الأحد، ٤ أبريل ٢٠١٠

لحن حزايني بين لحنين فرايحي


أسبوع الآلام بين أحد السعف وأحد القيامة

لحسن الحظ أن السبت إجازة في الشركة التي يعمل بها المحاسب سامح عزيز، وهو ما جعله السبت قبل الماضي يشهد البداية المبهجة لطقوس أسبوع الآلام الذي ينتهي اليوم بعيد القيامة. فمنذ الصباح الباكر للسبت أطل من شرفة منزله في شبرا ليجد باعة ينتشرون في الشوارع وخاصة حول الكنائس يبيعون سنابل القمح التي تعلق على مداخل البيوت وأعواد السعف الخام أو أعمال فنية بسيطة مصنوعة من السعف.
الأعمال قد تكون على شكل خواتم وأساور للأولاد والبنات الصغار أو على شكل صلبان أو بيوت صغيرة وقد تكون على شكل جحش صغير، فالسيد المسيح دخل القدس يوم الأحد، الذي كان بداية عبد الفصح عند اليهود، راكبا على جحش. وكان المسيح قبلها وفقا للإنجيل قد اعتزل في الجيل وصام 40 يوما وليلة منقطعا تماما عن الطعام، وهو ما اعتبره أهل القدس معجزة واستقبلوه بالفرحة والبهجة حاملين أعواد السعف.
يحب سامح اقتناء السعف المشكل على شكل جحش، ويحتفظ في حجرته بـ"قطيع" منها، يقارن كل سنة جودة الصناعة وطرافة الشكل والإبداع فيه فهو مهتم بالفن التشكيلي.
يوم أحد السعف يتجه سامح إلى الكنيسة صباحا ليحضر صلاة صباحية، ترانيم هذه الصلاة لحنها مبهج أو بتعبيرات الكنيسة "لحن فرايحي". فهي في مناسبة دخول المسيح القدس. في الكنيسة تلتقي أسرة سامح بأسر أعمامه وعماته وجده وجدته المقيمين في شبرا ومن عادتهم التوجه للتجمع في بيت الجد القريب.
لكن عند الغروب تبدأ طقوس الحداد. تقام صلاة "الجناز العام" فالكنيسة لا تقيم أي صلوات جنائز لأي متوف خلال الأسبوع، لتتفرغ طوال الأسبوع لطقوس تذكر آلام المسيح التي انتهت بصلبه وموته بحسب الاعتقاد المسيحي. مساء الأحد تعلق الأستار السوداء على أعمدة الكنائس وهياكلها ويرتدي الكهنة الأردية السوداء بدلا من البيضاء.
بدءا من الأحد يبدأ ما يسمى "أسبوع البصخة"، والبصخة هي نفسها كلمة "الفصح" وتعني العبور والاجتياز. وأيام البصخة هي نفسها في أيام عيد الفصح عند اليهود التي يحتفلون فيها بخروج الشعب اليهودي مع موسى من مصر هربا من بطش فرعون.
في هذه الأيام، بدأ المسيح يتخذ بعض الإجراءات ضد ما رآه من انحرافات اليهود. فطرد الباعة من الهيكل وقال لهم بحسب نص الإنجيل:"بيتي بيت صلاة يدعى، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص". وهو ما سيكون سبب غضب رجال الدين اليهودي واتهامهم له بالتجديف والخروج عن الدين.
يقول سامح: "طوال أيام البصخة تقام في الكنيسة صلوات معينة صباحا ومساء، تحكي ما حدث في هذه الأيام من أحداث. ويغلب عليها اللحن الحزايني، وهذه الأيام مثل رمضان عند المسلمين، من لا يأتون إلى الكنيسة طوال العام يحرضون على حضور هذه الصلوات. ولكن لا أتمكن من حضور الصلوات الصباحية بسبب العمل. الصلوات المسائية التي تبدأ من التاسعة مساء وتمتد حتى الفجر أحضر جزءا منها قدر ما أستطيع لكي أتمكن من الذهاب للعمل في اليوم التالي، ولكن هناك من يتمكن من أخذ إجازة طوال الأسبوع للتفرع للصلاة والروحانيات".
طوال هذه الأيام يستمر المسيحيون في الصيام الكبير، الذي يمتد إلى 55 يوما. يمتنعون عن أكل الروح وهو ما يشمل الأسماك أيضا. وفي أيام البصخة يصوم الكثيرون انقطاعا كاملا عن الطعام حتى العصر. يبتسم سامح قائلا أنه ليس متدينا جدا ولا يحرص على ذلك دائما ولكنه يحاول من سنة لأخرى.
يوم الخميس هو "خميس العهد"، وفيه اجتمع المسيح مع تلاميذه مساء في العشاء المعروف بالعشاء الأخير. وفيه أسس لأحد أسرار الكنيسة وهو سر التناول، أي تناول الغذاء والشراب بشكل يرمز إلى تناول غذاء وشراب روحي كأنهما من جسد المسيح ودمه من أجل تثبيت الإيمان وغفران الخطايا. وفي هذا المساء أيضا غسل المسيح أرجل تلاميذه لكي يعلمهم أن يكونوا خداما للناس. يقول سامح: "في خميس العهد هناك صلاة صباحية هامة تقرأ فيها أسفار الإنجيل التي تتحدث عن هذه المواقف، ويقوم الكهنة بمحاكاة فعل المسيح بشكل رمزي والمسح على أرجل الحضور بالماء. ولكن يحدث ذلك في الكنائس قليلة العدد ، وفي الكنائس الكثيرة العدد يتم المسح على أرجل الأطفال فقط أو لا يتم بسبب كثرة العدد".
العشاء الأخير شهد أيضا خيانة يهوذا أحد تلاميذ المسيح له وتسليمه إلى اليهود الذين حاكموه وحكموا عليه بالصلب حتى الموت. ولهذا السبب يكون المسيحيون خلال أيام البصخة أو أسبوع الآلآم في حالة روحانية حزينة يتذكرون فيها آلام المسيح ومواقفه وكلماته. يقول سامح: "نجتهد أيضا في الصلوات الفردية، ونقلل من مشاهد التليفزيون وسماع الأغاني. وهناك بيوت تتشدد في الالتزام فتغلق التليفزيون نهائيا وبعض النساء تلتزمن لبس الأسود طوال الأسبوع".
يوم الجمعة، وهو ذكرى "الجمعة الحزينة" التي شهدت صلب المسيح وموته بحسب الاعتقاد المسيحي، تكون ذروة أيام التعبد والصلاة، فتقام صلاة طويلة من الثامنة صباحا حتى الغروب، والألحان تتنوع بين الفرايحي والحزايني. وفي المساء تقام صلاة أخرى إلى فجر السبت يقرأ فيها بشكل خاص "سفر الرؤية" من الإنجيل. يقول سامح :" نصوم هذا اليوم بشكل انقطاعي حتى الغروب ونفطر على رشفة خل، لأن الإنجيل يروي أن الجنود قدموا للمسيح لما طلب الماء إسفنجة بها خل. وهناك عادة مصرية وهي أكل الفول النابت والطعمية في الجمعة الحزينة".
يوم السبت هو "سبت النور"، حيث يروى الإنجيل أن قبر المسيح تحول إلى النور قبل أن يفارقه ويقوم من بين الأموات. وفي هذا اليوم يكسر المسيحيون صيامهم ويأكلون الكحك بشكل خاص بالإضافة إلى اللحوم. ومساء تقام صلاة أو قداس ليلة العيد الذي يرأسه البابا في الكاتدرائية ويذيعه التليفزيون المصري. وفي هذه الصلاة تعود الألحان الفرايحي ابتهاجا بذكرى قيامة المسيح من بين الأموات. الصباح التالي هو أحد القيامة أو عيد القيامة، وفيه يتزاور المسيحيون ويتبادلون التهاني. وتحتفل كل أسرة بطريقتها وبعض الأسر تذهب للكنيسة التي تقيم احتفالات خاصة. وهناك صيغة دينية لتبادل التهاني تقال باللغة القبطية باللغة اليونانية :"اخرستوس آنستي" والرد "آليسوس آنستي"، وتعني "المسيح قام" والرد" بالحقيقة قام".

اقرأ أيضا: لماذا حمل جارك المسيحي السعف الأحد الماضي ؟


نشر في الشروق 4 إبريل 2010
PDF

هناك ٩ تعليقات:

  1. أضاف لي الكثير مما لم أكن أعرف.شكرًا.

    ردحذف
  2. "اخرستوس آنستي" والرد "آليسوس آنستي"،اعتقد انها بالغة اليونانية و ليست باللغة القبطية

    ردحذف
  3. ميست
    العمل على هذا الموضوع أضاف أيضا لي الكثير. شكرا لك.

    غير معرف
    نعم هي فعلا باليونانية. شكرا للتصحيح.

    ردحذف
  4. أليثوس أنِستي (مش أليسوس)...

    بالقبطيّة: پي اخريستوس آفتونف، خين أوميثمي أفتونف

    پي: الـ التعريف
    تونف: فعل "قام" في الماضي والفاء تصريف الفعل للغائب الذكر
    خين أوميثمي: بالحقيقة
    مصدر: http://greekfood.about.com/od/festivalsholidays/a/easter_2.htm

    ردحذف
  5. شكرا رامي.. و كل عام و أخواتنا الأقباط بخير و سعاده.. أعاده الله عليهم و على مصر بالخير و البركات

    ردحذف
  6. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  7. كل سنة و كل صحابي طيبين يا مسيحييييين ... والعيد القادم من غير إللي مايتسموا :D

    ردحذف
  8. مقال مفيد، و رائع لمسلم زي نفسه ديماً تواقة لمعرفة الدين المسيحي من منطلق التعايش السلمي بين المصريين

    شكراً

    ردحذف