشعبي مسيطرا على الأذهان، كما يظهر في الاهتمام بالموالد والأولياء وبركتهم واتباع نصيحة المشايخ أو تلقي التربية منهم والانخراط في جماعة كالطرق الصوفية. ولكن على خلافها تظهر النزعة الروحانية الإيمانية التي يمكن أن نصفها بـ"الحديثة" لتجمع عددا لا بأس به من شباب الطبقة الوسطى وما وفقها، ممن لا يجدون ما يروي عطشهم في أدبيات دينية تقليدية أو في مجرد محاولات للتجديد العقلي والفكري للدين ولكنهم متمسكون بـ"إيمان" ما بالله وبالجانب الروحي من الإنسان. قد يتفاوتون في درجة تدينهم وتمسكهم بتعاليم الأديان وشعائرها، فبعضهم لديه نزوع للتشكك أحيانا. ولكن يجمعهم الميل للتحرر من كل خطاب لا يتوجه إليهم الآن وهنا، أو كل وعظ يرسم إيمانهم في قوالب محددة يطالبهم أن يضعوها في قلوبهم، ولا يتفهم قلقهم وأن تساؤلهم عن معنى هذا الوجود لا يريد جوابا خارج هذه الحياة فهو تساؤل لا ينفصل عن رغتبهم في التجربة والمغامرة والتحقق والسعادة.
هذه النزعة الواسعة والفردية التي تجمع أفرادا مختلفين ربما لا يمكن الإمساك بها وتأملها إلا عندما يجتمع أصحابها- من كل العالم- ليجعلوا من الكاتب "باولو كويلو" ظاهرة فيصبح من أشهر الكتاب على مستوى العالم وكتبه هي الأكثر مبيعا لأنها تحدثت بلغة هذا النزعة وعبرت عنها.
قد يكون من هؤلاء مثل محمد النقيب مسلما متدينا معتدلا يبحث عن الاجتهادات الأكثر رحابة عند بعض العلماء، ولكنه يقول أيضا أن بين أبناء جيله شباب لديهم ما لا يمكن أن يصرحوا به من أنهم لا يجدون في الدين- بالشكل التقليدي له- ما يروي غليلهم و لا يجدون إجابات عن كثير من تساؤلاتهم و يقفون عند بعض ما يجدونه تناقضات، ولكنهم في الوقت نفسه لا يتخلون عن فكرة "الإيمان" تماما ولا يقبلون بأن الإنسان وحياته ماديان تماما.
هبة محمد تعتبر نفسها واحدة من هؤلاء :” أنا لا زلت مقتنعة بوجود إله، قوة كاملة متحكمة في الكون وتشجع الفضائل الإنسانية العامة. ولكن لا يمكن أن أقول أني مقتنعة بالإسلام بشكل كامل. وأنا أيضا لست مسيحية أو على دين آخر".
من أجل ذلك تنفر هبة من أي خطاب ديني، ولكنها تجد في نفسه ميلا لنوع من الروحانية ربما لا تجد له اسمها أو تعبيرا إلا أن تبتسم وتقول: "روحانية واسعة مثلما في روايات باولو كويلو" ثم تضيف مفصلة: "هناك قوة علوية كأنها يد من السماء، مهما كنت في أي حالة، شك أو إيمان، يمكن أن تكون هناك صلة بينك وبينها. أن تؤمن بذاتك أولا مهما كانت، ولا تعتذر عنها ولا تبررها، وعلى قدر إيمانك قد تحدث معجزات"
تعترف أن في بعض كلامها تفاؤل قد يبدو خرافيا، ولكنه تبتسم وتقول ربما لذلك تحديدا يعجبها ذلك.
“"فى كل لحظة من حياتنا لدينا قدم فى قصص الجنيات الخرافية وقدم أخرى فى الهاوية" هذا جزء من افتتاحية "إحدى عشر دقيقة" إحدى أشهر روايات باولو كويلو وأكثرها جدلا، فهو يحكي عن ماريا الفتاة البرازيلية التي ترحل في تجربة غامضة تنتهي بها إلى احتراف الدعارة في أوروبا وتتساءل عن اختيارها وأسبابه وتحاول أن تتأمل في معنى حياتها لتصل في النهاية إلى حالة لا تجعلها تشعر بالتنصل من ذاتها أو من خيارها أوالاعتذار عنه.
يعتقد محمد النقيب أن تحفظات بعض المتدينين على هذه الرواية التي تختلف عن باقي أعماله مبالغ فيها، فقبول الاختلاف وعدم الحكم على الأشخاص بمعزل عن السياق الذي يقودهم إلى اختيارات معينة قيم أساسية عنده. وفي الوقت نفسه يرى أن الإيمان الروحي الذي يجعلك دائما مؤمنا بخلاص ما - يمكن ألا يكون حقيقيا أو واقعيا تماما- ولكنه في رأيه يجعلنا نتقبل الحياة بشكل أحسن.
"يتعرف فارس النور طريقه اللحظة التي يبدأ فيها المسير. كل حجرة، كل منعطف يرحب به. يتماهى مع الجبال والوديان. يرى بعضا من روحه في النباتات و الحيوانات و طيور البادية. عندئذ، و قد رضي بمعونة الرب وعلاماته، يستسلم لأسطورته الشخصية مفسحا المجال لها لترشده إلى المهمات التي احتفظت بها لأجله”.
في هذا النص من كتابه "دليل محارب النور" يؤكد كويلو على فكرته التي أصبحت شعبية وملهمة: "الأسطورة الشخصية" التي سيتأمر الكون كله لتنفيذها لو أنك آمنت بها حقا. هذا النوع من الأفكار الملهمة يجد فيه مينا عزيز نموذجا لأفكار الطاقة الإيجابية التي تجعل الجانب الروحاني إيجابيا عند مواجهة مصاعب الشغل والتنافس والقلق والرغبة في تحويل المسار أو المغامرة بالمستقبل المادي والوظيفي لاختيارات معينة: "في الدين هناك إطار أخلاقي محدد أعتقد له دوره ووظيفته، ولكن في الحياة المتغيرة هناك خيارات نتخذها ولا يمكن للدين أن يجيب عنها لأنها ليست من هدفه، ولكن حتى الكلام العام الذي ينقله كويلو عن تراث الصوفية والحكماء في كل العالم ويضعه في تفاصيل معاصرة تجعل من هذه الأشياء جانبا داعما لروحك".
يتفق محمد النقيب مع هذه الفكرة، فهو يرى أن تقديم أدبيات روحانية بلغة وتفاصيل معاصرة أكثر تعبيرا عما يعتقده من أن الإيمان هو الذي يعطيك القوة لتتغير ولكي تؤثر في الناس من حولك.
الصورة من الموقع الرسمي لباولو كويلو
نشر في "الشروق" 20 ديسمبر 2009
وسوم
باولو كويلو,
دين,
روحانية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق