الجمعة، ٢٩ يناير ٢٠١٠

أنا المدير !



العديد ممن هم في مستويات وسيطة هم رؤساء على إدارات أو أقسام أو فرق عمل وهم أيضا مرءوسون من المستويات الأعلى منهم، خبراتهم في الإدارة تلخص كيف يرون مشكلات العلاقة بين الرئيس والمرءوس وهم يتناوبون الجلوس على كرسي المدير ثم الجلوس أمامه كموظفين.

بعد مقابلات أجراها متقدما لوظيفة مدير لقطاع ما بشركة متعددة الجنسيات لم يوفق هاني فوزي، الصيدلاني الشاب الذي يقترب من منتصف الثلاثينات. ولكن أثناء لقائه مع إدارة الموارد البشرية بالشركة لمناقشة تقييمه قيل له إنه نال أعلى التقييمات فيما يخص الخبرات اللازمة لأداء الوظيفة، إلا أن سبب عدم نيله للوظيفة أنه لا يغير طريقة تواصله مع المستويات المختلفة فيعامل مديريه الأعلى كزملائه ومرءوسيه، كما أنه يتشبث برأيه ويدافع عنه بقوة.

يقول هاني: "لم أعرف تحديدا ما هي المشكلة، واعتبرت أن ذلك شيء إيجابي وقلت لهم أن تقييمهم لي أسعدني في كل النقاط.. ولكن إذا كنت لا أصلح للوظيفة فهناك مشكلة في التركيبة الذهنية المتعلقة بالإدارة".
قبل تقدمه للوظيفة كان هاني فوزي مهتما بالعلوم الإدارية ونظرياتها وفيما بعد ترك العمل في شركات الأدوية التي تمتزج فيها إدارة الأعمال مع الصيدلة- تخصصه الأساسي- وافتتح مع مجموعة من زملائه شركة تقدم خدمات إدارية بالأساس تشمل تقديم استشارات وخطط تطوير لمجالات الأعمال بالإضافة لخدمات التدريب على جوانب الإدارة المختلفة.

يرى هاني أن التركيبة الذهنية التي أعاقت حصوله على الوظيفة ساعتها هي ناتج عن مزيج من عقلية إدارية قديمة، متمسكة بفكرة "التحكم" وبأن هناك "مسافة" واسعة بين الدرجات الوظيفية يجب مراعاتها والدفاع عنها، بالإضافة إلى ثقافة عامة مجتمعية لا تزال تفكر في المكانة و"الكرسي" أكثر من تفكيرها في أشياء أخرى في سياق العمل. بعض أفكاره حول الإدارة تتعلق بتخصصه الحالي ولكن قدر كبير منها تعود لخبرته المزدوجة كمدير ومرءوس.

العديد ممن هم في مستويات وسيطة هم رؤساء على إدارات أو أقسام أو فرق عمل وهم أيضا مرءوسون من المستويات الأعلى منهم، الخبرة التي يعيشونها غالبا أشبه بتبادل الأدوار، هنا هم جالسون على كرسي المدير ومن الناحية الأخرى هم يتعاملون مع آخر هو الجالس على كرسي المدير. تأمل كلا من الخبرتين بعيون نفس الشخص مرة من هذه الزاوية ومرة من تلك قد يكون مفيدا.

من يضع القواعد ؟

يعتقد هاني فوزي أن إحدى أهم المشكلات التي تواجه العلاقة بين المدير والمرءوس هي عدم وضوح القواعد التي تحكم العلاقة بينهما، ففي معظم المؤسسات العلاقة متروكة للطرفين يحددونها بمعرفتهم، ويبدو أنه لولا ذلك ما كانت تجربة المهندس محمد أسامة ممكنة.
أسامة، مهندس إنشائي يقترب من عامه الثلاثين ويرأس الآن إدارة التصميم الإنشائي في إحدى شركات الاستثمار العقاري. يحكي عن تجربته منذ بداية عمله في الهندسة في مكاتب وشركات متفرقة مؤكدا أن الغالب عليها هو العلاقة الهلامية بين المدير والموظفين: "عندما تكون العلاقة بهذه العشوائية، لا يمكنني إلا أن أتصرف كرد فعل لكل موقف أو أن أبدأ أنا في وضع القواعد. ولكن تعلمت أنه في كل الأحوال لا يمكن أن تتعرض للظلم الفادح لو كنت كفؤا حقا في ما تفعل. ففي العادة أصحاب العمل سيقدرون من يخرج لهم منتجا جيدا، والمدير لن يضحي في الغالب بموظف يجعله يخرج فائزا عند تقييم عمل إدارته".
يرى محمد أسامة أن موقع الكفء الملتزم الذي يؤدي عمله جيدا والذي يضع قواعد لنفسه وإنجازه وتنمية نفسه إن لم يجد ذلك موجودا في المؤسسة هو الموقع الذي يمكن للموظف فيه أن يدخل في علاقة متوازنة مع المدير للتفاوض حول شروط العمل وقواعد التعامل، فسواء قوانين العمل أو لوائح المؤسسات عامة جدا ويمكن تفسيرها وتأويلها بأشكال مختلفة.
ناتج خبرة محمد أسامة هو بعض من رؤية جيفري جيمس في كتابه ذي العنوان المثير "كيف تدير مديرك". ملخص رؤية جيمس أن إدارة العلاقة بين المدير والموظف هي مهمتهما معا، وعندما يترك الموظف للمدير مهمة إدارة العلاقة وحده ينتهي به الأمر إلى التذمر. لذلك على الموظف أن يفهم طبيعة وحاجات وأهداف مديره من العمل، وعليه أن يظهر للمدير التفاصيل الكافية لكي يعرف أيضا طبيعته وحاجاته وأهدافه كموظف، لكي يمكن ضبط العلاقة التي ترضيهما معا.

السلطة والتأثير

ولكن الأمور ليست دائما وردية وبعض المديرين قد لا يقبل أي محاولة للتفاوض ولا يرضى بأقل من تسلط كامل. في رأي هاني فوزي أن كل المديرين الذي يبدون تشبثا كبيرا بالسلطة يكونون عادة أضعف من ناحية الشخصية أو الكفاءة المهنية. يروى أن أحد أفضل مديريه كان في معظم الأوقات يفتح أبوابه لموظفيه يستمع إليهم بانتباه، يتحاور معهم ويناقشهم حول مشاكل العمل وأسلوبه، ولكنه في نفس الوقت كان محتفظا في بعض اللحظات الحساسة بحقه في غلق بابه والقيام بدوره في اتخاذ قرار صعب أو سريع لا يمكن التشاور بشأنه مع تحمل كامل وشجاع للتبعات.
ينصح روبرت باكال- الرئيس التنفيذي لمؤسسة "باكال وشركاه" الأمريكية- كل المديرين في كتابه "كيف تدير الأداء" بأن يناقشوا موظفيهم ويستعملوا الحجة لا السلطة التي يجب أن تظل ملاذا أخيرا.
يقول هاني فوزي: "أثناء تدريب المديرين أردد دائما مقولة: المس قلبه قبل أن تطلب منه أن يمد يدا. هناك فارق بين التأثير والسلطة. وفي الإدارة هناك بون شاسع بين المدير الذي يستخدم السلطة ويتشبث بالكرسي صارخا: أنا المدير، وبين القائد صاحب التأثير العميق على موظفيه".
تميل معظم كتب الإدارة للتمييز بين مفهوم "المدير" الذي ينفذ إجراءات محددة معتمدا على سلطة صارمة وبين "القائد" الذي يضيف لعمله رؤية وأسلوبا ويجعل من حوله يساعدونه ويشاركونه العمل بحماسة وقناعة بفضل تأثيره على محيطه سواء رؤسائه أو مرءوسيه.
يعتقد محمد أسامة أن هناك مشكلة أخرى تتعلق بنظرتنا لفكرة الرئيس والمرءوس نفسها:"بالتأكيد السلطة ممتعة، وللترقي فرحة طبيعية، ولكن بعض المديرين لا يتخطونها ويعيشون هذه اللحظة أطول من اللازم ويذكرون من حولهم بها على الدوام. ولذلك في الجانب المقابل يعتقد بعض الموظفين أن كونه مرءوسا هي سبة أو إهانة وتجده على الدوام متذمرا وناقما ويعتبر أن وجود أحدا ما يرأسه هو نوع من الظلم في حد ذاته، ويكون ذلك أحيانا بسبب عدم قدرته على إثبات كفاءته أو بسبب تضخيمه لقدراته ومواهبه".

المسافة الواسعة

يرى عالم النفس الهولندي الشهير هوفستيد، المهتم بدراسة العلاقة بين ثقافة المجتمع وطريقة تنظيم المؤسسات فيه، أن لكل ثقافة مستوى معين من "درجة استعلاء السلطة" Power Distance تجعل الناس أكثر قبولا وتعايشا مع فارق كبير في النفوذ داخل المؤسسة الواحدة بين الدرجات الوظيفية المتتالية. ويعلق هاني فوزي أن مثل هذه المسافة الكبيرة التي تؤدي إلى فارق كبير في الأجور والمميزات تتسبب في وجود توتر بالغ وهوس بفكرة الترقي، في حين أن المسافة الأقل والفارق الأقل تجعل فكرة فريق العمل أقرب للأذهان وتجعل الكل يعمل باتساق ولا يجعل من الترقي درجة واحدة فحسب قفزة ضخمة في حياة الموظف.
يكمل محمد أسامة تجربته قائلا: "عندما كنت مرءوسا تجاوزت التذمر حتى عندما شعرت أن مديري كان ظالما، وكنت لا أكتفي بمعرفة تقييمي في الأوراق، بل أذهب إليه وأسأله عن عيوبي ومواطن القصور. وكان ذلك يفيدني في المرة التالية".
ينقل جيري جيفرسون في كتابه "القائد المعاصر" قول ريتشاد باش: "تحدث عن أوجه قصورك، تجدها لا محالة"، وينصح الموظف أن يسأل مديره عن عيوبه إن لم يخبره بها وأن يتحدث عنها ويحاول تطويره بدلا من إنكارها. يحذر روبرت باكال أيضا في "إدارة الأداء" المدير من مخاطر التقييم عبر أرقام ونسب لأنها مجرد مقاربات تختزل الأشخاص، وينصحه بمناقشة تفاصيل الأداء مع الموظفين بشكل يجعلهم متفهمين للتقييم وبشكل يمكّنهم من تعديله وتصويبه.
يقول محمد أسامة:"عندما أصبحت مديرا كان أول ما فعلته هو محاولة وضع أهداف واضحة للعمل وقواعد محددة للتقييم وأناقشها باستمرار مع المهندسين وأجعلهم يطبقونها بأنفسهم على أنفسهم وأناقش معهم الأهداف والمشكلات وأوجه القصور وفي نهاية النقاش نكون قد وصلنا لقناعة ما تجعل من قبولهم لتقييمي أمرا مفروغا منه".

من التجارب التي قام بها محمد أسامة وهو مدير محاولا تجنب المشكلات التي وجدها في مديريه، هو أنه حاول قدر الإمكان ابتكار طرق للتحفيز حتى لو كانت قدرات المؤسسة لا تحتمل حوافز مالية. فوعيه بأهمية التحفيز والإثابة على الإجادة ومدى تأثير ذلك عليه وهو مرءوس جعلته يضع نظاما لإدارته يجعل من حق الموظف الأفضل تقييما كل شهر الحق في 3 أيام إجازة لأن إدارة الموارد رفضت تخصيص مكافأة مالية شهرية رغم أنها تقوم بالخصم من المقصر.
يعلق هاني فوزي: "عندنا ميل كبير للأسلوب السلبي من التحفيز ومضمونه:السلوك الجيد يمنع العقاب. وميلنا أقل من الأسلوب الإيجابي: السلوك الأفضل يتم مكافأته. أعتقد أن ذلك له علاقة بالثقافة التي يكون فيها الالتزام بالأساس هربا من العقاب مثلما هو الحال في الخطاب الديني الذي يركز على العقاب ثم بدرجة أقل الثواب".
ربما يعكس ذلك أيضا توقع المؤسسات من الموظفين بأنهم بالكاد يحققون ما هو مطلوب منهم لا أن يبدعوا أو يفعلوا أفضل مما هو متوقع. عند هاني فوزي اهتمام بأسلوب من الإدارة لا يزال يتشكل يركز على جانب الإبداع و يستفيد من طرق إدارة الصناعات الإبداعية التي يتعامل فيها المديرون مع مبدعين، تجعلهم قدراتهم ومكانتهم قادرين على المشاركة في الإدارة وتشكيل أسلوبها من أسفل.

إدارة الخلاف لا تجنبه

يستحضر هاني فوزي خبرته كمرءوس ليقول أن شعوره بكفاءته وحماسته من أجل العمل، مثل حماسة المبدع الذي يبدع لأنه يحب ذلك لا لأن أحدا يطلب منه أو يأمره، هي التي تجعله يتشبث برأيه ويناقش مديريه ويحاول تنبيههم إلى مشكلات تعترض سير العمل. يقول هاني فوزي: " بعض المديرين كان يرد علي ملاحظة من جانبي قائلا: لا تنتقد عملنا ولا تنتقد الإدارة. وكنت أندهش وأقول أني أنتقد الخطأ. ولم أكن أفهم لماذا يجعل من مديره نفسه "صاحب المحل"، وكأنه هو والعمل واحد. هذه الطريقة هي السبب في أن الموظف يتصرف بطريقة: اربط الحمار مطرح ما يحب صاحبه أو إياكش تولع!".
يوجه روبرت كال كلامه للمديرين وينصحهم: "دفاع الموظف بشدة عن وجهة نظره إشارة لاهتمامه بالعمل وحماسته. لا تقتل الخلاف بل أدره بكياسة".
بعض المديرين يرون أن الخلاف بينه وبين موظف موهوب أو واعد هو نوع من الصراع ولذلك يقاومه بشراسة وهو يضع عينه على كرسيه، وقد يدفعهم ذلك للتردد في تعيين موظفين لديهم شخصية قوية أو"مقاتلة" رغم موهبتها وكفاءتها. يعتبر هاني فوزي أن ذلك ما حدث معه في وظيفة الشركة متعددة الجنسيات: "هناك قاعدة في الإدارة عندما نريد تقييم مدير ما ندخل في تقييمنا لكفاءة وموهبة من معه. ودائما نجد أن الموهوب وصاحب الشخصية القيادية يشكل فريقه من موهوبين وأصحاب شخصيات قيادية ولا يخشى منهم. يوزع عليهم المهام والسلطات ويجعل كل واحد منهم يحقق ذاته ويشعر أنه في مكانة جيدة. بينما قليل الموهبة يحيط نفسه بمتواضعي الموهبة ويقلل على الدوام من شأنهم وتقليل صلاحياتهم لكي يبرز مدى الجهد الذي يقوم به في إدارتهم".
يتفق محمد أسامة وهاني فوزي أن أشد ما كان يضايقهما وكلاهما يعتبر نفسه موظف مجتهد ومتحمس هو عدم شفافية المديرين معهم حول الخطة الكلية للمؤسسة أو حول مبررات قرارات معينة. ولذلك يعتمد كلاهما في عمله كمدير على إشاعة جو من الشفافية مع المرءوسين. ربما يتحفظ هاني قليلا على تفصيلة تخص بعض الموظفين الذين لا يتمتعون بالنضج الكافي لإطلاعهم على بعض التفاصيل التي قد يكون إشاعتها مؤثرا بالسلب على المؤسسة في عالم الأعمال. ولكنه يؤكد أنه لا ينبغي للمدير أن يحكم على الموظف حكما واحدا وللأبد بل إن دوره هو تحسين كفاءته، ويضيف : " العلوم الإدارية تتحدث دائما عن التحكم ولكنها أيضا تتحدث عن دور المدير في تدريب وتحسين الكفاءة، ولذلك عدلت في الصيغ التي أقدمها في دورات الإدارة وقلت أن دور المدير ليس أن يتحكم أولا بل أن ينمي أولا وساعتها سيدير المدير فريقا من الأكفاء المبدعين لا يحتاج أن يتحكم فيهم بل أن يستمع إليهم ويتعاون معهم".


إدارة الإبداع

يتحمس هاني فوزي، مؤسس إحدى شركات الاستشارات والتدريب في مجال الإدارة، عند ذكر كلمة "الإبداع". يخرج من حقيبته مجموعة كتب حديثة تتحدث عن إدارة الصناعات الإبداعية. يتحدث عن كتب أحدث موضوعها هو تعميم تجربة إدارة هذه الصناعات لتصبح الإدارة نفسها إبداعية ومتمركزة حول مفهوم الإبداع.
يقول أن هذه المفاهيم لا زالت تتبلور في الولايات المتحدة وأوروبا ولذلك بالطبع نحن بعيدون عن مناقشتها :”عندما نتحدث عن إدارة إبداعية، فإن"المبدع" يحل محل "الموظف". يجب أن ينسى المديرون هوسهم بمواعيد ومكان العمل كلما أصبح ذلك ممكنا، يجب أن يكون الموظف على درجة عالية من التأهيل والكفاءة، ولديه مساحة حرية ليختار ويجرب، عادة ما يقايض المبدعون استقرارهم المهني وضمانات بقائهم بتقدير عال ومجز، لأن لديهم دائما طموح ورغبة في الانتقال عبر المستويات والتجارب المختلفة".
الأفكارالتجريبية عن الإدارة الإبداعية تقف في العالم الأول على أرض استقرار الإدارة بالأساس في كل مجالات الإعمال وتحاول الاستفادة من روح الإبداع، ولكن ربما يتعلق بهذه الروح نفسها مشاكل إدارية.
رضا فايز، مخرج ومنتج الأفلام الوثائقية انتقل من مؤسسات صحفية وإعلامية كبيرة إلى تأسيس شركة خاصة به لإنتاج الأفلام، وعندما بدأ في إدارة مشروعه وإدارة مبدعين ضمن فريق عمله بدأت تتضح له بعض الجوانب التي كان يراها بشكل مختلف بعض الشيء من الناحية الأخرى وهو مبدع يتعامل مع إدارة.
يقول رضا فايز: "في أي عمل عمل إبداعي، التوافق المطلوب بين أطرافه أعلى منه في مجالات أخرى ليخرج عمل جيد ومتناسق. ولكن في مواجهة ذلك هناك الحساسية الشخصية الزائدة عند كل مبدع. هناك مشاكل عند عديدين في الالتزام وفي تقبل النقد".
يحكي رضا عن نفسه أنه ترك بعض المؤسسات التي يعمل بها على أثر انتقاد لعمله، ويبرر ذلك بأن الإعلامي يختلف عن أي مهنة أخرى في أنه لا يملك إلا مجموعة من وجهات النظر، ولو حدث خلاف رآه يخدش تقدير مكان العمل لوجهات نظره فإن الاستمرار غالبا يكون صعبا.
"أي مبدع يعمل بطاقة ما يستمدها من التقدير بكافة أشكاله أو الحماسة للعمل" يرى رضا فايز أن هناك جانب عاطفي لا يمكن تجاهله، ويراه متداخلا في مسألة أخرى في مزاج الفنان الذي يرواح بين الرغبة في "علاقة رخوة" نوعا ما فيما يتعلق بالوقت والأطر المحددة للعمل وبين ضرورات الإنتاج التي تجعل من العمل ممكنا.
أخرج رضا أحد أفلامه متحررا بعض الشيء فيما يخص عامل الوقت بسبب العلاقة الودية بينه وبين المنتج، ولكنه الآن بعدما أصبح مديرا ومنتجا يعتقد أن الالتزام بإطار أكثر تحديدا هو الضروري، ولكنه يحاول أن يراعي أن يكون الإطار مرنا ويراعي الضرورات لكي لا يضحي بجودة العمل وفنيته وإن كان في حدود الإمكانات الإنتاجية المتاحة.
يعتقد رضا أيضا أن الظروف الإنتاجية الضاغطة ولهاث الجميع من أجل تحقيق عائد جيد يؤثر على جانب مهم من علاقة الرئيس والمرءوس تتعلق بتدريب وتعليم الكوادر الجديدة. ويضيف: "استفدت من بعض رؤسائي، ولكني افتقدت علاقة الأستاذ والتلميذ طوال عملي في الصحافة والإعلام. تأثرت بتعبير قرأته عن صلاح أبو سيف أنه كانت لديه شهوة تعليم الموهوبين الذين يلاحظهم. ولكن الآن قل لي أي مؤسسة في مجالات مستقرة ومربحة توفر إمكانات وتعطي براحا للناس من أجل تعليم وتدريب آخرين بشكل حقيقي؟".


سلطة بلدي

"يخني عجب !" هو التعبير الذي يلخص به د.أحمد عبد الله، الطبيب النفسي، رؤيته للنمط الغالب على أسلوب الإدارة والقيادة المصرية:”أساليب وشخصيات المديرين والقادة عندنا تحتوى على مؤثرات مختلفة، أو فلنقل أخلاط أو روائح أو لمسات من مصادر ومنابع مختلفة".
يتابع د. أحمد عبد الله الانتشار الكبير لدورات العلوم والمهارات الإدارية، الموجهة بالأساس للمؤسسات والشركات ذات الطابع الحديث والتي تكون في الغالب شركات أجنبية أو ذات علاقة بها. ويلاحظ ذلك المدير الذي يحاول أن يحاكي النموذج الغربي الذي يتعلمه ولكن اللمسات والروائح المميزة النابعة من أنماط القيادة المنتشرة في الثقافة تظهر بنسب مختلفة في "خلطة" كل مدير.
يقول د.أحمد عبد الله:”هناك نمط القائد العسكري. الذي يعني في مخيلتنا الضبط والربط. العلاقة بينه وبين مرءوسيه هي أمر وطاعة، ولا نقاش في الأمر. هذا النمط يبدو جذابا في مقابل حالة الفوضى والتفكك واللا نظام. وهناك نمط قريب منه وهو القائد الفرعوني الذي يرفع شعار:ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد. رؤيته وإلهامه فوق كل القواعد. وقريبا منهما هناك القائد الأب، كأنه كبير العائلة، يتدخل ويعاتب ويعاقب بأبوية. سلطته مصدرها أنه أدرى بالمصلحة ورؤيته لا يجب مراجعتها وإلا يعد عقوقا وخروجا عن الأدب".
في إدارة بعض التجمعات ذات الطابع الديني يلاحظ د. أحمد عبد الله منبعا آخر وهو نمط الشيخ الصوفي أو الأب المسيحي، صاحب السلطة الروحية والقداسة بدرجة أو أخرى. وبعيدا عن ذلك هناك نمط القائد البيروقراطي، وعندما يأتي إليه يقول أنه يفضل دائما الحديث عن هذا النمط من خلال النكتة التي يدخل فيها المواطن إلى جمعية لشراء دجاجة فيسألونه عن تفاصيل ما يريد بدقة ويحيله كل واحد إلى القسم المختص ليجوب المكان ويصعد ويهبط الأدوار وعندما يصل للمكان الذي يفترض أن يجد فيه طلبه يقول له المسئول بابتسامة:”مافيش عندنا فراخ! بس إيه رأيك في النظام؟". يرى د.أحمد في هذه النكتة تلخيصا لنمط المدير البيروقراطي الذي يهتم بتنفيذ اللوائح والقواعد واستيفاء الأوراق بدون اهتمام بهدف الإدارة أو علاقتها بحاجات الناس ومصالحهم. أخيرا يذكر د.أحمد نمط القائد الديمقراطي متسائلا إن كان موجودا حقا أو بنسبة يعتد بها.
لمسة من هنا ولمسة من هنا تشكل خلطة كل مدير وقائد، بحسب القيم والخبرات التي يتلقاها أثناء التربية والتعليم. وكذلك المرءوس يتربى ويتعلم على قبول لمسات معينة في أسلوب الإدارة بحسب تربيته وتعليمه، فينصاع لها ويتكيف معها و يرفض غيرها أو يتذمر منها.


مصدر الصورة
نشر في "الشروق" الخميس 28 يناير 2009
PDF

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق