الخصائص المميزة لحي المقطم تجعل من شبكة المجتمع المدني فيه واعدة و مترابطة ومتشابكة رغم اختلاف الأفكار والاتجاهات والأساليب، والتركيبة الاجتماعية تجعل صوته أقوى.
بعد انتهاء عرض الفيلم ومناقشته في نادي السينما الأسبوعي الذي ينظمه "منتدى المقطم" في مقر جمعية" تنمية البيئة بالمقطم"، وقفت سيدة تقول: هل سنسكت على مشروع افتتاح "كارفور إكسبريس" في ميدان النافورة بمدخل المقطم؟
دار حوار بينها وبين الحاضرين حول ذلك الافتتاح الذي يظن العديد من أهالي المقطم أنه سيؤدي إلى اختناق مروري في مدخل المنطقة. بعد أسابيع تشكلت لجنة تحت اسم "مقطم بلا زحام" وبدأوا بحث طرق الاحتجاج ضد افتتاح المشروع في هذا المكان.
يحكي زياد العليمى، المحامي والناشط وأحد أعضاء المنتدى، أن معظم أعضاء لجنة "مقطم بلا زحام" هم من رواد نادي السينما الذي ينظمه المنتدى منذ فبراير 2009: “فكرنا في نشاط عروض الأفلام ومناقشتها كبداية لنشاط المنتدى لأنه نشاط ممتع وجذاب ويمكن أن يثير اهتمام العديد من سكان المنطقة الذين يمكن أن يشتركوا في أنشطة أخرى ويطوروا المنتدى مثلما حدث في مبادرة لجنة "مقطم بلا زحام".”
في يناير الماضي بدأت اللجنة حملة ضد إنشاء كارفور في هذا المكان، ونظموا وقفة احتجاجية هناك وأعدوا عريضة احتجاج أرسلوها إلى الشركة الأم في فرنسا ووزعوا نشرة في المقاهي والتجمعات تدعو الأهالي للمشاركة في الاحتجاج، وقام بعض الأعضاء بمخاطبة المسئولين والنواب لمساندة المبادرة.
النشاط الذي يقوده شباب المنتدي وينطلق من مقر جمعية" تنمية البيئة بالمقطم" بعد فترة من الركود بالتأكيد يبهج د. شكري عازر، الطبيب والناشط السياسي اليساري: “الجمعية تأسست في أوئل التسعينات من ناشطين ميولهم مدنية ومهتمين بالعمل الاجتماعي من سكان حي المقطم. التيارات الدينية كانت نشطة جدا وقتها. ورغم بعض الصعوبات في الحصول على ترخيص الجمعية، إلا أننا تمكننا من الحصول عليها وشكلنا مجلس إدارة رأسه د.رفعت السعيد، رئيس حزب التجمع".
وقتها كانت التركيبة الاجتماعية أكثر تجانسا وأقل عددا، وكلها من طبقة متوسطة وما فوقها، ولديهم بعض الترف في الوقت والمال للاهتمام بعمل اجتماعي يهتم بشئون المنطقة. الطبيعة الجغرافية للمنطقة التي تقع فوق هضبة لها مداخل ومخارج قليلة شكلت أيضا مجتمعا مرسوم الحدود. وكان نشاط الجمعية الذي ركز على مشاكل المنطقة والتفاصيل اليومية لحياة أهلها جذابا لأهالي الحي الذين تفاعلوا معه بدرجة ما.
يحكي د.شكري عازر عن حماستهم وقتها: "كنت آخذ كاميرتي وأصور وأنتقل لمكان أي حادث أو شكوى، كنت مشرف نشرة "المقطم" التي تصدر شهريا من ورقتين فقط. كنا ننشر أخبارا وصورا ومقالات وشكاوى مع إعلان من راع يتحمل تكلفة العدد''.
يشير د. شكري عازر إلى أن طبيعة الطبقة التي شكلت السكان القدامي للمقطم ساعدت في تمويل الأنشطة الاجتماعية والخدمية والخيرية، نظرا لوجود عدد كبير من رجال الأعمال. من أعضاء ومؤسسي الجمعية هناك د. هاني عنان وهناك عائلات مثل آل سلام وخاطر يمولون ويساعدون بعض مشروعات الجمعيات أو يتطوعون لمساعدة أجهزة الدولة في تطوير الخدمات.
بمساعدة بعض الممولين وبنشاط من عدد محدود من مؤسسي الجمعية النشطين استمرت الجمعية في تناول مشكلات المقطم بل وتقديم مقترحات والقيام بمبادرات فعلية لحل هذه المشكلات.
يقول د. شكري عازر:”نظمنا قبل سنوات حملة نظافة تطوع فيها العديد من طلبة المدارس. وتناولنا مشكلات تآكل حواف الهضبة واستعنا بجيولوجيين ومهندسين من أهل المقطم تقدموا بمقترحات وحلول. وكذلك دعونا إلى إنشاء طريقين منفصلين، صاعد وهابط- إلى ومن المقطم بدلا من الطريق المزدوج الخطر حتى تم ذلك".
شيوخ وشباب
استمرت النشرة التي كانت محور أنشطة الجمعية بانتظام نسبي من 1993 حتى 2006 ثم توقفت. الأعضاء المؤسسين أصبحوا أكبر سنا وأقل حماسة وزادت أعباءهم ولم تتجدد العضوية في الجمعية. يقول د.شكري عازر أن ذلك حدث بسبب تشدد إدارة الجمعية في فترة في قبول عضوية الشباب بسبب الخوف من اختراقها من قبل التيارات الإسلامية وخاصة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى أن تقدير بعض الناس لنشاط الجمعية لا يعني بالضرورة استعدادهم للانخراط بأنفسهم فيها.
لا تزال الجمعية تقوم بأنشطة نمطية نوعا ما تنشط صيفا مثل دورات الكمبيوتر واللغات وتعليم بعض المهارات. ولكن النشاط بدأ يدب شتاء أيضا مع مجموعة الشباب التي انضمت إلى الجمعية وبدأت نادي السينما الأسبوعي مساء كل خميس ثم انطلقت منها مبادرة "مقطم بلا زحام" التي يبدو أن احتجاجها نجح حتى الآن في الضغط على الأجهزة الحكومية، فرفضت إدارة المرور إصدار ترخيص للمشروع رغم استكماله لكل التراخيص الأخرى.
على جانب آخر، هناك من له رأي آخر محايد نوعا ما في قضية إنشاء كارفور. فريق عمل جريدة "أخبار المقطم" الذين يقودون مبادرات تبدو قريبة في طبيعتها من مبادرات تنمية البيئة أوائل نشاطها. السمت الإسلامي واضح على فريق الجريدة وفي بعض جوانب الجريدة نفسها. الجريدة بالأساس مشروع هادف للربح ومرتكز أكثر على الإعلانات ومهتم بالجودة العالية للمطبوعة والتوزيع الواسع. تطبع الجريدة 10 آلاف نسخة شهريا وتوزعها مجانا وتقدم خدمة توصيلها للمنازل مقابل اشتراك سنوي.
يقول م. هاني محمود، المدير العام للجريدة: “كان هناك إصدار سابق من نفس الجريدة بدأ عام 2006 ولكن كان خطه هجوميا بعض الشيء في تناوله للمشاكل وكان ذلك يسبب خسارة العلاقات مع المسئولين وفي نفس الوقت نحن مطبوعة محدودة التأثير وليس لدينا أوراق قوية للضغط. الإصدار الجديد بدأ في سبتمبر 2009 وبدأ يهتم أكثر بأن يكون جذابا للقراء من خلال مواد خفيفة عن التكنولوجيا ومعلومات تهم الشباب والأسرة وننشر أيضا مشاركات القراء وحوارات مع رموز ومشاهير من سكان المقطم مع تقديم الخدمات الإعلانية لكل الأنشطة في حي المقطم. أما عن أخبار المقطم ومشاكله فنتناولهم بشكل هاديء وغير صدامي".
تحاول الجريدة التعاون والتشبيك مع الجمعيات النشطة في المقطم، كجزء من مهمتها الإخبارية وأيضا من أجل دعم مبادراتها وحملاتها.
في المقطم 155 جمعية أهلية، بحسب معلومات م.هاني محمود، هناك 25 منهم نشطون وتتعاون الجريدة معهم. معظم الجمعيات تتجه للأعمال الخيرية التقليدية خاصة الجمعيات ذات الطابع الديني، يؤكد م.هاني على ذلك ويقول أنهم يحاولون إقناع هذه الجمعيات بالاهتمام بأنواع أوسع من العمل الاجتماعي بدلا من التكرار: "هناك مثلا 20 دار أيتام في المقطم تفوق حاجة الحي، وأحيانا تجد في كل دار طفلين أو ثلاثة بسبب سوء التنسيق”.
بخلاف التيار الأكثر انتشارا في العمل الخيري هناك جمعيات تقدم أفكارا مختلفة في العمل الاجتماعي، مثل جمعية "فاتحة خير" التي كانت نشاطها الأساسي منح القروض متناهية الصغر لبدء مشروعات وأعمال صغيرة. والتي قام بعض أعضائها فيما بعد بإنشاء جمعية "ألوان وأوتار" التي تركز على تنمية مهارات أطفال الفقراء لزيادة فرصهم.
هايد بارك المقطم
تحاول الجريدة أيضا أن تقدم أفكار مبادرات خدمية مثل حملة "مقطم بلا قمامة" والتي قامت فيها بالتعاون مع الحي وهيئة النظافة والتجميل بنشر أرقام تليفونات متعدي النظافة لكل منطقة لكي يتمكن الأهالي من التواصل معهم إن لم يجدوهم، بالإضافة لأرقام خاصة باستقبال الشكاوى إذا لم يقم المتعهدون بمهمتهم. وفي الحملة الأخيرة "هايد بارك المقطم" أو "المقطم بلا كراكيب" تدعو الجريدة أهالي المقطم إلى التبرع بما لا يحتاجونه من الملابس والأثاث والأجهزة لبيعها بأسعار مخفضة في منطقة مساكن الزلزال، التي يسكنها شرائح أقل دخلا، وتخصيص دخلها لإنشاء حديقة عامة لأهالي المقطم.
في هذه الحملة يبدو تقاطع وتشبيك الجمعيات واضحا، فالجمعية التي تقدمت بطلب تخصيص أرض وتصريح لإنشاء حديقة هي جمعية "تبارك" بينما تشارك جمعيات"تنمية البيئة بالمقطم" و"خدمات المقطم" و"المقطم" بمجهود أعضائها في جمع "الكراكيب" ونقلها وبيعها.
فيما يخص قضية إنشاء كارفور كانت هناك محاولة أخرى للتشبيك وتقريب وجهات النظر المختلفة. فريق عمل "أخبار المقطم" كان رأيه أن يحدث تفاوض مع الشركة للوصول لحل مرضي. ودعوا رفعت السعيد بصفته رئيس جمعية "تنمية المقطم" القريبة من لجنة "مقطم بلا زحام" وباعتباره عضو في مجلس الشورى وقريب من المسئولين للقاء مع مسئول من شركة كارفور. يقول م.هاني محمود أن فريق "أخبار المقطم" حاول ترتيب الموعد لكن د.رفعت السعيد اعتذر عنه ومضى أعضاء “مقطم بلا زحام” في طريقهم ودعونا للاشتراك معهم لكننا رفضنا لأننا قررنا منذ البداية أن نكون بعيدا عن التحركات ذات الطابع السياسي وأن نقدم ما يتناسب مع حجم تأثيرنا.
يرى زياد العليمي أن هناك انتماء ما للحي وتجانس فيما يخص طريقة التفكير تتيح إمكانية كبيرة للتنسيق والتشبيك بين مختلف العاملين في المجتمع المدني رغم اختلاف التوجهات. يوضح أن معظم الجمعيات والمبادرات هي امتدادات لأخرى قديمة مستمرة، ومعظمها يتعاون ويشارك في أنشطة مشتركة يتحمس لها رجال أعمال وشباب ناشطون ومدونون.
الأجيال والأفكار الجديدة رغم اختلاف المزاج والاتجاهات تبدو مبشرة بشبكة مجتمع مدني واعدة فوق هضبة المقطم.
نشر في "الشروق" الأربعاء 14 يوليو 2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق