ثقافة استخدام الشبكات الاجتماعية على الإنترنت: عالم واحد أم جزر معزولة؟
كيف يشترك تصميم الشبكات الاجتماعية على الإنترنت مع طريقة استخدامنا لها في التأثير على رؤيتنا وتفاعلنا مع قضايا وظواهر وأزمات مجتمعاتنا ؟
لمدة أسبوع ظل يتلقى دعوة إثر أخرى من أصدقائه على الفيس بوك للانضمام إلى إحدى المجموعات. المجموعة تدعو كل عضو فيها للتبرع بمتر قماش لصناعة علم مصري يحطم الرقم القياسي ويصبح الأكبر في العالم. فاروق سلامة، الطالب بالسنة الأولى في كلية الإعلام، لم يكن محبذا للفكرة ولكنه ملّ من استمرار اضطراره للدخول على حسابه ورفض الدعوة التي يبدو أن دائرة أصدقائه على الفيس بوك قد أغرمت بها بسبب فورة الحماسة الوطنية التي أعقبت أحداث "المعركة الكروية" بين مصر والجزائر. لذا فإنه وجد أن الحل الوحيد الذي يمنع أوتوماتيكيا وصول أي دعوة جديدة هو أن يقبل بالفعل الانضمام إلى المجموعة.
يقول فاروق أنه لن يتبرع بمتر قماش وغير مهتم بالفكرة، ولكن عضويته في المجموعة هي جزء من الرقم الذي سينقله الإعلام للدلالة على تحمس الشباب للمشاركة في هذه الحملة. لا أحد يعلم بدقة كم مشارك هو متحمس بالفعل ومهتم، ولكن فاروق مثل كل شاب مستخدم للفيس بوك يعلم أن دوافع ضغط زر الاشتراك تعني أيضا مجرد الفضول، الرغبة في متابعة أخبار الحدث لا المشاركة فعليا، مجاراة الأصدقاء والمعارف في الاهتمام بشيء جديد ومثير، وربما للمشاغبة والاعتراض على الفكرة أو السخرية منها في ساحات حوار المجموعة.
العلم الذي سيدخل موسوعة جينيس ليس الأهم، ولكن هناك الحفاوة الضخمة بحركة 6 إبريل وبدعوتها للإضراب العام وحشدها ما يقرب من 80 ألف عضو على الفيس بوك واعتبار ذلك انتصار مظفر على كل الحركات والأحزاب والجماعات السياسية القديمة، السيل الجارف من الصور والفيديوهات التي تحمل كراهية وعنصرية بين مجموعات من المصريين والجزائريين والتي جعلت - بالتعاون مع الإعلام التقليدي- مباراة في كرة القدم سببا في تراشق شعبي وشبه رسمي أحيانا بين دولتين "شقيقتين"، وأخيرا أعداد أعضاء مجموعات الفيس بوك المؤيدة لترشيح الدكتور محمد البرادعي رئيسا للجمهورية والتي تصدرت معه الصفحات الأولى، كما في عدد "الشروق" الجمعة 4 ديسمبر، بينما يحاول الصحفيون عبثا في تقاريرهم استجواب "النخبة" السياسية والثقافية عن رأيهم في ترشيحه.
من المألوف أن نتحدث عن الفاعلية التي أتاحها انتشار استخدام تطبيقات الشبكات الاجتماعية Social Networks على الإنترنت، مثل الفيس بوك Facebook وتويتر Twitter ويوتيوب Youtube، والصوت الحر الذي منحته للشباب والحركات الجديدة، ولكن قد يكون مفيدا أن نتحدث كان في هذه التقينات وتصميمها وطريقتنا في استخدامها ما يؤدي إلى التضخيم المبالغ فيه
لأحجام مجموعات أو فاعلية رموز أو المساعدة على احتدام أزمات، بشكل قد يكون محبطا فيما بعد لهذه المجموعات أو هؤلاء الرموز أو مسيئا ومؤذيا لأطراف الأزمات.
عالم جديد واتصالات جديدة
التطبيقات الاجتماعية على الإنترنت هي أهم خصائص ثورة الـويب2.0 أو web 2.0، وهو مصطلح ظهر في مؤتمر تقني عام 2004 ويبدو أنه كان يحاول أن يبشر بنمط مختلف للإنترنت، ولكن التطورات التراكمية في طريقة تصميم المواقع خلال عامين تقريبا استولت على المصطلح فأصبح يشير إلى الخصائص التي تتيح فاعلية أكبر للمستخدمين وتفاعلية بينهم، التصميمات خاضعة لاختيارات المستخدمين وتتيح لهم الإرسال لا مجرد الاستقبال، وتكوين شبكات من الأصدقاء والمعارف والتواصل معهم.
التطور التقني لم يكن مجرد ابتكار منفصل عن التطورات الاجتماعية في العالم، مانويل كاستلز عالم الاجتماع الأمريكي، الذي يعد الأشهر الآن في ربط البحث الاجتماعي بعلوم الاتصال والإعلام، يصف التطور الذي حدث بأنه انتقال للمجتمعات من نمط وسائل إعلام الجمهور Mass media (الذي تنتقل فيه المعلومة من مركز أو مراكز إلى الجموع) إلى نمط الاتصال الشخصي الجماهيري Mass self-communication (شخصي لأن كل شخص هو مرسل ومستقبل وجماهيري لأن الرسالة تصل إلى الجمهور الذي يختار بشكل شخصي أيضا استقبال هذه الرسالة أو تلك من بين بدائل لا حصر لها). وبالتالي تتحول المجتمعات من نمط المجتمع الصناعي إلى مجتمع الشبكة بخصائص مميزة لكل منهما في الاجتماع والاقتصاد والسياسة.
ربما يكون مصدر جاذبية الفيس بوك وشعبيته الجارفة هو أنه أكثر التطبيقات قربا لفكرة مجتمع الشبكة، فهو شبكة اجتماعية على الإنترنت تحاكي الشبكات الاجتماعية المنسوجة بين الأفراد في الواقع، فهو يركز بشكل جيد على الذات أو"الفردية" ويتيح لها أن تعبر أو تستعرض نفسها بشكل جيد، كما أنها توفر وسيطا سهلا لـ"الجماعية" من خلال تطبيقات التواصل وتبادل التعبير والتعليق والنشر ضمن شبكة الأصدقاء.
انهيار السياق
ولكن هل يظل فعلا ما نرسله من رسائل وتعليقات أو كتابات أوصور ضمن نطاق الأصدقاء؟ وإذا خرج فماذا يكون معناه خارج سياق علاقاتنا وفهم من يعرفوننا لطريقة تعبيرنا عن الهزل والجد؟ هذه إحدى مشكلات الشبكات الاجتماعية بشكل عام. علاء عبد الفتاح، مطور البرمجيات مفتوحة المصدر وأحد قدامي المدونين المصريين المهتمين بتقنيات الإنترنت وتأثيراتها الاجتماعية، يشير إلى مصطلح "انهيار السياق" الذي أطلقه مايكل وش، الباحث في الأنثروبولوجيا الثقافية بجامعة كانساس الأمريكية، ضمن بحث كان بالأساس على اليوتيوب. يقول علاء: "المصطلح يشير إلى حالة مشهورة وهي الأشخاص الذين ينظرون إلى كاميرا الكمبيوتر ويتحدثون إلى العالم، ليصل ذلك إلى كل العالم بدون معرفة أي معلومات عن المتحدث وهويته ومكانه ومتى قال ذلك تحديدا وبماذا تأثر وعلى من كان يرد.
هناك مشهد فيديو انتشر على الفيس بوك واليوتيوب الأسابيع الماضية، فيه رجل مصري يقف وهو ولديه يرتدون فانلات فرق كرة قدم مصرية ويسبون الجزائر وشعبها وفريقها الكروي. هذا الفيديو صالح للاستخدام قبل كل مبارة مقبلة أو بعدها. وبالمثل فيديو الشاب الجزائري الذي يحاول السيطرة على أعصابه وهو يتهم عمرو أديب بأنه تسبب في شطب مصر من خارطة دماغه. هذا الفيديو قابل للتكرار إن استمر عمرو أديب في الحديث عن مشكلات مباريات كرة القدم بنفس الطريقة. وساعتها سيستقبل أحدهم الفيديو ولا يعلم إن كان ذلك الشاب الجزائري فقد أعصابه هذه السنة أو من سنوات ماضية.
يشير علاء أيضا إلى أن انتقال بعض نواتج هذا الإعلام الشعبي إلى الإعلام المؤسسي سبب مشكلات مصداقية، مثل فيديو المشجعين الجزائرين وهم يلوحون بالأسلحة البيضاء والذي تبين فيما بعد أنه في سياق آخر زماني ومكاني. كما أنه يشير إلى أن افتقاد السياق الثقافي قد يسبب تأزما في استقبال هذه المواد: "المقلب في الشبكات الاجتماعية هو أن السياق ينهار بدون أن تنتبه لذلك، فالتصميم الأصلي افترض أنك لن تتعامل إلا مع معارفك، ولذلك فأنت تظن أنك تتواصل مع عائلتك وأصدقائك بالأساس ولكن رسائلك تصل لمستقبلين آخرين. مثلا الكلام عن أننا سنزعج المنتخب الجزائري في القاهرة أو تلويح جزائري بأنه سيذهب ليشتري سكاكين وسيفعل كذا وكذا، هي أشياء يقولها الشباب المتحمس على المقاهي والنواصي من باب "التهييس" العادي. ولكن استدعاء هذا الكلام بعد فترة أو أن ينقله أحد عبر برنامج تليفزيوني يضعه خارج سياقه ويتسبب في نوع المشكلات الذي حدث بين الشعبين المصري والجزائري".
ربما يكون التوعد بمثل هذه الأحداث قد حدث بالفعل ولكن لا أحد يعلم إن كان المتحدث الجزائري إلى كاميرا كمبيوتره المحمول هو الذي حمل السكين في الخرطوم أم أن رسالته ألهمت آخر حين تناقلتها المواقع والمجموعات، وبالمثل هل من هددوا بإزعاج المنتخب الجزائري من وراء شاشاتهم هم من طاردوا الباص ورشقوه بالحجارة أم لا. ولكن بالتأكيد أن تداعيات الحدث التي عادت لتتناقلها المواقع والمجموعات بمنتهى السرعة قد ألهمت المزيد والمزيد من هنا وهناك للانخراط في معركة التطاول والكراهية والعنصرية.
اللحظة المرهقة
"أنا مرهق يا تويتر! أنا فعلا مرهق!" هكذا اختتم سيمون دومينيكو، الكاتب المتخصص في التكنولوجيا في موقع Advertisingage.com ، مقالته الشهر الماضي التي كان عنوانها"10 أشياء علمني إياها تويتر عن الإعلام.. وعن نفسي!" وكان سبب إرهاق دومينيكو من تويتر- تطبيق تبادل الرسائل القصيرة لحظيا والذي وصفه بأنه تطبيق عام 2009 - هو أن تجربه استخدامه علمته أن رغبتنا التي تقول: "يجب أن نعرف الآن وفورا ماذا يحدث في الخارج من آخرين" وإصرارنا على أن نكون ضمن "أول من يعرف" ليست إلا شيء مرهق، لا يفيدنا حقيقة في معرفة شيء، ما نعرفه أسرع يكون عادة خطأ أو أقل دقة، مسبب لنوع إدمان، ويجعلنا متحفزين أكثر، سماعنا لتعليقات الناس على كل شيء لا يجعلنا أذكى بل ربما أغبي في التعامل مع ما هو حقيقي حولنا. كما يقول أنه تعلم أيضا أيضا أن يخرج بنفسه ليعرف ماذا يحدث كلما كان ذلك ممكنا.
قد يكون ذلك إحدى مشاكل السياق وفق وجهة نظر دومينيكو. ربما يوافقه قول ماكلوهان، رائد علوم الاتصال، أن "المعرفة اللحظية تعني المشاركة والتورط". فالكثير من المعلومات والأخبار عن العالم قد لا تفيدنا كل لحظة، وكذلك الكثير من الآراء والتعليقات. وقد تجعلنا متورطين ذهنيا في أزمة سياسية بعيدة بدون أي قدرة حقيقية على المشاركة. ولكن من ناحية أخرى تكون هذه الوسائل مفيدة إذا كنا ننوي فعلا المشاركة والتورط، تضامنا مع مظلوم قريب أو بعيد بشكل ما، أو اشتراكا في حدث اجتماعي ضمن محيطنا أو تفاعلا مع نصيحة أو ردا على استفسار. يبدو دومينيكو متحاملا بشكل كبير لو لم يتعلم ذلك من تويتر. ولكن يمكن أن نتفهمه في حالة أن هناك العديد من المتعصبين المتوثبين للشغب أو لإهانة الآخر والمستعدين للتورط والمشاركة في استكمال معركة سمعوا خبرا عن أحد فصولها ! والنتيجة أن الخبر يتحول - صحيحا كان أو خاطئا - في لحظة من حدث إلى فصل في معركة بفعل من ينتظرون المشاركة والتورط !
ولكن كل ذلك يتوقف على كيف نحكم على مصداقية ودقة ما يصلنا، وكيف سنقيم ماحدث ونراه، وأي معارك نحن مستعدون أو منتظرون أن نخوضها. وهذه أشياء قد يحسمها كل فرد مع نفسه أو يقوم بها بشكل اجتماعي ضمن شبكته التي يتبادل معها التفكير بصوت عال.
شبكات من الأشباه؟
قد تساعدنا الشبكات الاجتماعية على التفكير بشكل نقدي مع أقراننا، ولكن من جانب آخر قد تؤدي إلى تكريس الأفكار السائدة والمنشترة أكثر عند مجموعات بعينها. في رأي علاء عبد الفتاح أن التصميم الأصلي للفيس بوك افترق أنك لن تتواصل إلى مع معارفك، ولذلك فتصميم الفيس بوك يكرس لشبكتك أكثر فأكثر ويضم المزيد من نفس الطبقة ومن نفس الدائرة التي تنتمي إليها بالفعل. وهو في رأي علاء يسهل انتشار الأفكار بين المتشابهين ويؤدي لتفاقم مشكلة مثل الأزمة مع الجزائر. وكلامه يتفق مع نظريات علم النفس التي تحدث عن الميل للمجاراة الاجتماعية لأن الفرد العادي لا يجب أن يكون معزولا بل يجب أن يكون مقبولا ومشاركا الجماعة الرأي ولو كان شططا.
يبدو وكأن هذه الفكرة تجعلنا نرى الفيس بوك كجزر منعزلة وليس شبكة اجتماعية واحدة وفق الوطن أو وفق اللغة أو حلم المجتمع العالمي المتشابك كله. وفي هذه الجزر نفع تحت تأثير بعض الأوهام عن العالم، يقول علاء: "يحدث على الشبكات الاجتماعية كما في الواقع أن نسارع إلى الاعتقاد بان كل الناس الآن تتكلم عن كذا لأننا سمعنا كل من حولنا يتكلمون عنه، وكأنهم هم كل العالم". هكذا تنمو في كل جزيرة أوهام مختلفة. بعض الناشطين في وسط زخم نشاطهم قد تتصاعد حماستم وكأن "الشعب المصري" كله متحمس للتغيير لأن كل من حولهم من الأقران المشاركين ينبضون حماسة، أو قد يظن البعض أن الشعب لا ينقصه إلى الصندوق لينتخب البرادعي لأن دائرة معارفه من الشباب أعجبتهم الفكرة ويرفعون أكفهم بالدعاء أن يتمكن من الترشح.
ولكن في الفيس بوك أيضا مساحات جماعية مفتوحة مثل المجموعات وصفحات المعجبين برموز أو أفكار ومنتجات قد تؤدي إلى بعض التداخل ورؤية آراء وميول أخرى.
يقول طارق عمرو، مصمم شبكات الاتصالات والمهتم بتقنيات الشبكات الاجتماعية، أن مؤسس خدمة "جايكو"- التي تشبه تويتر- قدم فكرة هي "الموضوع الاجتماعي" الذي يكون واسطة التواصل بين الأفراد. "الموضوع الاجتماعي" هو أي شيء نتحدث عنه ويصلح أن يكون مادة حوار: طبخة، أغنية، مباراة أو خبر سياسي أو مشهد من فيلم. وعلى الشبكة الاجتماعية يكون رأينا وتعليقنا أيضا "موضوعا اجتماعيا" يجمعنا مع آخرين. يرى طارق أن ذلك يكرس أيضا فكرة الجزر المنعزلة بين الثقافات المختلفة والبيئات المختلفة المهتمة بموضوعات مختلفة. بين الجزر الروابط موجودة لأن هناك أحيانا تداخل موضوعات ولكن هذه الروايط عادة تكون ضعيفة.
صدام الأغراب
هناك الملايين ممن يتشاركون استهلاك الجينز والبرجر تحت تأثير العولمة، ولكن هل كلهم يتشاركون نفس الأفكار عن الجنس أو الدين، أومستعدون على الأقل لخوص حوارات هادئة حولها؟ تبدو الروابط بين الجزر قوية على مستوى بعض "الموضوعات الاجتماعية" مثل السلع والنجوم العالميين. ولكن على مستوى الأفكار والثقافة هناك جزر قريبة أو بعيدة وربما بين بعضها قطيعة كبيرة.
ولذلك فبعض "الموضوعات" قد تمثل لقاء غير مرغوب في نتائجه. قد تكون كتابات وصور ومشاهد من مجموعات دينية أوقومية مختلفة الثقافة. وقد تكون موضوعات تم تصميمها سلفا لمهاجمة الآخر. الفيديوهات المتبادلة التي صممها مصريون وجزائريون لإهانة فريق الكرة أو الشعب كله كانت "موضوعا اجتماعيا" للشجار في المجموعات المهتمة بالمباراة أو على حسابات اليوتيوب. وتعرضت بعض الفيويوهات لمشكلة انهيار السياق، فعرض كل فريق مشاهد لفتيات "ساقطات" في رأيهم وكل فريق قال أن هذه مشاهد لمصريات أوجزائريات ! ولا أحد يعلم جنسية الفتاة ولا في أي سياق تم تسجيل هذه المشاهد.
معارك متفرقة هنا وهناك بسبب أن أحدهم وضع صورة البروفايل هو علم الجزائر ومكان الهلال نجمة داوود أو أن أحدهم كتب "مصرائيل" بدلا من "مصر". ولكن هذه الأزمة كلها كانت "موضوعا اجتماعيا" لمبادرات قام بها شباب لتهدئة الأوضاع والحفاظ على العلاقات بين الشعبين. وفي الواقع أن هذه المبادرات أسست لعلاقات جديدة لم تكن موجودة قبلا وسببت تلاق بين عدد لا بأس به من الشباب المصري والجزائري الرافض للتصعيد وحملات الكراهية والعنصرية المتبادلة، ورب ضارة نافعة، فقد كان للفيس بوك فضل التلاقي بين "أشباه"على صعيد آخر هو صعيد المزاج الرافض للتعصب الوطني. وهو ما يعني أن دائرة جديدة من الأشباه تجمع بين دائرتين منفصلتين بحكم اللغة والجغرافيا ولكنها تتشكل في لحظات بعينها أو أزمات تصبح هي الموضوع.
إحدى هذه المبادرات هي حملة "لن نفترق" التي أطلقها مصطفى النجار، طبيب الأسنان، وعمرو مجدي، طبيب الامتياز، عبر مجموعة على الفيس بوك. وسعيا بوسائل عديدة لنشر الحملة على الإنترنت أو بالاتصال برموز من البلدين. يقول عمرو مجدي أنه أثناء النقاشات على المجموعة لاحظ هو ومصطفى أن شباب من الجزائر متحمسون للحملة فتواصلوا معهم وأصبحوا مشاركين ومنسقين للحملة.
جروب الحملة زادت عضويته حتى وصلت 8500، وهذا لا يعني أن كلهم مؤيدون، فعمرو ومصطفى وجدا مشاكل كثيرة في إدارة الشجارات التي نشبت في ساحات حوار المجموعة.
"لن نفترق" ولكن كيف نلتقي ؟
يقول عمرو مجدي: "مجموعات الفيس بوك مفيدة في الانتشار وجمع الناس بشكل سريع، ولكنها غير فعالة في تنظيم عمل جماعي ناجح. لم نجد طريقة للسيطرة على الشجارات إلا بغلق ساحة حوار المجموعة لفترات، لا توجد ساحة داخلية لحوار المديرين. أنا أعتقد أن الإدارة تشكل جمهورها لا العكس. في المنتديات عندما تضع محاذير وضوابط وتطبقها يتلزم بها العضو أويرحل. مجموعات الفيس بوك تفتقر للأدوات اللازمة لذلك أنشأنا منتدى حواري تابع لموقع خاص بالحملة".
ما يتحدث عنه عمرو هو ما يراه علاء عبد الفتاح إحدى المشكلات التي أعاقت حركة 6 إبريل التي بدا أنها حشدت عددا كبيرا بفضل العدد الضخم لعضوية مجموعة الفيس بوك: "الأداة الرئيسية في التنظيم خذلتهم تماما، ضخامة المجموعة على الفيس بوك كانت كارثة لأنه لا يوجد أي آليات لخلق سمعة وثقة وتاريخ بين هذا العدد. على حائط المجموعة كل الرسائل متساوية، مافيش حد متهتم مين قال أيه و قاله إمتى وبالتالي.كل عضو وجد نفسه ينشر رسالة و يا يعرف من رآها ومتى وكيف. لا توجد وسيلة لظهور قيادات أخرى جديدة غير مديرين المجموعة الفعليين. أو من يختاروهم . كما حدث لاحقا سيطر من لديه حزب وتربيط و آليات تنظيم خارج الفيس بوك".
ولكن هذه الضخامة لا تعني أنها تنتهي إلى لاشيء، حتى مع فشل التنظيم، ورغم أن بعضه قد يكون عضوية وهمية مثلما رأينا. إلا أنها تشير إلى ميل عام وجاذبية للفكرة تجعلها أكثر انتشارا بين الدوائر المختلفة للعلاقات. قد نتشكك إذا كان كل أعضاء مجموعات ترشيح البرادعي سينزلون من منازلهم فعلا للتصويت، لو نجح في الترشح، ولكن بالتأكيد الفكرة تعكس ميلا ما لديه شوق لوجه جديد وناجح ويلخص أحلام شباب كثر يرون أن السياسة ما هي إلا إدارة ناجحة رشيدة من شخص مرموق عالميا.
ولكن هذا الانتشار المؤدي إلى الضخامة المفتقرة للتنظيم والفاعلية يحتاج إلى آلية تساعده. وسيط المدونات أثناء "فورة التغيير" في 2005 وما بعدها رغم أنه كان أقل زخما إلا أنه شكل رموزا من شباب المدونين وسمعة لمدونات ومواقع لا تزال تتمتع بقدر من المصداقية والمتابعة مثل الوعي المصري والتعذيب في مصر وغيرهما. وفي رأي علاء أن المدونة تصنع بتاريخها ثقة وسمعة وبروابطها مع المدونات الأخرى سياقا لما هو مكتوب فيها. كما أن الفارق بين وسيط المدونات ووسيط الفيس بوك يؤثر على الخطاب. في المدونة يشعر الفرد أنه ممثل لجماعة ما أو يقدم شيئا ما لجمهور.
ولكن المدوّنات كانت جذابة للأفراد الذين لديهم شيء ما ليكتبوه أو ينشروه، بينما كل مستخدم في الفيس بوك موجود ويعبر عن ذاته ويتفاعل مع شبكته بأشكال مختلفة بدون أن يكون بالضرورة كاتبا أو يريد أن ينشر شيئا أيا كان. في المدونات هناك ظل لا يزال لفكرة "النخبة" و"الجمهور" ولكن بشكل جديد. جزء من الجمهور صار نخبة ومن بين النخبة التي تدون هناك نخبة من المدونين المشهورين. ولا وجود لفكرة التجمع في المدونات إلا في مدونة مشتركة يتبادل أفرادا الكتابة.
في بحثه عن "الاتصال والسلطة والمقاومة في المجتمع الشبكي"، يرى كاستلز أن الإعلام الجديد والاتصال الشخصي الجماهيري هوأداة جيدة في يد الحركات الجديدة المتمردة على السائد سياسيا واجتماعيا، ومن أبحاثه يرفض وصفها بشكل سطحي أنها "حركات إلكترونية"، بل يراها تتخذ التكنولوجيا كأداة للتعبير عن مشروعها وكوسيلة للتعبئة والتواصل في حين أن معظمها له مكان وحضور وجذور في العالم الحقيقي. ولكن لا يجب أن نتورط أيضا في المدح الرومانسي للإعلام الجديد وشبكاته الاجتماعية باعتبارهم سلاح الشباب وأداة التقدم المقدسة بدون نظرة نقدية في التصميمه والتفاصيل. من المفيد أن نستمع إلى كاستلز:"التكنولوجيا ببساطة ليست مجرد أداة، بل هي وسيط وأسلوب في التخطيط الاجتماعي له مضامينه. بالإضافة إلى ذلك هي منتج من منتجات ثقافتنا التي تتضمن كلا من رؤيتنا لفكرة استقلاليتنا الفردية ومشروعاتنا كفاعلين في المجتمع".
نشر في "الشروق" الأحد 10 يناير 2010
الصورة من الصفحة الرئيسية لـ Facebook.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق